التعذيب للجميع (الجزيرة) |
عندما تدخل قسم ثان مدينة نصر لا بد أن تسمع أصواتا تصرخ، و أخرى تتوسل إلى من يعذبها بأن يفعل بها ما يشاء ولكن (بلاش الكهربا) وأصواتا تسب وتلعن، يحدث هذا بشكل علني وكأنه شئ طبيعي، فلا بد أن أى محام أو صحافي دخل قسم ثان مدينة نصر قد سمع تلك الأصوات ولكن هل يجرؤ على أن يقول ما رآه أو سمعه؟!
كانت الكاميرا التي ضبطوني بها تزعج كل ضباط القسم، فما أن يراها ضابط إلا ويصب غضبه على وعلى الكاميرا. حينها تساءلت: ماذا لو ضبطوني بسلاح؟!
صعدت إلى الدور الثاني فى مكان يسمى (الثلاجة) ما زلت أذكر الدماء التي كانت على الجدران وقتها، مشهد يذكرك بالأفلام، ولكنها للأسف لم تكن أفلام. وقفنا أنا وأربعة طلاب ثم ازداد عددنا حتى وصل إلى 62 طالباً و14 طالبة.
جاء الزميل "أحمد سامح" مصور اليوم السابع حتى يلتقط لنا صورا بالتأكيد ستنشرها الجريدة على أننا إرهابيين، نظرت إلى الكاميرا وضحكت ( أليس هذا زميلى؟! ربما لم يرانى)
بعدها رأيت الطالبة "آيات حمادة" يسبها أحد الضباط لأنها طلبت أن تدخل إحدى زميلاتها دورة المياه. أتذكر أنه قال لها: لسنا فى مدرسة يا روح أمك!
أما عبد الرحمن الطيب البالغ من العمر 32 عاما والذي أصر على إكمال دراسته فكان طالبا بالفرقة الرابعة بكلية تجارة الأزهر، وعندما اعتقل بشكل عشوائى كان معه مبلغ 500 جنيه سرقه منه أحد أمناء الشرطة، ولكنه أصر على أن يسأل كل فترة عن ال 500 جنيه ومصيرها لأنه لا يملك سواها وسيشتري بها دواء لإبنته (كان يظن أنه سيعود إليها ولكنه حكم عليه بالسجن 5 سنوات ومثلها مراقبة أمنية) وقتها لم يرحمه أحد الضباط الذى ظل يصعقه بالعصا الكهربائية وهو يسأله: هل ترانا لصوصا يا إبن العاهرة؟!
أما "عمرو عبد العال، وعدى كمال، وأسامة زيد رئيس اتحاد كلية تجارة" فقد قتلت الشرطة رفيقهم "خالد الحداد" طالب الفرقة الثالثة بكلية تجارة، الذي كان وقتها يعيش معهم فى نفس المسكن، وعلموا أنه بمستشفى قريبة من الجامعة فقرروا الذهاب إليه ولكن الشرطة اعتقلتهم من أمام الجامعة، قبل أن يتمكنوا من رؤية زميلهم وهو يلتقط آخر أنفاسه، ونالوا أكبر كم من التعذيب عندما علمت الداخلية أن "أسامة زيد" رئيسا لإتحاد كلية التجارة بجامعة الأزهر.
أمرنا أحد الضباط الذي كان يشعر بالملل على حد قوله بأن نقف صفين. ففعلنا، مرّ بيننا ينظر إلى وجوهنا بغيظ وعندما كان يشير إلى أحدهم قائلا: هذا الولد ابن عاهرة. كانت الجنود تنهال عليه ضربا . ثم يأتي الدور على طالب آخر!
بعدها وثقوا أيدينا بالكلابشات الحديد كل إثنين معا، وأجلسونا على الأرض إلى آخر الليل وكانت الأعداد تتزايد حتى العاشرة مساء تقريبا. مع أن الاشتباكات كانت فى الصباح.
ثم أمرنا أحد الضباط بالوقوف فى مكان ضيق للغاية وأن نضع وجوهنا فى وجه الحائط وأن نلتصق ببعضنا البعض، حتى صرنا كالجسد الواحد وأن نقف فى حيز ضيق من المستحيل أن يتسع لهذا العدد ، وأمسك عصاه يضرب بها من هم فى آخر الصفوف فيضغطون بقوة على من يقف فى وجه الحائط، فمن فى وجه الحائط يختنق من التدافع ومن فى الخلف يتألم من ضرب العصا. ومن فى المنتصف أحيانا يُضرب بالعصا وأحيانا أخرى يُضرب من زملائه الذين يحاولون الهرب من العصا.
أثناء حفلة التعذيب إنضم إلينا الطالب "مراد عبدالحميد مراد" البالغ من العمر 17 عاماً وكان جسده ضخم، مما أغرى الضابط بأن يكمل سهرته مع مراد، فأمرنا ألا نتحرك، وعندما كان يحاول أحدهم الإعتدال كان يضرب مراد بالعصا والقدم ويقول ساخرا، قلت لكم لا تتحركوا، وهكذا قضينا باقي الليلة نشاهد مراد يتعذب وهو غير مصدق لما يحدث، إلى أن جاءت سيارة الترحيلات أنقذتنا من عذاب وقادتنا لعذاب آخر.
الغريب أن الداخلية كانت تعلم أن 90 % من هؤلاء الطلاب لم يرتكبوا جرما. ولكنها أصرت على تعذيبهم وعلى ضياع مستقبلهم، ولا أجد هنا أى فرق بين الداخلية و داعش فى الإرهاب، فالاثنان يعذبان ويقتلان من لا علاقة له بالصراع، حتى يتعظ من له علاقة بالصراع!