سبعة آلاف سنة سجن

اللوحة للفنانة: ريهام عبد الغفار
 “من هو أول سجين في التاريخ؟ من الذي اخترع السجن؟  كيف كان شكل السجن الأول؟ هل هناك سجين واحد في كل العالم، في كل الأزمان، في كل السجون، قضى في السجن عامًا واحدًا أو أكثر، ثم عندما يخرج يكون هو.. هو؟” مصطفى خليفة.. رواية القوقعة .



مكان مغلق ومنعزل عن المجتمع، تحاوطه أسوار وأسلاك شائكة، لا تحبه الشمس، ولا هو يحبها، يتكون من غرف وعنابر متعددة المساحة والأحجام متواجدة فوق الأرض وتحتها، يقیم فیھا سجناء بأمر محكمة، أو بأمر حاكم، لارتكابهم جريمة ما؛ أو لانتماءاتهم الفكرية، أو السياسية؛ أو لمصادفة تواجدهم في محيط مظاهرة أو مؤتمر.

يقولون أن الهدف من بناء السجون ھو حماية المواطنين وحفظ الأمن من سلوك المجرمين، وإعادة تأھیلهم اجتماعیًا وسلوكیًا؛ هم يقولون ذلك.  لكننا ندرك جيدًا أن السجون بنيت لأجلنا نحن، ونحن هنا عائدة على الذين يفكرون، ويكتبون، ويرسمون، ويحلمون بوطن أفضل، وثورة عارمة على أنظمة فاسدة.. 19 سجنًا تم بنائهم بعد ثورة يناير، في شرق مصر وغربها، في شمالها وجنوبها، لم يتم بنائهم إلا لنا نحن، أنا وأنت وكل السجناء السياسيين.

منذ دخلت السجن مكبلًا بالحديد والأمل، ورأيت وجوه العساكر السجينة التي تخضع لأوامر الضباط، طاردتني فكرة أن أول من أقام سجنًا في التاريخ كان مصريًا، ولم تكن لدي أدلة سوى أن هذا المكان العتيق المسمى “سجن أبي زعبل” ترك في داخلي شعورًا بأن السجون متعلقة بمصر.
لم لا؟ إن مصر من أقدم الحضارات في التاريخ، وبالتالي قد تكون أول حضارة في التاريخ تقمع مواطنيها، وتسجنهم، 7000 آلاف سنة سجن.

ما بال أولئك الذين اعتقدوا أن ملوكهم آلهة أسمى من البشر العاديين، فقرروا أن يخضعوا لهم وينفذون أوامرهم ببناء أهرامات لا هدف منها سوى أن يتواجد أسفلها غرف منحوتة في الصخر لدفن جثث الملوك. هل علينا أن نصدق أن هؤلاء بنوا هذه الأهرامات دون تهديدات بسجن أو تعذيب؟!

كيف يمكن لشخص عادي أن يشارك في بناء أهرامات بهذه الضخامة من أجل ملك سيدفن فيها؛ ففي مصر نحو 70 هرمًا، أشهرها الأهرامات الثلاثة في الجيزة قرب القاهرة، هذه الأهرامات قد بنيت ربما بين عام 2690 و 2560 قبل الميلاد، لماذا؟! لدفن جثث الملوك!

غير معلوم للبشر من الذي ابتكر فكرة السجون، من الذي سمح لهم بأن أكون سجينًا؟ وهل كان يقصدني أنا ويعلم أني أكره السجون فأنشأها لي؟!.. هكذا سألت نفسي، ولا تتعجب من هذا السؤال، في السجن قد تسأل نفسك أسئلة غير عاقلة، وغير مجنونة، قد تسأل أسئلة لم تطرح عبر التاريخ؟ لكنها ستطاردك حتى بعد خروجك من هذا المكان؟ كما ظل سؤال السجن الأول في التاريخ يطاردني.
يروي البعض  أن أول من بني السجن في التاريخ هو النمرود في العراق، ويرى آخرون أنّ أول بيتٍ بُني ليكون سجنًا بناه علي بن أبي طالب؛ لكن كل هذه روايات دون سند تاريخي.

عرف السجن في الإمبراطورية الكلدانية 627 قبل الميلاد، وكان يوضع فيه أسرى الحروب، كما عرف عند اليونانيين في أثينا؛ وسجن فيها سقراط 30 يومًا في انتظار حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة أثينية عام 399 قبل الميلاد، ويقال أن سجون اليونان كانت  تمتاز بالهمجية في أساليب التعذيب.

وعرف في الإمبراطورية الآشورية في بابل وكانوا يحتجزون الأسرى في الكهوف.

وفي الإمبراطورية الرومية  كانت السجون لها أهمية كبرى وتقول الروايات التاريخية أن في كل مدينة من مدن الإمبراطورية الرومية تم إنشاء سجن.

فماذا عن الحضارة الفرعونية؟

بعد خروجي من السجن؛ بدأت في مشروع كتاب عن السجن حاولت البحث في مراجع تاريخية عن أول سجن وأول سجان وأول سجين؛ لم أصل إلى اسم هذا الشخص الذي أنشأ السجن الأول في التاريخ، كما لم أستطع أن أصل إلى أول سجين.
لكن وجدت مؤرخين كتبوا عن برديات نادرة جدًا في العصور المصرية القديمة  تتحدث عن السجون في مصر، وعن أن السجون الفرعونية كانت مهمة  بالنسبة للحكام وللمحكومين. وكانت السجون الفرعونية يطلق عليها اسم “جتح” و “خنرت”.

بالمناسبة، يبدو أن الحكام هم من تحكموا في كتابة التاريخ الفرعوني، لذا سنجد أن كل النقوش الأثرية التي رُسمت على الجدران عبر كل العصور المختلفة لم تذكر السجون. حتى أن البرديات  التي تحدثت عن السجون لم تكن إلا رسائل من مساجين لأهاليهم يشكون فيها أحوال السجون السيئة. فقاعدة أن التاريخ يكتبه المنتصر كانت بدايتها من هذه الأرض الطيبة، مصر.

والسجون الكبيرة جدًا في مصر ليست عادة حديثة للحكام، فمصر تحب بناء السجون الكبيرة منذ القدم، وفي العصور الوسطى كان هناك سجن في طيبة اسمه “السجن الكبير” أو “خنرت” بمعنى الحبس.
وقد ذكر السجن في مصر في الكتاب المقدس “لماذا يوسف هنا في السجن؟‏ ذلك بسبب زوجة فوطيفار.‏
“يكبر يوسف ليصير رجلًا حسن المنظر،‏ وتريد زوجة فوطيفار أن يضطجع معها.‏ أما يوسف فيعرف أن هذا خطأ ولن يرتكبه.‏ فتغتاظ زوجة فوطيفار جدا.‏ ولذلك عندما يجيء زوجها إلى البيت تكذب عليه وتقول:‏ ذلك الرديء يوسف حاول الاضطجاع معي!‏ فيصدّق فوطيفار زوجته ويحمى غضبه على يوسف.‏ ولذلك يطرحه في السجن”. تكوين ٣٩:‏١-‏٢٣؛‏ ٤٠:‏١-‏٢٣‏.‏

السجن في القرآن أيضًا اقترن باسم مصر فقط،  وهذا أمر يرجح كفة أن أول سجن بني في التاريخ كان مصريًا. والسجن في مصر مرعبًا منذ بداية التاريخ، وهذا يظهر عندما تهدد امرأة العزيز النبي يوسف بالسجن أمام زوجها “مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.  ثم تعود وتهدده بالسجن أمام النسوة ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾.
كما هدد فرعون النبي موسى به “لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ”.

والألم الذي يسببه السجن يظهر في قول يوسف للساقي الذي سجن معه “وحينما تخرج أخبر فرعون عني وساعدني لأخرج من هذا المكان.” تكوين ٣٩:‏١-‏٢٣؛‏ ٤٠:‏١-‏٢٣‏.‏
السجن في كل مكان وفي مصر على وجه التحديد يترك أثرًا في النفس مدى الحياة،  حتى أن يوسف بعدما خرج من السجن وحكم مصر قال: “وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ”.

