أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا بالعفو عن 82 سجينًا سياسيًا، بعد أن شكل لجنة من مخبرين بدرجة "نشطاء" فيما يطلق عليهم "لجنة عفو السيسي" التي شكلت عقب فعاليات المؤتمر الوطني الأول للشباب "السيساوي" بشرم الشيخ.
أم "سيف" كانت تظن أن رجال الأمن سيكتشفون الخطأ الذي حدث ولن يُحكم عليه، ولكن خاب ظنها. وضاع من عمر "سيف" 3 أعوام بسبب علبة كشري!
وبجملة المهازل المتكررة والضحك على خلق الله والاستهتار بعقول الناس سنجد أن القائمة ضمت "سناء سيف" التي خرجت فعليًا قبل العفو بيومين بعد انقضاء مدتها وحبسها ظلمًا لاتهامها بإهانة النيابة عندما قالت لهم الحقيقة في وجوههم "بما أن منظومة العدالة فقدت سيادتها على قراراتها والحياد والتزامها بتطبيق العدالة، والسلطة التنفيذية هي التي تدير الدولة، وأنا حدث معي تجربة شخصية تثبت هذا، وصدر ضدي حكم نهائي ظالم وسجنت عام و3 شهور وفي النهاية خرجت بقرار عفو من السلطة التنفيذية، بالتالي أرى أن التحقيق معي صوري وأرفض التعامل معه".. هكذا قالت سناء في وجه النيابة، فقضت في السجن 6 أشهر وبهذا يكون السيسي قد حبسها 21 شهرًا من دون تهمة أو جريمة.
يتضمن عفو السيسي، 8 طلاب من جامعة الأزهر قد قُبض عليهم في 10 ديسمبر 2013، وحُكم عليهم بالسجن 3 أعوام وكان من المفترض أن يُفرج عنهم في 10 ديسمبر المقبل، كما ضمت القائمة 4 سجناء ستنتهي مدة الحكم عليهم في أول يناير.
بشكل شخصي أعرف بعض قصص من تم العفو عنهم كاملة، وذلك بحُكم قضائي معهم 17 شهرًا في سجن أبو زعبل ومنهم:
عبد القادر زايد عبد القادر
- صباح الخير يا عبد القادر، استعين بالله وركز في أول امتحان ليك، احنا كلنا فخورين انك دخلت كلية هندسة وواثقين فيك أوي يا ابني.
كانت هذه آخر كلمات سمعها عبد القادر من أبيه الفلاح البسيط الذي دفع كل ما يملك من أجل أن يصير ابنه الوحيد مهندسًا.
عبد القادر الذي كان يبلغ من العمر 18 عامًا لحظة القبض عليه، وبلغ 21 عامًا بعد الإفراج عنه بعفو السيسي، لا علاقة له بالسياسة من قريب ولا من بعيد، حتى أنني كنت أحكي له عن أشياء بديهية فكان يعلن دهشته منها، لم يتمكن عبد القادر من أداء أول امتحان له في كلية الهندسة بجامعة الأزهر، وقبض عليه يوم 28 ديسمبر 2013، من جامعة الأزهر، وحكم عليه بالسجن 7 أعوام والمراقبة 5 أعوام، كما أنه لم يؤدّ أي امتحان له منذ 3 أعوام.
عندما كنت أحاول إقناعه بتأدية الامتحانات وهو سجين كي لا يضيع عمره، كان يخبرني بأنه من غير المعقول أن يترك أبيه يزرع الأرض وحيدًا ويأتي إلى القاهرة كي يحصل على مجرد ورقة، كان يقول أن المهندس يجب أن يتواجد في كل المحاضرات وأن يدرس الهندسة، لا أن يؤدي امتحانات فقط فيتخرج جاهلًا. ضاع من عمر عبد القادر 3 سنوات بتهمة اللا شيء!
سيف الدين عبد الحليم سلمان
يحب الشيخ محمد متولي الشعراوي، ويتمنى أن يصير مثله، يقلد حركاته أحيانًا، كان يتمنى أن يكون إمامًا في إحدى مساجد أوروبا بعد أن يتخرج من كلية أصول الدين، هذه أمنيته، في نفس اليوم الذي قُبض فيه على عبد القادر، كان سيف في طريقه لشراء علبة كشري من أمام جامعة الأزهر قبل أن يبدأ الامتحان في كلية الدراسات الإسلامية، وقبض عليه متلبسًا بعلبة كشري، "اوعى ياجدع انت وهو" هكذا قال سيف لمن قبضوا عليه لأنهم لا يرتدون زيًا عسكري، فظن أنهم يريدون علبة الكشري.
تبدو القصة مُضحكة إلى حد ما لكنها موجعة، فـ سيف لديه أم عجوز، كانت تتحمل عبء زيارته كل 15 يومًا، هو وأخيه الصغير الذي قبض عليه بسبب مشاركته في تظاهرة تطالب بالإفراج عنه، كان سيف دائمًا يشعر بالذنب عندما تأتي أمه محملة بأشياء ثقيلة تكفيه 15 يومًا، وكانت أمه تظن أن رجال الأمن سيكتشفون الخطأ الذي حدث ولن يُحكم عليه، ولكن خاب ظنها. وضاع من عمر "سيف" 3 أعوام بسبب علبة كشري!
حسين السوسي
هذا الفتى، قُبض عليّ عندما كنت أوثق اللحظة التي كانت قوات الأمن تسحله وتلقي القبض عليه بشكل عشوائي بالفيديو، كنت أظن أنني سأنجو بفعلتي، ونجوت بعد عام ونصف. وأصابه هو العفو بعد 3 أعوام.
يظن النظام أن الناس أغبياء، ولا يدري أنهم يعلمون ما يحدث ولكن الناس منهم الخائف، ومنهم المنافق.
حسين وجد حشودًا من العساكر تجري نحوه وانهالت عليه ضربًا وعاقبته على ما لا يفهمه حتى الآن، هو فقط كان ذاهبًا إلى الجامعة، ومن الواضح أن قوات الأمن في يوم 28 ديسمبر 2013، كانت لديها نية واضحة في الانتقام من طلبة الأزهر نظرًا للتظاهرات المستمرة التي تجري داخل الجامعة. لا يهم هل شارك هذا في المظاهرة أم لا، المهم أنه طالب بجامعة الأزهر وأن الرسالة ستصل للطلاب، "من خرج متظاهرًا عاد سجينًا".
***
نتحدث عن طلاب ضاعت أعمارهم ظُلمًا، ولم يرتكبوا جرمًا سوى الجري وراء مستقبلهم في وطن ضاعت فيه المواطنة، وقلنا سابقًا وما زلنا نردد، أن عبد الفتاح السيسي فشل كما لم يفشل رئيس من قبل، وللأسف مستقبل هؤلاء الطلاب والشباب بالنسبة له ولمن يحكمون البلاد بقوة السلاح ليس إلا ورقة يلعبون بها وقت "الزنقة"، ففي ظل تلك الإخفاقات يخرج النظام ليحنو على الشعب، قائلًا "ها أنا النظام العادل المبهج أعلن العفو عن 82 سجينًا سياسيًا"، نصفهم اقترب من انقضاء مدة الحكم.
على النظام الحالي أن يدرك أننا ندرك، بأن الإفراج عن عشرات أو مئات ليس إنجازًا، هناك نحو 60 ألف سجينًا سياسيًا يقبعون خلف جدران السجون، حتى لو تم الإفراج عنهم لا يعد إنجاز. فلماذا تم القبض عليهم من البداية؟
يظن النظام أن الناس أغبياء، ولا يدري أنهم يعلمون ما يحدث ولكن الناس منهم الخائف، ومنهم المنافق، ومنهم الذي لا يعنيه الأمر، ولا يهمه سوى رغيف العيش.
***
صدعونا ليلًا ونهارًا بتهمة "إهانة القضاء"، فعندما ينتقد أحدهم القضاة يحاكم ويسجن، وكأن القضاة مقدسين، فـ "أحمد دومة" حُكم عليه بالسجن 3 أعوام بتهمة إهانة القضاء من مجموع أحكام 31 سنة سجن، وعلاء عبد الفتاح يحاكم بتهمة إهانة القضاء، وكل من يتلفظ بكلمة على القضاء يوضع في السجن.
ولعل أكبر إهانة توجه للقضاء هو عدم اعتراف السيسي ولجنة عفوه بعدل القضاء، وحتى نتحرى الدقة "القضاء السياسي" فمنذ صرنا نسمع عن قاضي إعدامات، وقاضي مؤبدات، علمنا أن لكل قاضي دور يؤديه، ولعل ما يُسمى بالعفو عن السجناء السياسين هو اعتراف رسمي بغياب العدل وبفساد منظومة القضاء، فالقضاء يظلم، والسيسي الملك العادل يعلن عن عفوه.
السيسي ولجنته هم من يحتاجون إلى عفو، فمن ظلم ومن قتل ومن سجن وقمع هو الذي يحتاج إلى عفو.
***
للأسف صار من يتحكم في أمورنا هم من يكرهوننا ويكرهون الثورة ولا يحبون إلا النظام الذي وجدوا مصلحتهم معه، ومنهم "نشوى الحوفي" التي ردحت لنا على صفحتها بموقع "فيسبوك" قائلة: "على بلاطة كده، مفيش إفراج عن دومة وعلاء وماهر وعادل، وفي حقيقة الأمر إن كل السجناء الذين يشبهون دومة وعادل وعلاء وماهر لا يحتاجون إلى عفو السيسي، ولكن السيسي ولجنته هم من يحتاجون إلى عفو، فمن ظلم ومن قتل ومن سجن وقمع هو الذي يحتاج إلى عفو. والحرية حق، وليست منحة.