تجارة البشر.. ومناضل يُدعى "ولد عبيدي"

ولد عبيدي وسط أنصاره




عندما ترى أو تسمع كلمة "الاستعباد" ربما يتسلل إلى خاطرك أنني سأتحدث عن الذين قرروا بأنفسهم أن يصيروا عبيدًا لأحد الرؤساء الذين لا يصلحون رؤساء لوحدة محلية، فيوافقونه في قراراته الخزعبلية، ويطبّلون على كلمة غير مفهومة يتفوه بها، أو ربما تظن أنني أقصد أولئك الذين لا يستخدمون عقولهم وصاروا عبيدًا لجماعة بعينها  فأحبوها أكثر من وطنهم ويسبون كل معارضيها، ويؤيدون كل قراراتها حتى لو كانت خاطئة، ويمدحون الفعل إن كانت جماعتهم هي الفاعلة، ويذمّونه إن كان الفاعل من غير جماعتهم.


الحكومة في موريتانيا تُشبه غيرها من الحكومات العربية المستبدة الرجعية، التي جعلت من شعوبها شعوبًا بائسة.

لكني أقصد في مقالي أولئك الذين لم يختاروا لأنفسهم أن يصيروا عبيدًا وأجبروا على الاستعباد في موريتانيا، وعن زعيم يستميت من أجل الدفاع عنهم، ربما لم تقرأ عنه من قبل، ولكن حان الوقت لتقرأ.

***
موريتانيا أو الجمهورية الإسلامية الموريتانية، هي دولة إفريقية عربية، تقع بجوار المغرب والجزائر. وهناك ما زالت عائلات كبيرة تستعبد بشرًا من أصحاب البشرة السمراء، فنصبوا أنفسهم أسيادًا عليهم وجعلوهم عبيدًا كالعبيد الذين قرأنا عنهم في كتب العصر الجاهلي.

والحكومة في موريتانيا تُشبه غيرها من الحكومات العربية المستبدة الرجعية، التي جعلت من شعوبها شعوبًا بائسة، فهي دائمًا تُناشد منتقدي العبودية في الخارج بعدم التدخل في الشئون الداخلية، وتطلب من العالم أن يصم آذانه عمّا يحدث في موريتانيا، على طريقة (عبيدنا ونحن أحرار فيهم)، أما من يتحدث عن الاستعباد والرق في الداخل ويناضل من أجل القضاء عليهما، فتُلقي به السلطات بين جدران السجون، وتطلق عليه ألسنة الإعلام الكاذبة وتجعل منه "برادعي" موريتاني.

ففي موريتانيا لا تتحدث عن العبودية، وفي مصر لا تتحدث عن الثورة والحرية، وفي الجزائر لا تذكر إسم بوتفليقة قبل أن تلحقها ب "فخامة الرئيس"، وفي السودان لا تعمل بمجال الصحافة، وفي السعودية والإمارات والكويت لا تتظاهر، وفي قطر لا تنتقد الحاكم، وفي الأردن لا تتحدث في السياسة، وفي البحرين لا تعمل في حقوق الإنسان، وفي فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن لا حول ولا قوة إلا بالله. بلادنا رائعة لكن لا تفعل ما ذكرته وإلا سُجنت.

***
قامت في موريتانيا انتفاضات شعبية ضد قوانين الرق والاستعباد، منها انتفاضة عام 1981، تحت الحكم العسكري، حيث اشتعلت انتفاضة سلمية قام بها "العبيد، والعبيد السابقين" بتحريض من مثقفين سُمر. فصدر حينها قانون بتجريم العبودية، وصدر آخر في 2007.

لكن ككل القوانين التي تصدر في الدول القمعية، لم يكن القانون السابق والحالي إلا حبرًا على ورق، فبقايا الاستعباد والرق في موريتانيا ما زالت مستمرة، وما زال هناك من يناضل من أجل القضاء عليها، ولم يعاقب حتى اﻵن أحد من كانوا يمارسون العبودية، والقوانين في موريتانيا تطبق على طبقة العبيد فقط، ولا تحاسب الأسياد ممن سيطروا على كل أجهزة الدولة والمناصب السيادية.

***
يوجد في موريتانيا عنصرين: "العرب، والزنوج"، ويتكون العرب من "البيض، والسمر" ويعنينا هنا "العرب السُّمر" الذين يُعرفون بـ "الحراطين" أي "المزارعين"،  وهؤلاء هم السكان الأصليين لموريتانيا وتم استعبادهم عبر تاريخ طويل، حسب روايات تاريخية.

والحراطين قسمين: أحدهما استعبد منذ القدم، والآخر لم يستعبد. لكن تعرض كلاهما  للتهميش والإفقار والإذلال والعزل والتمييز؛ حتى أن مئات منهم قد ماتوا جوعًا بكل ما تعنيه الكلمة.

***
العبيد لا يحق لهم امتلاك الأراضي، والبيض يفرضون عليهم إتاوات بدعوى أن الدين قد أمر بهذا، وأن العبودية موجودة في الشرع. فالرق في موريتانيا له أسباب عديدة، أهمها وأخطرها "التجارة بالدين" حيث ستجد بعض العبيد أنفسهم يؤمنون بأن عليهم أن يظلوا عبيد، لأن بعض رجال الدين قد أقنعوهم بأن الأحاديث والآيات القرآنية تفيد بأن الاستعباد أصل من أصول الدين، فرغم أن القوانين الموريتانية جرمت الرق والاستعباد، إلا أن هناك من يروج لها في منابر المساجد، وفي جانب مشرق و يستحق التوثيق هناك من يقاوم ويناضل من أجل القضاء على الاستعباد والرق، ولا يبال لتشويهه واتهامه بالعمالة لقوى خارجية وتكفيره.

***
 بيرام ولد عبيدي

بيرام الداه ولد عبيدي، مدافع عن حقوق الإنسان في موريتانيا، ينتمي إلى طبقة "الحراطين"  ونشأ في أسرة فقيرة عانت من الرق والاستعباد والفقر والتهميش، حصل  على الثانوية العامة في شعبة الآداب المزدوجة (اللغة الفرنسية) عام 1985، وسجل في كلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة نواكشوط، لكن دراسته فيها لم تنتظم لانشغاله بالعمل، ثم طُرد من الكلية عام 1992 لنشاطه البارز في الإضرابات والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، وحصل على شهادة المتريز في التاريخ الحديث.
وفي عام 2000 سجل في جامعة الشيخ أنتا جوب بداكار، وحصل على شهادة الدراسات المعمقة في التاريخ، ثم سجل للدراسات العليا في الكلية نفسها، لكن انشغاله بالنشاط الحقوقي ومقاومة الرق عطل حصوله على الدكتوراه.

حصل ولد أعبيدي على جائزة حقوقية من حكومة مدينة فايمار الألمانية في عام 2011، بسبب نشاطه المناهض للرق والاستعباد في موريتانيا.

وقد تبنى بيرام قضية "العبودية" في 2007، وكان في السابق ناشطًا في حركة "الحر" المدافعة عن شريحة "الرقيق"، وتمرّد بيرام على كل الأحزاب والحركات السياسية الموريتانية، واتهمها بأنها ترسخ الفوارق الطبقية، وتتجاهل المظالم التي يعاني منها "الحراطين"، كما أن له موقفًا بطوليًا من رجال الدين، ورجال الأعمال، وقادة الجيش، فلا يخشاهم كل هذه القوى ويصرخ في وجوهم مطالبًا بإنهاء الرق والاستعباد.

في عام 2008 أنشأ بيرام ولد عبيدي "الحركة الانعتاقية" المعروفة اختصارا بحركة "إيرا"، المُناهضة لنظام الرق والعبودية، واشتهر بين أبناء موريتانيا بأنه عالم بأحكام الفقه الإسلامي مما جعله يناضل ضد الرق، ويبطل  ادعاءات أنصار الرق بأن الدين الإسلامي لم يحرم الرق.

آمن ولد عبيدي بالنضال السلمي كوسيلة للقضاء على العبودية، وكشفت حركته "إيرا" أشكالًا متعددة من العبودية تمارس من العرب البيض ضدّ السٌّود، واستقلبه النظام الموريتاني بالتشويه المتعمد كما تفعل كل الأنظمة العربية مع المعارضين، وأصدر النظام شائعات بأن "بيرام" يعمل لمصلحة جهات أجنبية تريد تدمير البلاد، وبالمناسبة صدق كثير. فلدينا هنا ظاهرة ليست غريبة على مجتمعاتنا، شخص يناضل من أجل القضاء على العبودية فيُتّهم بالعمالة من نظام كاذب، ويصدق ذلك من يُناضل من أجلهم.

***
في يناير2011، صدر بحق ولد عبيدي وخمسة من أعضاء حركة "إيرا" أحكامًا بالسجن، بدعوى إهانتهم ضابط شرطة خلال مظاهرة نُظمَت ضد حالة الاسترقاق المنتشرة.

خرج من السجن ليكمل ما بدأه من نضال سلمي، وفي أبريل 2012،  قام بإحراق الكتب التي تدّعي أن الرق لا يحرمه الإسلام ووصفها بالكتب الزائفة، لكن احراقه الكتب جعل النظام يشن حربًا عليه ويزيد من شراسته في التشويه، واتهامه بهدم ثوابت الدين والخروج من الملة. واعتقل بيرام  وعدد من رموز حركته، بتهمة المساس بالمقدسات التي تبيح الاسترقاق، حسب رؤية الحركة.

وفي نوفمبر من عام 2014 تم اعتقاله وثلاثة من قادة الحركة، حيث كان على رأس قافلة حقوقية مناهضة للعبودية، بعد مواجهات عنيفة بين الأمن وأنصار حركة "إيرا" قرب قرية الشكارة عند مدخل روصو. ما أدى إلى إصابة عدة أشخاص من المتظاهرين ومن قوات الأمن. ووجهت له السلطات القضائية الموريتانية هو ورفاقه اتهامات بتزعم منظمة غير مرخصة وبزعزعة الاستقرار في البلاد، رغم أنه تقدم لترخيص منظمته في 2010 لكن الحكومة تجاهلت الطلب. حُكم عليه بالسجن عامين، وتم تأييد الحكم.

***
لم تتوقف حركة "إيرا" عن التظاهر من أجل زعيمها "بيرام" ونظمت فعاليات عديدة تطالب بالإفراج عنه؛ حتى أن المظاهرات كانت تصل إلى مقر حبسه في سجن نواكشوط المركزي، وبالطبع قابل الأمن الموريتاني كل المظاهرات المطالبة بالإفراج عنه بعنف شديد.

وفي مايو 2016، خرج بيرام من السجن مرفوعًا على الأعناق بعد أن قضت المحكمة بإلغاء قرار حبسه وقالت أن الحكم عليه جاء بناء على وقائع غير قانونية.

***
هل غير السجن فكرة النضال ضد الاستعباد؟

لم ينته نضال بيرام بعد، ولم يتوقف، ولكن سجنه مرات عديدة جعل شعبيته تزداد، حتى لو كان هناك من تأثروا بآراء شيوخهم في مسألة العبيد، إلا أن كثر من أبناء شعبه بينظرون له على أنه زعيم ومناضل يقاوم الظلم والاستعباد.
ورغم صعوبة النضال في موريتانيا، ورغم أن الحكومة تستغل أن وسائل الإعلام العالمي لا تسلط الضوء على ما يحدث في موريتانيا، فتزداد قمعًا على قمعها، خرج بيرام من السجن وكان أول ما قاله أنه سيواصل نضاله السلمي ويسعى ورفاقه لتخليص المظلومين من كافة شرائح المجتمع، ولن يتوقف إلا بعد أن يتوقف الاسترقاق ومحاكمة من استعبدوا الناس.

كانت لديه فرصة حوار مع السلطة والحصول على مكاسب شخصية بعد أن تلقى عروضًا من النظام الموريتاني للتفاهم، ولكنه رفض وقال أنه لن يكون طرفًا في أي حوار سياسي دعا له الرئيس وأنه لن يتوقف عن أي جهد سلمي لتخليص الشعب الموريتاني، من "السجن الكبير"، الذي وضعهم فيه الرئيس ولد عبد العزيز.

ومن ضمن ما قاله أن يؤمن تمامًا أن نضاله السلمي هو ورفاقه سيضع حدا لحالة "الجبروت والفرعنة" من قبل النظام الموريتاني على أبناء الشعب.


بيرام عبيدي يناضل من أجل فكرة لا من أجل بدلة ميري أو كرسي في برلمان، الأنظمة القمعية لا تدرك أن السجن يساعد في انتشار الأفكار التي يخشونها.

***
بيرام عبيدي سُجن وتم تشويه واتهم بالخيانة والعمالة، وحاربته سلطة بأكلمها، فهل انتهى ولد عبيدي بالسجن؟ لم ينته.
 لماذا؟

لأنه يناضل من أجل فكرة لا من أجل بدلة ميري أو كرسي في برلمان، الأنظمة القمعية لا تدرك أن السجن يساعد في انتشار الأفكار التي يخشونها.

مقالات مشابهة:

حق العودة إلى النوبة




"ونحن نشعر أن الخير الذي سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير؛ لأنه سيجمع شمل أبناء النوبة جميعًا على أساس من الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوى سليم؛ وبهذا تنتفي الشكوى التى كنتم تشعرون بها طوال السنين الماضية.. شكوى الانعزال، ثم شكوى تفرقة العائلة الواحدة.. أفرادها يعملون فى الشمال وبعضها يعملون فى الجنوب، سيقوم السيد كمال حسين ببحث جميع مطالبكم".
جزء من كلمة جمال عبد الناصر في أهل النوبة يناير 1960.