على كل حال؛ وبعيدًا عن كون أول سجن بني في التاريخ مصريًا أم لا، إلا أن السجن في العصور المصرية القديمة كان هدفه انتقاميًا لأسباب سياسية أو دينية، وليس لحماية المجتمع، وأن العقوبات البدنية (التعذيب) عادة أمنية مصرية قديمة.
وقد نشرت  صحيفة dailymail صورًا لهياكل عظمية مجروحة من أيام القدماء المصريين فى أحد مقابر منطقة تل العمرانة بالمنيا؛ تظهر وحشية العقاب والتعذيب الجسدي لـ5 أشخاص، وذكر العلماء أن ذلك هو الوجه الآخر للفراعنة بالرغم من التاريخ العظيم الذي عُرف به عصر القدماء المصريين، وأن الأمن كان يستخدم صورًا مختلفة ووحشية فى بعض الأحيان أثناء التعامل مع العمال، مما يعبر عن الهمجية المتطرفة التي كانوا يعملون بها.
مصادر:
– السجون في مصر إبان العصرين البطلمي والروماني في ضوء أوراق البردي. للدكتور السيد رشدي محمد أستاذ مساعد التاريخ اليوناني والروماني
– السجون وتطور مفاهيمها عبر التاريخ. أحمد الشجيري


بلطجية احتلوا بيوتنا.. وخطاب لم يلقه الرئيس


EPA



بلطجية

"اقتحمت مجموعة من البلطجية منازلنا، ودمروها وغيروا معالمها، وأغلقوا المداخل والمخارج، حدث هذا بعد أن اغتصبوا نساءً وقتلوا أطفالًا وعذبوا شيوخًا؛ وهدموا مدارس كانت مدارسنا وبنوا مكانها مدارس خاصة بهم فقط، وصارت لهم محال تجارية كانت في الأصل لنا، كما غيروا لغتنا الأصلية.. قلنا لهم اخرجوا فإنها منازلنا، وإنها منطقتنا، ولكنهم لم يستجيبوا، وعلى كل حال نحن لم ولن نقاومهم ولن نطردهم من ديارنا، لأنهم الآن عُزّل، سنظل نردد كالببغاوات (اخرجوا من ديارنا، اخرجوا من ديارنا) ولن نمسهم بسوء، وبالتالي لن نقتلهم، سنتركهم وحالهم ونبحث عن مكان غيره لنعيش فيه بسلام وآمان كي لا نؤذي أنفسنا، وكي لا يصفنا أحدهم بأننا بلطجية؛ حتى لو كان معنا كل ما يثبت أن الديار ديارنا".

هذه قصة لا يمكن لعاقل تصديقها، أليس كذلك؟!

لو كنت مكانهم ستدافع عن منزلك حتى لو أدى دفاعك إلى قتل أحد البلطجية، وبالطبع لا يمكن لعاقل أن يصفك بالمجرم لأنك قتلت أحدهم دفاعًا عن أسرتك وبيتك وعن منطقتك التي تسكنها، المجرم هو البلطجي الذي حصل على أرضك ومنزلك عنوة بقوة السلاح، حتى لو مرت أعوامًا كاملة.

هذا تمامًا ينطبق على فلسطين، وعلى المقاومة، وعلى المستوطنين.

في اللغة العربية: استوطن فلانٌ المكانَ؛ أي أقام في بلد غريب واتّخذه وطنّا له.

والمستوطنات مصطلح يُطلق على التجمعات الاستعمارية الصهيونية التي تم بناؤها على الأراضي التي اغتصبتها إسرائيل في فلسطين. والأصل أن إسرائيل ليست دولة، إنها مشروع استيطاني استعماري.

في العهد العثماني؛ قامت الحركة الصهيونية بزرع مستوطنات في فلسطين العربية وأنشأوا أحياءً كاملة خاصة باليهود، كانت أشبه بمناطق معزولة وسط بلاد العرب، وفي عام 1882 وصل عدد المستوطنين في فلسطين نحو 24 ألف يهودي، وفي عام 1917 زادت أعدادهم ووصلوا 85 ألف يهودي، وفي نهاية 1918 كان بحوزة المستعمرين أو المستوطنين من أراضي فلسطين 418,000 متر. (418 دونم).

وبلغ عدد المستوطنات المقامة من سنة 1918 حتى 1948 نحو 363 مستوطنة، ودمر الصهاينة 5 قرى في صفد وحولتها إلى مستعمرات؛ كما أزالوا 5 قرى في طبريا، و4 في بيسان، و10 في الناصرة، 6 في عكا، و20 في حيفا، و5 في يافا، وبلغت مجموع القرى التي محيت خلال هذه الفترة 61 قرية، أخرجوا منها أهلها واستوطنوا مكانهم.

وبعدها جرت عمليات ترحيل قسري للسكان الأصليين لفلسطين؛ وفي ذلك قال موشي شاريت، ثاني رئيس وزراء لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في رسالة إلى ناحوم جولدمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1948، قال: "إن إخراج العرب هو حدث رائع في تاريخ إسرائيل كما يعتبر الحدث أروع من إقامة دولة إسرائيل نفسها".

وحتى نهاية عام 1958 كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد صادرت نحو مليون دونم من الأراضي الفلسطينية (والدونم يعادل 1000 متر مربع).

ومرت فلسطين بمرحلة من أصعب مراحلها خلال عدوان 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، فهنا ظهرت الدوافع الدينية لدى المستوطنين اليهود، وهي إقامة مجتمع خاص باليهود فقط؛ ووضعت دولة الاحتلال الإسرائيلي قوانين تمنع السكان الأصليين لبلاد فلسطين من العودة لأراضيهم، أو عودة أراضيهم إليهم. وشرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إقامة أحياء جديدة في القدس، ومستعمرات في الضفة الغربية، وقطاع غزة والجولان، كما هدم الاحتلال حي المغاربة واستولى على عقارات كثيرة.

ازدادت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية حتى وصلت عام 2014 إلى حوالي 600.000 مستوطن.

وتسمح دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليًا للمستوطنين في الضفة الغربية بحمل السلاح ولا تعاقبهم عند اعتدائهم على مزارعي فلسطين.

باختصار:
- المستوطن أخذ مكان غيره من (الفلسطينيين) جبرًا، ومن حق الفلسطينيين الدفاع عن أرضهم بأي شكل، وهذا لا يعد إجرامًا، بل عكسه يعد تخاذلًا وخيانة.

- المستوطن يعد جنديًا وليس مدنيًا، لأنه يملك السلاح ويشارك في قتل الفلسطينيين ولا يعاقبهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل إنهم في الأصل جيش الاحتلال ذاته. فقتله يعد من واجبات الدفاع عن الأرض.

- المقاومة ليست إرهابًا، الدفاع عن الأرض ليس إجرامًا، المُحتل يُقتل؛ ويُستثنى من هذا الأطفال حتى يكبروا ويصيروا جنودًا في جيش الاحتلال.

خطاب لم يلقه الرئيس
أدان الرئيس المصري في كلمته خلال الاحتفال بافتتاح صرح عسكري جديد، أدان سعي حكومة الاحتلال الإسرائيلي لقمع أشقائنا في فلسطين وأضاف أنه شعبه المصري يتطلع إلى اتخاذ خطوات فورية ولازمة لإعادة الأراضي التاريخية التي يملكها الفلسطينيون، فضلًا عن رفع الضغوط الممارسة ضدهم.

وقال السيسي: "إنني أؤكد أن مصر لن تقف صامتة حيال الممارسات والانتهاكات التي تقيد عبادة المسلمين وتضر بقداسة المسجد الأقصى، وإن الدفاع عن الأقصى الذي يعد أولى القبلتين، ليست مهمة الأطفال الفلسطينيين الذين لا يملكون أسلحة سوى قبضاتهم وأحجارهم فقط بل هي مهمة مشتركة لكافة من يؤمن بالإنسانية، وإننا نعد إخواننا المقاومين في فلسطين بأن نبذل كل ما بوسعنا من أجل القدس الشريف والقضية الفلسطينية".

باسمي وباسم شعب مصر أعبر عن شكري وامتناني لجميع المواطنين الفلسطينيين الذين نزلوا إلى الساحات ورفعوا أيديهم لنصرة القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، كما أنعي شهداء فلسطين رحمهم الله.

تحيا فلسطين، تحيا مصر، تحيا مصر. 

التاريخ قد يكتبه المنهزم



REUTERS
“في السجن لا تقول انتهى كل شيء؛ فى السجن تقول ابتدأ كل شئ؛ والبداية هي الحرية”
محمود درويش
 كنا لا نحصل على حقوقنا إلا بعد دفع الرشاوي؛ وكانت المستشفيات أشبه بمقابر جماعية للمرضى؛ والتعليم الحكومي يعلمنا الجهل؛ والغاز المصري يُصدّر لأعدائنا في دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ بينما الغلابة يتقاتلون من أجل الحصول على اسطوانة غاز في طوابير لا يعلم نهايتها إلا الله.
حياتنا كانت طوابير؛ طابور غاز؛ طابور خبز؛ طابور تموين؛ طابور بنزين؛ طابور الصباح في المدرسة؛ طابور الهجرة الجماعية، طابور الانتظار أمام السجون. وما زالت حياتنا كذلك.
 كانت المرتبات لا تكفي المواصلات؛ وما زالت. ووزارة الداخلية تقمع التظاهرات؛ وما زالت. وأمن الدولة يتفنن في التعذيب؛ وما زال. كانت تكية، وما زالت كذلك، بل إننا قد نظلم التكية لأنها في الأصل مكان للعبادة الصوفية، يقيم فيها من يشاء وقتما شاء، دون أية أعباء مادية، التكية تساعد عابري السبيل بلا مقابل.
 عندما قُتل خالد سعيد وسيد بلال في عام 2010؛ بعد تعذيبهما بأيدي ضباط شرطة؛ بدأ الغضب يتسلل إلى نفسي مثل آلاف الشباب الذين انتفضوا سابقًا في المظاهرات المتضامنة مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في المدارس والجامعات،  قررت المشاركة في كل التظاهرات المعارضة للنظام وشاركت في ثورة 25 يناير 2011، ولم أنسَ أحداثها؛ نسيت التواريخ؛ ونسيت الوجوه؛ لكن ذاكرتي لا يمكنها خيانتي بنسيان الأحداث؛ حلوها ومُرّها؛ تركت جزءًا مني في الميدان، وجزءًا آخر في السجن.
  بدأت العمل في التصوير الصحفي إبان الثورة؛ لإيماني بأن التصوير سيجعلني أكتب؛ كنت أحلم بالكتابة؛ حتى لو تحولت كتاباتي في جريدة ورقية إلى “قرطاس” يوضع فيه الباذنجان المقلي والطعمية؛ وصدقوني لن أشعر بالإهانة حينها، ستغمرني الفرحة عندما أرى أحد الكادحين من أبناء هذا الوطن وقد استفاد من كلماتي التي تمرمغت من أجل أن يأكل استعدادًا لوضع نفسه في خلاط النقل الجماعي “الأتوبيس”،  وربما لو وجدت أحدهم يقرأ كلماتي المتسخة بزيت الطعام ليسلي نفسه أثناء اندماجه في أكل “طعمية” مليئة بالزيت المجهول مصدره، والذي سيؤدي حتمًا إلى الفشل الكلوي، كنت سأخبره بكل سذاجة أن هذه كلماتي، وكلي يقين بأنه سيشفق عليّ  حينها، ويصفها بالكلمات الرائعة؛ ثم يضعها في أقرب سلة “زبالة”. لا يهم؛ المهم أنني سأكذب على أصدقائي “متفزكلًا” وأخبرهم بأن أحدهم انبهر عندما علم أنني كاتب، وأقسَم بالله وبالطلاق أنه لن يتركني إلا بعد أن يعزمني على “أي حاجة مشوية” لأنه يتابع كل ما أكتب. وهذا على اعتبار أن أصدقائي يهتمون لما أقول، أو بما أكتب!
  سقط العديد من رفاقي في مختلف التظاهرات السلمية، لا أعلم لِمَ سقطوا؟ ولا أستوعب حتى الآن أنني كتبت كلمة “سقطوا” فهي كلمة سمعتها مرات عديدة في وسائل الإعلام؛ عندما تبتسم المذيعة ابتسامة بلهاء؛ ثم تخبرنا بأن هناك عشرات سقطوا بين قتيل وجريح في معارك وحروب، وتبتسم مرة أخرى وتعود لأخبار الرياضة والفن.
 لا أستوعب حتى أنني قلت: “العديد من رفاقي”؛ وكأن عمري 70 عامًا، وأكتب عن رفاقي في حرب السادس من أكتوبر، لو كان ذلك كذلك؛ لكان منطقيًا بعض الشئ؛ لكن الحقيقة أنهم سقطوا من أجل هتافاتهم عالية، ولافتات رفعوها  من أجل النائمين على أرصفة الشوارع، لم يسقطوا في حرب دامية على الحدود بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، سقطوا على حدود ميدان التحرير وغيرها من الميادين.
  شاركت في كل التظاهرات ضد المجلس العسكري متظاهرًا ومصورًا صحفي، وتظاهرت ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، بعد فشله أو إفشاله، وبعد ضياع حق الشهداء، طالبت مع من طالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة، ولم نطالب بالقتل وسفك الدماء؛ ولم أشارك في ما يسمى التفويض.
 عاد الحكم العسكري من جديد لينتقم من كل من له علاقة بثورة يناير، ومن كل من تجرأ على أن يهتف ضد الحكم العسكري، ومن كل من يستطيع أن يقول “لا”، فقدت رفيقي “أحمد المصري” في أغسطس 2013؛ بعدما اخترق رصاص الشرطة جسده من، ومات بعد 18 يومًا، كان لا يأكل حينها ولا يشرب.
 بعد موته حصلت على “أجازة” طويلة جدًا من التصوير ومن الكتابة ومن الأصدقاء ومن الكلام، إن شئت قل من الحياة، وقتها كنت أمارس اليأس في عزلتي، ولكني بدأت العودة للحياة تدريجيًا. قررت العودة للعمل، واشترطت على مديري أن أعمل بالتصوير الميداني فقط لأنني كرهت تغطية المؤتمرات المُملّة التي يتحدث فيها من يدعمون القمع ويشعروك بأن مؤخراتهم هي التي تتحدث لا أفواههم، نظرًا لعلامة القرف التي تظهر على وجهك أوتوماتيكيا عندما يتحدثون.اخترت التصوير الميداني على الرغم من خطورته في ذلك الوقت حتى أقاوم السفه والكذب الإعلامي الصادر من بعض الصحف والقنوات، أو ربما لأقاوم الملل؛ قررت نقل الحقيقة مهما كان الثمن، وكان السجن.
عن كل التفاصيل المؤلمة التي يتعرض لها كثيرون من أبناء وطني، ممن صار السجن وطنهم، أكتب في هذه المساحة. محاولًا تحطيم القاعدة التي تقول أن “التاريخ لا يكتبه إلا المنتصر”.
للحديث بقية

الحكومة ضد الشعب: القصة الكاملة لجزيرة الوراق

أحداث جزيرة الوراق (تصوير: مؤمن سمير)




في جزيرة الوراق، لا صرف صحي ولا خدمات ولا أمن ولا حتى مطافي ولا مياه نظيفة، وعندما يتذكرنا أحد رجال الأعمال الكبار لا يتذكرنا إلا لصالحه، وبعدما كنا نطالب سابقًا، بتدخل الحكومة لإنقاذنا كي نعيش مثل باقي الشعب، الآن نطالبهم بتركنا وحالنا، لا نريد خدمات منكم، فقط اتركونا نموت هنا
هكذا قالت السيدة الخمسينية «نعيمة لبيب»، التي أصابها الأمل بعد ثورة يناير، فقررت نشرها فيديو على يوتيوب تحاول فيه لفت الأنظار لجزيرة الوراق المهمشة، مطالبة الحكومة بعدم طردها من بيتها التي ولدت فيه.
تقع جزيرة الوراق في قلب النيل ويقابلها من الجانب الآخر حي الزمالك، تحدها محافظة القليوبية من الشمال، والقاهرة من الشرق، والجيزة من الجنوب، ومساحتها نحو 1470 فدانا، يفصلها عن العالم الخارجي وضجيج المدن مركب خشبي يطلق عليه «المعدية» وهي الوسيلة الوحيدة للدخول إلى الجزيرة، في السابق كانت هناك محاولات من الأهالي للضغط على الحكومات المتتالية من أجل إنشاء طريق (كوبري) واستبداله بالمركب، نظرًا لاستمرار حوادث الغرق؛ آخر هذه المحاولات كان في عام 2014، عندما تجمع بعض سكانها للتظاهر أمام محافظة الجيزة، ولم تستجب لهم إلا قوات الأمن بأن فضوا المظاهرة.
وقال رئيس مجلس محلي الوراق سابقًا، مكرم عيد: «جزيرة الوراق لها تاريخ منذ مئات السنين، وإن دار الكتب والوثائق تحتوي على مخطوطات المقريزي التى تشير إلى اسم جزيرة الوراق الأصلي، والتي يرجع عمرها إلى خمسة قرون»، وفق قوله.

