توثيقًا للكذب

توثيقًا للكذب


(1)
تعرضت لضربٍ ترك على جسدي علامات في سجن أبو زعبل، مارس 2015، بعدها دخلت "زنزانة التأديب لمدة أسبوع".

زارني حينها "المجلس القومي لحقوق الإنسان" وخلعت ثيابي أمام د. صلاح سلام، عضو نقابة الأطباء، "عضو نقابة الأطباء، وأمام طبيب السجن برتية "رقيب"، فتأكد "القومي" من علامات ضربٍ على جسدي، وكان هناك طالبًا يدعى علي قاعود.. أخبرت "الوفد الحقوقي" حنيها أنه قد تعرض للتعذيب؛ فطلب المجلس من قيادات الداخلية إحضاره، لكن اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام، وكان حينها مساعدًا لحقوق الإنسان، أخبرهم بأن جهاز الكمبيوتر "بايظ" ولا نعلم أين علي قاعود؟ "كانوا قد أخفوا علي في مكان مجهول لأن جسده كان ممتلئًا بعلامات التعذيب".

أصدر القومي بيانًا يفيد بوجود تعذيب في سجن أبو زعبل، فظهر اللواء أبو بكر، في وسائل الإعلام ليعلن أن علامات الضرب التي كانت على جسدي "وحمة قديمة".
ما علينا.
(2)

19 مايو 2015
كان يوم من أيام الإمتحانات في جامعة عين شمس، كلية الهندسة، فوجئ طلاب لجنة 260، بالفرقة الرابعة، قسم الكهرباء، بدخول شخص مجهول بصحبة أحد موظفي الكلية؛ ليسأل عن الطالب "إسلام صلاح الدين عطيتو"، ليأمره بالذهاب إلى شئون الطلاب بعد انتهاء الامتحان؛ ولكن الشخص المجهول اصطحبه إلى مكان مجهول، لينضم "عطيتو" إلى المختفين قسريًا، وفي صباح اليوم التالي،  كان "عطيتو" قد انضم إلى الموتى. بعدما اختطفته قوات الأمن.

لم يجد سيادة اللواء أبو بكر عبد الكريم، غضاضة في أن يعلن للرأي العام بأن "عطيتو" قد قتل بعد تبادل إطلاق النيران مع قوات الأمن، حيث أنه منتمي إلى جماعة إرهابية. كما نفى ذهاب "عطيتو" إلى الجامعة من الأساس أو اختطافه منها. لكن أحد أساتذته قدم دليلًا للنيابة على أن عطيتو حضر إلى الجامعة وأدى الإمتحان وأن اسمه قد تم تسجيله مع من أدوا امتحاناتهم في صباح يوم اختطافه.
(3)
دائمًا يعلن اللواء أبو بكر عبد الكريم، بأنه لا يوجد إخفاء قسري، وأن أهالي من قدموا بلاغات تفيد باختفائهم؛ وأنهم يعلموا أماكنهم، كما يعلن أن بعض المختفين قد انضموا لـ "داعش"، ويطالب من يروجون ادعاءات بالإخفاء القسري بإثبات صحتها وتقديم الدليل. فهيا بنا نقدم بعض الأدلة:

* لعل قصة "إسراء الطويل، وعمر علي، وصهيب سعد" تعدّ أشهر قصص الإخفاء القسري، فقد اختطفوا من الشارع في 1 يونيو 2015، وأنكر اللواء أبو بكر، حينها احتجازهم في أي مقرات تابعة للأمن؛ واتهم إسراء بأنها تدعي الإختفاء من أجل تشويه وزارة الداخلية؛ وبعد 18 يومًا أثبتت الأيام أن إسراء وصديقاها محتجزين لدى وزارة الداخلية بشكل غير قانوني. لكن سيادة اللواء لم يعلق على ظهورهم في مقرات الأمن، وكأن شيئًا لم يكن، لكنه صرّح  فيما بعد أن إسراء متهمة بمحاولة رصد قيادات الدولة وتصويرهم.

* إسلام خليل، ظل مختفيًا لمدة 122 يوم، بعدما قبض عليه من منزله بطنطا، وحرر له محضرًا يفيد بالقبض عليه في مدينة نصر، وظهر في الإسكندرية متهمًا بمحاولة اقتحام سجن برج العرب. فعلينا أن نتساءل؛ ما هي نوعية القنابل الفتاكة التي كانت بحوزته في أثناء محاولة إقتحام السجن؟ لا شيء في حوزته!

ظهر معه "إبراهيم إسماعيل سيد، أشرف محمود صبري، عبد الرحمن عاطف، محمد رضا عبد العزيز" في نفس القضية، وجميعهم لم يلتقوا إلا في السجن.

* في نوفمبر 2015، غرقت الإسكندرية في مياه الأمطار، فتعرضت الحكومة لانتقادات واسعة بعد خراب بيوت بعض السكندريين بسبب عدم استعدادها للأمطار، فأعلنت وزارة الداخلية حينها أنها تمكنت من القبض على خلية إرهابية متورطة في سد المصارف ومواسير الصرف الصحي، وإتلاف صناديق القمامة.

الأمر لم يكن مضحكًا. فبيان الداخلية حينها قد كشف عن مكان 17 شخصًا من المختفين قسريًا، كانت أهاليهم قد تقدمت ببلاغات تفيد بإخفائهم قسريًا. الأكثر غرابة أن هؤلاء الـ17 شخصًا قد غرقت الإسكندرية في أثناء فترة اختفائهم.

* في 27 يوليو 2015 تقدم بعض الأهالي بشكوى للنائب العام تفيد باختفاء "يحي عاطف فراج، ووالده عاطف فراج" فطلبت النيابة من قسم منشاة ناصر، التحري عن الواقعة، وجاء رد القسم في 26 نوفمبر بأنهما قد قبض عليهما عن طريق الأمن الوطني، ولكن المحضر كتب فيه أنهما قد أُلقي القبض عليهما بتاريخ 3 يناير 2016، أي بعد 6 أشهر من اختفائهما قسريًا.. "هذه الشهادة أدلى بها المحامي الحقوقي حليم حنيش".

* شريف العفيفي، اختطفته قوات الأمن من منزله ب "الجيزة" أمام أعين الناس في 26 نوفمبر الماضي. بحثت أمه عنه في كل أقسام الشرطة بمحافظة الجيزة، من دون فائدة؛ تقدمت بعشرات الشكاوى لمكتب النائب العام؛ لكن من دون رد. أخيرًا ظهر شريف في أمن الدولة بأكتوبر؛ متهمًا بالانتماء لجماعة. الطريف أن تدويناته توضح أنه لا يحب الجماعة!

* محمد حمدان، بني سويف، اختفي في 10 يناير 2016، وظهر في 25 يناير مقتولًا برصاص الداخلية، وكان أهله قد تقدموا ببلاغات للنائب العام تفيد باختفاء بعد إلقاء القبض عليه من منزله. فأعلن اللواء أبو بكر، حينها أنه قد قتل في تبادل لإطلاق النيران بينه وبين قوات الأمن.

* رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات 340 حالة إخفاء قسري في عام 2015، ظهر منهم 200 حالة "هذا ما رصدته المفوضية فقط"

(4)
في أغسطس 2015، اتصل ب "أحمد موسى" على قناة صدى البلد، ليعلن أن الوزارة لن تفض تظاهرات أمناء الشرطة المطالبين بتحسين أوضاعهم في الشرقية، وقال أنهم أولاد الوزارة. أغلق سماعة الهاتف؛ وبعدها بدقائق نزلت قنابل الغاز المسيل للدموع كالمطر على أمناء الشرطة لتفض اعتصامهم بالقوة.
(5)
في نوفمبر 2015، اعتقلت قوات الأمن، صلاح دياب، مؤسس جريد المصري اليوم، من منزله وصورته بالفيديو والصور، وأرسلت الداخلية صوره لوسائل الإعلام وهو موثق اليدين بشكل مهين، ولكن مساعد وزير الداخلية أنكر حينها أن قوات الأمن صورته؛ ربما لم تصوره قوات الأمن، واكتفت باصطحاب أحد الصحافيين معها؛ ليتولى أمر التصوير بجودة عالية.
(6)
في فبراير الماضي اشتعلت أزمة الاعتداء على طبيبي المطرية، والتي أدت إلى انتفاضة الاطباء في نقابتهم واحتشاد أكثر من 10 آلاف طبيب في الجمعية العمومية غير العادية، أنكر وقتها أن أمناء الشرطة قد اعتدوا على الطبيبين؛ كما أكد أن أمناء الشرطة البالغ عددهم 8، هم المعتدى عليهم وهم الضحايا. لكن سرعان ما تبدل موقفه وأعلن  أن الداخلية لا يمكن أن تتستر على التجاوزات في واقعة سحل ثمانية امناءشرطة لطبيبين بمستشفى المطرية. هذا بعدما اعلنت المستشفى عن وجود فيديوهات تفيد باعتداء الأمناء على الطبيبين. يذكر أن النيابة قد أخلت سبيل أمناء الشرطة في أول تحقيق لهم.
(7)
قال اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام، أن أجهزة الأمن ألقت القبض على "حسن مالك" وآخرين، لأنهم تسببوا في احداث أزمة اقتصادية وسحبوا العملات الأجنبية من السوق؛ مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار. نُشر هذا الخبر في أكتوبر 2015، في معظم وسائل الإعلام الرسمية. حتى أن بعض الجرائد حينها أعلنت أن الداخلية أخيرًا قضت على الدولار وأنه سينخفض بعد القبض على حسن مالك وأصحابه. لكن في مارس من العام الحالي أعلن الدولار اغتصاب الجنيه، وارتفع سعره إلى 10 جنيهات. في مخيلتي أن مساعد وزير الداخلية قادر على أن يعلن أنهم وجدوا دولارات في زنزانة حسن مالك من أجل صناعة أزمة اقتصادية.
(8)
نشرت جريدة الوطن في شهر يناير الماضي، فيديو يظهر فيه اعتداء، أمين شرطة، على "سيدة" بمترو الأنفاق وصفعها على وجهها. لم يجد مساعد الوزير حينها صعوبة في أن يدلي بتصريحه ل "وائل الإبراشي على الهواء مباشرة، بأن أمين الشرطة لم يضربها ولم يتعرض لها. كان ينكر واللقطات تُعاد؛ والصفعة تلطم وجه المرأة؛ ووائل الإبراشي ينظر للشاشة متعجبًا من تصريح اللواء أبو بكر، فكيف يمكن للمرء أن يكذّب ما يراه بعينيه ويصدق ما يقوله سيادة اللواء؟! ولكن لا تقلق سيادة اللواء؛ هناك من يصدقك.
(9)
فوجئ د. علاء الأسواني بإلغاء ندوته بالإسكندرية في ديسمبر 2015، لدواع أمنية، وفوجئ أيضًا بظهور مساعد وزير الداخلية على الهواء ليعلن أن الامن لم يلغِ الندوة. واتهام الدكتور علاء الأسواني بأنه من ألغاها بنفسه!
(10)
رغم أن أمين الشرطة الذي قتل دربكة" شهيد الدرب الأحمر" أعلن في تحقيقات النيابة أنه أطلق النار على الضحية بعد استفزازه، فاستقرت الرصاصة في منتصف رأس الضحية. إلا أن سيادة اللواء كان مُصرًا على أن الطلقة قد خرجت من سلاح أمين الشرطة دون قصد.
(11)
صدى البلد، 25 مارس 2016
مساعد وزير الداخلية اللواء أبو بكر عبد الكريم، يعلن تفاصيل مقتل 5 أشخاص متهمين بقتل ريجيني.
26 مارس 2016، مداخلة لمساعد الوزير مع خيري رمضان على الهواء.
= العصابة قالت للطالب الإيطالي إنت بتتعامل مع جماعة ارهابية.
- هما بيتكلموا انجليزي يا افندم؟
= اييييييه، هما اتعاملوا معاهم يا أفندم، وخدوه البنك خلّوه يسحب 10 دولار.
يتسائل خيري رمضان متعجبًا:
- يعني الإيطالي دخل البنك، سحب 10 آلاف دولار ورجع اداهم الفلوس من غير ما يستنجد؟ أصل مفيش ماكينة بتسحب 10 آلاف دولار يا أفندم.
= أيوه، دخل البنك ورجع اداهم الفلوس.

