قائمة الرفاق 1

كاريكاتير (الاشتراكيون الثوريون)

وَبّخني أحد من يرتدون رابطة عنق، ويوزعون صكوك الوطنية على من يتفقون معهم فقط فى التطبيل للنظام الحالي، اعتقادًا منه أن الوطنية هي الموافقة على كل ما يفعله النظام الحاكم للبلاد مهما كثرت جرائمه ومهما بلغت حماقته.

اتهمني واتهم كل أبناء جيلي بأننا لا نحب الوطن لأننا لم نشارك فى مسرحية الانتخابات، فالرجل ظنّ نفسه يمتلك صكوك الوطنية، كهؤلاء الذين اعتقدوا أنهم يملكون صكوك الغفران من المتاجرين بالدين، وسألني عن سبب وحيد لمقاطعة مسرحية الانتخابات، فلم أرد، ليس عجزًا مني، ولكن لسببين..
الأول: أنني لا أحب الجدال والهرتلة الفارغة.
والثاني: أنني أحتاج إلى كتاب بين دفتيه مئات الأوراق حتى أوضح له بعض ما يعاني منه أبناء جيلي وبعض أسباب عدم المشاركة في المسرحية.
في النهاية قررت أن أرد عليه هنا، وأعلم أن الرسالة ستصل له ولمن هم مثله.

لن أكتب عن الجهل، والفقر، والاعتقال، والتعذيب، والإخفاء القسري، والفشل، والفساد، والصحة، والثورة المضادة، وإعلام صوت الرأى الواحد، والقضاء، والنيابة، والفلول، والعسكر، و.....

ولكني سأكتب بعفوية عن بعض رفاقي:
1- جابر
في كل أفعاله دلالة على عشق الوطن، هذا الفتى ذو الـ 17 عامًا، احتفى بفوز مرسي رغم عدم اقتناعه به، ولكنه كان يخشى على الوطن من شفيق، وعندما فقد الأمل فى عودة حق رفاقه الشهداء وبعدما سمع تصريحات من نوعية "نرفض لفظ تطهير وزارة الداخلية"، قرر العودة للشارع من جديد فى ذكرى محمد محمود الثانية بهتافه وليس بالمولوتوف كما ادعى بعض المتطرفين ممن يختصرون الوطن والدين فى شخص واحد.

ومما كتبه على صفحته "نازل عشان أعز صاحب ليا اللي شيلته بإيدي وهو مقتول، أسامة أحمد، نازل عشان عيون أحمد حرارة، نازل عشان أرجع الثورة اللي راح عشانها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين، نازل عشان حمّو طه وأحمد يوسف صحابي اللي راحوا في بورسعيد، نازل عشان بلدي ترجع لنا تاني، لو مرجعتش مليش غير طلب واحد هو إن الناس تكمل الثورة وتجيب حقنا"
ثم ختم كلامه بالشهادة، ولكن المرضى لم يرحموه حتى بعد موته وشتموه بأفظع الشتائم، لأنه خالفهم الرأى.
جابر كان يشعر أنه سيترك أرض النفاق، حكت لي أمّه أنه قبل نزوله الشارع قد حلق شعره لأنها كانت لا تحب شعره الطويل، ثم طبع على رأسها قبلة وقال لها أنه حلق شعره من أجلها، ثم أنهت الشرطة حياته بـ 7 رصاصات خرطوش فى قاع المخ.

بعد موته ظهرت نتيجته فى الثانوية العامة وكان من الحاصلين على تقدير ممتاز.
2- أحمد المصري
كنت أظنه سيموت فى حادثة سيارة وسأموت معه فى نفس اللحظة، لأنه دائمًا يقود بسرعة جنونية، كان يقضي الكثير من أوقاته فى الأعمال الخيرية.

دائمًا يتصل بي ويقول: "هيا نذهب إلى دار أيتام، هل ستشارك فى القافلة الطبية؟ اجمع ملابسك القديمة ونظفها جيدًا، سنعطيها للفقراء، لا تنسى أننا سنشارك في عمل مائدة إفطار على روح الشهداء".
لن أنسى أنه يومًا دافع عن جابر بعدما اعترض أحدهم على أن جابر يرسم جرافيتي للشهداء، سأل المصري هذا المعترض.. هل يعجبك شكل الحائط وهو متسخ؟ وما الذي يزعجك من صورة شهيد؟!

المصرى وجابر لم يكونا أصدقاء، ولكن بينهما رابط يدعى عشق الوطن، بينهما عيش وثورة! حكى لي المصري يومًا أنه يود السفر من أجل أن يضمن لأولاده حياة كريمة، ولكن الداخلية لم تتركه ليكمل حياته واخترق رصاصها جسده فى 14 أغسطس 2013 أثناء ذهابه لعمله، أطلق مُدعي الدفاع عن الوطن الرصاص على أحد عاشقي الوطن، أطلقوا عليه الرصاص من الخلف، رقد المصري فى المستشفى 18 يومًا أجرى خلالهم عمليتين جراحيتين، قال الأطباء وقتها أن العمليتان قد تمتان بنجاح، ولكن المصري أبلغ أمه وقتها أنه يرى جابر جيكا، كان جابر ينتظره فى السماء، كانا يعلمان أكثر من الأطباء. قتل المصري على يد من قتل جابر.
3- رامى السيد
أحد المقربين لـ "أحمد المصري" حكم عليه محمد ناجي شحاتة هو و9 من رفاق المصري بالمؤبد، ربما تظن أنهم حاولوا الانتقام لرفيقهم ومارسوا العنف ضد النظام، ولكن رامي ورفاقه كانوا يؤدون واجب العزاء فى الذكرى السنوية لاستشهاد أحمد المصري، فاعتقلتهم الداخلية ولفقت لهم التهم المعتادة.. التظاهر، التجمهر، قطع الطريق، حيازة شماريخ.

وياللعجب صدق القاضي أنه يمكن لأحدهم أن يذهب إلى عزاء وفى حوزته شماريخ، ويا للغرابة عندما تكون الشماريخ عقابها المؤبد.. كان الله فى عون رامي ورفاقه الذي سُتعاد إجراءات محاكمتهم أمام نفس القاضي "محمد ناجى شحاتة".
4- هشام رزق
اليساري الصغير، المتواضع، الفنان التشكيلي، رسام الجرافيتي، هو أيضًا من أصدقاء المصري، ومن أصدقاء جابر، قلت له يومًا هيّا نرسم "المصري" على جدران شارع محمد محمود، وكان يعلم أنني فى فترة انعزال عن كل شئ فى الحياة، وأن موت المصري كاد أن يؤدي إلى موتي، اتصل بي واتفقنا على ميعاد الرسم، وكانت المفاجأة أنه قد انتهى من الرسم وقرر أن يرسم على وجهي بسمة بتلك المفاجأة.
كان هشام يحب المفاجئات، فقرر أن يزورنى أثناء فترة اعتقالي، زارني مرتين، ولم يتمكن من زيارتي فى الثالثة، علمت أنه اختفى عشرة أيام، ومات فى ظروف غامضة، مات وأنا فى المعتقل، دون أن أحمله على كتفي وهو يودع عالمنا القمئ إلى مثواه الأخير.
5- خالد الرشيدى
جائنى خالد مع هشام فى إحدى الزيارات، خالد الذي تعرفت عليه يوم جمعة الغضب، والذي كتب فى يومياته خلال تأدية فترة تجنيده أنه يعشق تراب هذا الوطن، وأنه يشعر أنه سيموت من أجله، لا يدري متى ولا كيف؟!
كان على وشك تحقيق حلمه، أخيرًا سيشتري الشبكة ويتزوج من الفتاة التى أحبها، ولكن الداخلية وقتها اقتحمت منطقة "ناهيا" التي يسكن فيها خالد، وأطلقت الرصاص بشكل عشوائي وقتلته برصاصها، وقتلت حلمه الصغير، فهي تدمن قتل الأحلام، وتعشق تدمير المستقبل. قتلته وادعت أن الإخوان هم من قتلوه، فالإخوان شماعة لكل جريمة يرتكبها النظام، ولكل فشل يقع فيه، لم أحضر جنازة خالد، كما لما أحضر جنازة هشام، صليت عليهما في زنزانتي، ودعوت لهما، ودعوت على من قتلهما، هناك شئ ما يطاردني يجعلني لا أستطيع النظر فى عيون أقاربهما.
6- شوكان
لم نلتق وجهًا لوجه، لم نلتق سوى فى صور جمعت بيننا على سلم نقابة الصحفيين، وفي هتاف هتفه زملائنا الذين طالبوا بالحرية لنا، صرنا أصدقاء دون لقاء.

محمود أبو زيد شوكان، مصور صفحي، حٌرم من التصوير، ومن الحرية، ومن أهله أكثر من 800 يومًا، لم يُقدم للمحاكمة إلى الآن، وحتى لو قدموه للمحاكمة فعلى أى جريمة سيحاكموه؟! على نقل الحقيقة؟!
فى إحدى المؤتمرات بنقابة الصحفيين، والتي كانت تطالب بالإفراج عن شوكان وعن عشرات الصحفيين أخبرني زملائي أنني سألقى رسالته، وأنني لن أطّلع على الرسالة إلا وقت إلقائها، أوجعتني رسالته، وانتفض جسدي عندما ذكر اسمي فى الرسالة قائلًا: "إلى الرفيق أحمد جمال زيادة، وإلى المصورين الصحفيين: تمسّكوا بحلمي، حاربوا لأجل الصورة، ولا تتركوا الكاميرا، مهما كلفكم الأمر. صوّروا لأجلي".. ربما يتساءل أحدهم ما الخطر الذي يسببه "شوكان" لهم؟! ولكني أعتقد أن الخطر كل الخطر في الحقيقة التي كان يسعى نقلها لنا، فالحقيقة فى زمن يحكمنا فيها كذابون تعد جريمة.
7- محمود محمد
هذا الفتى الذي يشعرني بالخجل لأنني يومًا سئمت حياة المعتقلات، يبلغ من العمر 17 عامًا، اقترب على إكمال عامين خلف الجدران، وُضع فى أسوأ سجون مصر "سجن الاستئناف" الذي تطبق فيه وزارة الداخلية أحكام الإعدام، قُبض عليه لأنه يحب الوطن فحلم به بلا تعذيب، وترجم حلمه على قميصه وكتب عليه "وطن بلا تعذيب" فاعتقلوه، وهنا علينا أن نتساءل: من يحب الوطن أكثر؟ من اُعتقل لأنه ضد التعذيب؟ أم من يعتبر أن التعذيب هوايته المفضلة؟!

هذا الفتى الذي إذا أحب شخصًا عبّر عن حبه بورقة يرسلها له ويزخرف فيها بخط يده كلمات صغيرة لها معاني كبيرة "بكره بتاعنا، وطن بلا تعذيب، حرية".. هذا الفتى متهم بحيازة حلم وعقل.

8 - ياسين صبري
كنا معًا خلف جدران زنزانة واحدة، اقتسمنا القهوة، وتحدثنا عن الثورة والحب والتاريخ، كان يقرأ ما أكتبه وأقرأ أنا ما يكتبه، كنا نغني فى الحزن قبل الفرح، ولكننا افترقنا دون قصد، أطلقوا سراحي وحكموا عليه بالسجن 5 سنوات ثم 3 سنوات و4 مراقبة، اُعتقل وفي حوزته "ستيكر" مكتوب عليه "ثوار"، فالانتماء للثورة تهمة، كما أن الحلم والعقل تهمة.

أثناء فترة اعتقاله، اُعتقل شقيقه الصغير "عبود صبري" ذو الـ 17 عامًا، ولكن لم يخبر أحد "ياسين" أن شقيقه قد اُعتقل، أخبرته أمه بالأمر عندما أخلت النيابة سبيل "عبود" على ذمة القضية، فضحك وقتها وهو يحدثني عما حدث لأخيه دون علمه، وقال: الحمد لله أنهم لم يخبروني وإلا كنت سأقضي فترة عقوبتي فى جحيم.
ولكن انتهى الأمر بالحكم على "عبود" بالسجن، ونظرًا لأن الداخلية اقتحمت منزلهم مرات عدة، قرر عبود أن يسلّم نفسه حتى يرحم أمه وأبيه من الإهانة.

كتب شقيقه أحمد صبري على صفحته "بدلًا من أن أذهب مع أخي إلى البحر لنستنشق هواءه، ذهبت معه ليسلم نفسه للشرطة".

عذاب زيارات السجون

لا يستطيع السجين أن يرى أصدقاءه(Reuters)


العربي الجديد

عندما ينتقل المعتقل إلى سجن ما، يفاجأ أهله بأنه قد نُقل إلى أحد السجون، وأن عليهم أن يبحثوا عنه في كل السجون من دون استثناء، مع أن قسم الشرطة يمكنه توفير عناء ذوي المعتقل وإبلاغهم باسم ومكان السجن الذى نقل إليه المعتقل، إلا أنهم لا يفعلون ذلك، لأنهم يدمنون إذلال خلق الله!

في كل منطقة سجون توجد عدة ليمانات وسجون مختلفة، على سبيل المثال منطقة سجون أبو زعبل والمرج بها ثلاثة سجون رئيسية (سجن أبو زعبل العسكري، وليمان أبو زعبل 1، وليمان أبو زعبل 2)، وكل ليمان أو سجن في المنطقة مستقل بذاته إدارياً. واستمراراً للعذاب لن يجد الأهالي أي مسؤول على البوابة الرئيسية يمكن أن يفيدهم بوجود ابنهم داخل هذا السجن أم لا؟! وعلى الأهالي أن يبحثوا في الثلاثة سجون، وأن ينتظروا الرد أمام كل سجن بالساعات.


وبعد أن يتأكد الأهالي من وجود المعتقل، سيكتشفون أنه لا يمكنهم زيارته إلا بعد 15 يوما، وطبعا لن يخبرهم أحد من الضباط بإمكانية استخراج تصريح النيابة للاطمئنان على ابنهم.

أما مكان الانتظار خارج أسوار السجن والذى ينتظر فيه الأهالي نحو 7 ساعات كي يتمكنوا من دخول مكان الزيارة، فهو مكان مليء بالقاذورات، ولا يوجد حتى جزء صغير يمكن أن تحتمي فيه من حرارة الشمس، إذا نظرت له من بعيد ستعتقد أن الأجساد قد تراصت بعضها فوق بعض، حتى تظن أنها جسد واحد.. المقاعد قليلة جدًا والسيدات افترشن الأرض، والزبالة منتشرة في كل مكان، والمتحرشون من العساكر وأمناء الشرطة أيضا منتشرون في كل مكان.


أما إذا كانت هناك زيارة من أحد قيادات الداخلية للسجن، فهذا خبر سيئ للغاية، لأن الـ7 ساعات انتظار ربما تتضاعف، والزيارات تتوقف مؤقتا لدواع أمنية.


وفي أغلب الأحيان لا يستطيع المتهم أن يرى أصدقاءه أو بعض أقاربه ممن ليسوا من الدرجة الأولى، كما أنه لا يتمكن إلا من رؤية ثلاثة أشخاص فقط، فإذا كان له خمسة إخوة ووالداه، فعليهم أن يختاروا ثلاثة فقط لرؤية المعتقل.


الزيارة السلك

وهي أسوأ أنواع الزيارات، بحيث يفصل بين المعتقل وأقاربه سلك شائك يبلغ ارتفاعه نحو 200 سم، وغالبا ما تنتهى تلك الزيارة بدون أن يستطيع المعتقل الحديث مع ذويه في أي شيء، لأن هذا النوع من الزيارات لا يتخطى الـ10 دقائق على أكثر تقدير، خلالها يكون الأهالي قد نجحوا في إدخال بعض ما معهم من أطعمة وملابس، وأقول بعض، لأن الأشياء التي لا يمكن أن تتخيل منع دخولها مهما كانت بسيطة ممنوعة بالفعل، كما أنه لا يمكن إدخال وجبة تكفى أكثر من فرد.


الزيارة الطبلية

في الغالب تكون هذه الزيارة في الزيارات الاستثنائية التي تعلن عنها وزارة الداخلية في الأعياد، وتدّعي أنها منحة أو هدية، مع أنها ليست إلا عقابا جماعيا يحل على المساجين وأهاليهم، فهذه الزيارة التي من المفترض أنها هدية من وزارة الداخلية، لا تتخطى ثلاث دقائق، يتصافح فيها الأهالي مع المعتقلين ويعطونهم ما لديهم بسرعة جنونية، ثم يعلن الحرس أن الزيارة قد انتهت، بدعوى أن الأعداد في العيد كبيرة، وأن من حقهم أن يقضوا إجازة العيد مع أهاليهم.


وأحيانا تكون الزيارة الطبلية بدون رؤية المعتقل أصلا، بمعنى أن توصل إدارة السجن الطعام الذي أحضره الأهالي إلى معتقل ما بدون أن يمكنهم رؤيته.


الزيارة العادية

تنص المادة (71) من لائحة السجون المصرية على أن مدة الزيارة العادية والخاصة 60 دقيقة، ويجوز لمأمور السجن إطالة المدة إذا دعت لها ضرورة بعد موافقة مدير عام السجون.


والغريب أن لائحة السجون تمنع الداخلية تداولها داخل السجن حتى لا يعرف السجين حقوقه، ففي سجن أبي زعبل تتراوح مدة الزيارة العادية من 15 دقيقة إلى 20 دقيقة، أما المأمور فيقلص مدة الزيارة بشكل غريب من دون سبب واضح بدلا من إطالتها كما تنص اللائحة.


خلال الزيارة العادية، من حق أي مخبر أن يجلس بجوارك ليسمع الحوار الذى يدور بين المعتقل وذويه، كما أن من حقه أن يقرأ الرسائل الورقية بالحرف - إن كان يستطيع القراءة - وأحيانا يمزق الرسائل ويدّعى أنها ممنوعة، مع أن من حق كل سجين إرسال 4 رسائل كل شهر لمن يريد.


لنا عودة لتكملة ما بدأناه.



موضوعات متعلقة

التشريفة

اطمئنوا.. السجون مكيفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

زنزانة الإيراد الجديد


لماذا يخشى المستبدون السخرية؟

باسم يوسف

لسماع المقال اضغط هنا

تعد السخرية السياسية بجميع أشكالها أسلوبًا من أساليب التغلب على الصعوبات التي تواجهها الشعوب نتيجة السياسات القمعية التي ينتهجها الحكام على مر العصور.

كما أن أكثر الرؤساء والزعماء تعرضًا للسخرية هم الذين ظنوا أنفسهم ملوكًا لا يجب أن يحاسبهم أحد، فلاسفة يفهمون كل شيء، عباقرة يملكون الحلول السريعة، أقوياء قادرون على محاربة العالم كله، ولكنهم فى النهاية يقودون البلاد إلى مزيد من الفقر والجهل والغلاء وقمع الحريات ثم يعلنون للعامة أن كل شيء على ما يرام. وعندما تكتشف الشعوب أن كل شيء ليس على ما يرام يبدأون فى وصلات التهكم والسخرية ضد حكامهم.

أما شعب مصر فدائمًا ما يقابل القمع والظلم والغباء بالنكات والسخرية والتهكم، حتى إننا لو رجعنا إلى عصور ما قبل التاريخ سنجد أن هناك برديات فرعونية رسمها المصريون القدماء منها "سفينة يقودها حمار"، وهو أسلوب تهكمي شديد للاعتراض على نظام سياسي غبي، سنجد أيضًا عربة يقودها فأر للدلالة على أن هذا الفأر جبان لا يملك الشجاعة للمواجهة.

كما أن بعض كتب التاريخ قد ذكرت لنا أن المصريين قد أطلقوا على بطليموس الثامن  لقب "فسكون physkon" بمعنى البدين، لأنه كان مفرطًا في الطعام وفي معاشرة النساء، حتى صار جسده كجسد الفيل، بالإضافة إلى أنه لم يكن مهتمًا بأمور شعبه، وظل لقب الفسكون ملتصقًا به من عام 169 قبل الميلاد إلى وقتنا الحالي، وسيظل ملتصقًا به إلى الأبد. فسخرية شعبه لن ترحمه حتى في قبره.

تزداد سخرية الشعوب من حكامها حسب تلك الدرجة التي وصل لها الحاكم من ظلم الناس وسرقتهم وقمعهم، فإذا وصل الحاكم درجة عالية من إخراس الناس ووضع القوانين التى تحجمهم، وإذا وصل الكذب مداه، تصل سخرية الشعوب مداها حتى تصل إلى التهكم والإهانة للحاكم.

يقول الأديب شوقي ضيف في كتابه "الفكاهة في مصر" إن "السخرية أرقى أنواع الفكاهة لما تحتاجه من ذكاء وخفاء ومكر، تستخدم للنكاية بالخصوم، فتكون لذعًا خالصًا، وقد تستخدم في رقة، وحينئذ تكون تهكمًا وذلك لأن اللذع والتهكم لونان من ألوان السخرية".

لماذا يخشى المستبدون السخرية؟
1- أكثر الأفكار حماقة وغباء هي تلك الأفكار التي تحتاج فى حمايتها إلى استعمال القوة واعتقال الناس خوفًا من سخريتهم، فالسخرية أسلوب ذكي يستخدم في إيضاح كذب مسؤول ما، أو حتى فى تنبيه مجتمع ما إلى أن عاداته غبية حد الضحك.

2- السخرية لا تعترف بقداسة الأشخاص، وتكسر هيبتهم مهما بلغت عظمة بنادقهم، وعندما تسقط هيبة الحكام أمام شعوبهم تتعرض عروشهم للانهيار.

3- كما أن السخرية تنتشر سريعًا بين عامة الناس أكثر من انتشار بحث علمي أو مقال معارض، فالسخرية في انتشارها السريع قادرة على أن تجعل الناس يفكرون فى عيوب المستبد، وهذا بالطبع مكروه لدى الحاكم المستبد، فالمستبد يتمنى أن تظل رعيته كالغنم يقودها كما شاء، لا كما شاءوا.

4- المستبدون يعتمدون في حكمهم على إماتة الناس من الرعب، ولكن عندما تتجرأ الشعوب على السخرية من حكامهم، فهذا معناه أن الخوف لم يتمكن بشكل كبير من قلوب هؤلاء الذين يسخرون من حكامهم، وهو ما يهدد ديكتاتورية المستبد التي شُيدت في الأصل على خوف الناس.

5- السخرية نوع من حرية الرأي، ولا حرية رأي فى دولة يحكمها مستبد، وبناء على ذلك السخرية من الحاكم ممنوعة.

***
عندما تُغلق كل أبواب التعبير في أن تقول وجهة نظرك، تلجأ إلى السخرية، حتى إنك تسخر من أن كل شيء صار ممنوعًا، وربما تسخر من الحكومات والشعوب والسياسيين كما سخر عمنا الراحل جلال عامر رحمه من كل هؤلاء قائلًا: "لا أحد في مصر يستحق أن نحمله فوق الأعناق سوى "أنبوبة البوتاجاز".. تلك المقولة التي تنفي وجود زعيم فى تلك البلد.

*عمرو نوهان هو أحد الشباب الغاضبين مما يجري فى البلاد من اعتقالات وإخفاء قسري وتعذيب وغلاء أسعار، سخر من عبدالفتاح السيسي بطريقته (التي ربما تراها خاطئة أو قلة أدب) ووضع صورته على هيئة ميكي ماوس، للإشارة إلى أن خطاب السيسي كان مضحكًا، ونشرها على حسابه بموقع فيس بوك، فحُوكم الفتى عسكريًا لإهانة رمز من رموز الدولة، وقرر القضاء العسكري حبسه ثلاثة أعوام.

في الحقيقة لا أعلم كيف يتفرغ قضاؤنا العسكري لمحاكمة أشخاص ينشرون صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويترك ذلك الإرهاب الذي يضرب البلاد فى سيناء؟! الحكومة الحالية تحاول إيقاف السخرية واستبدالها بالإرهاب، اعتقلنا أحد الساخرين في السجون العسكرية، ليتحول إلى أحد الإرهابيين بعدما يقضي فيها 3 سنوات!

أعتقد أنه على السلطة الحالية أن تكف عن محاولة قمع السخرية بالاعتقال لأن السخرية لا يمكن أن تنتهي حتى فى المعتقلات.. السخرية منكم لن تنتهي بالاعتقال، ولكنها تنتهي بالعدل.

كوميديا البرلمان السوداء 2

انتخابات مجلس الشعب 2015 (BBC)

لم نر وجوه الشباب فى انتخابات مجلس الشعب، وأعتقد أننا لن نراها فى أي استحقاق انتخابي أثناء فترة حكم السيسي التي لا يعلم متى تنتهي إلا الله.

لم نر سوى:
1- أجددانا ممن يؤمنون بأننا شعب لا يجب أن يحكم إلا بالعصا.

2- أجدادنا ممن يعتقدون أن الاستقرار هو المشاركة في أي انتخابات مهما كانت عديمة الجدوى.

3- بعض من يدعون نصرة الدين من أنصار حزب النور الرافضين أصلًا لفكرة الديمقراطية، والذين يعتبرون أن الخروج على الحاكم حرام مهما بلغ ظلمه وجوره.

4- بعض أقارب المرشحين، وبعض المنتعفين.

5- الفنانين والفنانات، الراقصين منهم والراقصات.

6- الأموات.

7- الغلابة ممن لا يجدون أقواتهم، والذين ذهبوا إلى اللجان الإنتخابية طمعًا فى الرشوة التي يقدمها المرشحون.

***
يسألونك عن الشباب؟ ولماذا لم يشاركوا فى انتخابات الوهم؟!

قل إنما الشباب قد اكتظت بهم السجون، وفُتحت لهم القبور، وغُلقت فى وجوهم الميادين، وكتم النظام العسكري أصواتهم وأرهبهم، لأنهم قادرون على الحلم بأن يستبدلوا التكية بوطن جديد، قادرون على الحلم بوطن حر ديمقراطي.

ظن النظام الحالي أن الشباب سيزحف إلى مقار الانتخابات عندما يوهمهم بتحقيق الحرية التي طالبوا بها فى ثورتهم فى ظل انتخابات لم يشارك فيها سوى أعداء الثورة من العسكر والداخلية وفلول الحزب الوطني وأنصار السيسي وبعض المتاجرين بالدين وبعض المتسلقين الذين يحسبون أنفسهم ثوريين.

النظام الحالي لم ينجح سوى بالدبابات وقوة السلاح متناسيًا أن الدبابات قادرة على فض الميادين، ولكن لا يمكنها إجبار الشباب على النزول من بيوتهم للمشاركة فى انتخابات وهمية يتنافس المرشحون بها على المرمغة فى حب السيسى، كلهم قد أعلنوا عن برامجهم التي كانت أولها تأييد كل قرارات السيسي، مع أن هم من يحتاجون تأييد السيسي لقرارتهم، وسينتظرون موافقته على كل خطوة يخطونها كي لا يحل عليهم غضبه ويعلن حل البرلمان.

لم تكن مقاطعة الشباب للبرلمان كسلًا وأنتخة كما يدعي أحد مخبري الإعلام، ففي نفس يوم الانتخابات نظم بعض الشباب وقفة تضامنية مع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة أمام نقابة الصحفيين، وشارك الآلاف أيضًا في تشجيع النادي الأهلي أثناء أداء مرانه رافعين أعلام فلسطين وكأنهم يوصلون رسالتهم للمتحذلقين من مخبري الإعلام ويقولون لهم لسنا كسولين ولكننا لا نؤمن بديمقراطيتكم الزائفة، لسنا جهلاء ولكننا نؤمن بالقضية الفلسطينية التي تعادونها فى وسائل إعلامكم القميئة.

تجاهل الشباب برلمان الوهم وأوصلوا رسالتهم الصامتة "لكم برلمانكم ولنا ثورتنا"، كان عدد الشباب الذي شارك فى تشجيع النادي الأهلي أضعاف من شاركوا فى التصويت على الانتخابات البرلمانية كما قال الكابتن شادى محمد ساخرًا من محاولات النظام الحالي إبعاد الجماهير عن الملاعب.

***
وجهت مستشارة السيسي "عزة هيكل" رسالة للشباب الذين قاطعوا الانتخابات معناها "العيب على أمكم" وهددتهم بأنهم لن يكون لهم حق الاعتراض على الأوضاع السياسية إن لم يشاركوا فى التصويت، وتناست السيدة "هيكل" أن نظامها لا يعتمد على المشاركة، وإنما يعتمد على بث الرعب فى نفوس الناس، وتناست أيضًا بأن النظم العسكرية لا تؤمن بهذا الشئ الذي يسمى "اعتراض على أوضاع سياسية" وإنما يؤمن فقط بقتل واعتقال من يفكر فى الاعتراض، فالنظام العسكري يطارد كل الكيانات الشبابية، الألتراس، وشباب 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، ويطارد الطلاب فى الجامعات والمدارس ويفض معارضهم ووقفاتهم المتضامنة مع الانتفاضة الفلسطينية، فكيف تَدّعي يا سيدتي أن الشباب يمكن أن يكون له حق الاعتراض؟!

وعلى نهج سيادة المستشارة "عزة هيكل"، رأينا فيديو لأحد العواجيز يطوف شوارع عابدين وينادي على الشباب صارخًا: "ياشباب مصر، متقعدش فى بيتك وتيجي تقول عايز وعايز، هنجيبلكم منين، انزلوا يا ولاد الكـ*** يا خونة".

نُشر هذا الفيديو موقع "اليوم السابع" ويعدّ هذا الفيديو وصفًا رائعًا للفجوة التي بين النظام والشباب، فالرجل العجوز يمثل رجال الدولة ومخبري الإعلام ممن جنّ جنونهم من مقاطعة الشباب للانتخابات، والشباب كانوا ينظرون له ويتجاهلون سبابه وتوبيخه لهم فلم يزيدهم توبيخه إلا عنادًا من الشباب وإصرارًا على موقفهم الرافض لانتخابات وهمية.

***
وجهت الفنانة والناشطة السياسية، والناشطة فى أشياء متعددة، "وفاء عامر" الدعوة للشباب وللشعب المصري قائلة: "انزلوا شاركوا متخلوش حد يلعب في ودانكم".

وبمناسبة اللعب في الودان.. لا أدري هل رأت الناشطة السياسية، والناشطة في أشياء متعددة، ذلك الفيديو لإحدى السيدات التى بلغن من العمر أرذله عندما ردت على سؤال أحدهم: جيتي انتخبتى ليه؟
فقالت السيدة: أعمل إيه؟.. غصب عني.. الله يرحمه.. معرفش أي حاجة.
فحاولت من تحمل الكاميرا أن تسألها بصيغة أخرى: طيب انتخبتي مين؟
فردت السيدة ردًا يوضح الذي يلعب فى أذن من: أنا علمت صح على أبويا وأمي، وانتخبت الحاج غريب الله يرحمه.
الله يرحمه يا حاجة ويرحمنا من هؤلاء الذين يلعبون فى أذن الناس حتى جعلوهم يذهبون إلى مقار الانتخابات دون أن يعلموا ماذا يفعلون ولماذا؟

موضوعات ذات صلة

كوميديا البرلمان السوداء 1


كوميديا البرلمان السوداء 1

انتوا بتقولوا إيه يا جماعة؟!
لسماع المقال اضغط هنا
(1)
صاحبنا عضو حزب النور يتصل بلميس الحديدي ويقول لها ضاحكًا: "أنا مرشح، وكنت بشوف اللجنة، والقاضي افتكرني ناخب، وفرح وسلم عليا وقال لي تعالى انتخب".. ثم يضحك صاحبنا وتضحك لميس ويضحك المخرج ويضحك الشعب على خيبته وخيبة هذا المرشح.
(2)
صاحبنا الثاني في نفس حزب صاحبنا الأول (بتاع حزب النور) لم يؤمن يومًا بالديمقراطية، ولم يشارك فى ثورة 25 يناير لأن شيخه "عبدالمنعم الشحات" أفتى حينذاك أن الخروج على الحاكم حرام. وربما إذا سألته عن صفحة "كلنا خالد سعيد" لظنّ أنها صفحة لأحد مرشحي مجلس الشعب الذين يحاربون الدين لأنهم ترشحوا ضد حزب النور.
صار حلم صاحبنا الثاني أن يدخل البرلمان بعدما أفتى أحد مشايخه بأن الديمقراطية "مش حرام أوي" طالما مضطرين، ثم انضم لحزب النور ولأنه لا يمكنه أن يتصل بـ "لميس الحديدي" كصاحبنا الأول أنشأ صفحة لمعجبيه – الذين تخطى عددهم خمسة أشخاص - على موقع facebook ووضع فيها صورته (مع أن الصور حرام.. بس للضرورة).. ضحك فى الصورة ضحكة ربما تفتتن بها النساء متفاخرًا ببدلته الأفرنجي التي كانت فى سابق العهد (حرام) لأنها أفرنجي، ومع الوقت أصبحت حلال لضرورة ممارسة العادة البرلمانية، وبدأ فى كتابة الـ status الأولى، وربما تكون الأخيرة، وأثناء كتابته تذكر مقولة شيخه (الناس عايزه دين، اديها دين، وإحنا بتوع الدين) ومما كتبه:
نسعى لـ:
* تفعيل المادة الثانية بالدستور.
* تشريع قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية.
*إلغاء قانون نزع قرنية أي متوفى فى حادثة.
*عدم تجريم ختان الإناث.
*غلق مصانع الخمور والسجائر.
*دعم البنوك الإسلامية.
*الاهتمام بكل الألعاب وليس بكرة القدم فقط.
*عمل سيارات خاصة للنساء فقط فى النقل العام.
*تفتيش الكنائس والأديرة والجوامع.
*عدم حجز غرفة واحدة للسائحين بدون أوراق تثبت أنهم أزواج.
*توفير الحمامات بالامتحانات.
*البدء فى عمل القمر الصناعي الإسلامي.
*العمل بالتاريخ الهجري وليس الميلادي.

وهكذا نجد أن حزب النور كلما – اتزنق - فى أصوات انتخابية وضع بعض الكلمات الدينية من أجل أن يسانده الناس، واستشهد بأشياء هو فى الأصل لا يؤمن بها، فمع أن دفع الرشوة للناس حرام شرعًا، إلا أننا وجدنا أن الأمن قد قبض على أحد مندوبي حزب النور بأسوان وهو يدفع الرشاوى الانتخابية للغلابة من الناس كي يعطوا أصواتهم لشيخه الذي سينصر الدين بـ (رشاوى الضرورة).
بعدما كتب هذه الكلمات لم يرد عليه أحد، وعندما سأل أحد أصدقائه الذين شاركوا فى مجلس الشعب السابق، نصحه بعمل إعلان ممول ففعل فورًا، ولكن الإعلان جلب له المتاعب، فلم يشترك أحد فى صفحته سوى 5 أشخاص من أسرته، ولكن الجميع شارك فى سبه ولعنه واتهامه بالعمالة لأمن الدولة، وكان يكتب فى كل تعليقاته "الله يسامحك، سامحك الله"، أما التعليق الوحيد المختلف عن الله يسامحك وسامحك الله كان رده على أحد من سأله: سمعت أن شيخك "يونس مخيون" اعترف لوسائل الإعلام أن حزبه قد رشح على قوائمه بعض من أعضاء الحزب الوطنى المنحل. فرد صاحبنا منفعلًا، أرجوك لا أسمح لك أن تتكلم على شيخي وشيخك هكذا، ودخول بعض أعضاء الحزب الوطني فى قوائمنا ليس إلا للضرورة. كنت أعتقد أنه سيكتب فى نهاية التعليق "موتوا بغيظكم"، ولكنه لم يفعل وكتب "سامحك الله".
هكذا هو الحال كلما شعر أحد أبناء حزب النور بأنه فى ورطة وضع كلمة الشريعة فى جملة ورددها كالبغبغاء، وربما إذا نظرنا إلى كل برامج مرشحي حزب النور ستجدها تشبه هذا البرنامج الذى كتبه صاحبنا على صفحته التى لم يشترك بها أحد، ورغم أن التعذيب والإخفاء والظلم حرام إلا أن أحدًا منهم لن يتجرأ على المطالبة بإيقاف التعذيب والاعتقال وإخفاء الناس؛ لأن لهم دور محدد رسمه النظام الحالي، ولا يمكن لأحدهم تجاوز دوره.
وأعتقد أن التزام حزب النور بأوامر النظام الحالي هي التى جعلته يستمر رغم أن كل وسائل الإعلام تهاجمه، فالسلطة متمسكة بوجود حزب النور فى مسلسل الانتخابات الحالي دون خشية منهم، فالحاكم الظالم لا يخشى من خطيب الجمعة الذي يتحدث عن حرمة التدخين، أو عن كيفية الاستنجاء وحرمانية النظر للنساء، ولا يخشى علماء يفتون بحرمانية الخروج على الحاكم، ويتجاهلون الظلم وإراقة الدماء، والسجون التى اكتظت بالمظلومين، وإنما سيخشى الظالم عالمًا ربما يتسبب فى تنوير عقول الناس وفضح جرائمه.

يقول الكواكبي عن شيوخ السلطان: "هؤلاء لا يخشى منهم الحاكم بل يستخدمهم لتضليل الناس مقابل أن يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسد أفواههم بلقيمات من الاستبداد".
(3)
يا أهالي المنطقة الشرفاء، يا أهالي المنطقة العظماء، يا أهالي المنطقة الأحرار.. انتخبوا ابنكم فلان الفلاني المحامي ورمزه الغزال.

كلمات لا ينطق غيرها صاحبنا الذي يلف الشوارع بسيارة نصف نقل تكدست بمكبرات صوت تخطى عددها أعداد المشاركين في الانتخابات البرلمانية، لا يتحدث عن مؤهلات ولا برامج ولا إنجازات، ربما لاقتناعه بأن الشيء الوحيد المميز في هذا المرشح هو أنه رمز الغزال، ولأن أهالي المنطقة شرفاء وعظماء وأحرار فعليهم أن يعطوا أصواتهم لمن نجح فى الحصول على رمز الغزال.
ضحك السائق الذي لا يقول سوى تلك الكلمات عندما ترك أحد المواطنين الشرفاء كل ما يقوله السائق وعلق على كلمة "ابنكم" ساخرًا: "ياعم قول جدّكم، جدّ جدّكم، ابنكم إيه ده قرب يكمل 90 سنة".
أبهرني هذا المرشح عندما سأله أحدهم على صفحته التي أنشأها من أجل التواصل مع الجمهور إلى أن تنتهي الانتخابات فقط: "قل لي ياسيدي ماذا قدمت لنا خلال الـ 6 مرات التي دخلت بها البرلمان"؟! فرد الرجل بكل ثقة: كنت أخرج الموتى من المستشفيات بسرعة مذهلة وهذا معروف عني واسأل كل أبناء الدايرة. ولم يذكر الرجل أي إنجاز للأحياء، ثم أكمل كلامه المبهر الذى كنت سأطالب السيد مارك "صاحب فيس بوك" بسببه أن يضع زر "أبهرني" بجوار زر "أعجبني"، وقال الرجل الذي يبلغ من العمر 90 عامًا: صدقني أنا مش محتاج البرلمان، لكن البرلمان هو اللي محتاجني لأني رجل قانون.
(4)
نجح صاحبنا "عبدالرحيم علي" فى الحصول على رمز "التليفون" الذى تخصص فى مراقبته، ومن الواضح أنه اشتاق إلى تسليم الناس بعد أن ابتعد قليلًا عن مهنته الرئيسية، فقرر أن يمارس هوايته أثناء الانتخابات وتسحب إلى إحدى اللجان التي يراقبها المستشار محمد ناجى شحاتة، وبلغ عن صاحبه ومنافسه الذي يتباهى باسمه الثلاثي "أحمد مرتضى منصور"، وأبلغ المستشار أن منافسه يعطى الناخبين رشاوى من أجل حشد الأصوات، مع أني كنت أظن أن عبدالرحيم علي متخصص فى الإبلاغ عن الثوار فقط. إلا أن الرجل قد اشتاق إلى مهنته كمخبر إعلامي.
(5)
أصدر الإعلامى تامر أمين الحلقة الثانية ضمن سلسلة حلقات الخيال العلمي، فالرجل لم يتعلم الدرس من موضوع المجلس الأعلى للعالم الذي اخترعه، ويصر على أن يجعل من نفسه أضحوكة أكبر من أضحوكة المجلس الأعلى للعالم نفسها، فالرجل اعتبر أن الشعب قد ابتعد عن الانتخابات خوفًا على السيسي لأن بعض الإعلاميين الأشاوس حذروا الشعب من البرلمان الذي سيصطدم مع السيسي، ولم يعتبر تامر أن ابتعاد الشعب عن الانتخابات يعد معارضة لنظام السيسي، عزيزى المواطن: عليك أن تعلم أن كل خطوة تخطوها فى حياتك سيعتبرها تامر تأييدًا للسيسي.. فكن حذر.

موضوعات أخرى

زنزانة الإيراد الجديد

كنا فقط نتساءل: متى ينتهي هذا الكابوس؟! (Getty)

أشعر بأنني في سباق مع الزمن، وبأن آلافا من المظلومين القابعين خلف قضبان هذا النظام العسكري في حاجة إلى من ينقل معاناتهم يشكل صحيح في ظل هذا التضليل الإعلامي الواسع، ربما قلمي لن يصل للجميع ولكني أحاول، أريد أن أكتب عن كل التفاصيل المؤلمة التي يتعرض لها الكثير من أبناء وطني بشتى أفكارهم، أحاول تحطيم قاعدة أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصر، وأتمنى الانتهاء سريعا قبل أن تنتهي حياتي لأن الحياة ليست مضمونة، أو قبل أن أعود خلف جدران المعتقل من جديد فالحرية في بلادي ليست مضمونة.

بعد أن ينتهي المعتقل من التشريفة التي يتعرض فيها للضرب والإهانة، يقضي في زنزانة الإيراد من 11 إلى 20 يوماً.

وزنزانة الإيراد الجديد هي زنزانة مظلمة، المياه فيها منقطعة بشكل مستمر، لا يوجد فيها أي شيء يمكنك استخدامه في الحياة، بالإضافة إلى أنها زنزانة خاصة بالمعتقلين الجدد لفصلهم عن القدامى، حتى لا يتمكن القدامى من مساعدتهم في أي شيء، فتتعمد وزارة الداخلية إذلال المعتقل أثناء احتجازه في زنزانة الإيراد الجديد، وتحرمه من كل شيء يساعد على استمرار الحياة، فتمنع عنه زيارة الأهالي، ولا تمكنه من شراء أي مستلزمات من الكافيتريا، فيضطر إلى أن يأكل طعام السجن، وتمنعه من التريض.

أذكر أننا كنا نحو 30 معتقلا دخلنا تلك الزنزانة وكانت ماسورة المجاري قد أغرقت الزنزانة، وكنا في حيرة، فنحن لا نملك ما يمكننا به تنظيف الزنزانة، حتى ملابسنا قد أحرقوها واستبدلوها ببدلة التحقيق الميري، وحينها كنا في أوج الشتاء، فلا يمكن أن يستغني أحدنا عن قطعة من ملابسه، خاصة أننا سننام على البلاط. وعندما طلبنا أدوات لتنظيف الزنزانة ضحك مأمور السجن باستهزاء وقال: "انتوا فاكرين نفسكم في البيت، لو جيت الصبح ملقتش الزنزانة دي أنظف منكم هيتعملكم تشريفة تاني".

كانت توجد مروحة هوائية في سقف الزنزانة تعمل بشكل مستمر، ولا يوجد مفتاح كهربائي لغلقها، فكدنا نموت من البرد، تجرأ أحدنا وسأل المأمور عن كيفية إغلاقها، فكانت الإجابة "لا يوجد كهربائي في هذا الوقت، اتصرّفوا، ولو نطق أحدكم بكلمة أخرى سأخيط فمه كما يفعل الجنائيون في أنفسهم". فكنّا في مأزقين: كيف ننظف الزنزانة؟ وكيف نوقف المروحة؟!

كان الظلام يغطي أنحاء الزنزانة والرؤية معدومة، ولكننا لم نستسلم، فوقف أحدنا على كتف أطولنا وأخذ يتحسس الجدران باحثاً عن سلك الكهرباء الموصل للمروحة وشده بيده حتى قطعه، فانطفأت المروحة وهلل الجميع. أما مياه المجاري فقد تخلى أحدنا عن قطعة من ملابسه الداخلية، ولم يكن أمامنا سوى تنظيف الزنزانة بتلك القطعة، وبالفعل نجحنا في ذلك.

فُتح باب الزنزانة في الصباح وكنا نائمين كالموتى، واستيقظنا على صوت أحد المخبرين يلعن آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا ويلقي علينا أوامره "عندما تفتح أبواب الزنزانة على الجميع أن يقف فورا ويضع يديه خلف ظهره وينظر إلى الحائط".

ثم استدعى أحدنا لاستلام التعيين والجراية (الطعام والخبز). وسجن أبو زعبل يعد من أسوأ السجون التي تقدم طعاما غير آدمي للمعتقلين، وخاصة السياسيين، وقتها لم نجد أي شيء نضع فيه طعامنا، وتبرع أحد المساجين الجنائيين بشنطة بلاستيك لنضع فيها الأرز والعدس، وطبعا أكلنا بأيدينا، أكلنا كأننا كنا في مجاعة، فأعتقد أن لعب مباراة كرة قدم واحدة يجعل الإنسان يلتهم من الطعام الكثير، فما بالك بمن تعرضوا للتعذيب والضرب والإهانة 5 أيام متواصلة، من قسم الشرطة إلى معسكر الأمن المركزي، ومن معسكر الأمن المركزي إلى السجن المشدد، أكلنا بشكل بدائي كأننا في أول الخلق، كان الجميع يضع يده في الكيس البلاستيك وهو يغمض عينيه من كآبة المنظر، فكنا نأكل بأيدينا، ولم نتساءل عن نوعية الطعام.

كنا فقط نتساءل: متى ينتهى هذا الكابوس؟! وكنا لا نعلم أي شيء عن تحقيق النيابة، فلم يخبرنا مخلوق عن أن النيابة قد جددت لنا 15 يوما على ذمة الحبس الاحتياطي.

لا يمكنني نسيان "عبدالقادر زايد" طالب بكلية هندسة الأزهر، الذي قال وقتها: "لا يمكن أن أقضي هنا 7 أيام، فأنا لم أرتكب جرما سوى أنني كنت أريد دخول الامتحانات"، لكن للأسف عبدالقادر اقترب من إنهاء عامه الثاني في المعتقل وحكم عليه بالسجن المشدد 7 أعوام، والمراقبة 5 أعوام.

موضوعات متعلقة

التشريفة

اطمئنوا.. السجون مكيفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع