البرازيل: جاري تحميل اليمين المتطرف


مرشح اليمين المتطرف لرئاسة البرازيل «جايير بولسونارو‍» ( مصدر الصورة : Wikimedia Commons / CC BY 3.0 )

مستعمرة برتغالية سابقة، يقطنها سكان أصليون وأحفاد الأفارقة الذين استعبدهم الاستعمار البرتغالي، ومستوطنون أوروبيون وجنسيات أخرى من شتى بقاع الأرض.مرت بمراحل كارثية، دماء سالت في شوارعها، وجوع أكل أجساد مواطنيها، انتشرت فيها الجرائمالمنظمة، وتجارة المخدرات، كما انتشر القمع السياسي؛ تنوعت فيها وسائل القمع، بيناغتيال واعتقال، وإخفاء قسري، تبخرت الطبقة الوسطى، وكان المجتمع ينقسم إلى شريحة جائعة، وأخرى ثرية جدًا، كان هذا نتاج حكم عسكري عانت منه المستعمرة السابقة طويلًا.

الحنين إلى الماضي
دخلت البرازيل خارطة الدول الواقعة تحت حكم عسكري في عام 1930، عندما تولى الجنرال جيتويلو فارجاس الحكم، ومن بعده تعددت الحكومات العسكرية، كانت تظهر بين الحين والآخر انتخابات، لكن سرعان ما يعود الحكم العسكري من جديد بعد انقلاب يزعم التدخل من أجل إنقاذ الفقراء، أو من أجل محاربة الشيوعية، أو لأسباب أخرى.
في عام 1964 كانت البرازيل على موعد مع المرة الخامسة خلال 75 عامًا لتدخل القوات المسلحة في السياسة البرازيلية، وبدأت تاريخًا جديدًا من حكم عسكري قمعي، ينتهج اقتصاديًا سياسة الاقتراض، ما أدى إلى إغراق البرازيل في الديون، وارتفاع معدلات الفقر.
في تسعينيات القرن العشرين، تراجع الجيش عن الحياة السياسية، وبدأت مرحلة الانتقال إلى الحكم المدني، وتبنت الحكومات المدنية المختلفة سياسات اقتصادية انفتاحية، أدت في النهاية إلى ضعف الاقتصاد أكثر، ورفع معدلات الفقر. 
في 1995 جاء الرئيس فيرناندو أنريك كاردوسو ليحاول إصلاح الاقتصاد البرازيلي، لكنه لم يتنازل عن سياسة الاستدانة الخارجية، فارتفع الدين الخارجي من 150 إلى 250 مليار دولار خلال فترة رئاسته، وارتفع الدين الداخلي بنسبة 900%.
ترك كاردوسو الحكم في عام 2002، وكانت البرازيل قد فتحت أبوابها للإفلاس غارقة في ديونها، وجوع أبنائها، وانعدام الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتعليم والصحة. مع نهاية 2002 أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية لتُظهر فوز مرشح اليسار ورئيس اتحاد النقابات العمالية «لولا دا سيلفا».

التجربة اللُّولَوية
الرئيس البرازيلي الأسبق «لولا دا سيلفا» في ضيافة علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية. ( مصدر الصورة : Agência Brasil/ Ricardo Stuckert/PR / CC BY 3.0 )

في كتابه «لولا البرازيل»، كتب ريتشارد بورن عن لويس أغناسيوس دا سيلفا الذي ولد في البرازيل، أكتوبر/تشرين الأول 1945: كانت طفولته قاسية وصعبة اجتماعيًا، لأنه ولد في منطقة فقيرة. وعائليًا، لأنه ولد في عائلة غير مستقرة، كان واحدًا من سبعة أولاد وبنات، وبعد أسبوعين من ولادته، سافر والده مع بنت عمه إلى ساو باولو بحثًا عن عمل، وعندما طالت مدة غيابه، ولم يرسل أخبارًا،
اعتقدت الوالدة أنه عثر على عمل، وانتقلت مع الأولاد والبنات إلى ساو باولو، لكنها فوجئت بأن زوجها تزوج بنت عمه، وعرفت أنهما كانا يعيشان قصة حب سرية منذ سنوات. اضطرت العائلة
أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في المدينة، خلف نادٍ ليلي تنبعث منه موسيقى صاخبة، وشتائم سكارى. بدأ لولا دراسته في سن مبكرة، غير أنه توقف عن التعليم  في الصف الخامس بسبب المعاناة الشديدة والفقر الذي أحاط بأسرته، الأمر الذي اضطره إلى العمل كماسح للأحذية وهو في العاشرة من عمره، لفترة ليست بالقصيرة بضواحي ساو باولو، وبعدها بمحطة بنزين، ثم خرّاطًا، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار، لينتهي به هذا الحال كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بمعمل «فيس ماترا» وحصوله على دورة لمدة ثلاث سنوات. وفي سن الـ 19 خسر لولا أصبعه الصغير من يده اليسرى.
لم تكن بداية لولا دا سيلفا سياسية، لكنه بدأ الانخراط في العمل النقابي عام 1969، كان هذا بعد وفاة زوجته الأولى متأثرة بمرض كبدي. وانتخب رئيسًا لاتحاد عمال الصلب عام 1975، حوله إلى حركة مستقلة قوية بعد أن كان الاتحاد تابعًا للسلطة، صار مواجهًا لها ومناصرًا لحقوق العمال.
وفي يناير/كانون الثاني 1980 تجمع مفكرون وعلماء ويساريون لتأسيس حزب جديد يواجه السلطة وينحاز للفقراء، وهو حزب العمال الذي كان دا سيلفا من مؤسسيه، ويُعد أول حزب اشتراكي في البرازيل، وبعد عامين من نشأة الحزب ضم الحزب لقوته منصبًا مهمًا وهو حاكم ولاية ساو باولو، وكان لولا حاكمًا لها، ومن هنا بدأت قصة كفاح كبيرة.
حاول دا سيلفا الوصول إلى كرسي الرئاسي مرات عدة، عام 1989 و1994 و1998، وفشل، لكنه وصل إلى مراد حزبه في العام 2002، حيث اعتلى حكم البرازيل، بعد حصوله على أكثر من 51 مليون صوت (62%)  ليصبح أول رئيس من صفوف الطبقة الكادحة العاملة يحكم البرازيل. أُعيد انتخابه
لولاية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006 بعد أن فاز بـنسبة  60% من أصوات الناخبين في الجولة الثانية، وأصبح رئيسًا للجمهورية حتى الأول من يناير/كانون الثاني 2011.

ماذا قدم لولا للبرازيل؟

تسلم لولا حكم البرازيل وهي غير قادرة على سداد ديونها الخارجية الكبرى، كانت على وشك الإفلاس، وكان تعداد سكانها نحو 200 مليون مواطن، أغلبهم من ضحايا الفقر والجوع والبطالة.
في عهده تغيرت البرازيل بنسبة كبيرة، فمن إنجازات لولا مثلًا أن  توسعت البرازيل في الزراعة، واستخراج النفط والمعادن،واستغلت طبيعتها الضخمة من أراضٍ زراعية شاسعة وأمطار هائلة وبحثت عن مواردها المميزة لاستغلالها في التصدير لدول أخرى.
فمثلًا، أصبحالبن البرازيلي هو أكثر أنواع البن انتشارًا في العالم. كما توسعت البرازيل في الصناعة المتقدمة، كالسيارات والطائرات. تقول الأرقام إن شركة إمبراير Embraer البرزايلة، تعتبر ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية، وتمثل طائرات شركة إمبراير 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أمريكا.
كما اهتم لولابتنشيط قطاع السياحة عن طريق المهرجانات الجماهيرية التي تشهد حالة من الاحتفال الجماعي في الشوارع برقصات السامبا والموسيقى والألوان والاستعراضات، ونجحت البرازيل في استقبال 5 ملايين سائح سنويًا. كذلك شكلت البرازيل مع روسيا والصين والهند مجموعة البريكس في 2009 ثم انضمت لهم جنوب أفريقيا في 2010.
بعد صعود لولا للحكم كان رجال الأعمال حينها ينتظرون مصيرهم بعد وصول أحد أبناء الطبقة الكادحة لرأس السلطة، وانتظروا سياسات اقتصادية تؤدي إلى هلاك تجارتهم وأعمالهم الخاصة، لكن لُولا سلك طريق اليسار لمحاربة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وعلى الجانب الآخر، انتهج سياسات ليبرالية تحمي صناعات الطبقة الرأسمالية وأعمالها، وهو ما جعل أبناء هذه الطبقة أكثر تأييدًا لحكم لولا دا سيلفا، وهو ما جعل شعبيته جارفة بين كل مواطني البرازيل، وظهرت مطالب شعبية حينها بتغيير الدستور لتمكينه من فترة رئاسية ثالثة، لكنه رفض بشكل قاطع ودعم ديلما روسيف مرشحة حزبه ورئيسة وزرائه السابقة.
مع نهاية عام 2011، أصبحت البرازيل قوة اقتصادية هائلة لا يستهان بها، وأكثر دول أمريكا الجنوبية نفوذًا، كما تقدمت على بريطانيا، فقد حققت نموًا بنسبة 2.7% في الوقت الذي حقق فيه الاقتصاد البريطاني نموًا بنسبة 0.8%. وعلى الرغم من أن الفارق الاقتصادي حاليًا بين الفقراء والأغنياء شاسع، فإن ملايين الفقراء قد خرجوا من دائرة الفقر والجوع إلى دائرة العمل والرعاية الصحية والتعليم الجيد. وانخفضت نسبة الفقر بشكل كبير، إذ تقلصت خلال 12 عامًا بأكثر من 73%.
أما الفقر المُزمن فانخفض من 10% إلى 1%، ومعدل الدخل زاد عند كل الفئات الاجتماعية. عند الأغنى، مثلًا، زاد بمقدار 23%. أما عند الأفقر، فبمقدار 84%. ولم تعد البرازيل تحتل موقعًا على خارطة الجوع لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وبنهاية 2005 لم تعد البرازيل مدينة، فقد أعلن الرئيس لولا دا سيلفا تسديد كامل القروض، وفي عام 2009 أصبحت البرازيل دائنة لدى صندوق النقد الدولي، ولديها اليوم احتياطي يقترب من 250 مليار دولار!

من اليسار إلى أقصى اليمين
بعد أن انتهت مدة رئاسة لولا دا سيلفا انتخبت ديلما روسيف رئيسة للبرازيل لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب في بلدها، بعد أن قدم لولا دا سيلفا لها الدعم الكامل خلال حملتها الانتخابية، وتعهدت بمواصلة سياساته.
كان والدها مهاجرًا من بلغاريا، انضمت في الستينيات وهي طالبة إلى المقاومة اليسارية المسلحة ضد الدكتاتورية العسكرية. وعلى الرغم من أنها تقول إنها لم تتورط أبدًا في أعمال عنف، فإنها كانت تُعتبر من الشخصيات الرئيسية داخل الحركة. اعتقلت لمدة 3أعوام وعُذبت أثناءها، حتى أُطلق سراحها عام 1973، واستأنفت دراستها في الاقتصاد، ثم انضمت بعد ذلك إلى السلك الحكومي.

الرئيس الأسبق «لولا دا سيلفا» يُقلد الرئيسة السابقة «ديلما روسيف» وشاح رئاسة البرازيل بعد فوزها في الانتخابات الرئاسية ( مصدر الصورة : Wikipedia / CC BY 3.0 BR )


عزل مجلس الشيوخ البرازيلي الرئيسة ديلما روسيف من منصبها في الأول من سبتمبر/أيلول 2016 بتهمة التلاعب بالحسابات العامة لإخفاء حجم العجز الفعلي، وذلك بعد أن صوت 61 سيناتورًا من أصل 81 من أجل إقالتها، وبذلك انتهت حقبة الرئيسة اليسارية التي كانت انتخبت عام 2010، وتنطوي معها بذلك فترة حكم استمرت 13 عامًا لحزب العمال الذي أسسه الرئيس السابق دا سيلفا، على أن يتسلم السلطة مكانها نائب الرئيس السابق ميشال تامر.



البرازيل ترجع إلى الخلف!
أدى ميشال تامر اليمين الدستورية رئيسًا للبرازيل في أغسطس/آب 2016 بعد ساعات من إقالة الرئيسة ديلما روسيف، لتنتهي بذلك 13 سنة من حكم اليسار للبلاد، تامر كان نائبًا للرئيسة روسيف وهو من قادة حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية الوسطى، وكان يعتبر من حلفائها السياسيين، لكنه لعب دورًا رئيسيًا في تنحيتها. وتعهد تامر في أول اجتماع وزاري رأسه عقب توليه منصب الرئاسة بإعادتها، رغم أنه متورط هو الآخر في فضائح فساد.
توقفت الحياة في البرازيل أيامًا عدّة توقفت المواصلات والبريد وأغلقت المدارس والجامعات، كان هذا إضرابًا عامًا يؤيده نحو 87%، حاولت الحكومة اليمينية الاستعانة بالقوى الأمنية، إلا أنّ الشرطة الفيدرالية أعلنت تأييدها للمحتجين ورفضت أن تكون جناحًا عسكريًا للحكومة، حدث هذا الإضراب بعد دعوة التقشف التي أطلقها تامر،  وبعد فشله الاقتصادي وانتشار رائحة الفساد في أنحاء البلاد.
طرحت حكومته مشروع خصخصة 168 شركة ومرفأ، وفي 2017 مرر ميشال تامر مشاريع خصخصة المطارات والمرافئ والبنوك الحكومية، ولجأ إلى تقديم مشروع قانون لخصخصة كبرى شركات الطاقة في البرازيل «التروبراس»، لكن الجدل الواسع والتدخل القضائي منعا بيع هذا القطاع الذي يغذي 35% من البرازيل بالطاقة الكهربائية، ويضم مشاريع الطاقة النووية.
كما  أن حكومته ارتكبت فضيحة احتيال كبرى، حيث قام منتجو لحوم برازيليون بتصدير لحوم فاسدة إلى دول عدة حول العالم. كما خرج سعر النفط والغاز من يد الحكومة، وأصبح متصلًا بشكل مباشر بالأسعار العالمية وقوة الدولار الأمريكي.
اكتسبت حكومته عداء الفقراء في فترة قليلة جدًا، فقد عمل ميشال على إلغاء المعونات الحكومية للأسر الفقيرة، وإغلاق الصيدليات الشعبية التي كانت تؤمن الأدوية بأسعار رمزية، وإلغاء مشروع السكن الحكومي، وتحديد المعونات الجامعية وتراجع في المؤسسات الصحية الحكومية وخصخصة المختبرات الطبية، أما الأخطر فهو في أنّ القطاع الخدمي بات خارجًا عن الدولة حيث تتحكم فيه شركات المال والأعمال الأجنبية.

محاولة اليسار من السجن

على الرغم من النهضة العظمى التي حققها دا سيلفا، فإنها لم تشفع له وقت أن اتهم هو الآخر في قضية فساد. فقد صدر الحكم على دا سيلفا، بعد اتهامه بالحصول على شقة سكنية على شاطئ البحر بمثابة رشوة من شركة «أواس» للبناء، وهي القضية الأولى بين 5 قضايا ضده، يواجه فيها الرئيس السابق اتهامات بالفساد وتلقي رشاوى واستغلال النفوذ وإعاقة مسار العدالة، وهي اتهامات
ضمن الملف الذي أطلقت عليه الصحافة البرازيلية اسم فضيحة «غسل السيارة»، المتعلقة بشبكة تنسقها شركات بناء للتلاعب بصورة منهجية بالصفقات العامة، ولا سيما صفقات شركة «بتروبراس» العملاقة الحكومية للنفط.
يقول المدعون العامون إن الرئيس البرازيلي الأسبق استفاد من امتيازات سخية (رشاوى) بقيمة 3.7 ملايين ريال برازيلي – 1.16 مليون دولار – أنكر دا سيلفا التهم الموجهة إليه، وزعم حزب العمال أن الحكم بإدانة دا سيلفا يأتي لمنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفي يوليو/تموز 2018 حكمت محكمة برازيلية بتشديد عقوبة سجنه من تسعة أعوام وستة أشهر إلى 12 سنة وشهر واحد.
دخل لولاالسجن وحاول الترشح من سجنه، وحاول حزب العمال أن يقدم كل الطعون الممكنة للحيلولة دون صدور حكم نهائى بمنع تسجيل ترشح لولا، مشددًا على أن الرئيس السابق المسجون هو مرشحه الوحيد، لكن الحزب لم يفلح في ترشيح لولا الذي كان يستحوذ على كل استطلاعات الرأي العام بنسب ضخمة.
ومن زنزانته بمقر الشرطة الفيدرالية بمدينة كوريتيبا جنوب البرازيل أعلن لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ترشيح تلميذه فرناندو حداد لخوض الانتخابات الرئاسية بدلًا عنه. وحظيت الخطوة سريعًا بموافقة حزب العمال البرازيلي.

لماذا صعد اليمين؟

استطلاعات الرأي الأخيرة أعطت مرشح اليمين 39% مقابل 15% لمرشح اليسار. وفي مقال نشره موقع بوابة الاشتراكي جاء فيه:
"يرتبط هذا التحول بسجل حزب العمال في الحكم، فعلى الرغم من بعض الإصلاحات التي حسنت من الأوضاع المعيشية والدخول للفقراء من عمال وفلاحين وسكان المناطق العشوائية، لم يشرع لولا دا سيلفا في تحدي مصالح الشركات الكبرى ورجال الدولة البرازيلية من ضباط وبيروقراطيين فاسدين، ومع عودة الأزمات الاقتصادية منذ 2008 بدأ الحزب في التراجع حتى عن إصلاحاته المحدودة وتقديم سلسلة من التنازلات للشركات الرأسمالية الكبرى، بل أصبح قادة حزب العمال جزءًا من النخبة الحاكمة المتورطة في منظومة الفساد البرازيلية.
استطاع أقصى اليمين أن يستثمر الغضب المتزايد ضد حزب العمال وفشله في تحقيق وعوده بالعدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة لصالح الفقراء. وقد ساعد أيضًا صعود اليمين المتطرف تضاعفُ معدلات الجريمة في المدن البرازيلية. وقد ركز بولسونارو على هدف عودة الأمن والنظام وتقوية الشرطة، بل ضرورة مشاركة الجيش في تأمين المدن البرازيلية. وبمثل تلك الشعارات استطاع تعبئة قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى وراءه. وهو لا يؤيد فقط دورًا أكبر للعسكر في الأمن الداخلي بل يؤيد علنًا دورًا محوريًّا لقادة الجيش في
السياسة".

يبدو أن شعب البرازيل لا يثق في بديل لولا دا سيلفا، فقد أسفرت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البرازيل الأحد 7 أكتوبر الحالي عن تقدم كبير لجايير بولسونارو مرشح اليمين المتطرف الذي حاز على نحو 46% من الأصوات. جايير بولسونارو أعلنها سابقًا: «أنا معجب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب»، فيبدو أن العالم سيرحب قريبًا بدولة أخرى يحكمها اليمين المتطرف.


هؤلاء تبخروا كما تبخر «جمال خاشقجي»

المهدي بن بركة، الإمام موسى الصدر، الأمير تركي بن بندر آل سعود، منصور الكيخيا، أمبروز بيرس

اختفى الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ذو الـ59 عامًا يوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في إسطنبول بعد دخوله القنصلية السعودية لإنهاء أوراق زواجه، وسربت السلطات التركية استنتاجها أن خاشقجي قُتل داخل المبنى، بينما أنكرت الحكومة السعودية، وقالت إنه خرج من القنصلية، لكنها لم تثبت خروجه بزعم أن «كاميرات القنصلية لا تعمل»، وما زالت التحقيقات التركية مستمرة، وما زالت التسريبات تتوالى، لكن الثابت أن خاشقجي لا أثر له، وأن قصة اختفائه ليست الأولى، ويبدو أن آلاف القصص المشابهة لا نعلم عنها إلا القليل، اخترنا لكم بعضها.

1. أمبروز بيرس

أمبروز بيرس، كاتب ساخر وصحفي ومؤلف قصص قصيرة أمريكي، وُلد في أوهايو عام 1842، اشتهر بقصته القصيرة «واقعة جسر أوول كريك»، ومنذ عام 1866 كرس حياته للكتابة والصحافة، وكتب في صحيفة «نيوز ليتر» في سان فرانسيسكو.
تنقل في بلاد عديدة منها، لندن وكاليفورنيا، وأخيرًا المكسيك، مكان اختفائه،  تقول سيرته المتداولة: «إنه عاش حياة في منتهى الغرابة والتنقل، ثم اختفى ذات يوم من دون أن يعرف أحد أين اختفى ولماذا وكيف؟ كل ما عرفه الناس عنه في ذلك الحين، أي في عام 1913، أنه كان يحاول متـــابعة مآثر الثائر المكسيكي بانشو فيلا ومغامراته وتنقلاته في أصقاع المكسيك، ثم فــقد الجميع أثره ولم يعد أحد يـراه أو يعرف عنه شيئًا منذ ذلك الحين».

2. بن بركة

المهدي بن بركة، معارض يساري مغربي. بدأ النضال ضد الاستعمار في السادسة عشرة من عمره، وفي الرابعة والعشرين وقّع على عريضة المطالبة بالاستقلال عام 1944.
تولى عدة مناصب في حزب الاستقلال المغربي، ثم انشق عنه وكوَّن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1959،كان معارضًا شرسًا للنظام المغربي، يعتبر أن الاستقلال المغربي «شكليًا» وأنه لا خيار لتحرير المغرب سوى بالثورة.
تعود قصة اختفائه بشكل غامض إلى عام 1965 في باريس بفرنسا، حيث كان يجلس في مقهى في الحي اللاتيني الباريسي في 30 أكتوبر، عندما اصطحبه شرطيان فرنسيان إلى مكان غير معلوم، ومن وقتها لا أثر له. اختلفت حوله الروايات، رواية تقول إن المخابرات المغربية قتلته، وأصحابها يزعمون أنه في ليلة 30 أكتوبر/تشرين الأول تم نقل جثة بن بركة على متن طائرة عسكرية إلى المغرب.
وفي دار المقري «مقر للتعذيب» تم تصوير الجثة وتسجيل عملية إذابتها في حمض الأسيد، لتُطوى صفحة المهدي بن بركة إلى الأبد، ورواية تتهم المخابرات الفرنسية بقتله، وأخرى تتهم الاحتلال الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، لكن الثابت إلى الآن، أنه تبخر ولم يعد له آثر.

3. موسى الصدر

الإمام موسى الصدر، عالم دين ومفكر وفيلسوف وسياسي وزعيم ديني شيعي ولد في 4 يونيو/حزيران عام 1928 في مدينة قُم الإيرانية، وهو ابن السيد صدر الدين الصدر المنحدر من جبل عامل في لبنان.
بالعودة إلى الوراء 40 عامًا، نجد أن موسى الصدر قد وصل إلى ليبيا في زيارة للمشاركة في احتفالات «ثورة الفاتح من سبتمبر»، بصحبة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، وتمت استضافتهم في فندق الشاطئ بطرابلس، وكانت الأمور على ما يرام، لكنه اختفى ورفيقاه فجأة،  وشوهد الصدر ورفيقاه آخر مرة في 31 أغسطس/آب 1978.
بعد اختفائه أعلنت السلطات الليبية حينها أن الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس مساء 31 أغسطس/آب على متن رحلة للخطوط الإيطالية متجهة إلى روما، وعثرت السلطات الإيطالية فيما بعد على حقائب الصدر والشيخ يعقوب في فندق «هوليداي إن» بروما.
أجرى القضاء الإيطالى تحقيقًا واسعًا في القضية انتهى بقرار اتخذه المدعي العام في روما بتاريخ 12 أغسطس/آب 1979، بحفظ القضية بعد أن ثبت أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضى الإيطالية.

4. ناصر السعيد

عمل ناصر في الشركة النفطية «أرامكو» وقاد مع مجموعة من زملائه حملة لتنظيم العمال في الشركة للمطالبة بحقوقهم ورفع الظلم عنهم، وكان ذلك بمثابة وضع اللبنة الأولى للعمل النقابي في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي دفع أرامكو إلى الاستعانة بالسلطات السعودية لفض التنظيم واعتقال القائمين عليه، مما ألجأ السعيد إلى دمشق حيث مارس نشاطه السياسي المعارض من هناك.
تنقل خلال الستينيات بين القاهرة وعدن وبيروت التي كانت آخر مكان يزوره قبل اختفائه. هذه قصة مختصرة جدًا عن السعودي المعارض ناصر السعيد، فبعد 30 عامًا من غيابه في ظروف غامضة في العاصمة اللبنانية عام 1979، خرجت زوجة المعارض السعودي المختفي، ناصر السعيد، عن صمتها في عام 2009، واتهمت المملكة العربية السعودية بالمسؤولية عن مصيره، وقالت إن السلطات السعودية انزعجت من انتقاد ناصر السعيد للطريقة التي تعامل من خلالها النظام مع مجموعة جهيمان العتيبي الذي قاد تمردًا  في ديسمبر/كانون الأول 1979.
ومن الروايات التي تواترت حول اختفائه، أن قياديين في حركة فتح، قبضا مبالغ طائلة من المملكة العربية السعودية مقابل اختطاف السعيد وتسليمه للسفارة السعودية في بيروت التي نقلته بدورها مخدرًا إلى مطار بيروت حيث وضع في طائرة خاصة ونقل إلى السعودية.

5. منصور الكيخيا

الكيخيا الذي ولد عام 1931، كان سياسيًا ودبلوماسيًا محنكًا، ومعارضًا بارزًا لنظام العقيد الراحل معمر القذافي. تدرج في مناصب رسمية مهمة في السلك الدبلوماسي، وعيّن في منصب الممثل الدائم لليبيا في الأمم المتحدة بين أعوام 1975 و1980، ثم استقال بعد ذلك وانضم إلى صفوف المعارضة الليبية.
أعلن استقالته ومعارضته لنظام القذافي احتجاجًا على سياسات التصفية الجسدية، التي يمارسها النظام الليبي آنذاك عبر اللجان الثورية، إضافة إلى احتجاجه على مقتل زملائه من قيادات البعث. انتخب منصور الكيخيا أمينًا عامًا للتحالف الوطني الليبي المعارض الذي أسسه عام 1986، وأرسى قواعد للحوار الديمقراطي للمعارضة الوطنية، ودعاها إلى تنسيق جهودها وتقسيم الأدوار فيما بينها لمواجهة النظام.
كما قاد برنامج عمل أزعج النظام الذي تخوف من الدور الفاعل للكيخيا ونتائجه محليًا وعربيًا ودوليًا، واختفى في ظروف غامضة أثناء مشاركته في اجتماع مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1993.
وفي عام 1993 وأثناء رحلة له في القاهرة لعقد ميثاق بين أطياف المعارضة الليبية، تم اختطاف الكيخيا أمام أحد الفنادق، ولم تظهر آثاره من وقتها إلا في عام 2012 حين كشف شقيقه عن تطابق عينات حمضه النووي مع عينة لجثة كانت سلطات التحقيق تعتقد أنها للإمام  اللبناني الشيعي موسى الصدر، مؤكدًا أن الجثة لشقيقه منصور.

6. رضا هلال

"إن وزارة الداخلية حشدت، منذ اليوم الأول، لاختفاء رضا، خيرة الضباط لهذه القضية، لم نترك أحدًا قال لرضا: «صباح الخير»، إلا وسألناه، كنا لا ننام، ولو استطعنا أن نأتي برضا «تركيب» لفعلنا حتى ننتهي من هذه القضية، فقد كنا فريق بحث من المباحث الجنائية والأمن العام وأمن الدولة، لم ننم."
هكذا صرح العميد ياسر الفقي، رئيس مباحث السيدة زينب بالقاهرة، في عام 2003، تعقيبًا على اختفاء رضا هلال، الصحفي المصري بجريدة الأهرام «الحكومية».
 في 11 أغسطس/آب من عام 2003، دخل هلال، العمارة التي يسكن فيها بمنطقة السيدة زينب، لكنه لم يتمكن من الصعود إلى شقته، تبخّر في أقل من دقيقة، ومن وقتها لا يعلم أصدقاؤه أين هو؟
لم تكشف أو تكتشف الجهات الأمنية المصرية سر اختفائه، الروايات حوله تعددت، منها «أن هلال ذهب إلى منتدى دافوس العالمي في الأردن في يونيو/حزيران 2003، وأنه تحدث كثيرًا هناك عن جمال مبارك، وأن الترتيب لخطفه بدأ منذ هذه اللحظة».
وفي هذا قال الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل إن هلال قُتل ودُفن في مكان مجهول بعد تسريبه معلومات خطيرة عن جمال مبارك. وأنه باح لأحد الأشخاص حول ثروة جمال مبارك وشراكته لرجال أعمال أجانب بينهم يهود في لندن.