وهكذا، نسي سيادة اللواء أن هناك كاميرات في البنوك وخارجها يمكنها رصد الداخل والخارج، ونسي انه لا يمكن لأحدهم أن يسحب 10 آلاف دولار، لا من ماكينة ولا من بنك؛ ونسي أنه لا يمكن لعاقل أن يصدق أن الإيطالي دخل البنك ولم يصرخ مستغيثًا بالأمن؛ كما نسي أن يخبرنا كيف علم بتلك المعلومات رغم أن ال5 أشخاص قد تمت تصفيتهم؟!

* نقلت وكالة "فرانس برس" للأنباء، تصريحًا لوزير الداخلية الإيطالي "أنجلينو ألفانو" قال فيه: أن المحققين المصريين راجعوا موقفهم في قضية ريجيني، بعدما رفضت روما سيناريو مقتله على يد عصابة إجرامية.

بعدها أعلن سيادة اللواء أبو بكر عبد الكريم، أن الداخلية لم تقل أبدًا أن العصابة التي تمت تصفيتها متهمين بقتل ريجيني.

اقرأ أيضًا

محمد يسري سلامة.. لن ننساك



لسماع المقال  اضغط هنا

تعامل بعضهم مع الثورة كأنها فتاة عذراء ساذجة أخذ منها كل ما يمكن أن يأخذه، ثم تركها وادّعى أنها سيئة السمعة".

كانت هذه الكلمات الأولى التي أقرأها للدكتور محمد يسري سلامة "رحمه الله" وكانت إلى حد ما كلمات مفاجئة، فكاتبها سلفيّ المنهج؛ في وقتٍ كان أغلب السلفيين لا يؤمنون بالثورة؛ وفي وقتٍ كان يطلّ علينا كائنٌ يدعى عبد المنعم الشحات، ليحرّم ما أحله الله، فحرّم التظاهرات والخروج على الحاكم حتى لو كان الحاكم ظالمًا وحتى لو اجتمعت الأمة على ذلك.

لم أكن أعرف الدكتور محمد يسري سلامة، من قبل ولم نلتقِ وجهًا لوجه، ولكن كلماته كانت تعبر عني وعن الكثيرين ممن يؤمنون بالثورة. كان كارهًا للظلم، فرأيناه يهاجم المجلس العسكري وينتقده بشكلٍ علني في الوقت الذي قرر فيه أغلب أبناء التيار الإسلامي السكوت أو التبرير لجرائم العسكر وفي هذا كتب: "يخوفوننا بالقتل وكلنا سيموت في نهاية الأمر، يخوفوننا بالسجن ونحن في سجن كبير بالفعل، يخوفوننا بالفقر ونحن فقراء أصلًا، إنهم كاذبون وعاجزون أيضًا".

أزعم أن وجود الدكتور محمد يسري سلامة كان مهمًا بشكلٍ كبير لمواجهة التطرف، وأذكر قول أحد الشباب الذي كاد أن يلحد بسبب ما رآه من تيارت تطلق على نفسها إسلامية "كنت في طريقي إلى الإلحاد بسبب ما يفعله مدّعي التدين، الحمد لله أنني قرأت كلمات محمد يسري سلامة" يُذكر أن الشخص الذي كاد أن يلحد قد انتقل إلى رحمة ربه.

لم يخشَ الهجوم الممنهج عليه عندما كتب: عفوًا، فأنا لا أستطيع الفصل بين الثورة ومحمد البرادعي، حاولت ولكن لم أستطع. في الوقت الذي كان التيار الإسلامي يظن أن البرادعي عدو الله، والفلول يعتقدون أنه دمر العراق.

فالرجل كان أول متحدث باسم حزب النور السلفي، ولكنه سريعًا ما ترك حزب النور مبكرًا، بعدما رآه من انحراف ومعاداة للثورة، لينضم لصفوف الشباب الثوري. ففي الوقت الذي أعلن فيه بعض السلفيين حماية المنشآت في وقت ثورة الشباب وكأنّ شباب الثورة بلطجية يسعون إلى تدمير الدولة وجدنا الدكتور محمد يسري سلامة يكتب لهم: "أنا خجلان ممن قام بحراسة المناطق العسكرية وأقسام الشرطة التي لا تحتاج إلى حراسة أصلًا، لماذا يسمح بعض السلفيين باستغلالهم أسوأ استغلال؟"

ولأن الله أنار بصيرته واستطاع أن يرى ما قد يحصل في المستقبل نراه يحذر التيار الإسلامي في 2012 مما حدث مستقبلًا:
"يجب أن يدرك الإخوان والسلفيون أن النظام يعمل على عزلهم التام عن باقي القوى الوطنية والإسلامية وسعيد بذلك، حتى يستطيع التخلص منهم فيما بعد. أرجو أن يدرك السلفيون بعد رفض تطهير أمن الدولة والشرطة في قضية الضباط الملتحين أن النظام لا يحبهم ولا يطيقهم وسيغدر بهم عند أول منعطف."
ومما هو ليس بغريب، أن الجبهة السلفية لم تغفر له رحيله عن حزب النور وانضمامه لحزب الدستور، كما لم تغفر له محاولة نصحهم بشكل مهذب وتحذيرهم مما يخطط  له المجلس العسكري، فرأينا بعد موته الدكتور خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، ينعيه بشكل غير لائق قائلًا: أدعو الله أن يغفر له على اختياره لصحبه. (يقصد بصحبة السوء الشباب الذين هتفوا ضد الحكم العسكري في وقت كان البعض يهتف باسم المشير طنطاوي).

وفي ظل الصراع الذي اختلقه المجلس العسكري بين دعاة الدولة المدنية أو الدينية سخر الدكتور محمد يسري من الجميع قائلًا:"مصر ليست دولة علمانية ولا دولة دينية، مصر دولة اللا قانون، دولة لا يهتم فيها أحد بالفقراء والمرضى، ولا يقتص فيها أحد للشهداء، أين الدولة؟".

لم يكن مجرد سلفي أحب الدكتور محمد البرادعي، ولم يكن مجرد ثائر في الشوارع والميادين، ولم يكن مجرد سياسي مخلص في زمن النخبة الفاسدة، ولم يكن مجرد شخص متدين. ولكنه كان قارئًا لما يمكن أن يحدث في المستقبل، فرأيناه يرفض فكرة الانتخابات في وقت نحتاج فيه إلى الثورة، وأثبتت الأيام أنه كان محقًا، وفي هذا كتب: "مطلوب طرطور للرئاسة، فعلى المرشح تقديم ما يثبت أنه أكبر طرطور موجود في السوق وشكرًا. كل ما يجري هذه الأيام يهدف إلى شيئين أساسيين: تمرير الرئيس الذي يريدون، وتمرير الحكم ببراءة مبارك بأقل خسائر ممكنة بأن ينسى الناس الثورة. الإخوان لم يتعلموا من 54 وشعارهم انبطح أو اعمل نفسك ميت. الثورة لن ينجحها الرئيس القادم، واعتبر أن التعلق الزائد بالانتخابات هروبًا وعدم تحمل للمسئولية، النظام قائم، توكل على الله ثم اعتمد على نفسك. هل تصدقون حقأ أن المجلس العسكري سيسلم السلطة بالكامل إلى رئيس (مدني) ثم يعود إلى ثكناته وكأن شيئًا لم يكن ويترك الرئيس الجديد يفعل ما يشاء؟؟ انتخابات العسكر (برلمان ورئاسة) مفيش تزوير، وكله بالديموقراطية ومفيش صلاحيات، وكله بالحب".

كما رأى أن معركة ستشتعل قريبًا بين الثوار والإخوان تنتهي بمحاكمة الإخوان واتهامهم بقتل الثوار، وأن كل هذا سيحدث بقيادة المجلس العسكري فقال: ترقبوا اشتباكًا وشيكًا في التحرير بين الإخوان وغيرهم.. خطة المجلس ماشية تمام، وبعدين يحاكموا الإخوان ويقولوا هم قتلة الثوار. حتى لو الإخوان كسبوا، العسكر هيعندوا معاهم جامد ويتعبوهم ويحرجوهم وهيلاقوا تأييد، ود.مرسي هيبقى زي عصام شرف. هناك من يقول سأصوت لرئيس يحاول نزع صلاحيات العسكر والتصادم معه لو تطلب الأمر وسنقف معه في ذلك، المجلس لن يعطي أحدًا سكينا ليذبحه به أصلًا.

كما نصح الجميع بالوحدة قبل فوات الأوان: "أريد أن لا يخسر بعضنا بعضًا بسبب الانتخابات، لأننا سنصبح في خندق واحد قريبًا جدًا." واستشعر أن السيسي يومًا سيخلع رداء العسكر ليرتدي رداء المدنية في مقاله "إسلاميون في أزمة" فكتب: إن عدم القدرة على الحسم قد تدفع النظام إلى الأخذ بزمام الأمور والدفع بمرشح عسكري في زي مدني.  سندفع ثمن الاضطراب والتخبط في إدارة المرحلة الانتقالية قريبًا جدًا.  كما كتب: سنصبح دولة عسكرية برئيس مدني أو شبه مدني.. أسلوب من أساليب خداع النفس.

ورأى أن الحل في الثورة، الحل في الشارع:
اللي مستني الانتخابات هو حر، لكن انا شايف نقلب الترابيزة وربنا معانا.

كان كارهًا للإحباط محرضًا على قول الحق:
حالة إحباط عامة لماذا.. هل ظننا أن الطريق سيكون سهلًا؟ انفض عنك غبار اليأس أيها الثائر، فإن صاحب الحق منصور، وهذا وعد الله ولا يخلف الله وعده.

عدوًا للظالم:
صبور على كل ما يَكرَه المرء كله سوى الظلم، إني إن ظُلِمتُ سأغضبُ. أرفض مساواة جميع الأطراف في المسؤولية عما يجري للثورة الكل أخطأ هذا صحيح، لكن لا تتساوى الأخطاء.

علم نهاية المشهد المأساوي أننا سنتجمع في السجون:
"أقول للثوار المختلفين فكريًا وأيدولوجيًا: هنتحبس كلنا قريبا وهتبقى فرصة نتعرف اكتر على بعض.عما قريب سيجتمع الشرفاء من الإخوان والإسلاميين مع الشرفاء من جبهة الإنقاذ وغيرها في السجون والمعتقلات، وحينها سيتسنى لهم مناقشة خلافاتهم جيدًا".

وهاجم مبادرة تبرع بجنيه التي أطلقها محمد حسان:
سأتبرع للمجلس العسكري كي يستطيع شراء رصاص وخرطوش وغاز ليضربني به مرة أخرى.

وحدثنا عن أن العسكر يسلبون حقوق الفقراء ثم يردونها لهم على أنها إنجازات:
يخنقون معيشة الناس أكثر وأكثر، حتى إذا عادت الحياة إلى طبيعتها (المزرية) ظن الناس أنهم حققوا إنجازًا.

وأن إعلامنا كذّاب:
كلما أردت أن أعرف الحقيقة نظرت إلى ما يقوله إعلامنا وعكسته، وكلما أردت أن أعرف الاتجاه الصحيح مشيت عكس الاتجاه الذي يدفعونني إليه.

علم أن المعركة القادمة معركة وعي:
ستنجح الثورة عندما يبدأ الشباب في التثقف وقراءة الكتب، وليس مجرد الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي ظنًا منهم أن هذه هي الثقافة.

ولعلنا نرى الآن ما يحدث من مزايدات ومشاحنات بين العوام لمجرد الاختلاف في الرأي.

في الوقت الذي قرر الإخوان فيه أن يقفوا في وجه الثورة، وفي وقت الشماتة وتبرير كشوف العذرية و"ايه اللي وداها هناك" و"يا واد يا مؤمن" كان يدرك أن من يرضى بالظلم لغيره سيُظلم، ومن يبرر السحل سيُسحل، وقال في هذا:
"أحذر الإخوان من محاباة المجلس العسكري وفلول النظام على حساب الشعب، فالعواقب ستكون وخيمة. من برر السحل سيسحل ولو بعد حين، وعلى أيدي من برر لهم".

للأسف لم يسمع له الإخوان، ولم يسمع له الشباب، فالإخوان قد قُتلوا في الميادين فيما بعد، والشامتون في الإخوان أيضًا سكنوا زنازين العسكر وقضوا بها أعوام، وفروا هاربين من الاعتقال والإخفاء القسري.