ماذا تريد الحكومة من جزيرة الوراق؟

نشرت جريدة المصري اليوم خبرًا نقلًا عن مصادر حكومية رفيعة المستوى جاء فيه «إن رئاسة الجمهورية كلفت وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق بالجيزة، بحيث تصبح مركزا كبيرا للمال والأعمال».
في نفس الخبر قال المهندس مدحت كمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمساحة «إن تكليفات الرئيس تشمل تحويل المناطق الموجودة بها هذه الجزر «النيلية» إلى خط أحمر، وعدم المساس بها، لأن الدولة هي التي ستحدد أسلوب حمايتها والنشاط الكائن عليها».
مضيفًا:
أن أعمال الرفع المساحى لجزيرة الوراق تستهدف تحديد أملاك الدولة، والمساحات التابعة للإصلاح الزراعي، والتابعة للأملاك الأميرية، وأراضي طرح النهر، وتحديد حجم التعويضات عن الأملاك الخاصة.
وفي يونيو/حزيران الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي على جزيرة رفض ذكر اسمها إن سكانها تعدوا على أرض أملاك دولة، مطالبًا المسئولين بأولوية التعامل معها.

5 أسباب لتكذيب الرواية الرسمية

1. في 1917 اشتهرت جزيرة الوراق بزراعة البطاطس، وكانت محافظة الجيزة تعتمد بشكل كبير على الجزيرة في هذه الزراعة، وفي 1963 تحولت فيما بعد إلى الجمعية العامة لمنتجي البطاطس، على يد الشيخ أحمد أبو الفضل الجيزاوي عضو مجلس الشيوخ، حتى عام 1958، وكانت الجزيرة محط أنظار التجار اليهود،  ورفض الشيخ أحمد أبو الفضل محاولات «إسحاق فانيا» و«صمويل هليمان» توريد تقاوي البطاطس للجمعية وللزراع في الوراق، بشرط التعاقد على توريد المحصول للقوات الإنجليزية، وفق ما ذكرته مجلة “آخر ساعة” في 1 مايو 2012.
وهذا يعني صراحة أن الجزيرة ليست طرح النيل كما ادعت الحكومة، وأن لها وجودا قديما.
2. تبلغ مساحة الجزيرة 1285 فدانا، وصلت إلى 1470 فدانا بعد ضم أراضي طرح النيل وفق ما ذكر وزير الإسكان عام 2014، كما يبلغ تعداد سكانها 60 ألف نسمة، وهذا ينفي ما تزعمه الحكومة الحالية بأن الجزيرة كلها مخالفة للقانون، وأن أراضي وضع اليد لا تبلغ سوى 158 فدانا.
3. نشر المحامي الحقوقي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية خالد علي على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صورًا لشهادة وفاة لسيدة ولدت على جزيرة الوراق منذ مائة عام، وعقود بيع مشهرة منذ ١٩٠٥، ١٩٢٣ ميلادية، وكذلك عقد مشهر ١٣١٣ هجرية، ورخصة مبان عام  ١٩٩٤، وصورة قرار رئيس الوزراء، وجميعها أوراق ثبوت للملكية وليس كما تدعي الحكومة.
وأكد «علي» أن أهالي جزيرة الوراق أصحاب ملكيات خاصة على الأرض ولم يعتدوا على أراضي الدولة كما تزعم الحكومة.
4. قدم سعد بدير، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، طلب إحاطة لوزير البيئة الدكتور خالد فهمي، موضحًا فيه أن الأهالي يقطنون الجزيرة منذ أكثر من 160 عامًا ولديهم من الأوراق ما يثبت ملكيتهم هذه المباني.
وأضاف بدير في طلب الإحاطة أن قرار الإزالة سيسفر عن تشريد ما لا يقل عن 100 ألف أسرة.
5. حكم قضائي بأحقية سكان الجزيرة في سكنها
حاولت الحكومات المتتالية بشتى الطرق طرد الأهالي من جزيرة الوراق، حتى أنه صدر قرار من رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، سنة 1998، بإعلان 188 جزيرة نيلية محميات طبيعية، مما يمنع أي أعمال بناء على الجزر، ولكن الأهالي خاضوا معركة قضائية في مجلس الدولة، وقدموا كل ما يثبت ملكيتهم للأراضي، وقضت المحكمة الإدارية في عام 2002 بأحقية الأهالي فيها.

في مواجهة الحكومات ورجال الأعمال

– في عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري اعتبرت «جزيرة الوراق» محمية طبيعية وفق القرار رقم ١٩٦٩ لسنة ١٩٩٨، على إثره خضعت الجزيرة لإدارة بيئية من خلال وضع وزارة البيئة وأجهزتها، بمعاونة الجهات المختصة، ضوابط وشروط البيئية للأنشطة الواقعة عليها.
– في عام 2010 قرر الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق تشكيل لجنة من وزراء الإسكان والبيئة والري‏‏ لدراسة الأوضاع البيئية للجزيرة، بهدف وضع خطة للتصحيح البيئي فيها‏، وهو ما أثار الأهالي في ذلك الوقت، بسبب تخوفهم من اتخاذ أي إجراء يؤذيهم أو إقامة مشروعات تجبرهم على مغادرة مساكنهم.
-ومنذ عامين عانى بعض سكان الوراق من ملاحقات الجهات الأمنية لهم، على إثر إزالة منازلهم لاستكمال أعمال مشروع “محور روض الفرج” المار بالجزيرة، وقررت الحكومة وقتها صرف مبلغ مالي وصل لـ 200 ألف جنيه لملاك تلك الأراضي التي تقع ضمن نطاق المشروع.
– في أغسطس 2014 ناقش الدكتور مصطفى مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مشروع تطوير جزيرة الوراق ضمن مخطط تنمية وتطوير الجزر النيلية، وذلك مع الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات والدكتور علي عبدالرحمن، محافظ الجيزة آنذاك، مع التأكيد على أن المخطط الجديد هو:
تجميع المتناثرات مع الكتلة الرئيسية وتطويرها، وإنشاء امتداد للمنطقة البنائية على مسطح 50 فدانًا، وتحويل الجزيرة إلى متنزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل
– أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الأوضاع فيها في يونيو الماضي، وقال: «في جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقا للقانون المفروض ما يبقاش حد موجود عليها.. وبعدين آلاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدان ومش هذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تظهر جواها والناس تبني وضع يد».
كان أهالي جزيرة الوراق صباح الأحد 16 يوليو الجاري، قد فوجئوا  بقوات الأمن تحاصر الجزيرة في محاولة لطرد سكانها وإزالة المنازل،  مما أدى إلى اعتراض الأهالي وتظاهرهم رفضًا لتواجد قوات الأمن، وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق الأهالي، وقتل مواطن يدعى السيد حسن علي (26 عامًا)، وأصيب عشرات آخرون من بينهم عدد من المجندين.
وعقب تطور الأحداث وتجمهر المئات من أهالي القرية الغاضبين، قررت محافظة الجيزة تأجيل قرار الإزالة لأجل غير مسمى. وكانت وزارة الداخلية، أعلنت القبض على 10 من أهالي جزيرة الوراق بزعم اتهامهم بإثارة الشغب والاعتداء على قوات الأمن.

