كنا فقط نتساءل: متى ينتهي هذا الكابوس؟! (Getty) |
أشعر بأنني في سباق مع الزمن، وبأن آلافا من المظلومين القابعين خلف قضبان هذا النظام العسكري في حاجة إلى من ينقل معاناتهم يشكل صحيح في ظل هذا التضليل الإعلامي الواسع، ربما قلمي لن يصل للجميع ولكني أحاول، أريد أن أكتب عن كل التفاصيل المؤلمة التي يتعرض لها الكثير من أبناء وطني بشتى أفكارهم، أحاول تحطيم قاعدة أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصر، وأتمنى الانتهاء سريعا قبل أن تنتهي حياتي لأن الحياة ليست مضمونة، أو قبل أن أعود خلف جدران المعتقل من جديد فالحرية في بلادي ليست مضمونة.
بعد أن ينتهي المعتقل من التشريفة التي يتعرض فيها للضرب والإهانة، يقضي في زنزانة الإيراد من 11 إلى 20 يوماً.
وزنزانة الإيراد الجديد هي زنزانة مظلمة، المياه فيها منقطعة بشكل مستمر، لا يوجد فيها أي شيء يمكنك استخدامه في الحياة، بالإضافة إلى أنها زنزانة خاصة بالمعتقلين الجدد لفصلهم عن القدامى، حتى لا يتمكن القدامى من مساعدتهم في أي شيء، فتتعمد وزارة الداخلية إذلال المعتقل أثناء احتجازه في زنزانة الإيراد الجديد، وتحرمه من كل شيء يساعد على استمرار الحياة، فتمنع عنه زيارة الأهالي، ولا تمكنه من شراء أي مستلزمات من الكافيتريا، فيضطر إلى أن يأكل طعام السجن، وتمنعه من التريض.
أذكر أننا كنا نحو 30 معتقلا دخلنا تلك الزنزانة وكانت ماسورة المجاري قد أغرقت الزنزانة، وكنا في حيرة، فنحن لا نملك ما يمكننا به تنظيف الزنزانة، حتى ملابسنا قد أحرقوها واستبدلوها ببدلة التحقيق الميري، وحينها كنا في أوج الشتاء، فلا يمكن أن يستغني أحدنا عن قطعة من ملابسه، خاصة أننا سننام على البلاط. وعندما طلبنا أدوات لتنظيف الزنزانة ضحك مأمور السجن باستهزاء وقال: "انتوا فاكرين نفسكم في البيت، لو جيت الصبح ملقتش الزنزانة دي أنظف منكم هيتعملكم تشريفة تاني".
كانت توجد مروحة هوائية في سقف الزنزانة تعمل بشكل مستمر، ولا يوجد مفتاح كهربائي لغلقها، فكدنا نموت من البرد، تجرأ أحدنا وسأل المأمور عن كيفية إغلاقها، فكانت الإجابة "لا يوجد كهربائي في هذا الوقت، اتصرّفوا، ولو نطق أحدكم بكلمة أخرى سأخيط فمه كما يفعل الجنائيون في أنفسهم". فكنّا في مأزقين: كيف ننظف الزنزانة؟ وكيف نوقف المروحة؟!
كان الظلام يغطي أنحاء الزنزانة والرؤية معدومة، ولكننا لم نستسلم، فوقف أحدنا على كتف أطولنا وأخذ يتحسس الجدران باحثاً عن سلك الكهرباء الموصل للمروحة وشده بيده حتى قطعه، فانطفأت المروحة وهلل الجميع. أما مياه المجاري فقد تخلى أحدنا عن قطعة من ملابسه الداخلية، ولم يكن أمامنا سوى تنظيف الزنزانة بتلك القطعة، وبالفعل نجحنا في ذلك.
فُتح باب الزنزانة في الصباح وكنا نائمين كالموتى، واستيقظنا على صوت أحد المخبرين يلعن آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا ويلقي علينا أوامره "عندما تفتح أبواب الزنزانة على الجميع أن يقف فورا ويضع يديه خلف ظهره وينظر إلى الحائط".
ثم استدعى أحدنا لاستلام التعيين والجراية (الطعام والخبز). وسجن أبو زعبل يعد من أسوأ السجون التي تقدم طعاما غير آدمي للمعتقلين، وخاصة السياسيين، وقتها لم نجد أي شيء نضع فيه طعامنا، وتبرع أحد المساجين الجنائيين بشنطة بلاستيك لنضع فيها الأرز والعدس، وطبعا أكلنا بأيدينا، أكلنا كأننا كنا في مجاعة، فأعتقد أن لعب مباراة كرة قدم واحدة يجعل الإنسان يلتهم من الطعام الكثير، فما بالك بمن تعرضوا للتعذيب والضرب والإهانة 5 أيام متواصلة، من قسم الشرطة إلى معسكر الأمن المركزي، ومن معسكر الأمن المركزي إلى السجن المشدد، أكلنا بشكل بدائي كأننا في أول الخلق، كان الجميع يضع يده في الكيس البلاستيك وهو يغمض عينيه من كآبة المنظر، فكنا نأكل بأيدينا، ولم نتساءل عن نوعية الطعام.
كنا فقط نتساءل: متى ينتهى هذا الكابوس؟! وكنا لا نعلم أي شيء عن تحقيق النيابة، فلم يخبرنا مخلوق عن أن النيابة قد جددت لنا 15 يوما على ذمة الحبس الاحتياطي.
لا يمكنني نسيان "عبدالقادر زايد" طالب بكلية هندسة الأزهر، الذي قال وقتها: "لا يمكن أن أقضي هنا 7 أيام، فأنا لم أرتكب جرما سوى أنني كنت أريد دخول الامتحانات"، لكن للأسف عبدالقادر اقترب من إنهاء عامه الثاني في المعتقل وحكم عليه بالسجن المشدد 7 أعوام، والمراقبة 5 أعوام.