ناصر لم يحقق وعوده لأهالي النوبة، والسادات لم يوفر لهم مناطق تصلح للعيش وانشغل بإقامة مشاريع على أراضيهم.

ومن يومها لم يبحث السيد كمال مطالب النوبة، ولم يلتفت لها أي رئيس، لأن العقلية العسكرية لديها قناعة بأن أهالي النوبة يريدون الانفصال عن مصر.

***
قال صديق نوبي "نحن لا نريد الانفصال عن مصر، وليس علينا أن نثبت مصريتنا، لكن على من يتعمدون تهميشنا ويحرمونا حق العودة أن يثبتوا مصريتهم. لو تعلم حنين أجدادنا للعودة، لفهمت مشاعري التي ورثتها عنهم، جدّي يذهب باستمرار إلى مكان قريته القديمة وكأنها زيارة مقدسة، وجدتي ما زالت تحتفظ بمفتاح بيتنا القديم كما تحتفظ الفلسطينيات بمفاتيح بيوتهن أملًا في العودة".

***
يا شُرفاء
هذه الأرض لنا
الزرع فوقها لنا
وكل ما فيها بماضيها وآتيها لنا…
أحمد مطر

***
بعد تحرك القافلة ووصولها أول كمين شرطة بطريق أسوان - أبو سمبل، تم توقيف جميع سيارات القافلة وسحب الرخص من السائقين والبطاقات الشخصية للمشاركين وتصويرها، واستمرت هذه العملية ساعتين؛ في حين أن أي سيارة بها شخص غير أسمر كانت تمر من دون تلك الإجراءات التي كان يشرف عليها ضابط أمن وطني أو مخابرات، وطبعا الإجراء ده عمل بلبلة وقلق بين السائقين مما أدى إلى انسحاب بعضهم قبل دخول الكمين و ترك المشاركين بالشارع، بعد اجتياز الكمين و المرور بقرى منطقة "كركر" النوبية فوجئنا بوجود كمين متحرك يتكون من ضباط شرطة وأمن وطني و مخابرات، وقاموا بسحب بعض الرخص من السائقين و تغريمهم بمبلغ 3000 جنيه بسبب مشاركتهم في القافلة، وتوقيف المشاركين و منع تحركهم دون مبرر قانوني، بدعوى أن هناك أوامر عليا بعدم عبور النوبيين في طريق أسوان أبوسمبل، وعند اعتراض المشاركين، رد أحد اللواءات "اعتبروها بلطجة"، وعليه قرر المشاركين الاعتصام في المكان الذي تم توقيفهم فيه".

كانت هذه شهادة محمد عزمي أحد أبناء النوبة عما حدث لقافلة ممثلي النوبة أثناء ذهابهم للاحتجاج على انضمام الأراضى النوبية "نفرقندي" إلى مشروع المليون ونصف المليون فدان، وبيع أراضيهم التي لهم الأحقية فيها لمستثمرين.

***
سميت النوبة "بلاد الذهب"، عاش أهلها على ضفاف النيل لآلاف السنين، وتوالت عليهم عمليات التهجير القسري منذ بداية بناء سد أسوان والسد العالي، فبعد انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902، ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلى 106 أمتار فغرقت مساكنهم وأراضيهم الزراعية ونخيلهم وأشجارهم في 10 قرى نوبية هي "دابود، ودهميت، وأمبركاب، وكلابشة، وابوهور، ومرواو، وقرشة، وكشتمنة، شرق وغرب وجرف حسين، والدكة".

وفي 1912، ارتفع منسوب مياه الخزان إلى 114 مترًا، فغرقت 8 قرى، هي "قورتة، والعلاقي، والسيالة، والمحرقة، والمضيق، والسبوع، ووادي العرب، وشاترومة".

في 1933 بعد التعلية الثانية للخزان، غرقت 10 قرى نوبية أخرى، هي "المالكي، كروسكو، الريقة، أبو حنضل، الديوان، الدر، توماس وعافية، قتة، أبريم، جزيرة أبريم" بينما أضيرت 11 قرية نوبية وتدمرت بعض منازلها، فاضطر آلاف النوبة لمغادرة مساكنهم.

أصدرت الدولة حينها قانونًا خاصًا بنزع ملكية أهالي النوبة لأراضيهم، وتقدير التعويضات اللازمة لمواجهة كوارثهم العديدة.

وانتقل النوبيون إلى الجبال ليبنوا بيوتًا جديدة، كلفتهم أضعاف ما حصلوا عليه من تعويضات هزيلة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التى غرقت.

وفي عام 1964، بدأ بناء السد العالي، وبدأت الحكومة المصرية في تهجير النوبيين من أراضيهم ومنازلهم الواقعة على ضفتي النيل، وأصاب التهجير نحو 100 ألف نوبي، ونقل معظمهم إلى الهضبة بمركز نصر النوبة بعد أن كانوا يسكنون على ضفتي النهر، وعند انتقال النوبيين إلى قراهم الجديدة تفاجئوا بأن نحو 65% من منازلهم الجديدة التي نقلوا إليها غير مكتملة، واكتمالًا للظلم الذي عانوه اضطروا لتسكين أكثر من أسرة في منزل واحد صغير، ولم تتوقف المعاناة، فقد تعرضت عدة قرى لانقطاع مياه الشرب الدائم، ووجود صنبور مياه واحد لجميع أهالي القرية.

***
ناصر لم يحقق وعوده لأهالي النوبة، والسادات لم يوفر لهم مناطق تصلح للعيش وانشغل بإقامة مشاريع على أراضيهم وخصصها لرجل الأعمال كي يشيدون الفنادق والقرى السياحية على أراضي أهل النوبة الذين لم يجدوا حياة آدمية في غير أراضيهم. وفي عهد المخلوع حسني مبارك كان يتذكرهم فقط في المعارك الانتخابية المزورة، وما أحقر هؤلاء الذين يعتبرون الإنسان صوت انتخابي فقط.


نظام السيسي لا يؤمن بدستور أو قانون، لا لغة لديه سوى كيف يجمع المال من أجل أن يبقى أطول فترة حكم ممكنة.

زار جمال مبارك النوبة عام 2009، وأطلق وعودا بأن قضايا النوبة تقع ضمن أولويات الحكومة والحزب الوطني، فجمال الذي حلم بوراثة تكية أبيه، قال أن من يريد العودة إلى النوبة القديمة فليعد، وأن العودة ستكون مجانية ودون مقابل لأنها أراضيهم. ولم يعد أهل النوبة.

وبعد الثورة في سبتمبر 2011، نظم نوبيون اعتصامًا أمام مبنى محافظة أسوان، للمطالبة المتجددة في العودة إلى أراضيهم.