اعتبرهم سعوديين يا أخي !

تصوير: سيد حسن


مصر العربية



"الدول المتقدمة تضع المواطن فوق دماغها والدول التافهة تضع المواطن في دماغها".

الراحل جلال عامر.

***
الدولة تطاردنا، تحاول أن تعبئ الهواء في زجاجات كي توزعه علينا بالتساوي، وتعده ضمن إنجازات السيد الرئيس!

تساءلت كثيرًا عن السر الذي جعل الدولة لا تترك الفقراء وحالهم، ألا يكفيهم ما لديهم، لماذا يحلو لهم كل ما يملكه الفقراء؟!

القانون ينص على أن كل الأراضي الصحراوية ملك للجيش، وهل اعترض أحد؟! الجيش خط أحمر، لا يجب أن نتخطاه وإلا نُحاكم عسكريًا، ونوضع في زنازين مكدسة بأكوام اللحم البشري!

هل يمكن لكادح يظن أن القوانين ليست ظالمة طالما يجد الخبز، ويؤمن أنه يعيش في أزهى عصور الحرية طالما بيته الصغير لم يصبه دور الإزالة، ويعتقد أنه تعلم كل شئ في الحياة لأنه يجيد الفلاحة أو الصيد أو النجارة أو الحدادة أو الحياكة، ويؤمن بأنه يكسب جيدًا لمجرد أنه ما زال على قيد الحياة، أي حياة، حتى لو لم تكن كريمة، أن يعترض على أن رئيس الجمهورية تفرّغ تمامًا لكتابة قرارات جمهورية تعطي القوات المسلحة حق الحصول على آلاف الفدادين من الأراضي في شرق مصر وغربها، في صحرائها وطرقاتها ونيلها وبحرها؟! الإجابة -لا- لن يعترض، ولن يفكر، فإنها قوات، ومسلحة؟! وهو فقير ومصري!

لماذا تضع الدولة "التافهة" المواطن في دماغها، بينما هو لا يضع في دماغه إلا "كيف يحصل على قوت يومه وأولاده؟!"

لماذا تتنافس قوات الأمن المصرية مع جارتها الإسرائيلية، على أن يتم التقاط صور وهم يهجرون السكان الأصليين لمنطقة لمصر، كما يهجر أهالي فلسطين؟!

لماذا تطمع الدولة في "كحكة" الفقير أو اليتيم، وتنظر إلى عششهم التي قد تتحول إلى قصور بميزانية ربع إعلان من إعلانات السيد أحمد أبو هشيمة زود الله قنواته وجرائده وأذرعه الإعلامية؟!

الدولة تزعم محاربة العشوائيات، ولكنها لا تحارب إلا ساكنيها، تدعي محاربة الفقر وتحارب الفقراء، تعلن أن المواطن في قلبها وتضعه في دماغها!

***
فوجئ أهالي جزيرة الوراق أمس الأحد 16 يوليو، باقتحام قوات الأمن لجزيرتهم، ومحاولة هدم المنازل والعشش، بدعوى الحفاظ على المال العام ولأنها مخالفة للقانون لكونها ملك الدولة؛ أي دولة؟! -دولة الجنرالات ورجال الأعمال-الدولة إن لم تراع الدولة هؤلاء الفقراء وساكني العشش والبيوت الصغيرة فلا تصلح أن يطلق عليها دولة. كما لا يمكننا أن نطلق عليها "تكية" فالتكية لها أغراض دينية منها دينية صوفية، وتساعد عابري السبيل لوجه الله، أما دولتنا فتقتل عابري السبيل، لذا سنطلق عليها كما أراد رئيسها، "شبه الدولة".

قتلت قوات الأمن شابًا من أهالي جزيرة الوراق، اسمه "سيد حسن على الجيزاوي" لماذا؟!

حاول بيع الجزيرة للسعودية فاتهمه الأمن بالخيانة؟!

- الإجابة "لا" كل ما في الأمر أنه كان يدافع عن منزله الصغير الذي ولد فيه، فوضعته الدولة في "دماغها" وقتلته.. ليس هذا فحسب، بعدما صعدت روح "الجيزاوي" إلى السماء، وتباطأت المستشفى في تسليم جثته إلى ذويه مما أثار غضبهم، حصلوا على جثته بالقوة طالما أن القانون لم يوضع إلا لإذلالهم؛ فماذا حدث؟!

- اتهم الدكتور أحمد حجاج، مدير المستشفى، أهالي الضحية في محضر رسمي، بالاستيلاء على جثة الجيزاوي!
جميل، قَتل ابنهم لأنه يدافع عن منزله، وهم الآن متهمون بسرقة جثته، وقد يسجنون!

جزيرة الوراق تبلغ مساحتها نحو 1400 فدان، ويسكنها حوالي 60 ألف مواطن، ولها موقع متميز، حيث تقع على ضفاف النيل، ويحدها من الشمال محافظة القليوبية ومن الشرق محافظة القاهرة، ومن الجنوب محافظة الجيزة.

ويبدو أن موقعها جعلها عرضة لانتهاكات شبه الدولة، فالداخلية كشفت أنها وقت اقتحامها الجزيرة كانت تنوي هدم 700 منزل.

***
لم تكن جزيرة الوراق وحدها تعاني بطش الدولة، سبقتها جزيرة "القرصاية" والتي تخطى عدد سكانها نحو 6 آلاف مواطن، ومساحتها حوالي 139 فدانًا، وتعد جزءا من جزيرة الدهب الواقعة في محافظة الجيزة وتتبعها إداريًا؛ ويسكنها فلاحون وصيادون خاضوا معارك طويلة مع الجيش ورجال الأعمال، لوقف المحاولات المتكررة لتهجيرهم من أراضيهم، وهدم منازلهم.

في 11 سبتمبر 2007، فوجئ أهالي جزيرة القرصاية بمحاولة اقتحام عناصر من الجيش جزيرتهم، وجاءوا على متن مراكب كيبرة وكأنهم غزاة يريدون احتلال الأرض، واستعمل الجيش الهراوات والعصي الكهربائية حينها. وفق ما ذكرت جريدة المصري اليوم.

حصل أهالي الجزيرة على حكم قضائي في 2010، يؤكد على حقهم في جزيرتهم، وكالعادة لم تلتزم الدولة بهذا الحكم، وضربت به عرض الحائط، وفوجئ أهالي الجزيرة  في 18 نوفمبر 2012 بقوات من  الجيش تقتحم الجزيرة عبر، مما اضطر أهالي الجزيرة للدفاع عن أنفسهم وعن بيوتهم بأجسادهم، وأسفرت الأحداث عن مقتل صياد يدعى محمد عبد الجواد، 25 سنة، واعتقال 25 شخصًا وتقديمهم لمحاكمة عسكرية  بتهم التعدي على عناصر القوات المسلحة.

***
بعد ثورة يناير، وبعد مطالبات بمحاكمة مبارك "محاكمة عادلة" ظهرت مجموعة قليلة تحاول التأثير في مشاعر من يطالب بمحاكمة مبارك قائلة: "اعتبره أبوك يا أخي".

وبعيدًا عن أن الرد المنطقي لأصغر مواطن كان: "أبي لم يسرق ولم يأمر بتعذيب الناس في مقرات الأمن الوطني ولم يرتكب كذا وكذا..".

هناك شئ ما يشعرني بأن من كانوا يطالبون باعتبار مبارك أب لنا، هم نفسم الذين قالوا تيران وصنافير سعودية، وهم من يؤيدون قرارات الحكومة الاقتصادية التي لن تؤدي إلا لمزيد من الفقر، وهم من يؤمنون بأن مصر تحتاج إلى رجل عسكري لحل كل المشاكل، وطبعًا هم من يؤيدون تهجير أي مواطن من أي مكان من دون نقاش بالتوزاي مع مطالبتهم المستمرة للمواطنين بحماية الشرطة والدولة.

ودارت الأيام لنترجى كل واحد من هؤلاء الذين يؤيدون كل شئ ليس في صالح الشعب ونقول له: رغم أن السعوديون ليسوا أصحاب الأرض، وأن هؤلاء الغلابة الذين تهجرهم الدولة قسرًا هم السكان الأصليين للبلاد؛ لكن "اعتبرهم سعوديين يا أخي".

