اللوحة للفنان: محمد عبد العاطي |
أنت متهم بحرق كليتي تجارة وزراعة بجامعة الأزهر (وربما الجامعة بأكملها)، والاعتداء على الملازم أول معتز محمد محمود، والنقيب أحمد مدحت، كما أنك متهم بتكدير السلم العام، والتجمهر، والتظاهر، والانتماء إلى جماعة محظورة، واغتصاب فتاة تدعى هدير! (ومحاولة تدمير كوكب الأرض وبلوتو والمريخ، وسرقة كوكب زُحل، والتستر على كائن فضائي حاول قلب نظام حكم الأرض).
هناك مجموعة من الاتهامات يطلق عليها السجناء كلمة “كوكتيل”، وهو كوكتيل من الاتهامات الجاهزة، تتهم به النيابة كل من ليست له تهمة ولم يرتكب جريمة؛ فما أسهل أن تتهم أي شخص بالانتماء إلى جماعة محظورة، من دون أي دليل، الدليل “قالوا له”. من الذين قالوا له؟. جهاز أمن الدولة.
كانت هذه هي الاتهامات التي وجهتها لي النيابة أثناء التحقيق معي في معسكر الأمن المركزي، وقتها ضحكت؛ وأشرت إلى الكاميرا التي وضعوها في أحرازي كدليل على إدانتي وسألت وكيل النيابة:
– هل سأفعل كل هذا بالكاميرا؟ وكيف اغتصبت وأنا أحرق وأتظاهر وأعتدي على الضباط في نفس الوقت؟
(ثم أنني متهم بكل هذه الاتهامات ومعي مجموعة كبيرة من الطلاب، لو كنا خارقين هكذا ما استطعتم اعتقالنا)!
فقال وكيل النيابة:
= هذه التهم موجهة لـ 76 طالبًا وطالبة، وليست موجهة لك وحدك.
– وكيف يمكن لكل هذا العدد أن يغتصب فتاة وما زالت على قيد الحياة؟ لو قبلّوها فقط لماتت، وكيف شاركت الفتيات في اغتصاب هدير؟! وأين هدير؟!
نظر لي نظرة بلهاء وقال مستنكرًا:
= إنت هتحقق معايا.. أنا اللي بسألك!
– الفتيات لا يسمح لهن بدخول جامعة الأزهر بنين، فكيف يُتهمن بحرق كليتين بجامعة الأزهر بنين؟!
كان تحقيق النيابة أشبه بتحقيق في إحدى مباني أمن الدولة، فلم يكتب ما أقوله، وانتهى بأن قال لي أنه سينكر كل الاتهامات التي وجهت لي في المحضر. ولما كان يملي على الكاتب أوصافي ليكتبها في التحقيق، كانت أغرب الأوصاف التي أملاها عليه أن لدي لحية! اعتبر ذقني لحية؛ يبدو أن لحيتي ستضيف بعض الأكشن مع اتهامي بالانتماء إلى جماعة محظورة لا يعلم اسمها إلا الله ووكيل النيابة وأمن الدولة.
حضر المحامي بعد أن أوشك التحقيق على الانتهاء، ونجح في الدخول إلى معسكر الأمن المركزي بعد دفع رشوة لأحد أمناء الشرطة، وكان معه شهادة تثبت أنني كنت أؤدي عملي ونسخة من تصريح رسمي بالتغطية الصحافية لأحداث جامعة الأزهر، ولكن بماذا تفيد الأوراق إذا كانت النيابة تعتمد على تحريات أمن الدولة؟!
حضر المحامي بعد أن أوشك التحقيق على الانتهاء، ونجح في الدخول إلى معسكر الأمن المركزي بعد دفع رشوة لأحد أمناء الشرطة، وكان معه شهادة تثبت أنني كنت أؤدي عملي ونسخة من تصريح رسمي بالتغطية الصحافية لأحداث جامعة الأزهر، ولكن بماذا تفيد الأوراق إذا كانت النيابة تعتمد على تحريات أمن الدولة؟!
فأنت أمام النيابة مدان حتى لو ثبتت براءتك. أنت أمام شرطة تعتقل وتعذب، وأمن دولة أو أمن نظام يكتب تقارير عشوائية، ونيابة تجدد من دون تحقيق، فمع كل هذا، يصبح من المنطقي ألا تخلي النيابة سبيل أي طالب أو طالبة.
***
في تحقيق آخر مع طالب يدعى أحمد ع، دار حوار بين وكيل النيابة والطالب كالآتي:
= لم أصابك الارتباك بهذا الشكل؟!
– أشعر بالقلق على والدتي، لأنها لا تعلم عني شيئًا حتى الآن، وهذه أول مرة في حياتي أتعرض لموقف مشابه.
= هذه نهاية من يسمع كلام الإخوان!
– أقسم لك بالله أنني لم أكن يومًا مع الإخوان.
= الإنكار لن يفيدك يا أحمد، حصلنا على معلومات تفيد بأنك انتخبت محمد مرسي!
– والله يا باشا لم أنتخبه، انتخبتُ حمدين صباحي.
= لماذا حمدين صباحي بالذات؟!
– كانت تعجبني طريقة كلامه في التلفاز.
= أنت يساري؟
– يعني إيه؟!
وكيل النيابة يتفلسف على الطالب:
= شوف يا أبو حميد، كل إنسان له أفكار، هناك من له أفكار إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، فما هي أفكارك؟!
– لم أفهم من كل هذا الكلام سوى كلمة إسلامية!
= على كل حال أنت متهم بعدة اتهامات، سنكتب في التحقيق أنك أنكرت كل الاتهامات، هل توافق؟!
– افعل ما تراه، ولكن أستحلفك بالله أن تتركني فأنا لم أفعل شيئًا سوى أنني كنت ذاهبا إلى أول أيام الامتحان في الجامعة.
انتهى التحقيق على هذا الحال، وبعد عام ونصف من الحبس حكم على الطالب أحمد ع بالسجن 5 سنوات والمراقبة الأمنية 5 سنوات، مع أنه كان ضمن الشباب الذين وقّعوا على ورقة تعهد بعدم العودة إلى العنف من جديد مقابل الإفراج عنه، مع أنه لم يشارك في العنف أصلا.
***
بعد انتهاء التحقيق، جائني أحد الطلاب:
= أنت أحمد جمال زيادة؟
– نعم.
= جاء أحدهم لوكيل النيابة وأخبره بأنه يريد أن “يظبطك”.
– طيب، هذا جيد، بالتأكيد علموا أنني صحفي ولا بد أن أخرج من هنا.
= لا، أقصد أنه قال لا نريده أن يخرج.
– شكرًا جدًا على الآخر.