وفي نهاية حياته كتب:
صحيح أنني لم أحصل على أي مكاسب من الثورة بل خسرت أشياء، ولكني لست بنادم، اخترت الثورة وكان يمكنني أن أكون عضوًا في كل لجنة وبرلمان، وفخور بذلك. لن أندم أبدًا على الثورة وعلى مشاركتي فيها وهي أجمل وأطهر وأنبل حدث في حياتي، وليس ذنبنا أننا قمنا بها وسط انتهازيين وجهال معدومي الوعي.

حتى كلماته الأخيرة تشعرك أنه استشعر اقتراب الموت منه:
إن كان حظي في الحياة قليلها.. فالصبر يا مولاي فيه رضاك.

توفى محمد يسري سلامة في 24 مارس 2013 ولسان حالنا الآن أننا في أشد الحاجة إلى عقل الدكتور محمد يسري سلامة ورحمته وثباته ووسطيته واحترامه للأفكار والمعتقدات المختلفة، نحن في حاجة إلى من يجمع شمل أبناء الوطن لا إلى من يفرقهم. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

اقرأ أيضًا

2030


2030

Aljazeera




لسماع المقال اضغط هنا


ينظُر الرجل يمينًا ويسارًا، ثم يقبض علىٰ أذن ابنه مُرتعدًا.

- ألمْ أحذّرك من الحديث عن الجوع بصوتٍ عالِ يا بُني؟! سيظنّونا من الثوار ويعدمونا رميًا بالرصاص، أو يخنقونا توفيرًا لسعر الرصاص الحيّ.

ينظر الولد إلى السماء فيرى أنوارًا بعيدة تنطلق مع صوت طلقات النار، يسأل الفتى أبيه عن صوت الرصاص والأضواء البعيدة؟!

- الباشاوات والجنرالات ورجال الأعمال يحتفلون.

- لماذا يحتفلون؟ هل أحضروا الطعام الذي وعدونا بهِ؟

- لا!

- صنعوا الملابس؟

- لا!

- شيّدوا بيوتنا التي وعدوا؟

- لا!

- فلمَ يحتفلون؟

- لأن الساعة تخطّت الثانية عشر ليلًا، نحن الآن في أول دقيقة من عام 2030، كل عام وأنت بخير يا بني.

ينظر الولد لأبيه متعجبًا.

- لكنّي لست بخير يا أبي؛ وأنت أيضًا؛ لست كذلك.

يغضب الأب من صراحة ابنه؛ ويأمره بالسكوت. هكذا هم الكبار، عاشوا طوال أعمارهم خائفين، صامتين؛ يشعرون ببعض الشجاعة فقط عندما يأمرون صغارهم بالسكوت واتباعهم في عاداتهم وعاهاتهم.

- أريد أن أنام يا أبي، أين سننام الليلة؟!

- سننام تحت آية كوبري.

- قلت لي أنه كان لديك بيتٌ في الماضي، ماذا عن أول بيت؟

يضحك الرجل حد البكاء، ويتذكر حكاية قديمة What about the first Oscar for you?

- اسكت يا ولدي لا تقلّب علينا المواجع.

يمرّ بائع المياه على النائمين تحت الكوبري، وهم كثيرون. في الشتاء يرتفع سعر المياه من 200 جنيه إلى 250 جنيه، ليعوّض التجّار خسائرهم نتيجة قلة الشراء؛ يشتري الأب زجاجة مياه؛ ويأمر ابنه بعدم الإسراف في الشرب، كي تكفي الزجاجة أسبوع.

- هل تعلم يا بني أن الأنفاق القريبة من ميدان التحرير كانت مليئة بالمياه؟

- ماذا؟!

- كانت تدعى "مياه النيل" وكانت بلدنا هبة النيل، ولكن هبة ماتت. الآن عبارة عن نصف نفق تمر به الدبابات والمواكب الحكومية؛ ولا يسمح للعوام أمثالنا أن يمروا به، لأن الحكام يخشون على أنفسهم منّا، منذ عام 2011 وهم يخافون من الشعب، يخافون أن يثور الناس عليهم.

- اصمت يا أبي، ألم تحذرني من الحديث عن الجوع والعطش والثورة؛ اصمت كي لا يقتلونا.

يشعر الرجل ببعض الرضا؛ يضع  يده على رأس ولده ويبتسم:

- شاطر يا ولد، تعلمت سريعًا.

لكن الولد لم يتعلم، فالعبودية لا تتوارث؛ جميعنا مخيّرون بين أن نصير عبيدًا أو أحرارًا؛ فالعبودية اختيار وليست إجبار.

يرقد الرجل وابنه وبجوارهما نيران تضئ الظلام وتدفئ الأجواء.

- قلت يا أبي أننا يومًا سننام في بيت لنا، فمتى؟

- لا تقلق يا بني، قريبًا سيتنهي مشروع "المليون وحدة سكنية" فهذا المشروع تشيّده الحكومة لمحدودي الدخل.

- وهل نحن محدودي الدخل يا أبي.

- لا، نحن معدومي الدخل.

- إذا لن نحصل على وحدة سكنية.

- ربّما.

- سمعت يا أبي أن إسرائيل ستعلمنا القراءة والكتابة؛ وسيعطونا ملابس ثقيلة كملابس الأغنياء و....

- اخرس يا ولد، إسرائيل لا تحبنا أبدًا وتريد لنا أن نختفي من على وجه الأرض؛ ونحن أيضًا لا نحبها.

- كيف هذا؟ الزعيم يحبهم، والجنرالات يجلسون معهم، والرجال يتباهون أنهم على علاقة بإسرائيل.

- لا تصدّق يا ولدي، الناس يقولون أنهم يحبون اسرائيل لأنهم خائفون.

- وهل تخاف مثلهم؟

- لا، أنا أموت من الرعب. نمْ يا بني.

- سأنم ولكن عدني أنك غدًا ستجعلني أشاهد التلفاز مثل الأغنياء كما وعدتني.

- نمْ، وفي الصباح سنذهب إلى نادي التليفزيون، الحمد لله معنا 1200 جنيه، لكن أتمنى من الله ألا يكون سعر الدخول ارتفع.
يشعر الفتى بالفرحة ولكنه لا يكف عن الأسئلة:

- ألا يمكننا أن ننام في المساجد؟

- ممنوع.

- ألا يمكننا أن ننام في الكنائس؟

- ممنوع.

- لماذا شيدوها إذًا؟!

- ليدافع رجال الدين عن الحكّام.

- إن لم ننمْ هنا؛ فأين يمكننا النوم؟

- في السجون؛ لكننا سنتعرض حينها للتعذيب، والله لو لم تنم لأضربنك.

ينام كلاهما في سلام وأمان، في بلدٍ "بتطلع لقدام"، كما قال الزعيم. هكذا هم من يحكمون الفقراء، يرون أن كل شئ على ما يرام، طالما أنهم ما زالوا يجلسون على العرش.

أشرقت الأرض بنور ربها؛ فأضائت المكان، ولكن العقول ما زالت مظلمة، يتسيقظ الرجل ويحمد الله: "الحمد لك يارب، الحمد لك على أنهم لا يستطيعون التحكّم في نور الشمس، كنا سنظل طوال عمرنا في ظلام"

- استيقظ يا بنيّ كيْ نذهب، فأمامنا رحلة شاقة كي نَصِل إلى نادي التليفزيون.

- ولِمَ نذهب سيرًا على الأقدام يا أبي؟

- هل جننت؟ تظن نفسك من الأغنياء كي نَركب المواصلات، عليك أن تشكر الله لأنهم لم يفكروا بعد في أن يرْكَبُونا كوسيلة مواصلات.

يقبض الرجل على يد ولده؛ ويمضي به ليحقق له حلم مشاهدة التليفزيون.

أحِلمٌ هذا أم كابوس؟ أم خازوق؟ أعتقد أنه خازوق، فسندفع كل ما نملك من أجل مشاهدة الكذّابون هكذا حدّث الرجل نفسه.

يقول أبي أنه لا أحدٌ ينام من غير عَشاء، إنه يكذب، فنحن دائمًا ننام من غير عشاء، هكذا قال الفتى لنفسه.

في طريقهما يشاهدان مظاهرة حاشدة، كل من فيها عُراة، حُفاة، جائعون، يرتعدون من الخوف، يحملون صورًا للزعيم؛ يهتفون بإسمه. يلعنون الثورة؛ يسبّون الثوار الذين تسببوا في خراب الديار؛ يبحثون عن شخص لا يبتسم كي يتهموه بأنه من الثوار؟ وهل أصبحت الثورة تهمة؟! نعم إنها تهمة تؤدي إلى الإعدام. يصرخون بغضب، أين هؤلاء الثوار؟ يصرخون بثقة لأنهم يعلمون أن الثوار لا يمكن أن يؤذوهم. يقبّلون صور الزعيم وكأنهم يأكلونها، يضَعون أحذيةً فوقَ رؤوسهم؛ انها أحذية رجال الأمن الرسمية، يقولون أنه لولاهم لماتوا.

وهل تظنون أنكم أحياء؟! تبًا لكم. هكذا قال الرجل لنفسه.

يكمل الرجل وابنه طريقهما، يصلان إلى نادي التليفزيون، وفي أثناء الدخول يخبرهما صاحب النادي، أن دخولهما سيكلفهما 1400 جنيه.

- لماذا يا رجل؟!

- الدولار بقى بـ 300 جنيه.

- وما ذنبي؟

- وما ذنبي أيضًا أيها الرجل العَفِن.

- يحاول اقناعه ب 1200 جنيه لأن ابنه صغيرًا؛ لن يأخذ سوى نصف مكان، فينجح في اقناعه. ليس من السهل أن يستغنىٰ أحدهم عن آية نقود، كما أنه ليس من السهل أن يدفع أحدهم النقود.