وفي عهد مرسي لم يختلف وضع أهلنا في النوبة، إن شئت قل لم يكمل مدته، أو فشل، لا يهم المهم أن شيئًا لم يتغير، غربة النوبة عن الوطن ما زالت مستمرة، وما زالوا في نظر أصحاب السلطة أصواتً انتخابية.

وفي عهد السيسي، بدأت الكارثة تزداد، فمن يملك أموالًا فقط هو من يحق له امتلاك أراضي النوبة رغم أن المادة 236 من الدستور المصري، نصت على أن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة ومنها الصعيد وسيناء ومناطق النوبة وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية لأولوية الاستفادة منها، وأن تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.

إلا أن نظام السيسي لا يؤمن بدستور أو قانون، لا لغة لديه سوى كيف يجمع المال من أجل أن يبقى أطول فترة حكم ممكنة.

أصدر عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2016، قرار رقم 355 لسنة 2016، والذي قضى بتخصيص 922 فدانًا مملوكين للدولة لمشروع تنمية توشكى، كما أنه أصدر سابقًا بقانون رقم 444 سنة 2014، بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية، والذي أقره البرلمان لاحقًا، وبموجبه تم تخصيص مساحات من الأراضي كمناطق عسكرية لا يجوز سكنها، وتضمنت هذه الأراضي 16 قرية نوبية.. فرأى أبناء النوبة أن حلمهم في العودة إلى ديارهم يتبخر وأن أراضيهم تُباع على المشاع، رغم أحقيتهم فيها، فقرروا الاعتصام بقرية "فورقند" النوبية بتوشكى، لكن السلطات المصرية منعت «قافلة العودة النوبية» من المرور، ومنعوا 25 سيارة محملة بمواد غذائية وخيام مخصصة للاعتصام من المرورعلى بعد قرابة 200 كيلومتر من قرية فورقند.

إن ما يحدث مع أهالينا في النوبة، هو اغتصاب لحقوقهم وأراضيهم على طريقة الاحتلال الصهيوني، فلا معنى لأن يطرد أحدهم من أرضه من أجل أن يحصل عليها رجال أعمال سوى هذا الوصف، وكالعادة انطلقت ألسنة المطبلاتية على أبناء النوبة لأنهم طالبوا بحقهم، وكما بعث السيسي في المسيحيين بابا الكنيسة وفي المسلمين شيخ الأزهر كي يصمتوا، أرسل في النوبة المشير "حسين طنطاوي" باعتباره أحد أبناء النوبة، محاولا إقناعهم بفض الاعتصام، بدلًا من محاولة حل مشاكلهم وإعادة الأرض إلى أصحابها.


إن ما يحدث مع أهالينا في النوبة، هو اغتصاب لحقوقهم وأراضيهم على طريقة الاحتلال الصهيوني.

ألم يقل عبد الفتاح السيسي من قبل أن والدته أوصته بألا يأخذ "حاجة حد"؟ وبناء على وصيتها باع تيران وصنافير للسعودية رغم مصريتهما؟ فلماذا لا يعيد أرض النوبة إلى أصحابها؟ لماذا يصر على أنها أرض حصل عليها بوضع اليد؟!

هم من يحتاجون العفو !



 


أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا بالعفو عن 82 سجينًا سياسيًا، بعد أن شكل لجنة من مخبرين بدرجة "نشطاء" فيما يطلق عليهم "لجنة عفو السيسي" التي شكلت عقب فعاليات المؤتمر الوطني الأول للشباب "السيساوي" بشرم الشيخ.

 
أم "سيف" كانت تظن أن رجال الأمن سيكتشفون الخطأ الذي حدث ولن يُحكم عليه، ولكن خاب ظنها. وضاع من عمر "سيف" 3 أعوام بسبب علبة كشري!

وبجملة المهازل المتكررة والضحك على خلق الله والاستهتار بعقول الناس سنجد أن القائمة ضمت "سناء سيف" التي خرجت فعليًا قبل العفو بيومين بعد انقضاء مدتها وحبسها ظلمًا لاتهامها بإهانة النيابة عندما قالت لهم الحقيقة في وجوههم "بما أن منظومة العدالة فقدت سيادتها على قراراتها والحياد والتزامها بتطبيق العدالة، والسلطة التنفيذية هي التي تدير الدولة، وأنا حدث معي تجربة شخصية تثبت هذا، وصدر ضدي حكم نهائي ظالم وسجنت عام و3 شهور وفي النهاية خرجت بقرار عفو من السلطة التنفيذية، بالتالي أرى أن التحقيق معي صوري وأرفض التعامل معه".. هكذا قالت سناء في وجه النيابة، فقضت في السجن 6 أشهر  وبهذا يكون السيسي قد حبسها 21 شهرًا من دون تهمة أو جريمة.

يتضمن عفو السيسي، 8 طلاب من جامعة الأزهر قد قُبض عليهم في 10 ديسمبر 2013، وحُكم عليهم بالسجن 3 أعوام وكان من المفترض أن يُفرج عنهم في 10 ديسمبر المقبل، كما ضمت القائمة 4 سجناء ستنتهي مدة الحكم عليهم في أول يناير.

بشكل شخصي أعرف بعض قصص من تم العفو عنهم كاملة، وذلك بحُكم قضائي معهم 17 شهرًا في سجن أبو زعبل ومنهم:

عبد القادر زايد عبد القادر
- صباح الخير يا عبد القادر، استعين بالله وركز في أول امتحان ليك، احنا كلنا فخورين انك دخلت كلية هندسة وواثقين فيك أوي يا ابني.

كانت هذه آخر كلمات سمعها عبد القادر من أبيه الفلاح البسيط الذي دفع كل ما يملك من أجل أن يصير ابنه الوحيد مهندسًا.

عبد القادر الذي كان يبلغ من العمر 18 عامًا لحظة القبض عليه، وبلغ 21 عامًا بعد الإفراج عنه بعفو السيسي، لا علاقة له بالسياسة من قريب ولا من بعيد، حتى أنني كنت أحكي له عن أشياء بديهية فكان يعلن دهشته منها، لم يتمكن عبد القادر من أداء أول امتحان له في كلية الهندسة بجامعة الأزهر، وقبض عليه يوم 28 ديسمبر 2013، من جامعة الأزهر، وحكم عليه بالسجن 7 أعوام والمراقبة 5 أعوام، كما أنه لم يؤدّ أي امتحان له منذ 3 أعوام.

عندما كنت أحاول إقناعه بتأدية الامتحانات وهو سجين كي لا يضيع عمره، كان يخبرني بأنه من غير المعقول أن يترك أبيه يزرع الأرض وحيدًا ويأتي  إلى القاهرة كي يحصل على مجرد ورقة، كان يقول أن المهندس يجب أن يتواجد في كل المحاضرات وأن يدرس الهندسة، لا أن يؤدي امتحانات فقط فيتخرج جاهلًا. ضاع من عمر عبد القادر 3 سنوات بتهمة اللا شيء!

سيف الدين عبد الحليم سلمان
يحب الشيخ محمد متولي الشعراوي، ويتمنى أن يصير مثله، يقلد حركاته أحيانًا، كان يتمنى أن يكون إمامًا في إحدى مساجد أوروبا بعد أن يتخرج من كلية أصول الدين، هذه أمنيته، في نفس اليوم الذي قُبض فيه على عبد القادر، كان سيف في طريقه لشراء علبة كشري من أمام جامعة الأزهر قبل أن يبدأ الامتحان في كلية الدراسات الإسلامية، وقبض عليه متلبسًا بعلبة كشري، "اوعى ياجدع انت وهو" هكذا قال سيف لمن قبضوا عليه لأنهم لا يرتدون زيًا عسكري، فظن أنهم يريدون علبة الكشري.

تبدو القصة مُضحكة إلى حد ما لكنها موجعة، فـ سيف لديه أم عجوز، كانت تتحمل عبء زيارته كل 15 يومًا، هو وأخيه الصغير الذي قبض عليه بسبب مشاركته في تظاهرة تطالب بالإفراج عنه، كان سيف دائمًا يشعر بالذنب عندما تأتي أمه محملة بأشياء ثقيلة تكفيه 15 يومًا، وكانت أمه تظن أن رجال الأمن سيكتشفون الخطأ الذي حدث ولن يُحكم عليه، ولكن خاب ظنها. وضاع من عمر "سيف" 3 أعوام بسبب علبة كشري!

حسين السوسي
هذا الفتى، قُبض عليّ عندما كنت أوثق اللحظة التي كانت قوات الأمن تسحله وتلقي القبض عليه بشكل عشوائي بالفيديو، كنت أظن أنني سأنجو بفعلتي، ونجوت بعد عام ونصف. وأصابه هو العفو بعد 3 أعوام.

 
يظن النظام أن الناس أغبياء، ولا يدري أنهم يعلمون ما يحدث ولكن الناس منهم الخائف، ومنهم المنافق.

حسين وجد حشودًا من العساكر تجري نحوه وانهالت عليه ضربًا وعاقبته على ما لا يفهمه حتى الآن، هو فقط كان ذاهبًا إلى الجامعة، ومن الواضح أن قوات الأمن في يوم 28 ديسمبر 2013، كانت لديها نية واضحة في الانتقام من طلبة الأزهر نظرًا للتظاهرات المستمرة التي تجري داخل الجامعة. لا يهم هل شارك هذا في المظاهرة أم لا، المهم أنه طالب بجامعة الأزهر وأن الرسالة ستصل للطلاب، "من خرج متظاهرًا عاد سجينًا".

***
نتحدث عن طلاب ضاعت أعمارهم ظُلمًا، ولم يرتكبوا جرمًا سوى الجري وراء مستقبلهم في وطن ضاعت فيه المواطنة، وقلنا سابقًا وما زلنا نردد، أن عبد الفتاح السيسي فشل كما لم يفشل رئيس من قبل، وللأسف مستقبل هؤلاء الطلاب والشباب بالنسبة له ولمن يحكمون البلاد بقوة السلاح ليس إلا ورقة يلعبون بها وقت "الزنقة"، ففي ظل تلك الإخفاقات يخرج النظام ليحنو على الشعب، قائلًا "ها أنا النظام العادل المبهج أعلن العفو عن 82 سجينًا سياسيًا"، نصفهم اقترب من انقضاء مدة الحكم.

على النظام الحالي أن يدرك أننا ندرك، بأن الإفراج عن عشرات أو مئات ليس إنجازًا، هناك نحو 60 ألف سجينًا سياسيًا يقبعون خلف جدران السجون، حتى لو تم الإفراج عنهم لا يعد إنجاز. فلماذا تم القبض عليهم من البداية؟

يظن النظام أن الناس أغبياء، ولا يدري أنهم يعلمون ما يحدث ولكن الناس منهم الخائف، ومنهم المنافق، ومنهم الذي لا يعنيه الأمر، ولا يهمه سوى رغيف العيش.

***
صدعونا ليلًا ونهارًا بتهمة "إهانة القضاء"، فعندما ينتقد أحدهم القضاة يحاكم ويسجن، وكأن القضاة مقدسين،  فـ "أحمد دومة" حُكم عليه بالسجن 3 أعوام بتهمة إهانة القضاء من مجموع أحكام 31 سنة سجن، وعلاء عبد الفتاح يحاكم بتهمة إهانة القضاء، وكل من يتلفظ بكلمة على القضاء يوضع في السجن.

ولعل أكبر إهانة توجه للقضاء هو عدم اعتراف السيسي ولجنة عفوه بعدل القضاء، وحتى نتحرى الدقة "القضاء السياسي" فمنذ صرنا نسمع عن قاضي إعدامات، وقاضي مؤبدات، علمنا أن لكل قاضي دور يؤديه، ولعل ما يُسمى بالعفو عن السجناء السياسين هو اعتراف رسمي بغياب العدل وبفساد منظومة القضاء، فالقضاء يظلم، والسيسي الملك العادل يعلن عن عفوه.

 
السيسي ولجنته هم من يحتاجون إلى عفو، فمن ظلم ومن قتل ومن سجن وقمع هو الذي يحتاج إلى عفو.

***
للأسف صار من يتحكم في أمورنا هم من يكرهوننا ويكرهون الثورة ولا يحبون إلا النظام الذي وجدوا مصلحتهم معه، ومنهم "نشوى الحوفي" التي ردحت لنا على صفحتها بموقع "فيسبوك" قائلة: "على بلاطة كده، مفيش إفراج عن دومة وعلاء وماهر وعادل، وفي حقيقة الأمر إن كل السجناء الذين يشبهون دومة وعادل وعلاء وماهر لا يحتاجون إلى عفو السيسي، ولكن السيسي ولجنته هم من يحتاجون إلى عفو، فمن ظلم ومن قتل ومن سجن وقمع هو الذي يحتاج إلى عفو. والحرية حق، وليست منحة.

حاربوا الفقر.. أو الفقراء !

كاريكاتير "الاشتراكيون الثوريون"

مصر العربية

"إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد ؟".. كونفوشيوس

***

ظنّ عبد الفتاح السيسي أن "التكية" التي يحكمها، يمكن أن تتحول إلى دولة بشعارات وهمية، وأغاني هابطة، وكتيبتين إلكترونيتين بقيادة "إبراهيم الجارحي"، وبجريدة اليوم السابع التي يديرها "........." الشهير، وقنوات يقودها مخبرون، وبرامج يقدمها مخبرون، ومقالات يكتبها مخبرون.

لم يدرك أن الفقراء الذين رقصوا على أبواب اللجان الانتخابية الزائفة على نغمات تسلم الأيادي المزعجة لم يرقصوا حبًا في نور عينيه، ولكنهم رقصوا من أجل استقرار وعدهم به، ورخاء اقتصادي وهمي لطالما انتظروه كثيرًا فلم يأتِ، وربما رقصوا لأن بعض رجاله  كانوا يوزعون أموالًا أمام اللجان.

اعتمد السيسي في صناعة شعبيته على عنصرين أساسيين: "بدلته العسكرية، وسذاجة من سحب من تحتهم كرسي الحكم فسقطوا".

وبعد تجهيل متعمد من وسائل الإعلام، ما زال هناك من يؤمن بأن مصر تحتاج إلى رجل عسكري. وما زالت جماعة الإخوان تقع في نفس الأخطاء المتكررة المتشابهة في سذاجتها.

سانده الجيش، واحتضنت السجون جماعة الإخوان، ورغم ذلك لم ينجح؛ فشل كما لم يفشل رئيس من قبل. وبعد وصول المخبول "دونالد ترامب" لحكم أمريكا، لم يعد أمام السيسي حلٌ سوى النجاح، فلا يمكنه الآن الادعاء بأن هناك مؤامرة أمريكية، لأن بينه وبين ترامب كيميا وحب وصداقة، حتى أن إعلام السيسي احتفل بنجاح ترامب. صارت كل المبرارت غير مقبولة؛ "لا مظاهرات، لا مؤامرات أمريكية" فعليه أن يقدم شيئًا غير الفشل لحفظ ماء الوجه.

تسلم السيسي كرسي الحكم، وسعر الدولار حينها كان يساوي 7.05 جنيه، ورغم تصريحه مرات عديد بأن الدولار لن يرتفع سعره، وبأن الجنيه سيظل أسدًا في عرينه، ثابتًا كثبات أبي الهول؛ وصل سعر الدولار في البنوك حتى كتابة هذه الكلمات حوالي 17 جنيه. أي أن الدولار ارتفع في عامين فقط من حكم السيسي أكثر من ارتفاعه في عهود فاروق وناصر والسادات ومبارك ومرسي والمجلس العسكري.

***
* انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا ايه؟

* أنا لا يمكن أرفع الدعم عن الفقراء؛ وقسمًا بالله مش هرفعه غير لما أخليهم أغنياء.

* لن يحدث أي ارتفاع في أسعار المواد الغذائية حتى لو ارتفع سعر الدولار، والدولار مش هيرتفع ولا حاجة.

* أحب أقول للتجار اللي مخزنين السلع تخلصوا منها عشان الجيش هيتدخل ويرخّص الأسعار.

* عينيا على الإنسان المصرى البسيط اللى ظروفه صعبة؛ ولن يحدث تصعيد فى أسعار السلع الأساسية.

ثم تبدلت الأحوال، وتغير الخطاب إلى:

* هنجوع؟ ما نجوع ايه المشكلة يعني؟.

* لو كل واحد صبّح على مصر بجنيه هنجمع 4 مليار جنيه.

* لو سمحتم أنا عايز الفكة دي.

* والله العظيم؛ والله العظيم؛ قعدت 10 سنين ثلاجتى كان فيها ميه بس ومحدش سمع صوتى.

"الشعب لا بد أن يكون فقيرًا،الفقراء يدخلون الجنة" - عادل إمام

***

انطلقت دعوات مجهولة المصدر، لعمل ثورة فقراء في 11/11،  بالنسبة لي لم تكن الدعوة واضحة، لكن صحفة على موقع "فيسبوك" تحمل اسم "حركة غلابة" يملكها شخص يُدعى "ياسر العمدة"، نصب نفسه زعيمًا للغلابة، وأصدر بيانًا من تركيا جاء فيه أن من مطالب الثورة "اعتقال رموز الإجرام والفساد الذين يمتلكون أكثر من "75" تريليون جنيه من أموال الشعب"، نعلم جيدَا أن هناك فساد متغلغل في الدولة، ولكن زعيم الغلابة الذي يجلس في تركيا امتلك قلمًا ليكتب أرقام دون دراسة أو دليل "تشغيل ٢٧٥ منجم ذهب هيجيبوا في العام الأول ٤٠٠ مليار دولار، حد أقصى 5000 جنيه، هنوزع على كل شاب 10 فدادين، 3000 جنيه لكل أسرة بدون عائل، 1500 جنيه لكل شاب عاطل" وهكذا ظل يبدع في أرقام خيالية.

بدأ أحمد موسى، الإعلامي بدرجة مخبر، الحديث عن هذه الدعوة قبل ميعادها بنحو شهرين، واستمر يوميًا في الحديث عنها وعن المخططات الإرهابية في هذا اليوم، وانتهج إعلام المخبرين نهج موسى في الحديث عن 11/11، حتى تحدث عن الدعوة أكثر مما تحدث عنها "ياسر العمدة" مدير صفحة "حركة غلابة" التي بالمناسبة هي الصفحة الأقل من حيث العدد بالنسبة لباقي الصفحات التي حملت نفس الاسم ويديرها أمناء شرطة.

لم يُكذّب الإخوان خبرًا، ورغم أنهم يعلمون أن الدعوة مجهولة المصدر، وأنه من المستحيل أن يكون الشخص الذي يدعى "ياسر العمدة" هو من جعل الدعوة تنتشر بين الناس بهذا الشكل، إلا أنهم ظنوا أن لون الأرض سيختفي من كثرة الناس التي ستخرج غاضبة، وأن الغلابة سيخرجون بلا عودة، فحمل الإخوان صور مرسي وشارات رابعة، وتظاهروا في القرى، ولم يحتشد الغلابة، وظل الجميع ينتظر ماذا سيحدث، فلم يحدث أي شئ.

***
لماذا تحدث إعلام النظام عن 11/11 وصورها على أنها طوفان غاضب؟

- الاحتفال بانتصار وهمي، وبأن الدولة التي روجت للدعوة نجحت في إحباطها.

- محاولة تشويه كل القوى المدنية وربطها بجماعة الإخوان؟ حتى أننا رأينا أحمد موسى ينشر "تغريدة" زائفة للدكتور محمد البرادعي يدعو فيها المواطنين لحمل السلاح ومقاومة سلطة العسكر في 11/11، وطبعًا سيصدق هؤلاء الذين لا يستطيعون تصفح الإنترنت، من الفقراء والعواجيز، ومن غير المتعلمين.

- تشويه الحركات السياسية التي لم يتوقف الإعلام يومًا عن تشويهها، فوجدنا أن حركة شباب 6 أبريل زُج باسمها في كل دعوات التظاهر، رغم إعلانها عدم النزول.

- الداخلية كعادتها ادعت أنها أحبطت مؤامرات إرهابية، وقبضت على خلايا كانت تخطط لإحداث فوضى في البلاد.

- نشر حالة استسلام للقمع، وإحباط عام، وتهديد صريح للفقراء، هل تسمعون صوت المدرعات في كل مكان؟ هل ترون قوتنا؟ لن يقدر أحد على التظاهر فالزموا بيوتكم. أو الزموا السجون التي بيناها. (20 سجن بعد ثورة يناير).. إنهم يمتلكون أموالًا لبناء مزيد من السجون، لكنهم لا يستطيعون إطعام الفقراء.

- رئيس الوزراء استغل البالونة التي فرقعها الإعلام، وقال أن الناس يحبون النظام، وأنهم لو كانوا غاضبون من القرارات الاقتصادية لاستجابوا للدعوات، كما قال أحمد عز قبل ثورة يناير "لو كان المواطن مكبوت كان نزل الشارع، إنما هو منزلش الشارع".

- تمرير ارتفاع الأسعار غير المسبوق في كل أساسيات الحياة، وثبات المرتبات وارتفاع سعر الدولار، وتعويم الجنيه، وانعدام السلع، ورفع الدعم، وقرض صندوق النقد الدولي الذي سيغرق البلاد في مزيد من الغلاء والفقر.

- تمرير قانون الخدمة المدنية الذي يمكنه الإطاحة بـ5 ملايين عامل.

***
ليس معنى امتناع الفقراء عن الاحتشاد أنهم راضون عما يحدث لهم، فشعبية السيسي قد انخفضت بنسبة كبيرة، إن لم تكن قد انعدمت؛ ومن لم يدرك أن الفقراء قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في لحظة غير معلومة، عليه أن يحشر نفسه في "ميكروباص" ويستمع إلى حديث الرُكاب، وسيعلم أن أحاديثهم الممزوجة بغضب وسخط لم تخلُ من "ثلاجة السيسي، ولبن الأطفال الذي احتكره الجيش، وكل الكوارث التي زادتهم فقرًا على فقرهم" ويسمع حكاوي من كانوا يومًا في طبقة تدعى "الطبقة الوسطى" وانضموا مؤخرًا إلى الطبقة الكادحة، وسيجد بينهم من استغنى عن الأساسيات من أجل أن يبقى على قيد الحياة.

 الفقراء لم يتظاهروا في الشوارع لأسباب عديدة منها:

- ما زال هناك من لديه بقايا الأمل ويتعلق بوعود النظام الزائفة في خلق الاستقرار، الذي بدوره سينتشلهم من بحار الفقر، ولأن لديهم قناعة آمنوا بها نظرًا لتكرارها في وسائل الإعلام، وهي أن المظاهرات تؤدي لمزيد من الفوضى والفقر.

-  يعلمون جيدًا أن الرصاص الحي سيخترق أجسادهم، وأن من يحتشد في الشوارع سيُضرب بالنار والحديد،  أو يُلقى به في نار السجون، إن لم يختف قسريًا.

- الفقراء لديهم ريبة في الدعوة والهدف منها وكيف انتشرت بهذا الشكل؟ وسمعت كثيرًا عن نظرية المؤامرة بين زبائن الميكروباصات بما أنها وسيلة المواصلات المفضلة لدي (رغم أنفي).

- يعلمون جيدًا أن هناك من سيستتغل الحشد، وسيرفع صور مرسي أو رابعة كما حدث بالفعل، وفي حقيقة الأمر من يخرج رافعًا صورة مرسي (مع احترامي لكامل حقوقه في التظاهر) لا يهمه فقراء ولا يحزنون.

- كثيرون من ينامون من دون عشاء، لا أموال لديهم سوى ما يكفيهم يومًا بيوم، ولو تركوا عملهم سيموتون جوعًا.
- إنعدام الثقة في بديل لهذا النظام؟ (وبعد ما نشيله؟).

***

للأسف هذا النظام القمعي الذي لم ينجح سوى في نشر الفقر وبناء السجون، سيتخذ إجراءات عديدة مؤلمة للشعب بعد هذا اليوم الذي صنعه وأفشله بنفسه.

مزيدًا من الأزمات الاقتصادية الطاحنة ستُتّخذ بدعوى أن الناس لم يعترضوا وأنهم يتحملون من أجل مصر. فانتظروا مزيدًا من الفقر، ومزيدًا من السجون الجديدة، وقمع لا حد له.

"الفقر هو أسوأ أشكال العنف".. مهاتما غاندي

على النظام الحالي أن يدرك أن الفقر يصنع الجريمة والانتقام، وأن الفقراء لن يتحملوا كثيرًا، والصمت لن يدوم، وعليه ألا يطمئن كثيرًا، وليعلم جيدًا أن نظامًا لم يحارب الفقر؛ سيضطر لمحاربة الفقراء.

خطاب حاكم المريخ.. جوعوا فإن ثلاجتي



اجتمع رئيس كوكب المريخ ببعض شباب الكوكب الذين لم يكن بينهم معارضًا واحدًا؛ وألقى عليهم هذا الخطاب:

"عائلتي غنية جدًا، ولكننا نعيش على المياه فقط تضامنًا مع الفقراء، ربما لا تصدقوني، وربما تصدقوني، ولكن عليكم أن تصدقوني؟.. عائلتي لا تحب المحسوبية ولا المفهومية، حتى أن الناس يقولون علينا أعداء الواسطة، أقصد بالناس هنا عساكر الكوكب؛ هكذا يقولون أمامنا..

 
عائلتي غنية جدًا، ولكننا نعيش على المياه فقط تضامنًا مع الفقراء، ربما لا تصدقوني، وربما تصدقوني، ولكن عليكم أن تصدقوني؟

يظن البعض، وبعض الظن إثم، أننا حصلنا على المناصب لأننا العائلة الحاكمة للكوكب؛ أنا مستاء من كونهم يسيئون بنا الظن دائمًا.. هم يظنون أن ابني الأكبر الذي كان يعمل سابقًا في القوات المسلحة، حصل على رتبة ضابط مقدم بالرقابة الإدارية لأنني أبيه، لا سمح الله لقد وصل إلى هذا المكان بمجهوده، فلماذا لا يجتهد الأشرار مثله بدلًا من أن يحرضون الناس ضد رئيسهم لأن ابنه مقدم بالرقابة الإدارية، على الناس أن يجتهدوا وعلينا أيضًا أن نجتهد، وسنرى من الذي سينتصر.

قالوا أن ابني الثاني رائدًا بالمخابرات العامة، وظنوا أن هذا له علاقة بأنني كنت رئيسًا للمخابرات، وتناسوا ما قلته سابقًا، إننا عائلة لا تحب الواسطة ولا المحسوبية، وكون ابني رائدًا في المخابرات لا يدل إلا على ذكائه الخارق وتفوقه، حتى أنني أشعر بأنه يشبهني كثيرًا في كل تصرفاته، أتمنى له التوفيق والنجاح وأتمنى ألا يلتفت لهؤلاء المحبطين من العوام الذي يحقدون على حكامهم، ولا يعلمون أننا نتعب كثيرًا من أجل أن تبقى الدولة.

 
أيها الشعب: دعوني أسألكم سؤالًا ذكيًا لم يخطر على بالكم؛ لو كنت قد توسطت بالفعل لابني الأكبر وابني الأوسط، فلماذا لم أتوسط لابني الأصغر؟

أيها الشعب: دعوني أسألكم سؤالًا ذكيًا لم يخطر على بالكم؛ لو كنت قد توسطت بالفعل لابني الأكبر وابني الأوسط، فلماذا لم أتوسط لابني الأصغر وهو الولد الذي يستحق الدلال والمحبة الكاملة لأنه الأصغر، فابني الأصغر لم يحصل على أي مناصب إدارية في كوكب المريخ، فحصل على وظيفة متواضعة جدًا لا علاقة لي بها، إنه مستشار إعلامي لعدة قنوات يملكها رجل أعمال شهير، لكن والله العظيم (3 مرات) لا علاقة لي بحصوله على هذا المنصب.

لقد كان يحلم بالعمل في الإعلام والاستحواذ عليه، فجاء رجل من أقصى الرأسمالية يسعى، يدعمني ويسافر معي، ويحشد كائنات فضائية ليؤيدوني ويرفعون رأسي أمام الكواكب الأخرى، وقال له سأشتري قنوات إعلامية تدعم الرئيس وجرائد ورقية تدعم الرئيس، وستكون أنت المستشار لتلك القنوات، ليس لأنك ابن الرئيس؛ لا سمح الله، ولكن لأنك ابن الزعيم؛ وهناك فرق بين هذا وذاك؛ لا أعلم ما هو، لكني أعلم أن ابني الصغير يملك من الكفاءة ما يجعله مستشارًا إعلاميًا، حتى أن رجل الأعمال توسّل إلينا كي يجعله مستشارًا في قنواته الإعلامية التي وجدت من أجل بقائنا في الحكم؛ وبقائه خارج السجن. إنني أؤمن أن الحرب إعلامية، وأنّ على الناس أن يعلموا كل شئ؛ في حدود ما نسمح لهم بمعرفته.

انتوا بتعذبوني إن أنا جيت هنا ولا إيه؟ فأنا أتفّهم تمامًا أن يظن الناس أني توسطت لأولادي الثلاثة، ولكن لم أتفهّم أبدًا عندما يقولوا أن ابنة أختي تعمل بالنيابة الإدارية وأن هذا دليل على الواسطة، وما ذنبي؟ أنا أصلًا لا أعلم ما دور النيابة الإدارية، ولكني أحبها، ولا أعلم لما أحبها؟. ثم تقولون أني طردت ابنة أحد المستشارين المسئولين عن ملف الفساد لأنني أكره والدها ولأنه يكشف الفساد؟ ميصحش كده! بالعكس يا شعبي، لقد خشيت عليها منكم، لأني أعلم جيدًا أنكم تحبوني وربما تنتقمون ممن يحاولون تشويهي، لذا عليكم أن تتحملون ما لا يمكن تحمّله من أجل أن أبقى وتبقوا ببقائي، ولا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم!

 
أريد أن أخبركم أن أحد أبناء عمي، مدير عام بالشركة القابضة للكهرباء، بعيدًا عن المجال العسكري تمامًا، ولا علاقة له بالجيش.

أريد أن أخبركم أن أحد أبناء عمي، مدير عام بالشركة القابضة للكهرباء، بعيدًا عن المجال العسكري تمامًا، ولا علاقة له بالجيش، ولا بالشرطة ولا بالقضاء ولا بالنيابة؟ قلت لكم أننا لا نحب المحسوبية! وابن أخي يعمل وكيلًا للنائب العام، لكني أؤكد لكم أنه لا علاقة لي بكل هذه الصدف العجيبة؟ أفلا تؤمنون بالقدر؟!

لي شقيق حصل على منصب رئيس لجنة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، أُحبه جدًا فهو ضحى بوقته من أجل أن يحارب الإرهاب معي، ويغسل الأموال معي، وأنا أثق تمامًا أنه لم يحصل على هذا المنصب إلا لقدرته الفائقة في الغسيل.

أما "حما" ابنتي، يا سبحان الله فؤجئت بأنه محافظًا لإحدى المحافظات من دون أن يخبرني، آه والله، رغم أننا زملاء.

وطبعًا "حما" ابني هو اﻵخر كان رئيس أركان بالجيش، ويجب أن تعلموا أني قلت "كان" حتى تعلموا أن زمن التوريث انتهى.

ولكني طبعًا لا أحب الواسطة ولا المفهومية ولا المحسوبية وأميل إلى أطباق المهلبية!

أريد أن أخبركم أيها الشعب الغاضب الجائع الذي يشتكي من كل شئ، أن ثلاجتي كانت خاوية منذ 10 أعوام إلا من الماء، ولم أفتح فمي، أتعلمون لماذا لم أفتح فمي؟ لأننا لا نحب أن نأكل الطعام ونتركه في الثلاجة، هناك طعام طازج يطبخه بعض عساكر الجيش ليلًا ونهارًا من أجل أسرتي.

 
أريد أن أخبركم أيها الشعب الغاضب الجائع الذي يشتكي من كل شئ، أن ثلاجتي كانت خاوية منذ 10 أعوام إلا من الماء!

لا أدري لِمَ أنتم غاضبون؟ ما المشكلة أن يختفي السكر ، اشربوا الشاي بلا سكر، وأنصحكم بألا تشربوا الشاي خوفًا على صحتكم لأن شاي الفقراء ممزوج بنشارة الخشب، ما المشكلة لو اختفى الأرز؟ استبدلوه بمكرونة، وأنصحكم ألا تأكلوا المكرونة لأنها تؤدي إلى السمنة، وفي الحقيقة ربما تختفي.

 لا تغضبوا أبدًا، ألم تفهموا أني قلت أن ثلاجتي كانت خاوية؟

تشتكون أني رفعت الدعم؟ ولم تحمدوا الله أني لم أرفعكم مثلما فعل من قبلي.

 هل تريدون الحصول على الخدمات مجانًا؟ لا تقولوا أنكم تدفعون أموال الدعم من ضرائبكم، لأن هذا واجبكم تجاه الوطن؛ الذي يخدم الحكومة؛ التي تخدمني.

أرجوكم، توقفوا عن حرق أنفسكم في الشوارع، فثلاجتي كانت خاوية.

لا تتحدثوا عن الدولار وارتفاع سعره، لأننا شعب أصيل لا يجب أن نتحدث عن الغرباء. فثلاجتي كانت خاوية ولم أفتح فمي.

وأخيرًا: "يحيا كوكب المريخ 3 مرات. وثلاجتي كانت خاوية".

موضوعات متعلقة:

خطاب السيسى الموزون 1

خطاب السيسي الموزون 2

خطاب السيسي الموزون 3