خطاب السيسي الموزون (6)

كارتون الاشتراكيون الثوريون



في ذكرى 30 يونيو ألقى السيسي خطابًا موجهًا معشر "السيساوية"، واصفًا إياهم بالشعب المصري، هذا الشعب الخاص الصغير المنغلق على نفسه، والذي يشعر بإنجازات ومشاريع عملاقة، ويحب السيسي جدًا أكثر من مصر ذاتها، وجه خطابه لهذا الشعب الذي يمقت الحرية، ويؤيد الخطوات القاسية، ويتهم من قال أن تيران وصنافير "مصرية" بالخيانة، ويحب بناء السجون واعتقال الشباب، ولا مانع لديه أن يرى الدماء تنتشر في كل بلدة وشارع وبيت، بل إنه لا يتحمل العيش من دون رؤية الدماء.

لم يكن خطاب السيسي لرجل يتعارك مع سائق الميكروباص بعد زيادة أجرته، ولا لطفل اعتاد الجلوس أمام السجون لرؤية أبيه الذي رفض بيع الأرض، ولا لسيدة تهمس في أذن أحد الركاب قائلة "ممكن تدفع لي الأجرة؟" ولا لتاجر صغير كتب على سلعته "نأسف لزيادة الأسعار" ولا لصحفي فقد عمله بسبب حجب المواقع الإلكترونية، ولا لحقوقي مُنع من مغادرة البلاد لأنه يدافع عن الحقوق.

الخطاب كان لشعب خالي من شباب الألتراس، والإسلاميين، والليبراليين، واليساريين، والحركات الشبابية والأحزاب السياسية، والثوريين بشكل عام؛ إنه خطاب للقوم والعشيرة. فقط.

قال السيسي: "في مثل هذه الأيام، أثبت شعبنا العريق، أنه أكثر وعيًا مما تصور أعداؤه، وأقوى إرادةً مما اعتقد مَن حاولوا سلب إرادته، وأشد عزمًا ممن أرادوا به الشر".

لذا كان على السيسي ورجاله أن يحذروا من هذا الوعي، ومن ذاك العزم، وتلك الإرادة، فعندما يريد أن يعطي القوات المسلحة أراض مصرية؛ عليه أن يخبره بأنه لا يفعل هذا إلا من أجل الشعب، وأن يلقي التحية على مصر 3 مرات.

فمثلًا: عندما قرر تخصيص أراضي العاصمة الإدارية وتجمع زايد العمراني للجيش، بعد قراره رقم 57 لسنة 2016، لم تكتب الجرائد التابعة للنظام هذا الخبر فقط؛ ولكنها قالت "تم اتخاذ هذا القرار بعد أن قرر رجل الأعمال الإماراتي، محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة «إعمار» العقارية الإماراتية الانسحاب من خططه لإقامة عاصمة إدارية جديدة في مصر" وبالتالي تدخل الجيش لينقذ الموقف ويملك العاصمة الإدارية التي لن يستفيد الشعب منها ربع جنيه؛ هكذا يكون الحذر.

* عندما يقول أنه خصص مساحة 2815.14 فدانًا بكفر الشيخ، لصالح القوات المسلحة بقراره رقم 270 لسنة 2016. عليه أن يرفق السبب وهو "إنشاء مشروعات الاستزراع السمكي من أجل الشعب".

* قرارًا جمهوريًا رقم 313 لسنة 2016 بالموافقة على تخصيص مساحة 6174.17 فدانًا من الأراضي المملوكة للدولة لصالح القوات المسلحة، لاستغلالها في الاستزراع السمكي من أجل الشعب.

* قرار رقم 332 لسنة 2016 بإعادة تخصيص مساحة 107.55 فدانًا من الأراضى المملوكة للدولة بجهة مثلث الديبة غرب بورسعيد لصالح القوات المسلحة لاستخدامها فى مشروعات للاستزراع السمكى؛ وإياك أن تنسى (من أجل الشعب).

أما أن يملك الشعب شيئًا فهذه مسألة أخرى!

قال السيسي: "في مثل هذه الأيام المجيدة، انتفض المصريون بأعدادٍ غير مسبوقة، ليسطروا ملحمةً وطنية فريدة، عمادها الحفاظ على الوطن، أرضِه وهويته، استقلاله وحريته".

نعم هناك من انتفض من أجل استقلال الوطن، ومن أجل ألا تسيطر جماعة واحدة عليه، لكن الذي حدث أن أرض الوطن التي انتفض من أجلها المصريون قد تقلصت مساحتها بعد بيع تيران وصنافير المصريتان بحكم التاريخ والجغرافيا والأحكام القضائية، للملكة العربية السعودية، لتستفيد منها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولعل التسريبات التي بثتها قناة إعلامية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في فبراير 2017، واحتوت على مكالمة بين وزير الخارجية المصري سامح شكري والمحامي الشخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويكشف محتوى التسريب تنسيقا بين الطرفين بشأن جزيرتي تيران وصنافير، ووفق التسريب، يقول شكري "إن مصر وافقت على مقترح المحامي الإسرائيلي بأن القاهرة لن توافق على أي تعديل على الاتفاقية دون الموافقة المسبقة لحكومة إسرائيل" -لعلها- لا تدل إلا على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي المستفيدة تمامًا كما تعد دليلًا قاطعًا على أننا لسنا دولة مستقلة.

السيسي: "لقد كانت ثورة الثلاثين من يونيو نموذجًا فريدًا في تاريخ الثورات الشعبية، لن يُمحَى من ذاكرة من عايشوه، وسيظل ملهماً لأجيالٍ مقبلة من أبنائنا وبناتنا، وسيتوقف المؤرخون والباحثون كثيراً، أمام ثورة 30 يونيو، بالدراسة والتحليل".

أتفق مع الرئيس المصري في كل ما قاله، الـ30 من يونيو انتفاضة فريدة، انتفاضة شعب قام بثورة وثورة مضادة، ثورة من أجل الحرية وأخرى من أجل أن يتولى أعداء الحرية مقاليد الحكم.

لن يُمحى تاريخ 30 يونيو من ذاكرة من عايشوه، فمن كان يتوقع أن قادة هذا الحراك سيجنون أو يهجرون قسريًا أو يمنعوا من مغادرة البلاد؟!

على المؤرخين ألا يتوقفوا عن دراسة وتحليل ما حدث في 30 يونيو، وعلى الأطباء أيضًا أن ينضموا لهذا الدراسات، وأعتقد أنهم لو فعلوا لاستحدثوا مصطلحًا يُدعى "متلازمة 30 يونيو" وستطلق هذه المتلازمة على كل شعب يثور ثم يثور ضد ثورته. ويتخذنا العالم عبرة ويضرب بنا الأمثال.

على المؤرخين أيضًا أن يؤرخوا ما يحدث على الأوراق أو على الجدران، لأنه في ظل نظام مثل هذا، قد لا يتبقى للأجيال القادمة سوى ما كتبه أحد البهاليل عن الديمقراطية والحكم الرشيد ومحاربة الإرهاب ومحاربة الفساد واستقلال القضاء، لو لم يؤرخ المؤرخون ما حدث بعد 30 يونيو لعاشت الأجيال القادمة في أكذوبة كبيرة قد تجعل من محمود بدر "جيفارا ثورة 30 يونيو".

السيسي: "أكد الشعب المصري مجددًا، بأنّ الدين لله والوطن للجميع".

قد يكون هذا ما أكده الشعب المصري، مع شكوك تراودني في صحة هذا؛ لكن يبدو أن السلطة الحاكمة أكدت عكس ذلك تمامًا. الوطن ليس للجميع، الوطن لهؤلاء الذين يفصّلون القوانين، ويطبخون الدساتير، ويحكمون بغير العدل، ويقتلون المعارضين خارج إطار القانون، الوطن الذي تحكمه هذه السلطة ليس لمشجعي كرة القدم، ولا لمشجعي أي شئ غير الرئيس.

خلال يومين: القبض على 700 مشجع للأهلي والزمالك من محيط استاد برج العرب. هذا ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في 10 يوليو الجاري.

60 ألف سجين سياسي.. هذا ما رصده تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان؛ والذي يحمل عنوان "هناك متسع للجميع" عن سجون مصر قبل وبعد ثورة يناير، كما يرصد التقرير 19 سجنًا شُيّدوا بعد ثورة يناير.

المنظمة ذاتها نشرت تقريرًا بعنوان "التغريبة الثالثة" يحتوي على 22 شهادة من مهجرين لم يهجروا طوعًا واختيارا، ولكنه "الرحيل بحثا عن أفق سياسي أرحب لا يسيطر فيه الخوف والتفتيش في الضمائر، بعيدًا عن القمع و التخوين والملاحقة والتشهير" بحسب وصف الشبكة.

وإذا كان الوطن للجميع، فالجميع لمن يحكمون الوطن.

السيسي: "اليوم، بعد أربع سنوات، بات صوت مصر مسموعًا".

صحيح، بات صوت مصر مسموعًا، الوكالات الأجنبية تتحدث عن انهيار اقتصادي، وعن قمع غير مسبوق وعن عودة قانون الطوارئ من جديد، وعن حجب أكثر من 122 موقعًا إليكترونيًا، منهم موقع رياضي وآخر يهتم بشؤون السيدات فقط.

صوتنا مصر بات مسموعًا لمن يريدون الكتابة الساخرة، أو يحبون رسوم الكاريكاتير، أو يجدون في الأمور المعقدة في بلد رجعي مادة جيدة للحديث والتحليل والتوقعات.

صوتنا مسموع جدًا، الأسوشيتد برس تحدثت عن (سعودة) تيران وصنافير؛ الايكومونست كتبت عن "خراب مصر" والجارديان قالت "السيسي أصبح طرفًا في قضية مقتل ريجيني" وهيومان رايتس ووتش أصدرت بيانًا تطالب فيه السلطات المصرية بعدم ترحيل عشرات الصينيين من أقلية الإيغور المسلمة إلى الصين، حيث يواجهون خطر الاحتجاز التعسفي والتعذيب في بلادهم.

وتقريرًا عن حياة القبور في سجن العقرب؛ وآخر عن المنع التعسفي من السفر. وبيان مشترك مع العفو الدولية عن إعدامات غير قانونية في سيناء.

السيسي: "انطلقت المشروعات الكبرى في أرجاء مصر كافة، بهدف تغيير واقع مصر ومعالجة ما طال أمده من مشكلاتها وأزماتها الاقتصادية".

ربما يقصد بالمشروعات الكبرى مشروع التفريعة الذي لم يرينا من إنجازاته إلا ما يريه الرجل لزوجته ليلة الدخلة.

وعن الحلول الاقتصادية الصعبة التي اتخذها دون مراعاة للفقراء، فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير صدر في يوليو الجاري، ارتفاع معدل التضخم خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 31%، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2016. كما قال الجهاز أنه "ارتفعت معدل أسعار الأغذية والمشروبات على أساس سنوي بنحو 41%، مقارنة بشهر يونيو من العام الماضي".

ورفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود والغاز الطبيعي بنسب تصل إلى 42%. كما أعلنت زيادة أسعار شرائح استهلاك الكهرباء المنزلية، في خطوة تستهدف إلغاء الدعم عن المحروقات والطاقة بحلول عام 2022، وفقا لخطط جرى الاتفاق عليها مع مؤسسات التمويل الدولية لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري.

لا يمكن أن يتغير واقع مصر إلى الأسوأ في ظل موجة ارتفاع كبير في معدلات التضخم، الأمر الذي أثر سلبا على مستوى معيشة المواطنين.

والحكومة التي تزعم أنها تتخذ إجراءات صعبة من أجل خفض عجز الموازنة، عليها أن تعترف الاعتراف بأنها تتخذ إجراءات صعبة من أجل ارتفاع عجز المواطن.