يسأل الفتىٰ أبيه؛ لماذا دائمًا يخبرونا بأن الدولار قد ارتفع عندما نريد شراء الماء، أو الطعام، مالنا ومال الدولار؟!

- الأغنياء يحبّون أن يرتفع سعر الدولار، كي ترتفع ثورتهم، ونزداد نحن فقرًا على فقرنا.

لا يفهم الفتى ما يردده والده، سيفهم عندما يكبر.
يجلس جميع من في النادي على الأرض، ينتظرون اشعال التلفاز، يهمس أحدهم في أذن صديقه:

- نحن السبب في كل ما نمرّ به الآن يا صديقي، قمنا بثورة، وثورة مضادة في نفس الوقت.

- لا، فعلنا ما بوسعنا من أجل الحرية، الطامعون في الحُكم هم من أوصلونا إلى هذه الكارثة.

- أنت مُحِق، والدّماء التي سالت لن ترحم بلادنا.

يستمع الولد إلى حديثهما ولا يدري عن أي شئ يتحدثان، يحاول أن يستمع أكثر، فيلاحظا أنه يتجسس ويقرران الصمت خوفًا من الإعدام.
يهمس في أذن أبيه متسائلًا:

- هل لدينا حرية؟

- نعم يا بني، لدينا حرية كبيرة، حرية التسوّل، حرية التبوّل، حرية التجوّل، حرية التنّفس، حرية الهمس الذي أهمسه في أذنك الآن.

- كيف يمكن للدماء التي سالت ألّا ترحم بلادنا.

- الدماء لعنة، إن سالت الدماء دون أن نقتص لها؛ حلّت لعنتها علينا، ربما نظن أنه لن يصيبنا أذىٰ، كنا نظن ذلك في الماضي، لٰكن انظر إلى بلادنا الآن. اصمت يا ولدي، نتحدث فيما بعد حتى لا يلاحظنا أحدهم.

أخيرًا يعمل التلفاز، ويظهر أحدهم بوجه مستدير ممتلئ كالبطيخ من فرط الطعام الذي يأكله، يتعجب الولد من لباس الرجل.

- كيف يمكن لأحدهم أن يرتدي مثل هذا الثياب يا أبي؟!

- بالسرقة والقتل ونفاق الحكام.

- ولم لا نفعل مثلهم؟!

- لا أدري ولكن هناك شئ ما يمنعنا.

يظهر الزعيم في التليفزيون، فتعلو صيحات التهليل والتطبيل.

يبدأ الزعيم كلمته بتهنئة الشعب بالعام الجديد، 2030، ويعدهم بأن مشروع المليون شقة لمحدودي الدخل سينتهِ قريبًا، وكذلك مشروع المليون فدان، ومشروع المليون كذبة، كلما كذبت صرت من رجالات الحكومة، الكذّابون يملئون الشاشات والوزارات والمناصب القيادية.

أخيرًا يطلب الزعيم من الفقراء أن ينتظروا لأن حال البلد لا يسرّ عدوا أو حبيب، ويأمرهم بالتصبيح على مصر كل يوم ب 1000 جنيه.

كما يعلن عن مشروعات لا حصر لها ستنتهي في 2060، ولكنها مشروعات تستحق الانتظار، منها مثلًا أن الكلاب ستبيض كي نستفيد ببيضها؛ وأن القطط سوف تتبول بترول، وأن النيل سوف يعود من جديد لأن الجميع يدعو على السدود التي جعلت النيل يجف. كما يعلن الزعيم أن هناك جهازًا جديد سيحول غازات الإنسان المقززة إلى غاز طبيعي نستخدمه في اشعال النار.

يهتف العراة، يهتف الجائعون، يهتف المنافقون، يهتف رجال الأمن، عاش الزعيم 3 مرات. فَعاشَ الزعيم وماتوا هم.

يعودان إلىٰ مكانهما، تحت احدى الكباري التي شيدها الجيش وأصابتها الشقوق سريعًا، يفكّر الفتىٰ في وعود الزعيم ويحاول تصديقه؛ لكن عقله يرفض.
يدخل عليهما رجل طويل عريض ثمين ذو شنب كث، إنه مندوب الضرائب.

- لماذا لا تأتِ لدفع الضرائب يا هذا؛ إنكم متعبون أيها الأوغاد الفقراء، هل علينا أن نأتِ من أجل أن تدفعوا الضرائب كي لا تسجنوا؟

- اعذرني، فأنا نسيت.

- الآن أريد ضريبة النوم.

- لكني أنام في الشارع.

- إنه شارع الحكومة.. ألديك طفل؟ إذًا أريد ضريبة زواجك.

- زوجتى ماتت من الجوع.

- أريد ضريبة الماء.

- نشرب زجاجة واحدة في الأسبوع، وندفع ثمنها غالِ.

- أين ضريبة السمْع؟

- لا نسمع سوىٰ أوامركم.

- ضريبة البصَر.

- لا نرىٰ سوىٰ ما تريدون أن نراه.

- آه كدت أنسى، أريد ضريبة الحياة وإلا قتلتك.

- أنا ميّت.

تصفيق حاد، أسدل الستار