"مميش" أي حاجة؟!





تشير بعض الدراسات إلى أن الدولة الفاشلة هي الدولة غير القادرة على تصحيح الفشل ذاتيًا، وأن الدولة تفشل بفشل الحاكم، على اعتبار أن أخطاء القيادة هي التي تدمر الدولة، تلك القيادة التي تتبنى النظرة المصلحية للقلة التي تحكم البلاد، وتهمش مصالح أغلبية الشعب.
الفشل في مشروع ما؛ لا يعني بالضرورة فشل الدولة كلها، قد يكون العكس إذا اعترفت الدولة بالفشل وحاولت تصحيح الأخطاء، لكن الحكومات الغبية تورط شعوبها في مشاريع فاشلة، وتستمر في المُضي نحو الفشل حتى النهاية؛ نهاية الوطن.
مع أن التصحيح والاعتذار للشعب شئ متحضر وقد يزيد التعاطف الشعبي مع الحكومة، لكن الاعتذار غير وارد بالنسبة للأنظمة القمعية، مع أنه تقليد قديم بدأ عام 1077، عندما اعتذر الإمبراطور الروماني هنري الرابع عن صراعات نشبت بين الدولة والكنيسة، وقد عبر عن اعتذاره بأن وقف حافيًا في الثلج ثلاثة أيام.
وعلى كل حال لا أعتقد أن الوقوف على الثلج سيفيد شعبًا تطارده الأزمات الاقتصادية وفشل النظام الحاكم.
***
في مثل هذه الأيام من عام 2015 امتلأ ميدان التحرير بالدباديب والأضواء التي تشعرك بأنك في فرح شعبي يحييه شعبان عبد الرحيم، وانتشرت الزينة في الشوارع والميادين، وعلقت صور السيسي في المحال التجارية في وسط القاهرة بأوامر أمنية؛ وتحولت شاشات الإعلام إلى منصات تصنع الكوميديا السوداء، فمن الإعلاميين من ارتدى زيًا عسكري على سبيل الاحتفال بالتفريعة؛ وإعلاميات ظهرن بملابس الجيش المصري وكأننا ضربنا الاحتلال الإسرائيلي انتصارًا لفلسطين.
أما الجرائد فتكدست بالتصريحات التي تفيد بأن علينا أن نستعد جيدًا لاستقبال المليارات، وربما تريليونات لا حصر لها.
أما الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس تحدث عن دخل سنوي للتفريعة يصل إلى 100 مليار دولار وفي تصريح ثان يصل الدخل إلى 200 مليار دولار وفي تصريح آخر "قناة السويس الجديدة ستوفر مليون فرصة عمل" ولا تتعجب إذا لم تتعرف في حياتك على مواطن غلبان يعمل في هذه التفريعة ضمن المليون عامل، وعلى كل حال نحن بلد المليون وبجوارها أي حاجة (مليون فرصة عمل، مليون فرصة هجرة، مليون فدان للشباب، مليون شقة سكنية للفقراء، و90 مليون خازوق).
احتفلت مصر بالتفريعة كما لم تحتفل من قبل، حتى أننا رغم فقرنا "أوي" احتفلنا بالتفريعة بمبلغ وصل نحو 30 مليون دولار، حسب الإعلامية إنجي أنور، المحسوبة على النظام الحالي، كما دُعي لحضور الاحتفال نحو ستة آلاف شخص؛ وأنهت مصر الاحتفالات بأن طبعت شعار قناة السويس الجديدة في المواصلات العامة، وعلى الجنيه الذي لم يعد له قيمة، وفي أماكن الخدمات، ولو كانت الحكومة قادرة على طبع شعار القناة على مؤخرات المعارضين لفعلت!
وتخيلوا أن الدكتور "خالد زكريا العادلي" محافظ الجيزة، كانت له وجهة نظر في التفريعة لا يراها الحاقدون، وهي أن حفر قناة السويس الجديدة معجزة لا تقل إعجازًا عن معجزة بناء أهرامات الجيزة، وأنها ستوحد المصريين. هل تشعر بالوحدة والإعجاز؟! إن لم تشعر فاعلم أن عقلك قد منعك!
مرّ عامان على افتتاح التفريعة ولم نجد ما وعدنا به "مميش" ولم نجد ما وعدتنا به الدولة وعلى رأسها السيسي، ورغم أن تكلفة التفريعة بلغت نحو ثمانية مليارات دولار إلا أنه تم جمعها بالجنيه المصري من الشعب المصري من خلال طرح شهادات استثمار بفائدة 12% لمدة خمس سنوات وفق تصريح مميش.
مميش دائمًا يؤكد أن التفريعة "اللهم لا حسد" ستغني مصر والبلاد المجاورة، والسيسي يطمئننا دائمًا بأننا نحصد ثمار النجاح، مع أن عدد السفن التي تمر من القناة انخفض مقارنة بالعام الماضي من 17 ألف و483 سفينة، إلى 16 ألف و 933. وفق إحصائيات هيئة قناة السويس.
أما من حيث إيرادات القناة، فقد انخفضت منذ افتتاح التفريعة الجديدة، وفقا لبيانات بوابة معلومات مصر التابعة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء؛ ففي عام 2016 تراجعت إيرادات قناة السويس 3.3% إلى 5.005 مليار دولار مقابل 5.175 مليار في 2015.
ورغم التراجع الرسمي في الإيرادات إلا أن مميش يصر على أن القناة تتقدم وأن المليارات تتدفق إلى جيوب المصريين، وأن ملايين فرص العمل في انتظارنا بفضل إنجازات السيسي.
ولو كانت الإحصائيات الرسمية كاذبة، ومميش يرى أن كل شئ بخير والسيسي يؤكد أن القناة "اللهم لا حسد منتعشة" فليخبرونا ماذا جرى لاقتصاد مصر، وأين ذهبت أموال التفريعة والقروض التي اقترضتها مصر في ظل هذا النظام، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
- في 18 مايو 2016، نشرت الجريدة الرسمية، قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على أكبر قرض خارجي في تاريخ مصر، حيث ستقترض مصر من روسيا قرضًا بقيمة 25 مليار دولار أمريكي، لإنشاء محطة طاقة نووية، وتضمنت الاتفاقية أن تدفع مصر فائدة على أصل القرض بمعدل 3% سنويًا، وفي حالة عدم سداد أي من الفوائد المذكورة خلال 10 أيام عمل يُحتسب المبلغ على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 150% من معدل الفائدة الأساسي.
- إذا رجعنا للوراء قليلًا حيث المؤتمر الاقتصادي، حصلت مصر على قروض وودائع ب 4 مليارات دولار من السعودية، و4 مليارات دولار من الإمارات، و4 مليارات دولار من الكويت، و500 مليون دولار من عمان، 130 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، 120 مليون يورو من البنك الأوروبي. حسب تقرير لموقع البديل.
- ووقعت الحكومة اتفاقية مع البنك الدولي؛ للحصول على قرض ثلاثة مليارات دولار، حصلت على 2 مليار حتى الآن؛ وقرض آخر من بنك التنمية الإفريقي، بقيمة 1.5 مليار دولار.
- ووافق مجلس الشعب على أغلب القروض في الـ 10 أيام الأولى من انعقاده، كما وافق على قرار رئيس الجمهورية بشأن توقيع اتفاقية اقتراض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية، بضمان وزارة المالية، وتبلغ قيمة القرض نحو 3.375 مليارات يورو، أي ما يتجاوز 30 مليار جنيه مصري.
- وحصلت مصر على مجموعة قروض من السعودية، منها اتفاقية قرض بقيمة 1.5 مليار دولار لتنمية سيناء. وقرض بقيمة مليار جنيه؛ في إطار تطوير مستشفيات قصر العيني. وتم توقيع اتفاقية لتمويل احتياجات مصر البترولية بـ 20 مليار دولار، وتأسيس شركات سعودية جديدة برأسمال 4 مليارات قرضًا من المملكة العربية السعودية، كما حصلت مصر على قرض من بنك دبي الوطني؛ لتمويل جزء من محطتي كهرباء العاصمة الجديدة، بقيمة 2 مليار جنيه.
فأين كل هذه الأموال والقروض والمكاسب؟! مميش أي حاجة؟!

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة