رسم أشرف "الاشتراكيون الثوريون" |
في ذكرى رحيل سيف المظلومين "أحمد سيف الإسلام حمد" سمعت كلمة مسجلة لابنه المعتقل "علاء عبد الفتاح" يحكى فيها أن والده كان مُصِرًا أن يحكى للناس عن فترة اعتقاله وتعذيبه حتى يعلم الناس ما يحدث خلف تلك الجدران.
وهذا ما دعاني للكتابة عن تجربتى مع زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان حتى يعلم الناس ما يدور فى السجون قبل الزيارة..
رأينا فى فيديو زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن العقرب تمثيلية زائفة، حيث المشويات، والوجبات الفاخرة، والأدوية، وكافيتريا لا توجد إلا فى الأحياء الراقية. أما المدعو حافظ أبو سعدة، فقد تذوق الطعام وتكيّف كمن شرب آخر نفس فى سيجارة حشيش. وظهرت على وجهه علامات الرضى والإعجاب ولسان حاله يقول: السجون حلوة أوى يا خال. أمال فين الناس اللي بتتعذب؟!
ورأينا سجناء جنائيين يرتدون زىّ المطبخ عشان اسم الله عليه "حافظ" ميزعلشِ ويشتكي من عدم ارتداء حفاظة المطبخ الصحية. خوفًا على صحة نزلاء فنادق الداخلية.
فى مصطلحات أبناء جيلنا الذى شاب فى شبابه يُطلَق على هذا النوع من التعريض كلمة "هري" وهذا هو الهري بعينه.
إليكم ما يحدث:
1- الزيارة لا تكون مفاجأة، ففي مارس الماضي استدعاني رئيس مباحث سجن أبى زعبل ليخبرني بزيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان، المفاجأة قبل الزيارة بحوالي 7 أيام، وأعتقد أنه كان يعلم ميعاد الزيارة قبل أن يعلمها المجلس القومى نفسه. اعمل نفسك متفاجئ وخلاص!
2- المعتقل الذي تسمح له وزارة الداخلية بالحديث مع المجلس القومي فى الغالب قد تعرض للتهديد حتى لا يحكي أى سلبيات، فقد تعرضت للتهديد فى مكتب رئيس المباحث، وقيل لى بالحرف الواحد أنهم سيلفقون لي قضايا أخرى لو تحدثت عن الانتهاكات التى حدثت داخل السجن.
3- أسبوع قبل الزيارة كافي جدًا لترتيب الأمور وجعل كل شئ على ما يرام، ففي يوم الزيارة كان ملعب السجن الذى لا نراه إلا أثناء ذهابنا لمقر المحاكمة قد جهزته الداخلية بشكل جيد ليقولوا أن هذا ملعب للمساجين، مع أنه ليس إلا ساحة انتظار جلسات المحاكمات أو الزيارة، كما أحضروا افطارًا وغذاءً، وهذا لا يحدث فى الأيام العادية، فكنا لا نحصل إلا على وجبة واحدة يوميًا، ولكن فى هذا اليوم الاستثنائي استلمت كل زنزانة نحو 10 علب جبنة وكان لا يسمح لنا سوى بثلاثة علب جبنة فى زنزانة عددها 40 شخص، بالإضافة إلى اللحمة والخضار والأرز والخبز الذى تم تجهيزهم بأعلى مستوى، بعدما كنا نغسل فول السجن بالماء قبل أكله حتى نحاول التخلص من السوس وبعدما كان العدس يمتلئ بالحشرات والخبز يمتزج بالزلط!
4- أما الأدوية فكانت ممنوع دخولها فى الزيارات كما أنه غير مسموح بدخول 90% من الطعام فلا يغرنك شكل المشويات التى تكيّف منها حافظ أبو سعدة، فما زلت أذكر أن كافيتريا السجن قد أغلقت فى وجه العنبر السياسى شهرًا كاملًا من أجل إذلال السياسيين، وحتى عندما فتحت كانوا يفرغون علب التونة فى أكياس بدعوى أننا نستخدم غطاء التونة كسلاح! وكانوا يتفننون فى إيذائنا.
5- الصحافة التي ترافق المجلس داخل السجون تأتمر بأمر الداخلية، ففي زيارة المجلس القومي كنت أشعر أننى نجم هوليوود من كثافة كاميرات الصحافة، ولكن مع هذا لا يمكن أن تجد فيديو واحد لهذه الزيارة قد تم نشره لأنى لم أقل ما يعجبهم، فأعتقد أني نجحت فى فضح جرائمهم. وهذا ما لا يريدوه وبالتالي لم يجرؤ أى مخلوق على نشر فيديو لهذه الزيارة على عكس ما حدث فى زيارة سجن العقرب.
6- لا أعتقد أن كل الناس يستطيعون التحدث فى وجه جلاديهم: فأثناء زيارتي التى انعقدت بمكتب مأمور السجن كانت قيادات الداخلية قد احتشدت فى المكتب بشكل مبالغ فيه، حتى أن الأستاذة راجية عمران والأستاذ جورج إسحاق والدكتور صلاح سلام والأستاذ محمد عبدالقدوس طلبوا من قيادات الداخلية الانسحاب من المكان ولكنهم رفضوا. وأصروا على أن أتحدث فى وجوهم، والحمد لله قلت للأعور أنت أعور فى وجهه. ولكن هناك من لا يمكنه أن يتجاوز هذا الحاجز.
7- المجلس لا يرى إلا ما تسمح به وزارة الداخلية: فقد طلبت من المجلس أن يستدعي الطالب علي قاعود الذي تعرض للتعذيب بشكل بشع، وعندما طلبوا ذلك ادّعت الداخلية أنها لا تعرف مكان الطالب، وقالوا أن جهاز الكمبيوتر قد تعرض لعطل لذا لا يمكن معرفة مكانه، بالإضافة إلى طلبي لهم بأن يطّلعوا على زنزانة التأديب، وأن ينقلوا للناس ما رأوه ولكنها كانت أحلام اليقظة، فأحد قيادات الداخلية قد انفعل وقال للمجلس: مش هتشوفوا التأديب لأنكم مجبتوش تصريح.
كما أن الأستاذة راجية عمران وقتها أخبرتني بأن الداخلية رفضت دخولها العنبر السياسي وسألتنى ماذا يجرى هناك؟! فأخبرتها بالتجهيزات التي أعدوها للزيارة.
8- رغم أن المجلس القومى لحقوق الإنسان رأى أثر الانتهاكات بعينه، إلا أن الطب الشرعي والنيابة قد انحازا للداخلية، فأصدر كل من الطب الشرعى والنيابة وقتها بيانان يفيدان بعدم وجود أى انتهاكات داخل سجن أبو زعبل، وأؤكد لكم أن هذان البيانان قد كُتبا دون تحقيق أو كشف على أى معتقل، فالنيابة لم تحقق والطب الشرعي لم يكشف على أحد.
9- لا يستفيد السجناء من زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان سوى يوم واحد من الدلع، كما أنه ليس دلع بنفس الدرجة التي يظهر بها الفنان الكوميدي حافظ أبوسعدة فى أفلامه، فأعتقد أن هذا الرجل لا يقدر على النوم فى غرفة بها أكثر من 40 شخص على البلاط، وأعتقد أنه ربما يصاب بالصرع إن دخل زنزانة التأذيب ساعة واحدة. وأعتقد أنه سيبكي كالطفل إذا دخل عليه ملثمون فى الشتاء وجردوه من ملابسه وأغطيته الشتوية كما يحدث فى السجون بشكل دورى فيما يعرف بـ "حملة التجريد".
***
"ما أشد برائتنا حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق، القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه".. محمود درويش
"ما أشد برائتنا حين نظن أن حافظ أبوسعدة وعاء للعدل والحق، فحافظ هنا وعاء للحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه".. أحمد جمال زيادة