هل تخوض مصر حربًا عسكرية في ليبيا؟


HO VIA AFP

مدد

عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف حافلة تقل أقباطًا في محافظة المنيا، 26 مايو الماضي، والذي أسفر عن مقتل 29 قبطيًا وإصابة 24 آخرين وأعلن "داعش" مسؤوليته عن الهجوم؛ وجهت القوات المصرية 6 ضربات جوية في شرقي ليبيا قرب مدينة درنة.
قال وزير الدفاع صدقي صبحي عن الضربات الجوية "إن هدف الضربات المركزة التي نفذتها القوات الجوية في ليبيا هو ردع التنظيمات الإرهابية وهو حق أصيل للدولة المصرية ضد كل من تسول له نفسه المساس بقدسية الوطن وسلامة أراضيه".
وأعلن الجيش المصري أن قواته الجوية نفذت ضربات على معسكرات للمتشددين في ليبيا تأكدت مشاركتهم في تخطيط وتنفيذ الهجوم.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنه تم توجيه ضربة عسكرية لما أسماه بالمعسكرات التي تدرب إرهابيين لتوجيه ضربات ضد مصر. وفي إشارة لأنها ليست الضربات الأخيرة التي ستوجهها القوات المصرية لجماعات متطرفة في ليبيا، أضاف السيسي في حديثه عقب اجتماع أمني لبحث تداعيات حادث هجوم المنيا 26 مايو الماضي إن "مصر لن تتردد في توجيه ضربات لأي معسكرات يتم التدريب فيها لتهديد الأمن القومي المصري في أي مكان في داخل مصر أو في خارج مصر".
وتابع: "بعد سقوط النظام في ليبيا كنا منتبهين وعارفين إن هيجي لنا شر كبير وخلال السنتين اللي فاتوا دمرنا 1000 عربية دفع رباعي وخلال الـ3 شهور اللي فاتوا احنا مدمرين 300 عربية"
(هل استهدفت الضربات الجوية قتلة الشهداء؟)
الروايات الرسمية المصرية والإعلام المصري يزعمان أن القوات المصرية وجهت ضرباتها لمرتكبي الحادث الإرهابي في المنيا، لكن وكالة أنباء "رويترز" لها رواية أخرى.
ففي تحليل نشرته على موقعها بعنوان "هل تقصف مصر المتشددين المطلوبين في ليبيا؟" قالت "استهدفت الضربات جماعات إسلامية متشددة غير تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلن المسؤولية عن هجوم يوم الجمعة الذي قتل فيه العشرات بمحافظة المنيا في صعيد مصر، ويبدو أن المقصود منها دعم حلفاء السيسي في شرق ليبيا" وتقصد اللواء خليفة حفتر.
ونقلت رويترز عن إتش.إيه هيلر كبير الباحثين بالمجلس الأطلسي "أعلن تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عن هجمات المنيا وهناك عناصر من الدولة الإسلامية ناشطة في ليبيا.. لكن التقارير الواردة تشير إلى أن القاهرة تستهدف جماعات أخرى".
وقالت ميشيل دون، مديرة برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، أن "قصف معسكر للإرهابيين في ليبيا من الجو أسهل من حل مشاكل خطيرة داخل مصر، مثل الطائفية والتطرف، والتي أدت لهذا الهجوم وغيره من الهجمات".
وأضافت: "كل الإرهاب المروع الذي يحدث داخل مصر له محركات داخلية بحتة، وربما كان سيحدث حتى لو لم يكن للدولة الإسلامية وجود. إنه لا يختلف كثيراً عن الإرهاب المحلي الذي عاشته مصر في التسعينات قبل أن يكون لتنظيمي القاعدة أو الدولة الإسلامية وجود".
وقال مختار عوض، الباحث في شؤون التطرف بجامعة جورج واشنطن، إن هجوم المنيا كان عاملاً مساعداً لمن هم داخل الحكومة والجيش في مصر، الذين يؤيدون التدخل العسكري في ليبيا.
تقول مصر إنها لا تستهدف جماعات معينة، لكنها تلاحق كل المتشددين الذين يمكن أن يمثلوا تهديداً لأمنها. وقال متحدث باسم الجيش المصري لوسائل الإعلام الحكومية يوم الإثنين، إن كل الجماعات المستهدفة تتبنى نفس فكر منفذي هجوم المنيا، وإن هذا سبب كاف لقصفهم.
وقال مصدر بالمخابرات المصرية "احنا مش مهم عندنا الأسماء... كلهم إرهابيين.. والمعلومات اللي عندنا إن تلك المعسكرات تؤوي عناصر مسلحة مصرية شاركت من قبل في عمليات إرهابية في مصر مثل الضابط السابق هشام عشماوي اللي شارك في تنفيذ محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم والنائب العام".
وقال محمد الجارح المحلل السياسي بالمجلس الأطلسي في ليبيا إن "من المرجح أن الضربات الجوية كانت مخططة مسبقًا، وإن هجوم المنيا كان فرصة لتنفيذها في إطار سياسة أوسع لدعم حفتر، إذ تقصف مصر جماعات تمثل أقوى معارضة له، وتعتبر مصر أي نشاط للمتشددين في شرقي ليبيا قرب حدودها تهديداً لأمنها القومي. ومن بين أسباب دعم السيسي لحفتر منذ عام 2014 ضمان إخراج كل الإسلاميين المتشددين من شرقي ليبيا"
ويقول الجارح إن السيسي يتدخل بدرجة أكبر الآن بسبب تحسن العلاقات مع واشنطن. وهو يعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطاه الضوء الأخضر لمحاربة المتشددين في ليبيا وغيرها.
وحين أعلن السيسي عن الجولة الأولى من الضربات الجوية عبر التلفزيون يوم الجمعة، ناشد ترامب تقديم الدعم له.
أكملت الوكالة "في المقابل استنكر مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها قصف سلاح الجو المصري لمواقع "آهلة بالسكان" في المدينة. وأكد المجلس في بيان أنه لا علاقة له بما حدث في مصر من اعتداءات على المدنيين العزل في المنيا.
وكان لـ BBC أيضًا روايات غير الرسمية وغير رواية الإعلام المصري فذكرت على موقعها باللغة العربية أنه "تثار شكوك حول أهداف الهجمات المصرية، إذ أن تنظيم "الدولة الإسلامية"، الجهة التي تبنت هجوم المنيا وهجمات مشابهة، معلوم وله تواجد واضح داخل مصر وداخل ليبيا، فلماذا تستهدف القاهرة حركات وجماعات أخرى غير تلك المسؤولة عن الهجمات؟!
وكانت هناك توقعات في عام 2014 بتطور الدور الذي تلعبه مصر مستقبلًا في ليبيا، خاصة بعد مقتل 21 من عناصر الجيش المصري في هجوم مسلحين على إحدى نقاط حرس الحدود بمحافظة الوداي الجديد؛ بالقرب من الحدود مع ليبيا في يوليو 2014.
وكان الرئيس السيسي قد وجه في 2014 دعوات للمجتمع الدولي بمواجهة مسئولياته "الأمنية والأخلاقية والسياسية" تجاه ليبيا.
وهذه ليست المرة الأولى التي توجه مصر فيها ضربات جوية لمتشددين في ليبيا، في فبراير 2015، وجهت المقاتلات المصرية والليبية ضربات لمواقع تنظيم "داعش" في مدينة درنة شرقي ليبيا. وأعلن الجيش المصري حينها أن "الضربات الجوية داخل ليبيا، ردًا على إعدام التنظيم 21 مصريا.
(وثيقة مسربة في عام 2014 تسمح بتدخل مصر عسكريًا في ليبيا)
في سبتمبر من عام 2014، كشفت وثيقة مسربة عن اتفاقية تعاون عسكري بين الحكومة المصرية ووزارة الدفاع في الليبية، وتحمل الوثيقة عنوان "اتفاقية تعاون عسكري استراتيجي مشترك بين مصر ودولة ليبيا"، وتسمح الاتفاقية للطرفين باستخدام المجال الجوي لأغراض عسكرية وإرسال عسكريين على الأرض.
وحددت مدة الاتفاقية خمس سنوات قابلة للتجديد، وفتحت المجال لانضمام طرف ثالث يتوافق عليه الطرفان.
والوثيقة التي وُسمت بأنها "سرية جدًا"، مكونة من ثلاثة أقسام رئيسية وقعها كلها عن الجانب المصري، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في الجيش اللواء أركان حرب "محمد محسن الشاذلي".
تنص الاتفاقية على أن أي اعتداء أو تهديد يقع على أي منهما يعتبر اعتداء على الآخر، وتتخذ على أثره جميع التدابير بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.
وبناء على الاتفاقية، يتعهد الطرفان بعدم إبرام أي اتفاق دولي أو دخول علاقات دولية تتنافى مع أغراض الاتفاقية.
كما تنص على أن التصريح بالمرور في المجال الجوي العسكري يتم بمجرد تقديم طلب لوزارة الخارجية، بينما تنفذ الطلعات في مسارات الطيران المدني والعسكري في جميع الأوقات على أن يتحمل الجانبان الكلفة المادية.
المادة السادسة من الاتفاق العام فتنص على أن "يتشاور الطرفان في ما بينهما، بناء على طلب أحدهما، كلما هددت سلامة أراضي أي منهما، أو استقلاله أو أمنه".
أما البند التاسع وهو الأخطر على الإطلاق فينص على أنه لا يحق للطرف المستقبل (ليبيا) مقاضاة أي عسكري من الطرف المرسل (مصر) يرتكب جرمًا أو مخالفة، بل يعاد إلى بلده ليُحاكم فيها، ونص على تنازل الطرفين عن المطالبة بأي تعويضات عن إتلاف الممتلكات أو إصابة أشخاص أو وفاتهم.
(إعلامي سعودي يبشر بتدخل مصر عسكريًا في ليبيا)
"أزمة اليوم مختلفة، حيث لا يوجد نظام في ليبيا، ومصر تواجه تحديات أمنية خطيرة داخلية. والأزمة الحالية أعظم خطرا على البلدين معا منذ مواجهة منفذ السلوم. مناشدات التدخل لم تخرج من القاهرة، بل معظمها من ليبيا نفسها"
هذا نشرته جريدة الشرق الأوسط لرئيس تحريرها السابق والإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد. ويرى الراشد في مقاله الذي نشر في عام 2014 أنه "ستضطر إحدى جارتي ليبيا، مصر أو الجزائر، إلى التدخل، ويبدو أن مصر هي المعنية بشكل أكبر، وإن كان الخطر يهدد كل الجيران، بلا استثناء"
وأضاف: "كنا نتوقع شيئا من التدخل من قبل مصر خلال الأشهر الماضية مع بداية المواجهات في العاصمة طرابلس، بين الجيش الوطني الليبي والجماعات المسلحة، إلا أن القاهرة بقيت على الحياد. ومع سقوط المواقع الحكومية تباعا في قبضة الجماعات المسلحة، أصبح واضحا أن المواجهة المصرية معها صارت مسألة وقت، سواء أرسلت مصر قواتها إلى ليبيا أو أن الجماعات المسلحة غزت التراب المصري"
ويؤكد على أنه "قد تمتنع القيادة المصرية عن التدخل لبضعة أشهر أخرى، والاكتفاء بحماية حدودها، كما تفعل الجزائر الآن، لكنها تعرف أن هذه الجماعات الليبية المنشغلة في معاركها الداخلية، بعد أن تنظم صفوفها، ستوجه بنادقها إلى الحدود الشرقية. والمعركة المنتظرة ستكون مع دولة عبد الفتاح السيسي".
(مصر لديها الحق في التدخل العسكري في ليبيا)
هذا ما قاله اللواء محمود خلف، مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية لوكالة أنباء "سبوتنيك" التي تملكها الحكومة الروسية، فقد صرح خلف "أن لمصر الحق في التدخل عسكريًا في ليبيا وتقديم المساعدة العسكرية للجيش الليبي.
وأضاف خلف "دولة مصر تساعد الجيش الليبي، وهذا حق طبيعي ومعترف به دوليا من خلال المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تعطي الحق في التدخل عسكريًا لبلد مجاور، إذا كان ذلك يشكل خطرا على أراضيها، لذلك نحن لنا الحق بالتدخل لأن الجيش الليبي غير قادر على مواجهة الإرهاب
فهل اقتربت مصر من التدخل العسكري في ليبيا بزعم محاربة الإرهاب؟! هذا ما تثبته الأيام المقبلة.