إعدام الصحافة 2

مصر العربية

فى موجة الصيف الشديدة تجد البسطاء ممن لا يقدرون على شراء أجهزة التكييف أو الذهاب إلى الساحل الشمالي أو الغردقة يذهبون إلى المصايف الرخيصة، يحاولون صناعة المرح لأولادهم بأى ثمن.

أما صاحبتنا الصحفية بجريدة اليوم السابع، والتي بالطبع لا يمكن أن تكتب تقريرًا بعنوان "ماذا فعل  السيسى للفقراء؟!" أو "الاعتقال العشوائى" أو "الاخفاء القسرى" أو "أمن الدولة ينتقم من شباب الثورة" لأن جريدتها لا يمكن أن تسمح بنشر مثل هذه التقارير.

 قررت أن تلتقط صورًا لبعض الكادحين والكادحات  من أبناء الشعب وهم يقضون بعض أوقاتهم التى يحاولون أن تكون سعيدة على شواطئ الاسكندرية.

التقطت صاحبتنا صورة لمحجبة فى البحر، وأخرى منتقبة، وصورًا لشباب لم تسمح لهم ظروفهم التعليمية أو المادية بمعرفة ما يسمى بالمايوه فارتدوا البوكسرات، وصور لبعض المخلفات على الشواطيء وكتبت تحتها "المصايف الشعبية فى مصر". ثم كتبت تقريرًا بعنوان "عشان ما تتفاجئش.. 10 مشاهد للست المصرية فى المصيف.. أهمها حلة المحشى والملاية الكاروهات والعوامة اللى بتتنفخ وساندوتشات الشاورمة والكفتة.. والدش فى الشارع".

ثم كشفت لنا أهم مظاهر المصايف الشعبية التى لا يمكن أن نعرفها إلا عن طريق مصادرها السرية (حلة المحشى، وابور الجاز، الملاية الكاروهات، تقلع إبنها ع البحر، ترمس الشاى، العوامة السودا اللى بتتنفخ، مايوه محجبات والبادى الأسود مع البنطلون وتنزل بيه البحر).

* لم تراع الصحفية ولا الجريدة التى تعمل بها خصوصية الناس، لأنهم ليسوا من أصحاب الوسائط الذين يمكنهم رفع دعوى لإغلاق الجريدة بعد التقاطها صورا لهم دون علمهم.

* لم تنتقد الصحفية المسؤولين عن انتشار القمامة فى شوارع الإسكندرية، ولم تتكلم عن عدم وجود عدد كاف من صناديق الزبالة ولكن حاولت أن تظهر الشعب على أنه زبالة.

* لم تقارن بين مصايف الأغنياء ومصايف الفقراء كى يلتفت النظام إلى هؤلاء الكادحين بدلا من توزيع الذهب على من سيحضر افتتاح قناة السويس، أو نشر القرود والدباديب والأنوار الرديئة فى ميدان التحرير والتى كلفت الحكومة ملايين. بل لامت الفقراء على أنهم فقراء!

* نجد نفس الجريدة تنشر خبرا بعنوان (ننشر شهادة وفاة عمر الشريف.. خانة الديانة مسلم) ولا أعلم ما هذا التطرف الفكري والتعصب الديني فى العنوان، فما دخلكم فى ديانة الناس؟! هل عمر الشريف داعية أم فنان؟!

* إذا بحثت فى نفس الجريدة ستجد فيديو بعنوان (علاء عبدالفتاح يأكل كباب وكفتة مع الإخوان فى قفص الاتهام).. فهل المطلوب منهم أن يأكلوا عدس حتى ترضى عنهم الجريدة؟! أعتقد أن الخبر لو كان بعنوان (غباء النظام يجمع بين شباب الثورة وقيادات الإخوان فى مائدة واحدة داخل السجون) سيكون محترما إلى حد ما، وممزوج  ببعض الشجاعة.

(2)
بعد ثورة 25 يناير مباشرة ظهر عدد من الصحف والشبكات الإخبارية، منها شبكة يقين الإخبارية التى تعد أكبر الشبكات الموثقة للأحداث، قرر مدير الشبكة "يحى خلف" أن يعمل بشكل رسمى وحصل على تصريح بالعمل، اعتمدت الشبكة فى أخبارها على الفيديو فقط، لذلك لا يمكن لأحد أن يتهمها بنشر أخبار كاذبة، خاصة أنها كانت حاضرة بقوة فى كل الفعاليات والمؤتمرات والتظاهرات بشتى انتمائتها الفكرية والسياسية دون تفرقة ودون تعليق منها على الفيديو، حتى أنها كانت الشبكة الوحيدة التى تغطى ندوات (علمانيون بلا حدود).

لم ترحم قوات الأمن الشبكة واقتحمتها مرات عديدة رغم التصريح لها بالعمل ورغم أنها لم تخالف القانون، اعتقلت مدير الشبكة "يحى خلف" ولفقت له تهما عجيبة، منها على سبيل المثال استخدام برامج ليست أصلية، (يعنى لو انت عندك برنامج فوتوشوب محمله من على موقع امسحه أحسن عشان هيقبضوا عليك) واتهموه أيضًا بنشر أخبار كاذبة مع أن الشبكة كما ذكرنا لا تعتمد فى مصادرها إلا على نشر الفيديو، اتهموه بالإنتماء لجماعة الإخوان مع أنه كان يتعامل بشكل رسمى مع كل مؤسسات الدولة وكان يُسمح للشبكة بدخول أماكن كوزارة الداخلية ومجلس الوزراء وغيرها لتغطية المؤتمرات الحكومية.

وإذا تسائلنا عن السبب الحقيقى للتضيق على شبكة يقين وصاحبها وتلفيق قضايا عبيطة لمدير الشبكة سنجد أن الشبكة لا تفرق بين أى فصيل فى التغطية، وهذا بالطبع يؤدى إلى نقل أصوات تتجنبها أبواق النظام كجبهة ثوار والاشتراكيين الثوريين وشباب 6 إبريل وغيرهم ممن لا يحب النظام أن تصل أصواتهم إلى الشعب.

(3)
نشرت صحيفة روزاليوسف تقريرا بعنوان ( قطار مبارك وتلاميذ مرسى.. ومركب الوراق) وأعتقد أنه لا يمكن لعاقل أن يقرأ هذا العنوان إلا ويلاحظ عدم احترام لعقلية القارئ، فإذا كنتم تعترفون بأن مبارك هو المسؤل عن حادثة القطار، وأن مرسى هو المسؤول عن حادثة الأطفال، فلماذا لم تحملوا السيسى مسؤولية حادثة مركب الوراق؟! أم أنكم تظنون أن من يحكمنا اسمه عبد الفتاح الوراق؟! ومن العجب أن أهل الصحافة تجد فيهم من يحمل مبارك مسؤلية قتل خالد سعيد، ويحمّل مرسى مسؤلية قتل جابر صلاح، ولكن عندما يتحدث عن كل الجرائم والدماء التى سالت أثناء حكم السيسى يحملها للإخوان!

(4)
بعدما صار اللامعقول يحكم بلدنا الحبيب وجدنا النظام الحالى يصدر قانونا إرهابيا يدّعى أنه يحارب الإرهاب، فنجد أن المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب تقضى بمعاقبة من ينشر أخبارا كاذبة تتعلق بالقوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية بالغرامة التى تتراوح بين 200 و 500 ألف جنيه، وهذا معناه ألّا يعتمد الصحفى فى مصادره سوى على أجهزة الأمن التى تكذب على الشعب ليلا ونهارا حتى يتجنب الاعتقال أو دفع نصف مليون جنيه.

فى الحقيقة لا أعتقد أن الإرهابى الذى يفجر موكب نائب عام أو يقتل عساكر الجيش المصرى ستمنعه مادة تعاقب من ينشر أخبارا كاذبة بدفع غرامة عن ممارسة الإرهاب، ولكن محاربة الإرهاب تحتاج لأجهزة أمنية تستطيع التفرقة بين الإرهابى والمتظاهر واللى ملوش فيها، تحتاج إلى ان تكف وزارة الداخلية وكل مؤسسات الدولة عن ظلم الناس واعتقالهم دون وجه حق لأن السجون تصنع إرهابا ينتقم من الجميع.

(5)
حصلت "مصر" على المركز الـ 159 فى حرية الصحافة من بين 180 دولة حسب منظمة "مراسلون بلا حدود" فى تقريرها السنوى، سبقتها العراق وفلسطين وباكستان، وهذا يكفى لمعرفة كيف تدنت حرية الصحافة وكيف يسعى النظام الحالى إلى إعدام الصحافة.



موضوعات متعلقة:

إعدام الصحافة 1

عن صحافتهم الحرة !


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة