جميعنا يعاني من درجة الحرارة المرتفعة، ولكن يمكننا أن نفعل أى شىء كى لا ترهقنا درجة الحرارة، تكييف، مروحة، بحر، ولكن هناك خلف القضبان لا تملك إلا أن تسبّ وتلعن كل شىء، فكل التفاصيل مملة. قضيت الصيف الماضى خلف القضبان، إذ غلّقت الأبواب والتحمت الأجسام بعضها ببعض نظرا لضيق المكان وكثرة الأعداد. فى البداية سمحت مصلحة السجون بدخول مراوح الهواء، فكان هذا بالنسبة إلينا خبرا مفرحا، ولكن الفرحة لم تدُم، فما لبثت الداخلية أن أيقظتنا في الصباح من أجل التفتيش على الزنازين، وفجأة أخذوا مراوح الهواء بدعوى أن هناك أحد المساجين قد هرّب تليفونًا وخبّأه فى المروحة، فحل العقاب على الجميع!
* إنه من الصعب أن تنام على فراش واحد مع أى مخلوق فى الخارج، ولكن هناك من الطبيعى أن تنام بجوار 40 شخصا وربما 70.
* كنا نحاول أن نعوض هواء المراوح بأن يمسك أحدنا غطاء ويحركها بسرعة نحو المعتقلين، وعندما يشعر بالتعب يقوم أحدهم «بالواجب» -كما كنا نسميه- ويأخذ منه الغطاء ويفعل كما كان يفعل.
* هنا يمكنك الاستحمام فى أي وقت كيفما شئت، ولكن هناك المياه منقطعة بشكل مستمر، وعندما تأتى المياه يتصارع الجميع على تسجيل اسمه فى ورقة دخول دورة المياه، ونقسم الوقت بحيث لا يتخطى الشخص 5 دقائق فى دورة المياه، وفى الغالب آخر 4 أو 5 أشخاص لا يتمكنون من الاستحمام لأن المياه تقطع قبل أن يأتي دورهم.
* أعتقد أن المياه الباردة نعمة يجب أن نشكر الله عليها ليلا ونهارا، ولكن هناك فى الزنازين لا مياه سوى الزجاجات التي فى حوزتك منذ أسابيع وربما شهور. فالمياه الساخنة فى الصيف خير من عدم وجودها أصلا، ناهيك بالناموس المنتشر فى هواء الزنازين الذي أقسم ألا يتركك تنام.
* أما عن سيارة الترحيلات، فأعتقد أن هذه السيارة قطعة من النار، لا يمكن لمخلوق تحمّلها فى الشتاء أصلا، فكيف بها فى الصيف وفى هذه الحرارة؟! فالسيارة يتكدس بها 30 معتقلا فأكثر، وفي أيديهم الحديد الذي يسخن من درجة الحرارة، والهواء معدوم فى تلك السيارة، والاغماءات داخلها لا تنتهى، حتى عندما نصل إلى قاعة المحكمة حيث القفص الزجاجى الكئيب، أحيانا نجد جهاز التكييف يعمل وأغلب الأحيان لا يعمل، فتخيل أن تجلس فى غرفة زجاج عازلة للصوت فى درجة حرارة مميتة!
* أما مقبرة الأحياء التي تسمى «زنازين التأديب»، حيث لا هواء ولا ماء ولا أى شىء سوى علبة بلاستيك لقضاء الحاجة، فدخولها يوما واحدا فى درجة الحرارة كفيل بأن يجعلك تخشى دخول التأديب طول عمرك، حتى بعد خروجك من السجن لا يمكن أن تسنى معاناة هذا اليوم، ناهيك بالأمراض التي تصيب المساجين فى الصيف، وأقلها مرض الجرب المعدي.
إنني لا أؤمن بنظرية أننا نعيش (فى مصر) فى سجن مثل المعتقلين، فنحن يمكننا أن نفعل كل شىء يسعدنا، ولكنهم عاجزون عن فعل أى شىء