7. ضيف الغزال

في طريق عودة الصحفي الليبي ضيف الغزال، من منزل أحد الأصدقاء، وبالقرب من إحدى مزارع الهواري في بنغازي شرقي ليبيا، اختطف بقوة السلاح. ادعوا أنهم من رجال الأمن، كان هذا في ليلة 21 مايو/آيار من عام 2005.
كتب الغزال في عدة جرائد ليبية، وكان عضوًا في رابطة الأدباء والكتاب الليبيين، وعمل صحفيًا في جريدة «الزحف الأخضر» قبل أن يأخذ موقفًا صارمًا من الصحافة الليبية ويعلن مقاطعته كل الصحف المحلية احتجاجًا على ما سماه «المسار المعوج» الذي تسلكه أركان الدولة.
كان ينتقد علانية فساد نظام الراحل معمر القذافي، كما هدد بنشر وثائق ومستندات حول انتهاكات وعمليات فساد واسعة، جعلت متشددي اللجان الثورية يحاربونه. وكتبت عنه مؤسسة الرقيب لحقوق الإنسان:
على الرغم من أن ضيف الغزال كان قد تلقى تهديدات كثيرة ممن يعتقد أنهم ثوريون متشددون، فإن الغزال بقي يكتب بلغة التحدي القوية، ويزيد في كل مرة من لهجة التحدي.


وفي 30 مايو/آيار 2005،  أبلغ مركز شرطة قاريونس أهل ضيف الغزال بأنهم عثروا على جثة مجهولة صباحًا، وطلبوا منهم الحضور من أجل التعرف على جثة مقيدة اليدين بدت وكأنها آخذة في التحلل، وفي يوم 3 يونيو/حزيران 2005 تم دفن ضيف الغزال، وقال تقرير الطبيب الشرعي إنه تعرض إلى عيار ناري بالرأس.

8. الأمير تركي بن بندر آل سعود

كان الأمير تركي بن بندر آل سعود مسؤولًا في جهاز الأمن السعودي، لكن نزاعًا مع أسرته على الإرث انتهى به إلى السجن. وبعد إطلاق سراحه، فرّ إلى باريس حيث بدأ في عام 2012 يبث مقاطع فيديو في موقع التواصل الاجتماعي يوتيوب يدعو فيها إلى ضرورة تبني إصلاحات في السعودية، حاول السعوديون إقناع الأمير تركي بالعودة إلى بلاده، وعندما اتصل نائب وزير الداخلية بالأمير تركي، سجل الأمير المحادثة ثم بثها على الإنترنت.
ولما طلب نائب وزير الداخلية من الأمير العودة رد الأخير: «ماذا عن الرسائل التي أرسلتها إلى ضباطك، والتي جاء فيها، يا ابن العاهرة، سنسحبك إلى بلدك مثل سلطان بن تركي». وظل تركي ينشر مقاطع الفيديو حتى يوليو/تموز 2015،  ثم اختفى في وقت لاحق من السنة ذاتها.
وبحسب موقع BBC قال صديق لتركي، وهو مدون وناشط يسمى وائل الخلف، «كان يتصل بي كل شهر أو شهرين، ثم اختفى لمدة أربعة أو خمسة أشهر. انتابتني الشكوك، ثم سمعت من ضابط كبير في المملكة أن تركي بن بندر معهم.
رحَّلوه إلى السعودية، اختطفوه، بعد بحث طويل عن أي أخبار تتعلق بتركي، عثرت على مقال في صحيفة مغربية جاء فيه أنه كان عائدًا إلى فرنسا بعد زيارة إلى المغرب عندما اعتقل وسجن هناك. ثم سُلِّم إلى السلطات السعودية بناء على طلب منها بموافقة محكمة مغربية».

9. سعود بن سيف

سعود بن سيف النصر من أفراد الأسرة المالكة، بدأ  في عام 2014، كتابة تغريدات تنتقد النظام الملكي في السعودية. ودعا إلى مقاضاة المسؤولين السعوديين الذين أيدوا عزل الرئيس المصري محمد مرسي بدعم من الجيش، وظهرت دعوات مجهولة لانقلاب على العائلة الحاكمة، فأيدها سعود علانية، وكان الأمير الوحيد من الأسرة الحاكمة الذي فعل ذلك.
وبعد مرور أيام قليلة، نشر تغريدة جاء فيها: «أدعو الشعب السعودي إلى تحويل فحوى هاتين الرسالتين إلى ضغوط شعبية» ثم تبخر. ويعتقد الأمير سعودي المنشق خالد بن فرحان آل سعود،أن الأمير سعود وقع في فخ لاستدارجه من مدينة ميلانو إلى العاصمة روما لمناقشة مشروع مع شركة روسية إيطالية كانت تسعى لفتح فروع في الخليج، وأن طائرة خاصة من الشركة جاءت وأخذت الأمير سعود، لكنها لم تهبط في روما وإنما في الرياض!

10. الأمير سلطان بن تركي

كان من ضمن الأمراء البارزين في الأسرة الحاكمة، تعرض للسجن والإقامة الجبرية، وفي عام 2010، سافر إلى مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس من أجل العلاج. وهناك تقدم بشكوى جنائية في المحاكم السويسرية اتهم فيها الأمير عبد العزيز بن فهد والشيخ صالح آل الشيخ بالمسؤولية عن اختطافه في عام 2003. وهو أول أمير سعودي يفعل هذا الأمر.
وفي يناير/كانون الثاني 2016، كان سلطان مقيمًا في فندق خاص بباريس، وكان ينوي زيارة أبيه المقيم في القاهرة وهو أيضًا أمير معروف بانتقاداته للحكومة السعودية. عرضت القنصلية السعودية عليه وعلى مرافقيه أي نحو 18 فردًا بمن فيهم طبيب خاص وممرضات وحرس شخصي من الولايات المتحدة وأوروبا استخدام طائرة خاصة، فوافق، لكن الطائرة لم تصل إلى القاهرة، واتجهت إلى الرياض. ولم تتسرب أي أنباء عن الأمير سلطان منذ هذه الأحداث.

رامي السيد.. “معتقل العزاء” الذي دفع الثمن حكما بالسجن 10 سنوات




“بُص يابنى …أنت مش هتشوف النور تانى”.. كلمات ربما لم يكن قائلها يقصد تحديدا المعنى الحرفي لها، غير أنها  غيرت مجرى حياة رامي السيد، بين يوم و ليلة  وجد نفسه  بين جدران السجن  لا يستطيع فرارا.
رحلة بائسة خاضها رامي السيد (29 عاما) من حياته التي اختارها في القاهرة إلى سجن المنيا الذي ذهب إليه اضطرارا، بدأت في مطلع سبتمبر  2014 عندما ذهب مع أصدقائه إلى حي بولاق الدكرور من أجل زيارة أسرة صديقهم الشهيد أحمد المصري في ذكراه الأولى.
أحمد المصري عضو حركة 6 إبريل لقى مصرعه في مطلع سبتمبر 2013  على إثر طلق ناري أصابه من قبل قوات الأمن أثناء توجهه إلى عمله في محيط ميدان مصطفى محمود فى 14 أغسطس 2013، على خلفية  الاشتباكات التي اندلعت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
ولحظ رامي ورفاقه العثر، هاجمتهم قوات الأمن أثناء وجودهم أمام منزل الشهيد أحمد المصري وألقت القبض على رامي و9 أخرين من أعضاء حركة 6 إبريل ووجهت لهم النيابة تهمة التظاهر و التجمهر.
 لكن النيابة أخلت سبيلهم بعد يومين فقط نتيجة عدم وجود أحراز سوى منشورين، وكانت النيابة في طريقها لحفظ القضية، لأنه لا توجد قضية أو تهمة من الأساس.
ظن رامي خريج كلية الألسن الذي يعمل مترجما أن الحياة استقامت له وأن بمقدوره ممارسة حياته بشكل طبيعي، لكن بعض الظن إثم، فبعد نحو عام على إخلاء سبيله تحديدا في 8 أكتوبر 2015، فوجئ أن محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة استدعت القضية مجددا من أدراجها وقضت غيابيا على رامي وزملائه بالسجن المؤبد على خلفية اتهامهم بالتجمهر وحيازة الأسلحة.
بعد نحو 10 أيام في 17 أكتوبر من العام ذاته، حدث ما لم يكن في الحسبان وجد رامي السيد نفسه مع صديقه  في قبضة قوات الأمن، بينما كانا يسيران في أحد شوارع منطقة سراي القبة إلا أن مكان الضبط تغير في المحضر إلى (فيصل) وبلا من عرضه على نيابة كلية تم عرضه على نيابة جزئية أخلت سبيله لأن الحكم غيابيا ولم يعلم المتهمين بالمحاكمة من الأساس.
غير أن تحريات المباحث وقف سدا منيعا أمام إخلاء سبيله، إذ أكدت في تحرياتها هروبه من حكم قضائي، إلا أن محامو “رامى” قدموا طلب لإعادة إجراءات المحاكمة، وتم تأييد استمرار حبسه ورفضت النيابة إخلاء سبيله.
لم يصدق رامي عودته مرة أخرى إلى غياهب السجن وهذه المرة سيقضي 25 عاما دفعة واحدة أي عمرا بأكمله، حكم قرره قاضي لم يمثل أمامه،لكن ليالي السجن الطويلة جعلته يستعيد ذكريات احتجازه في المرة الأولى ثم كتب بعدها رسالة موجعة.
“مش هتشوف النور تانى”، جملة اتقالتلي من حوالى سنه وهو بيحقق معايا وده كان على خلفية اعتقالي بتاريخ 1 سبتمبر 2014 لما كنت بقوم بواجب إنساني بزيارة أهل صديقى الشهيد “أحمد عابدين” الشهير بالمصرى رحمه الله أثناء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده)، بحسب  رسالة رامي من داخل السجن.
وقال في رسالته: (الجملة ساعتها رنت فى ودانى وكنت حكيتها لأصدقائي وكنا بنتريق عليها علطول، بس الاحساس الغالب عندى إنها هتتحقق !! ، وتمر الايام والشهور بعد ما تم إخلاء سبيلي فى خلال أربعه أيام ، وبعد سنه بالتمام والكمال أتفاجأ إن القضية اتحالت في السر إلى محكمة جنايات دائرة إرهاب ويتحكم عليا بمؤبد غيابيا،على إيد ملك الإعدامات والمؤبدات في المجرة ، وساعتها أيقنت من صدق نبؤة الشخص المهم اللى كان بيحقق معايا ، وطبعا هو شخص لا يحب أن يُذكر إسمه لأنى مكنتش شايف علشان معصوب العين) .
أضاف: ( ومابين أسئله بالساعات على شاكلة العمالة والخيانة وحروب الجيل الرابع والخامس والسادس لغاية الدور العاشر بعد الأرض واللى متهم بيها حركة شباب ٦إبريل ، لغايه أخر السيناريو اللى ختمه الباشا ساعتها بجملة: “بُص يابنى.. انت مش هتشوف النور تانى” ).
وتابع: (ساعتها اخدت الجملة دى بسخرية وكنت سارح بعقلى وهو بيتكلم ، وبفتكر مشهد حزلقوم فى فيلم لاتراجع ولا إستسلام وهو بيتكلم فى الحلم مع الفنان غسان مطر رحمه الله ويترجاه” أستاذ غسان …أرجوك متقتلنيش ، ماتاكولنيش ، وماتقرمشنيش ، وطبعا القرمشه دى كانت تجويده من عقلى وأنا سارح يعنى).
واستطرد: (ده غير جملة عظيمة كنت نسيتها اتقالتلى كتكملة “ومش هتروح أى عزاء تانى فى حياتك” ، وسبحان الله الجمله دى برده اتحققت ومعرفتش اخد عزاء خالى “حسن” رحمه الله اللى كان بينى وبينه اختلافات كتيرة في وجهات النظر ، بس على الجانب الإنساني كنا بنعز بعض أوى).  وختم رسالته: (الله يرحمك يا حسن بيه زى ما كنت بقولك ويارب يغفر لك ذنوبك وتدخل الجنة ويارب ما أفقد أي عزيز تانى ).
لم تأت الأمور بما يشتهي رامي، فبعد نحو عامين من حبسه، فوجىء في 22 ديسمبر 2016 بأمر ترحيله إلى سجن ليمان المنيا وهناك تعرض للضرب والسحل والتعذيب على أيدي الضباط وأمناء الشرطة في أول أيامه بالسجن، بعدها قرر الإضراب عن الطعام.
في يناير 2017، نشر مرصد «وطن بلا تعذيب»، رسالة من رامي السيد قال فيها: (لما وصلت سجن المنيا، كان فيه كذا عربية ترحيلات جايين من كذا سجن، وكان معايا في العربية بتاعتي 44 سياسيا، أول ما وصلنا لاقينا سب وشتيمة، وفجأة لاقيت واحد بلبس ملكي واقف قدامي (عرفت بعد كدة إنه معاون مباحث اسمه «أحمد د.») قالي أقلع هدومك يا رامي يا سيد يا إبن … ! ونزل فيا هو والمخبرين ضرب في كل جسمي ووشي وراحوا رميني على الأرض وفتحوا الساحة و جرجروني على الأرض سحل مع الضرب في وشي وكل جسمي بأيديهم ورجليهم).
وأضاف في رسالته: (بقى بيضربني الضابط أحمد ومعه 8 أو 10 مخبرين ومعاهم نقيب نظامي، وفضلوا على الحال ده، و«أحمد د.» يشتمني ويقولي أنت متوصي عليك من الوزير نفسه، وانا ميهمنيش شكاوي و هلبسك ملاية و أربطك في تروسيكل وألف بيك العنابر عريان ، بعد كدة خلى المخبرين يربطوا عينيا ويربطوني في العمود اللي في الجنينة اللي اتسحلت فيها، وبعد نص ساعة فكوني مع الضرب ورجعوني ساحة الاستقبال ورموني علشان أحلق، لقيت المخبرين رموني على الأرض على بطني وفضلوا يجروني ببطئ والضابط يدوس برجله على راسي ويضربني في جسمي).
وأكمل رامي: ( الضابط هددني بإحضار «فرج»، ثم قاموا بحلق شعرى بالكامل وعدت مرة أخرى إلى «أحمد د.» الذي استمر فى الضرب مع الباقيين وهددني انى طول ما أنا هناك عندهم هيفضل مداس عليا وفى أى وقت هيحصل فيا أكثر من اللى حصل، كل ده وأنا عريان ولابس البوكسر بس، ثم  أخدوا كل شى معايا وسكنونى انفرادى).
وتابع: (أول يوم لم يحضروا لي أكل، وتانى يوم الشاويش جى يدينى قلت له مش هاخده وأنا مضرب عن الطعام، المهم السجن اتقلب ونائب المأمور بعتلى (كان موجود ساعة سحلى) واتعامل معايا ليه يا ابنى تضر نفسك والجو ده وحاول يلطف الموضوع بس أنا قلت له مش هسيب حقى وهاخد حقى بالإضراب).
وقال: (المهم ماخرجناش بشئ رجعت العنبر، وحاولوا معى مرة أخرى لأنهى الإضراب، حتى أن نائب المأمور سكنى فى أوضة أموال عامة (أوضة نضيفة عشان انسى اللى حصل) بس استمريت فى الإضراب وقابلنى رئيس المباحث، وفضل يعتذرلى قلت له مش هسيب حقى من أحمد د.).
وأضاف: (ما عملوش محضر برده و عشان يراضيني جابولى كتب دراسة.. معلومة: هم أخذوا كتب الدراسة والسجائر ومياه معدنية وعصير وادوات نظافة ولبس، استمريت فى الإضراب مع حالة حصار عليا من الناس اللى قاعد معاهم ده غير إن الرسائل اللى كنت بكون كاتبها ليكم كانت بتتمسك عشان ما يطلعش خبر الإضراب)، موضحا: (في اليوم السادس فى اليوم السادس للإضراب، جالي مأمور السجن فضل يهدينى ويعمل فيها الإنسان الطيب وقالى …. محدش هيلمسنى تانى وقاللى تفاصيل قضيتى وهكذا وانه عارف، بالرغم من انه ماكنش موجود ساعة تعذيبى بس هو اللى مسيطر على السجن).
رامي أكمل: (استغربت إن ما جاليش زيارة مع إن نائب المأمور قال لى إنهم هيبلغوا أهلى بالزيارة لانى مستحق من ساعة ما جيب ولما ما لاقتش حد جيه ابتديت أشك فى الموضوع وحسيت إن كدة الإضراب ما لوش تأثير مع وعد بعدم التعرض بس قلت لهم إنى مش هسيب حقى من «أحمد د. وفعليا ما شفتش حد لحد ما جابولى زيارة قال ايه بيحاول يراضينى).
بعد رسالة رامي، انتشر حينها حملات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لتحسين وضعه في السجن و الإفراج عنه تحت هاشتاج “انقذوا _ رامي _ السيد” يوضح قصته و التعذيب الذي تعرض له، في المقابل قرر محاميه تقديم بلاغ للنائب العام، يتهم فيه الضابط “أحمد الديب” بسجن ليمان المنيا، بتعذيب موكله.
وفي 28 يونيو الماضي، أيدت محكمة النقض حكم محكمة جنايات جنوب الجيزة برئاسة المستشار ناجي شحاتة بالسجن المشدد 10 سنوات على رامي السيد في القضية المعروفة إعلاميا بـ”معتقلي العزاء”.