المجلس القومي لحقوق الأي كلام


رسم أشرف "الاشتراكيون الثوريون"

في ذكرى رحيل سيف المظلومين "أحمد سيف الإسلام حمد" سمعت كلمة مسجلة لابنه المعتقل "علاء عبد الفتاح" يحكى فيها أن والده كان مُصِرًا أن يحكى للناس عن فترة اعتقاله وتعذيبه حتى يعلم الناس ما يحدث خلف تلك الجدران.
وهذا ما دعاني للكتابة عن تجربتى مع زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان حتى يعلم الناس ما يدور فى السجون قبل الزيارة..
رأينا فى فيديو زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن العقرب تمثيلية زائفة، حيث المشويات، والوجبات الفاخرة، والأدوية، وكافيتريا لا توجد إلا فى الأحياء الراقية. أما المدعو حافظ أبو سعدة، فقد تذوق الطعام وتكيّف كمن شرب آخر نفس فى سيجارة حشيش. وظهرت على وجهه علامات الرضى والإعجاب ولسان حاله يقول: السجون حلوة أوى يا خال. أمال فين الناس اللي بتتعذب؟!
ورأينا سجناء جنائيين يرتدون زىّ المطبخ عشان اسم الله عليه "حافظ" ميزعلشِ ويشتكي من عدم ارتداء حفاظة المطبخ الصحية. خوفًا على صحة نزلاء فنادق الداخلية.
فى مصطلحات أبناء جيلنا الذى شاب فى شبابه يُطلَق على هذا النوع من التعريض كلمة "هري" وهذا هو الهري بعينه.
إليكم ما يحدث:
1- الزيارة لا تكون مفاجأة، ففي مارس الماضي استدعاني رئيس مباحث سجن أبى زعبل ليخبرني بزيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان، المفاجأة قبل الزيارة بحوالي 7 أيام، وأعتقد أنه كان يعلم ميعاد الزيارة قبل أن يعلمها المجلس القومى نفسه. اعمل نفسك متفاجئ وخلاص!


2- المعتقل الذي تسمح له وزارة الداخلية بالحديث مع المجلس القومي فى الغالب قد تعرض للتهديد حتى لا يحكي أى سلبيات، فقد تعرضت للتهديد فى مكتب رئيس المباحث، وقيل لى بالحرف الواحد أنهم سيلفقون لي قضايا أخرى لو تحدثت عن الانتهاكات التى حدثت داخل السجن.


3- أسبوع قبل الزيارة كافي جدًا لترتيب الأمور وجعل كل شئ على ما يرام، ففي يوم الزيارة كان ملعب السجن الذى لا نراه إلا أثناء ذهابنا لمقر المحاكمة قد جهزته الداخلية بشكل جيد ليقولوا أن هذا ملعب للمساجين، مع أنه ليس إلا ساحة انتظار جلسات المحاكمات أو الزيارة، كما أحضروا افطارًا وغذاءً، وهذا لا يحدث فى الأيام العادية، فكنا لا نحصل إلا على وجبة واحدة يوميًا، ولكن فى هذا اليوم الاستثنائي استلمت كل زنزانة نحو 10 علب جبنة وكان لا يسمح لنا سوى بثلاثة علب جبنة فى زنزانة عددها 40 شخص، بالإضافة إلى اللحمة والخضار والأرز والخبز الذى تم تجهيزهم بأعلى مستوى، بعدما كنا نغسل فول السجن بالماء قبل أكله حتى نحاول التخلص من السوس وبعدما كان العدس يمتلئ بالحشرات والخبز يمتزج بالزلط!


4- أما الأدوية فكانت ممنوع دخولها فى الزيارات كما أنه غير مسموح بدخول 90% من الطعام فلا يغرنك شكل المشويات التى تكيّف منها حافظ أبو سعدة، فما زلت أذكر أن كافيتريا السجن قد أغلقت فى وجه العنبر السياسى شهرًا كاملًا من أجل إذلال السياسيين، وحتى عندما فتحت كانوا يفرغون علب التونة فى أكياس بدعوى أننا نستخدم غطاء التونة كسلاح! وكانوا يتفننون فى إيذائنا.


5- الصحافة التي ترافق المجلس داخل السجون تأتمر بأمر الداخلية، ففي زيارة المجلس القومي كنت أشعر أننى نجم هوليوود من كثافة كاميرات الصحافة، ولكن مع هذا لا يمكن أن تجد فيديو واحد لهذه الزيارة قد تم نشره لأنى لم أقل ما يعجبهم، فأعتقد أني نجحت فى فضح جرائمهم. وهذا ما لا يريدوه وبالتالي لم يجرؤ أى مخلوق على نشر فيديو لهذه الزيارة على عكس ما حدث فى زيارة سجن العقرب.


6- لا أعتقد أن كل الناس يستطيعون التحدث فى وجه جلاديهم: فأثناء زيارتي التى انعقدت بمكتب مأمور السجن كانت قيادات الداخلية قد احتشدت فى المكتب بشكل مبالغ فيه، حتى أن الأستاذة راجية عمران والأستاذ جورج إسحاق والدكتور صلاح سلام والأستاذ محمد عبدالقدوس طلبوا من قيادات الداخلية الانسحاب من المكان ولكنهم رفضوا. وأصروا على أن أتحدث فى وجوهم، والحمد لله قلت للأعور أنت أعور فى وجهه. ولكن هناك من لا يمكنه أن يتجاوز هذا الحاجز.


7- المجلس لا يرى إلا ما تسمح به وزارة الداخلية: فقد طلبت من المجلس أن يستدعي الطالب علي قاعود الذي تعرض للتعذيب بشكل بشع، وعندما طلبوا ذلك ادّعت الداخلية أنها لا تعرف مكان الطالب، وقالوا أن جهاز الكمبيوتر قد تعرض لعطل لذا لا يمكن معرفة مكانه، بالإضافة إلى طلبي لهم بأن يطّلعوا على زنزانة التأديب، وأن ينقلوا للناس ما رأوه ولكنها كانت أحلام اليقظة، فأحد قيادات الداخلية قد انفعل وقال للمجلس: مش هتشوفوا التأديب لأنكم مجبتوش تصريح.
كما أن الأستاذة راجية عمران وقتها أخبرتني بأن الداخلية رفضت دخولها العنبر السياسي وسألتنى ماذا يجرى هناك؟! فأخبرتها بالتجهيزات التي أعدوها للزيارة.
8- رغم أن المجلس القومى لحقوق الإنسان رأى أثر الانتهاكات بعينه، إلا أن الطب الشرعي والنيابة قد انحازا للداخلية، فأصدر كل من الطب الشرعى والنيابة وقتها بيانان يفيدان بعدم وجود أى انتهاكات داخل سجن أبو زعبل، وأؤكد لكم أن هذان البيانان قد كُتبا دون تحقيق أو كشف على أى معتقل، فالنيابة لم تحقق والطب الشرعي لم يكشف على أحد.
9- لا يستفيد السجناء من زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان سوى يوم واحد من الدلع، كما أنه ليس دلع بنفس الدرجة التي يظهر بها الفنان الكوميدي حافظ أبوسعدة فى أفلامه، فأعتقد أن هذا الرجل لا يقدر على النوم فى غرفة بها أكثر من 40 شخص على البلاط، وأعتقد أنه ربما يصاب بالصرع إن دخل زنزانة التأذيب ساعة واحدة. وأعتقد أنه سيبكي كالطفل إذا دخل عليه ملثمون فى الشتاء وجردوه من ملابسه وأغطيته الشتوية كما يحدث فى السجون بشكل دورى فيما يعرف بـ "حملة التجريد".


***
"ما أشد برائتنا حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق، القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه".. محمود درويش

"ما أشد برائتنا حين نظن أن حافظ أبوسعدة وعاء للعدل والحق، فحافظ هنا وعاء للحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه".. أحمد جمال زيادة

أزهى عصور الكذب



بوستر حملة "عسكر كاذبون"

مصر العربية



عندما تفشل الحكومات فى تقديم خدمات مرضية للمواطنين، فى الغالب تعترف بفشلها أو تقدم استقالتها، ففى 2004 تقدم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "ميشال جوتوديا" باستقالته لاتهامه من المجتمع الدولي بعدم التصدي لأعمال العنف. ولم يدّعى أن بلاده خالية من العنف حتى لا يُكتب عند شعبه كذّاباَ.
في 2010 أعلن رئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" استقالته من منصبه بعد 9 أشهر من الحكم لفشله في الوفاء ببعض الوعود التي قطعها للناخبين خلال حملته الانتخابية، وطبعًا لم يُحدِث شعبه عن إنجازاتٍ وهمية ومليارات ستدفق بشكل غير مسبوق، لأن الشعب اليابانى لن يقبل بمثل هذه التفاهات.
في 2014 تقدم رئيس وزراء كوريا الجنوبية "شونغ هونغ" باستقالته على خلفية غرق عبارة، وقدم مع استقالته اعتذارًا لشعبه عن عدم استطاعته منع الحادثة، ولكن شعبه لم يقبل الاعتذار، ومع هذا لم يستخف وقتها بعقول المواطنين، ولم يدل بتصريحات من نوعية "جارى التحقيق مع المسئول" لعلمه بأنه المسئول.
أما فى مصر، فى ظل نظام جديد قديم، قائم على الكذب، نعيش أزهى عصور الكذب، والذي يجب كشفه بتشغيل العقل الذي خلقه الله تعالى لنفكر به، لا لنبرّر به فشل الحكومات.


* فى إبريل الماضى أصدر المجلس القومى لحقوق الإنسان بيانًا يفيد بوجود تعذيب فى سجن أبى زعبل، ولكن اللواء "أبوبكر عبد الكريم" المتحدث باسم الداخلية ومساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان لم يجد أي غضاضة فى الإدعاء بأن العلامات الموجودة على جسد أحد المساجين ليست إلا "وحمة قديمة"، وإلى الآن لم يتمكن العلماء من معرفة الفرق بين الوحمة القديمة والجديدة.
كما أن سيادته أتحفنا فى تصريحه عن وجود تكييف فى أماكن الاحتجاز متناسيًا من يموتون فى السجون من شدة الحرارة، ومتجاهلاً الآلاف خلف القضبان ممن يحكي ذويهم عن معاناة أبنائهم بعد رفض الداخلية دخول المراوح الهوائية للزنازين. كما أن "توفيق عكاشة"، الابن المدلل لكل الأنظمة الديكتاتورية، أكد بعضمة لسانه أن درجة الحرارة فى السجون قاتلة وأنه عانى منها ومن انتشار الناموس.


* بعد اقتحام الآلاف من أمناء الشرطة لمديرية أمن الشرقية وهتافاتهم ضد وزير الداخلية الحالى ومطالبته بالرحيل، وهتافهم "الداخلية بلطجية"، لم تتعامل الداخلية مع هذا الاقتحام بما يتوافق مع قانوني التظاهر والإرهاب، ولم يتم فض الاعتصام بالقوة، وقال اللواء "أبوبكر" أن وقفة أمناء الشرطة لم تخالف القانون لأنها وقفة وليست مظاهرة. وإلى الآن لا يعلم أحد الفرق بين الوقفة والمظاهرة. ولم نجد فرقًا بين مظاهرة أمناء الشرطة وبين وقفة شباب مجلس الشورى، والاتحادية، والوقفة التي قتلت فيها الشهيدة شيماء الصباغ برصاص الأمن، سوى أن أمناء الشرطة اقتحموا مقرًا أمنيًا وحطموا محتوياته، أما الوقفات الأخرى فلم تقتحم ولم ترتكب جرمًا ومع ذلك انتهت بالاعتقال والقتل.
بعد يومين من وقفة أمناء الشرطة هدمت قوات الأمن عشش بعض الكادحين والكادحات من أهالي الدقى، ووعدت الأهالى بتسكينهم فى أماكن بديلة ولكنها لم تفعل، فاعترض الأهالى الذين لم يجدوا مأوى لهم سوى الشوارع، فما كان من الشرطة إلا تعاملت معهم  بشكل عنيف وفرقت وقفتهم بالغاز والخرطوش لأنها مظاهرة وليست وقفة. لتثبت مقولة السيسى الشهيرة: الشعب لم يجد من يحنو عليه.
على كل حال لا يعلم الفرق بين الوقفة والمظاهرة سوى الله ثم سيادة اللواء أبوبكر. وربنا يستر.


* دائما تنكر الداخلية اختطاف المواطنين والمواطنات، ولكن ظهور "إسراء الطويل"  وصديقيها "عمر على" و"صهيب سعد"، بعدما اختطفتهم قوات الأمن من الشارع وأخفتهم كشف لنا الكذب الذي أدمنته وزارة الداخلية، وإكمالًا لمسلسل الكذب بث حسابًا تابعًا للقوات المسلحة على موقع – يوتيوب - مقطعاً بعنوان "القبض على أكبر خلية إرهابية" ظهر فيه "صهيب سعد"، ذلك الفتى الذى اختطفته الداخلية  مع "إسراء الطويل"، وكانت علامات التعذيب واضحة على وجهه، واعترف ببساطة أنه إرهابى ارتكب جرائم ضد الدولة، ولا أدري كيف يظهر أى مخلوق ليقول قتلت هذا واستهدفت ذاك بكل بساطة، إلا إذا أجبر على هذا القول بعد تعذيب لا يتحمله إنسان؟! ولا أدري أيضًا كيف يصدق عاقل تلك الأكاذيب الساذجة (يذكر أن صهيب سعد وعمر محمد قد تمت إحالتهم مؤخرًا للمحاكمة العسكرية)..


* كما أن اختفاء "إسلام خليل" الذي ما زالت الداخلية تحتجزه فى مكان غير معلوم منذ أكثر من ثلاثة أشهر خير دليل على وجود اختفاء قسري بشكل ممنهج ومتعمد. وكانت قوات الأمن قد اختطفت إسلام ووالده وشقيقه واحتجزتهم فى إحدى مقرات أمن الدولة ثم تركت والده وأخيه، وإلى الآن لم يتم التحقيق مع إسلام ولم تفصح الداخلية عن مكان احتجازه.


* لا يخفى على أحد أن مدينة الإسكندرية تحولت إلى -مقلب زبالة- وأن الزبالة صارت جزءًا لا يتجزأ من معالم محافظة الإسكندرية، حتى أن جريدة اليوم السابع المؤيدة للنظام شهدت بهذا فى إحدى تقاريرها، وحتى إن لم تشهد فالشعب يعلم  أن الإسكندرية لم تمر بأيام كهذه الأيام التي امتزجت فيها شواطئ الإسكندرية بالنفايات، إلا أن الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضرى والعشوائيات أشادت بنظافة الإسكندرية، ففي تصريحها للصحافة قالت: "أشهد بأني لم أر الإسكندرية بهذه النظافة منذ سنوات" وعلينا أن نكذب أعيننا ونصدق الدكتورة ليلى!


* أما وزارة الإسكان، وما أدراك ما وزارة الإسكان، فنجد أن 12 مواطنًا من أسرة واحدة قد وقعت عليهم القرعة – العشوائية - للحصول على أراضٍ متجاورة لبعضها – بشكل عشوائي - حتى أن الرئاسة نفسها لم تصدق وطلبت فتح تحقيق فى تلك الواقعة بعد الضجيج الإع..لامى.


*أما الطالبة المتفوقة "مريم ملاك" التى حصلت على – صفر - فى الثانوية العامة ظلماً، فحاول الدكتور "محب الرافعى" وزير التربية والتعليم الإدعاء بأن الطالبة فاشلة وأنها تستحق صفر، ولكن النيابة العامة كذّبت الوزير وأثبتت أن الكنترول تلاعب بأوراق الطالبة، ثم صرح الوزير بعدها أنه سيقدم اعتذاره لو صحت تحقيقات النيابة، أما كلمة "استقالة" فحذفت من المنهج.
*في كلمة ألقاها "عبدالفتاح السيسي" عن إنجازاته المبهرة أخطأ الرجل وأطلق كلمة "تفريعة" على مشروعه الذي تكلف الاحتفال به نحو 30 مليون دولار – حسب تصريحات الشركة المنظمة للحفل - كما أعلن أن عدد السفن ازداد 15 سفينة، وأدى الازدياد إلى رجوع الـ 20 مليار لخزينة الدولة، ومعنى هذا أن كل السفينة الواحدة من الـ 15 سفينة قد ضخت فى خزينة الدولة أكثر من مليار و250 مليون!


*جهاز الكفتة. وجهاز الكفتة وجهاز الكفتة!


***
علينا أن نقاوم الكذب وألا نستسلم لهراء الحكام، حتى يعلموا أننا لسنا أغبياء بهذه الدرجة التى تجعلنا نصدق ما يقولوه بأفواههم، ونكذب ما نراه بأعيننا، علينا أن نقول الحقيقة مهما كانت عواقبها.. يقول جورج أورويل: "فى وقت الخداع العالمي يصبح قول الحقيقة عملًا ثوريًا".

ترحيلات الموت

سيارات ترحيلات (الجزيرة)



المادة (55) من الدستور:
كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيا وصحيًا.
عندما تصبح أقصى أمانيك أن تنتقل من قسم شرطة إلى سجن حتى تفلت من العقاب المتواصل والإنتقام الغير مبرر، عندما تتمنى أن تُسجن لكن دون أن  ترى أطفالا يصعقون بالكهرباء، وأمهات تصرخ ويتوسلن للضباط  كى يطلقوا سراح أولادهم، وطالبات بجامعة الأزهر يعاملن بطريقة لا تتعامل بها العاهرات، وأنت عاجز عن فعل شئ سوى أن تتمنى الإنتقال من هذا الجحيم إلى جحيم أقل قسوة، ثم ترى الأمل فى سيارة الترحيلات التى تظنها جاءت لتحقق أمنيتك، إن شئت أطلق عليها سيارة الأموات.


فى سيارة الترحيلات تتمنى أن تصير أرنباً كي تعاملك الشرطة على أنك ذو قيمة ويجب المحافظة عليك!


كنت أظن أنهم ربما يرّحلون 40 شخصا ويتركون باقي المقبوض عليهم لكوني لا أرى سوى سيارتي ترحيلات فقط، ولكنى كنت خاطئاً، فهل من يصعق بالكهرباء ويجلد ويمحو مستقبل كل هؤلاء سيفكر فى العذاب الذى سيتعرض له كل هذا العدد نتيجة للتكدس فى سيارة الترحيلات؟!


تكدست مع أكثر من 30 طالبا فى السيارة، وفى الجزء المخصص لعساكر الحراسة وضعوا ثمان فتيات وهو جزء صغير للغاية لا يتسع سوى لثلاثة أشخاص من طاقم الحراسة، ورغم أننا كنا فى الشتاء إلا أن حبات العرق الصادرة من كثرة الأنفاس المتكدسة كانت تتساقط من سقف السيارة، فلست مضطرا الآن أن أصف لك كيف ستكون تلك السيارة فى الصيف، ناهيك عن زجاجات المياه التى كان يقضى بها الجميع حاجاتهم نظرا لطول الفترة التي يقضونها فى السيارة، وكانت معنا أحد المرضى بالسكر فكانت تلك كارثة لنا وله فكان يضطر أن يفرغ ماء الزجاجات على أرضية السيارة ليقضي حاجته بها.
وكان أعجب شئ على الإطلاق هو غناء الفتيات الذي امتزج برائحة البول وبعرق السيارة، فكانوا يتغنون بأغاني "الشيخ إمام" وكأنهن مرحبات بالسجن.
كنا نظن أن رحلة الضرب والانتهاكات قد إنتهت برحيلنا من قسم الشرطة، ولكن كانت ظنونا خائبة.


وصلنا إلى معسكر السلام الخاص بقوات الأمن المركزي، والذي لا يصح دستورا أو قانونا احتجاز المدنيين به.
المادة (52) من الدستور:
التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم
عندما وطأت أقدامنا على أرض معسكر السلام، سألت نفسى لماذا يطلقون عليه السلام؟! أي سلام هذا؟!
وجدنا حشودا من العساكر ترتدى السواد، وتغطى وجوهها، منهم من كان بيده عصا ومنهم من كانت غلاظة يديه لا تحتاج إلى عصا، وقفوا صفين يتطلعون لرؤيتنا، يتسابقون للفتك بنا، مررنا بين الصفين نهرول من عصا لعصا ومن كف لكف، كانت صفوف العساكر تصل طولها إلى 100 متر تقريبا. دخلنا إلى ساحة المعسكر وجلسنا وجوهنا للحائط، تحل علينا الضربات من الخلف، لا تتسائل لماذا يضربون لأنهم فى الغالب قد خلقوا بلا عقول.
المادة (51) من الدستور:
الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.
أمرونا أن نهتف باسم السيسى وأن نسب الإخوان رغم أن الغالبية لم تكن من الإخوان؛ وأن نقول بصوت عال أننا لسنا رجال وأننا عاهرات، وكانت الفتيات تقف خلفنا غير قادرات على شئ سوى البكاء على ما يحدث لنا. بالطبع هتف أغلب الشباب بإسم السيسي ونعتوا أنفسهم بالعاهرات، ومنا من رفض فكانت عقوبته أشد، وكانت الضربات تنهال عليه من كل جانب.


كانت الشرطة تحاول أن تخلق لنفسها تبريرا لما يفعلوه من ضرب فوضعوا قوانين ليست كالقوانين وأمرونا أن نخلع ثيابنا بشكل كامل فى أقل من 10 ثوانى بدعوى التفتيش؛ وما زالت الفتيات ترانا؛ وطبعا كان من المستحيل أن يتمكن أحد من خلع ملابسه فى 10 ثوانى، وكان من المستحيل أن يفلت أحد من العقاب.
وضعوا الشباب فى زنزانة واحدة وعددهم 62، والفتيات فى زنزانة أخرى، بلا غطاء، كنا نجلس على البلاط، وكان الجلوس أقصى أمانينا، فكنا نبدل أماكننا كى نستطيع الجلوس، مجموعة تقف وأخرى تجلس للنوم، وكان سعيد الحظ من يتمكن من النوم على البلاط.
ظللنا فى هذا المكان أربعة أيام.

التعذيب ليس مجانًا




رسم: كارلوس لاتوف

مصر العربية


(1)
لم يشارك فى الثورة من أجل أن تسيل الدماء، وأن يعود العسكر للحكم من جديد، ويعود اعتقال المعارضين، وأن يمنعوا التظاهر، فأراد أن يثبت وجوده أمام الدولة العميقة والعقيمة، وأن يوصل رسالته ويعترض؛ كما اعترض سابقًا في أثناء الحكم المباركي، وكما اعترض في أثناء حكم المجلس العسكرى، وكما اعترض في أثناء حكم محمد مرسي؛ رفع لافتة مكتوب عليها "لا لقانون منع التظاهر، لا للمحاكمات العسكرية للمدنين".. لم يفكر أبدًا فب استخدام العنف في أقل صوره، فقرر أعداء الثورة وأعداء التظاهر اعتقاله وتعذيبه وحبسه في السجن سنوات بدعوى خرق قانون التظاهر، وبدعوى أن هيبة الدولة يجب أن تبقى فوق الجميع، وحتى لا تحزن "هيبة" حكموا عليه بالسجن المشدد 5 سنوات والمراقبة الأمنية مثلها والغرامة 100 ألف جنيه، ففرحت "هيبة" ونظرت بكبرياء لذلك الفتى الذى هددها واتخذ من السلمية سلاحًا لمواجهة القمع.
(2)
حلم أن يصير بلطجيًا يخشاه الجميع، فُتوّة يتوسل إليه الناس، يحصل على الرشوة من هذا ويتوسط من أجل ذاك، يعذب من يشاء ويسحل من يشاء، وأخيرًا تحقق حلمه وصار "أمين شرطة" بفضل دعاء الوالدين لأحد قيادات الداخلية؛ هوايته "التعذيب" لا يتخيل أن يمر يومًا من دون أن يعذب أي مخلوق، فداء لله والوطن وللباشا "اللي أكبر منه" دائمًا يتقرب إلى الباشا "اللى أكبر منه" باعتقال واختطاف الناس من الشوارع؛ وبإذلال أهالي المعتقلين؛ هو لا يحتاج نقودًا فكل شئ متوفر في السجن بالمجان، وعدد المساجين الذين يدفعون الإتاوة من أجل العيش في زنزانة ليست مزدحمة كفيل بأن يجعله مليونير، بالإضافة إلى المصالح التى يقضيها للناس بعد دفع الواجب.
هو ليس سيد بنفس الدرجة التى وصل إليها سيده الضابط الذي وقف على منصة كلية الشرطة في أثناء تخرجه من الكلية يقول بكل فشخرة "اللي تتمد إيده على سيده تتقطع إيده" معتبرًا نفسه سيدًا على الشعب لا خادمًا له بمجرد وقوفه على منصة التخرج من كلية الشرطة، فهو سيد على كل من أدنى منه حتى أمين الشرطة نفسه، لذا يحاول أمين الشرطة أن يعوض هذا النقص وأن يطلع عين أم المواطن بكل ما أوتي من قوة ونفوذ. وفي الفيديو الذى انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي في مترو الأنفاق يضرب شابًا عشرينيًا حاول تحرير محضر ضد أحد المتحرشين بخطيبته، نلاحظ هذا النقص وهو ينظر إلى الصامتين والصامتات الأحياء منهم والأموات ممن يشاهدون الفتى وهو يتعذب ويهان دون أي رد فعل من أناس اعتادوا على رؤية هذه المشاهد يوميًا، فيهتف فيهم أمين الشرطة محذرًا: فيه إيه يا ولاد العاهرة؟!
(3)
في سيارة الترحيلات، يجلس الشاب الذى قرر أن يتظاهر، والذي في الغالب سيضيع مستقبله، سيحكم عليه ب 3 سنوات، أو 5، أو 7، ولو استطاعوا اعدامه لفعلوا، ولو قدروا على قتله من التعذيب لقتلوه، ينظر له أمين الشرطة ويسأله ساخرًا: وانت بقى كنت بتتظاهر ليه؟ واخد فلوس من الإخوان؟! أصل متحاولش تقنعني إنك بتعمل كده لله يعني؛ المظاهرات دي بتهدم الدولة يبقى إنت أكيد مش بتعمل كده من نفسك وأكيد وراك حد بيحركك!
يحاول الفتى أن يصحح له الخطأ، وأن يوضح له أن التظاهر ليس جريمة، وأنه لم يتظاهر من أجل نفسه فقط، بل من أجل الجميع، ولكن أمين الشرطة لا يصدقه لأنه لم يعرف فى حياته معنى "من أجل الجميع"، وعندما تصل سيارة الترحيلات إلى قسم الشرطة يبدأ أمين الشرطة في ممارسة هوايته المفضلة -التعذيب- ويحاول أن يجبر الفتى على الاعتراف؛ فيعترف الفتى بجريمة لم يرتكبها.
(4)
يتصل به أحد زملائه من أمناء الشرطة.
- بقولك إيه، سيب التعذيب اللى فى إيدك وتعالى بسرعة.
= لا دأنا مقدرش أسيب اللحظة المهمة دى.
- طيب خلص وتعالى عشان عندنا مظاهرة.
= عندما يسمع كلمة "مظاهرة" يبتهج، فهوايته الأخرى قمع التظاهرات، ولكنه يفاجأ عندما يعلم أنه يقصد أن أمناء الشرطة هم من سيتظاهرون.
- انت بتهزر؟ احنا اللى هنتظاهر؟ إنت إخوان ولا إيه؟!
= أيوة احنا بقالنا أد إيه مبناخدش مرتباتنا؛ هو إحنا هنعذب الناس ونبلطج عليهم، ونخطفهم من البيوت ببلاش؟! التعذيب مش ببلاش.
- عندك حق، أنا إيدى وقفت من كتر التعذيب.
(5)
"الحرية لكل سجين. هاتوا إخواتنا من الزنازين"
كان هذا هتاف المظاهرة التي خرجت تطالب بالإفراج عمن تظاهروا ضد عودة القمع، شارك فيها أهالي وأصدقاء المعتقلين، ولكن الشرطة تعاملت معهم بقسوة وفرقتهم بالخرطوش والغاز وأصابت العديد منهم بالرصاص الحي، واعتقلت منهم أعداد كبيرة، حتى أنهم لم يفرقوا بين الشباب والبنات في موجة الاعتقالات. وهكذا كلما رأينا مظاهرة تطالب بالإفراج عن المعتقلين تعتقل الشرطة أغلب من فيها.
(6)
اقتحم نحو 2000 من أمناء الشرطة مديرية أمن الشرقية، وأتلفوا المكاتب ومنعوا وصول المسؤلين مكاتبهم وهتفوا ضد وزير الداخلية: "ارحل بقى ياعم خلى عندك دم" الهتاف الذى من أجله اتهم شباب الثورة بالعمالة والخيانة ونشر الفوضى، وطالبوا بالمساواة بينهم وبين الضباط فى كل شئ، وخاصة فى بدل المخاطر والعلاج فى المستشفيات، طالبوا أن يصيروا أسيادًا فى نفس درجة أسيادهم، لأنه لا فرق بينهم فى المجهود، فالجميع يقتل ويخطف ويعذب ويعتقل، فلماذا لا يوجد عدل بينهم؟!
هتف أعداء الهتاف، وتظاهر من يقمع التظاهرات، ونجحوا فى الاعتصام، بل واقتحموا مقرًا حكوميًا، ولم يجدوا وسيلة أخرى من أجل رفع كفاءتهم في التعذيب والبلطجة سوى التظاهر، ولكن الشرطة لم تتعامل معهم كما تتعامل مع أى متظاهر آخر، لأنهم فى النهاية  شاربين ساحلين ضاربين معذبين مبلطجين مع بعض.
(7)
يجلس مع رفاقه فى الزنزانة التي سيقضي بها سنوات ويلقي أبياتًا يحفظها كما يحفظ اسمه:
يا عم الظابط انت كداب
واللي باعتك كداب
مش بالذل حاشوفكم غير
ولا استرجى منكم خير
انتم كلاب الحاكم
واحنا الطير
انتم التوجيه وإحنا السيل
انتم لصوص القوت
واحنا بنبنى بيوت
احنا الصوت ساعه ما تحبوا الدنيا سكوت
احنا شعبين ..شعبين ..شعبين
الأبيات لعبد الرحمن الأبنوى من قصيدة: الأحزان العادية

مكافحة سرقة الغسيل.. والإرهاب

مصر العربية



يوميًا يستيقظ الحاج إبراهيم فى الصباح ليجد أن الغسيل قد سُرق؛ كاد أن يجن جنونه؛ فكتب ورقة على سطح المنزل "ممنوع السرقة".
ولكن الفكرة لم تكن ناجحة؛ ولم يهتم الحرامي بالورقة التي كتبها الحاج إبراهيم، فقرر بعد تفكير عميق أن يكتب ورقة أخرى يحذر فيها الحرامي وكتب فيها "تحذير هام إذا حاول أحد سرقة الغسيل سأقطع يديه وأسلخ مؤخرته، وأنفخه نفخا لم ينفخه أحد من قبل".
لكن الحرامي عندما رأى الورقة التي اعتبرها "الحاج إبراهيم" ستكافح سرقة الغسيل لم يشعر بالرعب، ولم يتوقف عن السرقة، ولم يجلس بجوار الغسيل يرتعد ويبكي خوفًا من القانون الذى قرر الحاج إبراهيم تطبيقه على من يسرق الغسيل، لأن الحاج إبراهيم عجوز كهل لا يقدر على ملاحقة الحرامي، فضحك حرامي الغسيل ساخرًا وسرق الغسيل وحبل الغسيل، وكتب على ورقة الحاج إبراهيم "لو سمحت محتاج بوكسر لونه أبيض المرة الجاية عشان هينفع فى الصيف"
حاول الحاج إبراهيم فعل أي شئ كى يثبت لزوجته أن الورقة التي كتبها ستؤدي إلى نتيجة مبهرة جدًا، وقرر أن  يتهم إبن الجيران "حمادة الغلبان" بسرقة الغسيل، وطبّق عليه قانون مكافحة سرقة الغسيل، ولكن الحاج إبراهيم قد فُضح أمره أمام زوجته وفي كل بيت من بيوت الحارة لأن الغسيل قُد سرق في اليوم التالي من معاقبة "حمادة الغلبان".
وما زال إبراهيم وزوجته يعانيان من سرقة الغسيل بشكل مستمر. أما حمادة ابن الجيران الغلبان فصار قائدًا لتنظيم متخصص في سرقة الغسيل؛ وقرر أن يسرق كل غسيل الحارة إنتقامًا من الظلم الذى تعرض له على يد الحاج إبراهيم.


***
فى يونيه 20015، قرر رئيس مجلس الوزراء "إبراهيم محلب" محاربة الإرهاب بطريقته الخاصة وبنفس طريقة الحاج إبراهيم صاحب قانون مكافحة سرقة الغسيل؛ فأصدر قرارًا بمنع ترخيص سيارات الدفع الرباعي في سيناء، على أساس أن الإرهابي يحتاج لترخيص سيارته أصلًا، فيجب على أهل سيناء أن يركبوا الجمال، أو يركبوا سيارة 128 في الصحراء، بدلًا من سيارات الدفع الرباعي وذلك دعمًا لمحاربة الإرهاب.


على نفس طريقة مكافحة سرقة الغسيل، ورغم أن الإرهابي لا يتظاهر، لا يهتف، لا يطالب، وإنما ينسف، يقتل، يبث الرعب، قررت الحكومة منع التظاهر بدعوى أن الظروف استثنائية وبدعوى محاربة الإرهاب؛ وأصدرت قانون منع التظاهر بعد عزل مرسى ليكون مبررًا لإعتقال الآلاف.
***
نتحدث عن عقلية تعتقد أن قرار منع سيارات الدفع الرباعي سيساهم فى محاربة الإرهاب، وأن التظاهر يجب أن يتوقف من أجل القضاء على الإرهاب!


فلا عجب أن يصدّق عبدالفتاح السيسى على قانون مكافحة الإرهاب فى ظل غياب البرلمان -الذى بالطبع سيؤيده فى كل قرارته- وأن يصير هذا القانون إرهابًا تمارسه السلطة الحالية ضد الصحفيين.


فيقتضى على الصحفي بعد تطبيق هذا القانون عدم التشكيك فى المصادر الرسمية بل ونقل الأخبار منها بالحرف الواحد، مع أن المصادر الرسمية فى الغالب لا تبث سوى الأكاذيب التي تحاول تضليل الشعب بها. فعلى سبيل المثال نجد أن بيان القوات المسلحة فى شهر يوليو الماضي يذكر أن عدد شهداء الجيش لم يتخطى 17 جنديا. بينما ذكرت مواقع عديدة وقتها أن عدد الشهداء قد تخطى 70 جندي؛ وهنا يجب أن يحاكم كل من نشر تلك الأخبار المخالفة لبيان القوات المسلحة، وأن يدفع غرامة ربما تصل إلى 500 ألف جنيه تنفيذا لقانون الإرهاب الجديد.


***


أعتقد أن النظام الحالى يحتاج بالفعل قانونًا لمكافحة الإرهاب ولكن  يحارب به نفسه  قبل أن يحارب به الإرهاب؛ فسفك الدماء، وتكميم الأفواه، وإخفاء الأبرياء، واضطهاد المخالفين، وبث الرعب فى نفوس من حاولوا الإنتقاد بطريقة سلمية، ومحاربة الصحافة، كل هذا ليس إلا إرهابًا يمارسه النظام الحالى.


*عن القتل والتعذيب: نشرت صفحة الحرية للجدعان  يوم 19 أغسطس 2015 عن تعذيب "صلاح عبدالحفيظ" البالغ من العمر 40 عاما فى قسم المطرية مما أدى إلى وفاته بعد أربعة أيام وهو مقيد بالحديد على سرير إحدى المستشفيات. وتعد تلك الحالة هى أجدد حالة للقتل بعد التعذيب، فصارت أخبار التعذيب والقتل فى الأقسام شبه يومية.


*عن تكميم الأفواه: فهناك آلاف خلف القضبان ممن حاولوا التظاهر ضد السلطة الحالية، أو ضد قانون التظاهر نفسه، وأشهر تلك القضايا التي لم يتم فيها إستخدام أى نوع من العنف قضية مجلس الشورى و قضية الإتحادية، والإنتقام من أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل. وهناك أيضا أحمد بديوى طالب الهندسة الذي مر على حبسه الاحتياطى عامان دون إحالة لمحاكمة!


*عن إخفاء الأبرياء قسرياً: نجد أن "إسلام خليل" الذي اعتقلته قوات من منزله منذ 90 يوما لم تفصح قوات الأمن عن مكانه إلى الآن. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على إسلام وشقيقه ووالده، ثم أطلقوا سراح  شقيقه ووالده، لكن قرروا إخفاء إسلام لأن أحدا لن يحاسبهم، هم من يحاسبون أنفسهم، وهم من يعتبرون أنفسهم أسيادا ومن سواهم عبيد. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فهناك مئات من المحتجزين الذين خطفوا ولم يستدل على أماكنهم بعد.


*أما اضطهاد المخالفين: فخير دليل على اضطهاد المعارضين وقمعهم، إصدار قانون مكافحة الإرهاب الحالى والذى يبث الرعب فى كل صحفي يحاول نشر أخبارا لا يرضى عنها النظام، مما قد يؤدى إلى اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة أو حبسه أو تغريمه إتاوة مالية قدرها 500 ألف جنيه.


*أما محاربة الصحافة ومحاولات إعدامها: يكشفها لنا الزميل والمصور الصحفى "محمود شوكان" الذي يقضي الآن عامه الثالث خلف القضبان دون محاكمة أو تحقيق بسبب أداء عمله، والزميل "محمد البطاوي" صحفى أخبار اليوم الذى تم اعتقاله وتعذيبه كما يروى لنا فى رسائله دون سبب سوى الكتابة، ومدير شبكة يقين "يحيى خلف" الذي يحاكم بتهمة بث أخبار كاذبة بعدما صادرت قوات الأمن كل معدات الشبكة، وغيرهم من عشرات الصحفيين خلف القضبان.


إذاً فكل عوامل بث الرعب وإرهاب الناس توفرت فى النظام الحالى، فهل يمكن للشعب أن يصدر قانونًا لمكافحة إرهاب النظام؟!

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

التعذيب للجميع (الجزيرة)
العربي الجديد

عندما تدخل قسم ثان مدينة نصر لا بد أن تسمع أصواتا تصرخ، و أخرى تتوسل إلى من يعذبها بأن يفعل بها ما يشاء ولكن (بلاش الكهربا) وأصواتا تسب وتلعن، يحدث هذا بشكل علني وكأنه شئ طبيعي، فلا بد أن أى محام أو صحافي دخل قسم ثان مدينة نصر قد سمع تلك الأصوات ولكن هل يجرؤ على أن يقول ما رآه أو سمعه؟!
كانت الكاميرا التي ضبطوني بها تزعج كل ضباط القسم، فما أن يراها ضابط إلا ويصب غضبه على وعلى الكاميرا. حينها تساءلت: ماذا لو ضبطوني بسلاح؟!


صعدت إلى الدور الثاني فى مكان يسمى (الثلاجة) ما زلت أذكر الدماء التي كانت على الجدران وقتها، مشهد يذكرك بالأفلام، ولكنها للأسف لم تكن أفلام. وقفنا أنا وأربعة طلاب ثم ازداد عددنا حتى وصل إلى 62 طالباً و14 طالبة.
جاء الزميل "أحمد سامح" مصور اليوم السابع حتى يلتقط لنا صورا بالتأكيد ستنشرها الجريدة على أننا إرهابيين، نظرت إلى الكاميرا وضحكت ( أليس هذا زميلى؟! ربما لم يرانى)
بعدها رأيت الطالبة "آيات حمادة" يسبها أحد الضباط لأنها طلبت أن تدخل إحدى زميلاتها دورة المياه. أتذكر أنه قال لها: لسنا فى مدرسة يا روح أمك!
أما عبد الرحمن الطيب البالغ من العمر 32 عاما والذي أصر على إكمال دراسته فكان طالبا بالفرقة الرابعة بكلية تجارة الأزهر، وعندما اعتقل بشكل عشوائى  كان معه مبلغ 500 جنيه سرقه منه أحد أمناء الشرطة، ولكنه أصر على أن يسأل كل فترة عن ال 500 جنيه ومصيرها  لأنه لا يملك سواها وسيشتري بها دواء لإبنته (كان يظن أنه سيعود إليها ولكنه حكم عليه بالسجن 5 سنوات ومثلها مراقبة أمنية) وقتها لم يرحمه أحد الضباط الذى ظل يصعقه بالعصا الكهربائية وهو يسأله: هل ترانا لصوصا يا إبن العاهرة؟!

أما "عمرو عبد العال، وعدى كمال، وأسامة زيد رئيس اتحاد كلية تجارة" فقد قتلت الشرطة رفيقهم "خالد الحداد" طالب الفرقة الثالثة بكلية تجارة، الذي كان وقتها يعيش معهم فى نفس المسكن، وعلموا أنه بمستشفى قريبة من الجامعة فقرروا الذهاب إليه ولكن الشرطة اعتقلتهم من أمام الجامعة، قبل أن يتمكنوا من رؤية زميلهم وهو يلتقط آخر أنفاسه، ونالوا أكبر كم من التعذيب عندما علمت الداخلية أن "أسامة زيد" رئيسا لإتحاد كلية التجارة بجامعة الأزهر.

أمرنا أحد الضباط الذي كان يشعر بالملل على حد قوله بأن نقف صفين. ففعلنا، مرّ بيننا ينظر إلى وجوهنا بغيظ وعندما كان يشير إلى أحدهم قائلا: هذا الولد ابن عاهرة. كانت الجنود  تنهال عليه ضربا . ثم يأتي الدور على طالب آخر!
بعدها وثقوا أيدينا بالكلابشات الحديد كل إثنين معا، وأجلسونا على الأرض إلى آخر الليل وكانت الأعداد تتزايد حتى  العاشرة مساء تقريبا. مع أن الاشتباكات كانت فى الصباح.
ثم أمرنا أحد الضباط بالوقوف فى مكان ضيق للغاية وأن نضع وجوهنا فى وجه الحائط وأن نلتصق ببعضنا البعض، حتى صرنا كالجسد الواحد وأن نقف فى حيز ضيق من المستحيل أن يتسع لهذا العدد ، وأمسك عصاه يضرب بها من هم فى آخر الصفوف فيضغطون بقوة على من يقف فى وجه الحائط،  فمن فى وجه الحائط يختنق من التدافع ومن فى الخلف يتألم من ضرب العصا. ومن فى المنتصف أحيانا يُضرب بالعصا وأحيانا أخرى يُضرب من زملائه الذين يحاولون الهرب من العصا.
أثناء حفلة التعذيب  إنضم إلينا الطالب "مراد عبدالحميد مراد" البالغ من العمر 17 عاماً وكان جسده ضخم، مما أغرى الضابط بأن يكمل سهرته  مع مراد، فأمرنا ألا نتحرك، وعندما كان يحاول أحدهم الإعتدال كان يضرب مراد بالعصا والقدم ويقول ساخرا، قلت لكم لا تتحركوا، وهكذا قضينا باقي الليلة نشاهد مراد يتعذب وهو غير مصدق لما يحدث، إلى أن جاءت سيارة الترحيلات أنقذتنا من عذاب وقادتنا لعذاب آخر.

الغريب أن الداخلية  كانت تعلم أن 90 % من هؤلاء الطلاب لم يرتكبوا جرما. ولكنها  أصرت على تعذيبهم وعلى ضياع مستقبلهم، ولا أجد هنا أى فرق  بين الداخلية و داعش فى الإرهاب، فالاثنان يعذبان ويقتلان من لا علاقة له بالصراع، حتى يتعظ من له علاقة بالصراع!

اطمئنوا.. السجون مكيفة



سجن هالدن النرويجي




كيف حالكم فى هذا الجو الساخن؟!
تشعرون بالقرف وتلعنون الصيف؟!
تسبّون من يطفئ أجهزة التكييف ولو دقيقة واحدة؟!
كان الله فى عونكم.
ولكني أودّ أن أخبركم بأن هناك من يناضل من أجل الحصول على مساحة شبر وقبضة ليجلس وينام عليها وقتما شاء. هناك خلف القضبان التى صارت مقابر جماعية للشعب.

ولكن لا بأس؛ فوزارة الداخلية تطمئن الجميع دائمًا وتحكي لنا عن  أماكن الاحتجاز التى تعتبرها فنادق 7 نجوم؛ وعليكم أن تصدقوها.
ألم تسمعوا من قبل عن فنادق بها غرف مغلقة ليلًا ونهارًا ولا تراها الشمس؟
ألم تسمعوا عن فنادق ينام نزلائها على الأرض في أوج الشتاء وتضم كل غرفة أكثر من 40 شخصا؟!
وعن الفنادق التي يضطر نزلائها إلى تقسيم عدد ساعات النوم حتى يتمكن الجميع من النوم؟!
إن لم تسمعوا عن تلك الفنادق فما ذنب وزارة الداخلية؟!
***
الداخلية أثبتت نجاحها في أشياء عديدة (القتل، والاعتقال، والخطف، والتعذيب، والإنكار) وقد خصصت أحد أبنائها للإنكار، فإنه يستطيع أن ينكر الاختطاف كما أنكر من قبل اختطاف إسراء الطويل التى ظهرت فى إحدى السجون، و يستطيع إنكار القتل العمد كما أنكر قتل الطالب "إسلام عطيتو" ويستطيع أن يقول (معندناش خرطوش، معندناش رصاص حي) كما أن لديه القدرة على تصوير ضباط الشرطة فى هيئة ملائكة، فسمعنا تصريحات  الجهاز الإعلامي لوزارة الداخلية بأن السجون مُكيّفة وأنهم يوزعون العصائر والمرطبات على المساجين، وهذا إنجاز رائع، فعلى المسجون أن يتكيف أثناء تعذيبه، وأن يترطّب أثناء صعقه بالعصا الكهربائية، وأن يشرب العصائر بعد إصابته بمرض الجرب.
***
في مشهد اعتدنا على رؤيته بشكل متواصل، رأينا أحد أمناء الشرطة يعتدي بالضرب المبرح على شاب عشريني في محطة المترو، يضربه بكل ما استطاع من قوة ناعتًا أمه بالعاهرة، لأن ذلك الشاب اعتقد أن القانون قد وُضع ليخدمه فقرر أن يحصل على حق خطيبته التى تحرش بها أحد المتحرشين، رأينا أيضا إحدى السيدات تحاول أن تهدئ من غضب أمين الشرطة حتى لا يموت الشاب بين يديه فقالت  على استحياء: خلاص يا باشا؛ لكن الباشا نعتها أيضًا بالعاهرة، ثم قبض الباشا وعساكره على رقبة الشاب وصعدوا به سلما، فنظر الباشا  خلفه إلى الحشود التي تشاهد الضرب بصمت وقال: إيه يا ولاد العاهرة؟! ولا أعلم السبب فى إصرار الشرطة على وصف كل أمهات الشعب بالعاهرات!

أما العجيب فى الفيديو هم أولئك الخلق الذين قرروا مشاهدة الفتى والعساكر تنهال عليه ضربًا كأنهم يشاهدون فيلم قديم لعادل إمام، بالطبع هذا ليس تحريضًا على الانتقام من أمين الشرطة أو العساكر ولكني كنت أنتظر أن يحاول الناس إفلات الفتى من يد العساكر وأمين الشرطة، ومنعهم من إيذائه.
***
"إنى رأيت اليوم

فيما يرى الثائر
إن الحسين ملموم
فوق جثته عساكر
بيدغدغوه بالشوم
كل أما ييجى يقوم
وإن البشر واقفة
تبكى بدال ما تحوش!"
كلمات مصطفى إبراهيم
***
ولكن هناك شعاع نور فى هذا المشهد المحزن، فقد قرر أحدهم تصوير تلك الانتهاكات بالفيديو وخاطر بنفسه من أجل أن ينقل لنا الحقيقة، فإن مثل هذه الفيديوهات قد تسببت فى ثورات عديدة فى دول مختلفة.

*إن أكثر ما يقلق هو أن يصاب المجتمع المصرى بالتبلد تجاه الدماء وتجاه حالات التعذيب _إن لم يكن قد أصيب_ فالناس صاروا يقرأون أخبار التعذيب والقتل والاختفاء القسري كأنهم يقرأون خبر اعتزال لاعب كرة قدم، بل ربما اعتزال لاعب كرة قدم قد يثير اندهاشهم أكثر من أخبار التعذيب والقتل.

*سألتني صج بجريدة "لوموند" الفرنسية عن خبر بعنوان "مأمور قسم ثالث المحلة يصعق مواطن بمؤخرته والداخلية تخصم شهرًا من راتبه" فكانت تشك أن هناك سوء فهم فى ترجمة الخبر، ولكن للأسف لم تكن هناك سوء ترجمة، فسألت نفسي ماذا لو علمت أن نفس الضابط قد لفق قضية آداب لإحدى السيدات من قبل فخصمت الداخلية من راتبه شهرًا أيضًا؟!
***
إن فى بلادى ثورة قد اشتعلت بعد تعذيب "خالد سعيد" وقتله بأيدي الشرطة المصرية، ولكن للأسف صرنا نسمع كل يوم عن خالد سعيد جديد، فرغم وجود المادة (55) فى الدستور الحالى التى تفيد بتجريم التعذيب والإيذاء البدني والإكراه والإهانة، ولكنها ليست إلا كلمات على ورق! فلا يمكن أن ننسى المحامى كريم حمدى الذى قتل بعد تعذيبه فى قسم المطرية، و"هانى سعيد إمبابى" الذي أثبت التقرير الطبى موته بعد تعذيبه ووجود علامات تعذيب على الرقبة والوجه والصدر والبطن والركبتين، ولكن وكيل وزارة الصحة بالقليوبية الدكتور "محمد لاشين" لم يجد حرجاً من أن يكذب ويقول أن السجين مات بعد إصابته بسكتة قلبية!

أما الطالب "محمد عبدالنبى الشويخ" البالغ من العمر 22 عامًا والذي قتل فى قسم إمبابة بعد تعذيبه بعصا خشبية بمسامير أدت إلى إصابات بالغة فى الرقبة الخلفية والظهر ثم إلى الموت. ولكن أحد أمناء الشرطة أبلغ والدته أنه ابتلع "شريط مخدر" وكالعادة أنكرت الداخلية وفاته بالتعذيب وقالت فى بيان لها أن الطالب قد توفى بعد هبوط حاد فى الدورة الدموية!

كما رأينا أيضا بالأمس شهادات لأحد أهالي المعتقلين عن تعرض 7 مساجين بقسم ثان الإسماعيلية للضرب والإهانة بسبب طلبهم تهوية الزنازين التى تعرض حياتهم للخطر فى درجة الحرارة القاتلة.

*أصدر مرصد طلاب حرية تقريرًا لرصد بعض الانتهاكات التى حدثت ضد الطلاب فى العام الماضي، أفاد أن حصيلة من قتلوا من الطلاب 21 طالبا، وأن الشرطة قد اعتقلت 1409 طالب وتم إخلاء سبيل 517، ووصلت حالات الإخفاء القسري للطلاب إلى 329 منهم 11 طالبة. كما ذكر التقرير حالات تعذيب عديدة موثقة بشهادات أهالى وأصدقاء المعتقلين للاطلاع على التقرير بالكامل

***

الخوف ربما يجعل الناس أكثر طاعة لكم ولكنها طاعة لن تدوم.
وعلمنا من التاريخ أن العدل يقوى الشعوب والحكام. ولكن للأسف قد غاب العدل فى بلادى.
موضوعات متعلقة

التشريفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت


في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع