سجناء يرتدون الميري 1

getty images


     الشاويش مثلنا، يُعد من السجناء، نحن سجناء لأننا عملنا في الصحافة أو تظاهرنا أو أجرمنا، وهو سجين لأنه لم يجد سوى هذه المهنة التي تجبره على أن يعيش طوال عمره في السجن، لكن الشاويش دائمًا لديه خوف منّا، كلما يفتح باب الزنزانة يظل مترقبًا ومستعدًا لأي هجوم، يظهر الارتباك في عينيه، ولا يدخل الزنزانة مهما حدث.. وفي نقاش مع أحدهم قال لي "هل تظن أنكم فقط السجناء؟ نحن أيضًا سجناء، أنا ممنوع من التحدث في الهاتف مثلك، وممنوع من الخروج خارج السجن إلا في الأجازات، نحن سجناء يرتدون الميري، ولو حسبتها ستجد أننا قضينا أكثر من ثلث عمرنا في السجن، أما أنت وأمثالك ستترك السجن يومًا ما".

الجيزاوي
"سبت الموقع أنا والوزير، وأنا شايف الواد عمال يتنطط كده زي فرقع لوز، ببص ع الواد قلت الواد ده باين له مش هيجبها لبر، لقيته إيه بيطلع مدفع رشاش، رحت طالع للواد، قلت له اضرب يا ولا، اضرب يا ولا".. هذا المشهد من فيلم الواد محروس بتاع الوزير، هو المشهد الذي كان يمر بخيالي دائمًا عندما يتحدث هذا الكائن الجيزاوي الفريد من نوعه، فالجيزاوي أغبى شاويش خلقه الله على وجه الأرض؛ وفي ظني أنه لو وزع غباءه على العالم لعدنا إلى العصر الحجري، كان يتحدث يتكلم بنفس طريقة عادل إمام في فيلم "محروس بتاع الوزير" وإن كان محروس بتاع الوزير فقط، فكان الجيزاوي بتاع كل من يعطه الهدايا حتى لو كانت علبة سجائر كليوباترا.. عندما رأيته في المرة الأولى  وهو يتحدث أصبت بهيستريا ضحك لا ينته،  والحقيقة أن وجوده كان مهم ليهون علينا ملل الوقت الذي يمر كالسلحفاة، ولو علمت إدارة السجن قيمة  كائن الجيزاوي في فن الضحك لأبعدوه عن العنبر السياسي.
 نجح أحد السجناء في إقناع الجيزاوي أن شجرة الزقوم شيء طيب، وظل كلما يراه يقول:
= روح يا جيزاوي، ربنا يسقيك من شجرة الزقوم.
فكان الجيزاوي يفرح كلما سمع هذا الدعاء على سبيل أنها شجرة في الجنة مثلًا، أو شجرة تنتج علب سجائر "مارلبور".
 في يوم فتح الجيزاوي الزنزانة وحاول أن يبدو غاضبًا وقال:
 - مين الدموسة اللي مش متربي اللي بيقول يا جيزاوي حاف كيده، اسمها الشاويش جيزاوي.. خايفين تجولوا مين يا دحش انت وهو؟!
 ضحكت إلى حد البربرة، وضحك المساجين وأعتقد أني رأيت الجدران تشققت من فرط الضحك، احمر وجهه وقال بشكل كوميدي آخر يشبه الأراجوز:
- يمين 3 بالله العظيم لأوريكم أيام أسود من السواد نفسيته.
 ضحكنا مرة ثانية، فأغلق الباب بعصبية، فضحكنا أيضا، وضحك الباب؛ ثم قام عم محمود وفي يده علبة سجائر، ونادى عليه من دون لقب الشاويش، رجع الجيزاوي كطفل قد أخذ على خاطره وهو ينظر إلى علبة السجائر وكأنه ينتظر اللحظة التي تقع هذه العلبة في يده، وقال:
 - يعني ينفع أتهزأ كيده في زنزانتك يا عم محمود.
= افتح بس يا جيزاوي هقول لك حاجة.
فتح باب الزنزانة، ولم يفتح عقله أبدً، وأخذ علبة السجائر  التي كان لها مفعول سحري وغيرت من عصبيته المضحكة بشكل سريع وصار هادئًا إلى حد ما، ولكن هدوءه يجعلني أضحك أيضًا، ابتسم الجيزاوي وتناسى كل شئ، وقال بهدوء:
- انتم زي اخواتي وأنا مقدرش أزعل منيكم، بس متعملوش كيده تاني.
وهكذا ظلت حياة الجيزاوي طوال فترة السجن؛ يغضب، فنضحك، فيأخذ علبة سجائر فيعود لطيفًا.

كابتن سامي
جميعهم مرتشون إلا قليلًا، واحد منهم اسمه "سامي" ينادونه كابتن سامي، لم أقابل في حياتي شخص عفيف مثله، لا يأخذ أي رشوة من سجين؛ يؤدي عمله وكأنه عمل مقدس، ملتزم بشكل يدعوك للتعجب، كان يزعجنا لأننا نحب المرتشي، نعم نحب المرتشي الذي يحصل على السجائر ويترك لنا أبواب الزنزانة مفتوحة ساعة أخرى للتهوية لكنه يأمرنا بعدم الخروج من الزنزانة أبدًا، ونُفضل الشاويش المرتشي الذي يحصل على 3 علب سجائر فيترك باب الزنزانة مفتوح ويسمح لنا بالخروج على استحياء.
أما كابتن سامي، فكانت مواعيده دقيقة، يفتح الزنزانة من التاسعة صباحًا إلى العاشرة صباحًا، ولا يسمح لنا بالخروج من الرُّبع (طرقة تشبه طرقات العمائر تضم 3 زنازين، مغلقة بالقضبان عرضها لا يتخطى مترين، وطولها نحو 90 متر) في أثناء هذه الفترة، وهو الشيء الذي جعله مكروه من الجميع، السجناء كرهوه لأنه يغلق عليهم، والشاويشية يكرهونه لأنه ليس مرتشي مثلهم.
  لكني كنت أحترمه جدًا، وكان يبادلني الاحترام. أذكر أنني حاولت إعطاءه  قطعة لحم جائتني ضمن الزيارة؛ فرفض بشكل عجيب؛ سألته:
- لماذا ترفض؟
= حتى لا يظن أحدًا أن له عليّ فضل، فيطلب مني ما لا تسمح به القوانين.
أقسمت أنها ليست لغرض سوى المحبة؛ فأخذها مبتسما وقال:
= لأنك أقسمت فقط.

محمد رمضان
يشبه كابتن سامي في عدم حصوله على رشاوي من أحد، لكنه مرح دائما، ويحب السجناء السياسيين ويستجب لطلباتهم من دون مقابل، فكان السجناء يحبونه جدًا، والشاويشية كذلك نظرًا لخفة ظله.
لاحظت أنه يستجيب أكثر  للسجناء الذين لا يشعرونه بأنه "شاويش" وأنه مثلهم ولا يقل عنهم شيئَا،كان يكره كلمة "شاويش" يحب أن يناديه الناس هكذا "يا محماااا يا رمضان"،  كان يحب الشعور بأن السجناء السياسيين أصدقائه لأنهم "متعلمين وولاد ناس" كما كان يقول، وكان يكره الإخوان جدًا، ولكنه كان يحبهم من الناحية الأخلاقية، يرى أنهم محترمين ومتدينين، لكنهم أغبية وما ينفعوش يحكموا البلد.
كما أنه لم يخشَ دخول أي زنزانة بل كان يجلس معنا على البُرش ويأكل معنا، نظرًا لأنه لم يؤذِ أي مخلوق.
أذكر أنني كنت في التأديب يومًا وحاول رمضان تهريب مصحف لي، وفي التأديب ممنوع دخول أي شيء، حتى المصاحف، والأحذية، ونجح في ذلك، وبعيدًا عن أنني لم أستطع القراءة من المصحف نظرًا للظلام الدامس في زنزانة التأديب، إلا أنني قدّرت له ذلك جدًا، لو علمت إدارة السجن أنه فعل ذلك سيعاقب. لم أتوقع أن يعرّض شاويش نفسه للعقاب من أجل سجين، وخاصة هنا في أرض الظلم "مصر".



بروتوكولات بني بطيخ


جلسوا في صومعتهم التي بنيت من بَلَح، يعبدون فيها من دون الله ما يضرهم ولا ينفعهم، ويقولون هذا شفيعنا، هذا زعيمنا، هذا أبانا، هذا إلهنا، وفي أثناء عبادتهم له كتبوا بروتوكولاتهم البطيخية، والتي بناء عليها أُطلق عليهم "بني بطيخ" وصار  بنو بطيخ طائفة فريدة من نوعها لها طقوس غريبة، وأفعالها كوميدية جدًا، ومبكية أحيانًا لأبناء الوطن، ولكنهم أغبياء أكثر من حيوان "البيسون" النادر الذي اختفى في ظروف غامضة وظهر بعد 250 عامًا فقتله صياد ألماني، هذه ليست قصتنا.. انتشرت قبيلة بني بطيخ من المحيط إلى الخليج.
وعندما قابلت أحد أبناءها صدفة قلت له: -حدثني عن معتقداتكم الرائعة، وخلفياتكم الفكرية التي تؤمنون بها جميعًا؟
وفجأة دخل صاحبنا في خطبة طويلة وقال:
- إذا أردت الانضمام إلى بني بطيخ، فعليك ألّا تناقش ولا تجادل لأنك ستشفل، وخاصة إذا لم يكن لديك حجة، وعليك عندما تناقش أحدهم أن تسبه فورًا بأبيه وأمه وخالته وعمته.
ولما نظرت إلى السماء أفكر فيما يقوله هذا الرجل، قال:
- لا تُفكّر؛ فالتفكير أخطر شيء على انتماؤك لجمهورية البطيخ، ولا مكان هنا للمفكرين والمثقفين والكُتاب، هناك مكان لهم في السجون فقط.
قلت: ولكن هناك أفكار مختلفة عنكم.
قال: ومن يجرؤ على الاختلاف معنا، هل جننت؟! عليك  أن تتهم من أعماق قلبك كل الإسلاميين والناصريين والملحدين والشيوعيين والليبراليين وعبدة الأبقار وبائعي البطاطا بأنهم ينتمون إلى جماعات إرهابية، لو تفوهوا بكلمة واحدة ضد مصلحة بني بطيخ، أو ضد الرئيس أو الملك أو الإله.
قلت: ولكن العالم ي..
فقاطعني مندفعًا: علينا أن نخالف العالم دائمًا، ولو أجمع العالم كله على أن البطيخ الذي يعطيه الزعيم لنا، لونه أبيض وطعمه ماسخ، سنقسم بالله أن البطيخ أحمر وطعمه رائع، وأن العالم يتآمر ضدنا، إنه نوع من أنواع الوطنية الخمسة عشر.
سألته عن الأربعة عشر المتبقية من أنواع الوطنية، فأخبرني أنه لا يتذكرهم.
ولما تحدثنا عن الغلاء وعدم إمكانية الزاوج الآن، قال: عليك أن تعلم بأن الجميع يمارسون الجنس من أجل الحفاظ على سلالتنا ومن أجل ألا ننته، وكي يولد من يورث أفكارنا حتى تبقى ممتدة من المحيط إلى الخليج، ولا يتقدم أحدهم إلا فيما نريده فقط.
قلت: ولكن شقيقي سيعترض.
قال: سلم شقيقك لقوات أمن البطيخ، وطالب بإعدامه لو كتب شيئًا ضد الزعيم؛ لأن كل ما يحدث لنا من خراب وانتكاسات وفقر وجهل وارتفاع أسعار؛ لا ذنب لزعيمنا فيه، نحن السبب في كل ما يحدث، وكان الله في عون الزعيم.

وفي ليلة صرح أحدهم تصريحًا ناريًا في وسائل الإعلام والصرف الصحفي وقال صارخًا: "فليستمع كل كائن على هذه الأرض لنا لأننا قادمون؛ نحن العرب، وخاصة بني بطيخ، لقد اتخذنا خطوة جريئة وغير مسبوقة، وسمحنا للمرأة بقيادة السيارة، ولا نريد أن نسمع صوتًا لشعب اليابان مرة أخرى عن ازدهار بلادهم في الصناعة، ولا من الصين عن الزراعة،  ولا من أمريكا عن الحرية، ولا من ألمانيا عن التعايش، ولا من فرنسا عن الديمقراطية، ولا من روسيا عن السلاح، ولا من البرازيل عن كرة القدم، ولا من الهند عن العزيمة.. لقد بدأت المرأة في قيادة السيارة، وبدأ حكام العرب في قيادة شعوبهم إلى السجن، وكله يصب في مصلحة المواطن العربي.

هُنا القاهرة: يسألونك عن صوت الجماهير.. قُل "في السجون"

مصدر الصورة: Ultras Ahlawy - UA07

مدد

في كل مكان في العالم، لا يتوقف الأولتراس عن الغناء أو التشجيع، وهذه إحدى مبادئ جماهير الأولتراس.. فلا يجلس أفراد الأولتراس طوال فترة المباراة ويستمرون في الغناء بصوت يشبه أصوات الجنود في الحروب.. أبت الدولة أن يستمر الغناء والتشجيع، وأجبرتهم مؤخرًا على الجلوس في أثناء المباراة، ولكنه جلوس على بُرش الزنازين.
ظهرت روابط الأولتراس في مصر بالتوازي مع احتفال النادي الأهلي المصري بمئويته الأولى، في مباراة ودية جمعت بين النادي الأهلي ونادي برشلونة الأسباني عام 2007 باستاد القاهرة الدولي، وإذا تتبعنا تاريخ الألتراس منذ ظهوره، نجد أنه لم ينخرط في النشاط السياسي إلا بمشاركته في ثورة 25 يناير وما بعدها من مظاهرات ضد حكم المجلس العسكري.
وتكونت في مصر عدة رابطات للألتراس أشهرها رابطة ألتراس أهلاوي، ورابطة ألتراس زملكاوي.


متى بدأت المعركة بين الأمن والألتراس؟

مصدر الصورة: Ultras Ahlawy - UA07

رغم أن روابط الألتراس لم تكن لها علاقة بالعمل السياسي منذ نشأتها، إلا أن العلاقة بين قوات الأمن "الشرطة" وروابط الألتراس، لم تكن يومًا على ما يرام، فدائمًا يعتبر شباب الأولتراس أن وزارة الداخلية يقودها مجموعة من الملفقين والجهلة، وهذا ظاهر في أغانيهم، ووزارة الداخلية تعتبر أن شباب الألتراس خونة ومأجورين ولهم علاقات سرية بجماعة الإخوان المسلمين.
وقد ظل العداء بين الألتراس والأمن هو السائد، لا سيما أن قوات الأمن دائمًا تتعامل بعنف شديد مع روابط الأولتراس.، وكانت أول مواجهة حقيقية بين قوات الأمن وشباب الألتراس في عام 2010، في مباراة الأهلي وكفر الشيخ  بملعب مختار التتش، فجأة و بدون مقدمات اشتعلت مدرجات الأهلي احتفالًا بهدف محمد أبو تريكة المبكر فى الدقيقة الثالثة من عمر المباراة، وقامت جماهير الأهلى بإشعال الشماريخ بكثافة وألقت بها داخل ملعب المباراة، ليتدخل رجال الأمن لمنع هذه الشماريخ، ويشتبك الطرفان وهو ما أسفر فى النهاية عن وقوع العديد من الإصابات من الجانبين، والقبض على 7 شباب من أولتراس أهلاوي، وكادت الأمور أن تزداد سوءً، لولا تدخل حسام البدرى، المدير الفنى للأهلى، ومحمد أبو تريكة ووائل جمعة.
ودخل أولتراس زملكاوي على خط المواجهة مع الأمن في مطلع يناير 2011، في مئوية نادي الزمالك، حيث تعرض عدد كبير من  جماهير الزمالك لإصابات إثر اشتباكات دارت بينهم وبين رجال الأمن أمام  بوابات نادي الزمالك، وذلك بعد أن رفضت جماهير الزمالك الرحيل عن النادى وأصرت على تنفيذ مطلبها بالدخول لملعب حلمي زمورا، والاحتفال مع لاعبى الفريق بمئوية النادي، وهو ما قابله مدير عام النادى علاء مقلد بالرفض، واستدعى الأمن لتفريق الجماهير المحتشدة.
ولم ينس الألتراس ما حدث، كما لم تنس قوات الأمن أيضًا.

التهمة "ثورة يناير"

مصدر الصورة: Ultras Ahlawy - UA07

شارك الألتراس في ثورة يناير عام 2011،وكان له دور مؤثر في جمعة الغضب 28 يناير، وانحاز الألتراس بشكل واضح وصريح لثورة يناير، لا سيما أن المعركة الأولى في ثورة يناير كانت بين الشعب وقوات الأمن الذين يلاحقون الألتراس في المدرجات ويضيقون عليهم الخناق.

مجازر لم تنته بعد

مصدر الصورة: Ultras Ahlawy - UA07

كما لم ينس الألتراس ما جرى لهم من تضييق أمني، يبدو أن رجال النظام السابق لم ينسوا دور الألتراس في ثورة يناير، مما جعل مجازر الألتراس تتوالى، ورغم أن الألتراس ظل صامدًا أطول فترة ممكنة، إلا أن هذا الصمود، وفي سبتمبر 2011 دارت اشتباكات دامية بين الأمن والألتراس في مباراة الأهلي وكيما أسوان، وأحرق حينها 18 سيارة شرطة، ويبدو أن الرد كان سريعًا، ففي مطلع فبراير 2012، وقعت أكبر كارثة في تاريخ كرة القدم، حيث سقط من شباب الألتراس 74 شهيدًا في بورسعيد عقب مباراة الأهلي والمصري، والتي لم يحضرها محافظ بورسعيد أحمد عبد الله، علي غير العادة في مباريات الأهلي المقامة في بورسعيد بين الأهلي والمصري.

مصدر الصورة: Ultras White Knights UWK

لم تنته معارك الألتراس بعد ولم يستسلم، حيث بدأت معارك المطالبة بالقصاص للشهداء، ولكن الذي حدث أن قوات الأمن قررت أن ترتكب جريمة أخرى، بقتل 20 شهيدًا من ألتراس زملكاوي، ففي أحداث دامية مساء 9 فبراير 2015، أمام بوابات استاد الدفاع الجوي لقي 20 مشجعًا من ألتراس زملكاوي حتفهم في اشتباكات عنيفة ودموية بين جمهور الزمالك وقوات الأمن التي تؤمن مباراة الزمالك وإنبي في الدوري العام، حيث أعلنت وزارة الصحة في بيانها الرسمي عن الأحداث  سقوط 20 شهيدا والعديد من الإصابات بين جمهور الفريق الأبيض.

شيطنة الألتراس

Ultras White Knights UWK

لم تتوقف وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة عن شيطنة جماهير الألتراس، واتهامهم بحصولهم على تمويلات من جماعة الإخوان المسلمين، حتى أن جريدة اليوم السابع نشرت ما أسمته تقريرًا عن "أسرار علاقة روابط الألتراس بجمال مبارك وحازم صلاح أبو إسماعيل والشاطر". كما أن هناك عدة إعلاميين عرفوا بمعاداتهم للألتراس مثل "توفيق عكاشة، أحمد شوبير، أحمد موسى، مدحت شلبي" وغيرهم من الإعلاميين الذي شاركوا في شيطنة الألتراس مجاملة للدولة.

 أصوات المشجعين خلف القضبان

بعد ال30 من يونيو، لم تتوقف الدولة عن مطاردة الألتراس، و تكاتفت الأجهزة الأمنية من أجل القضاء على روابط الأولتراس في مصر، مما جعل هزائم روابط الأولتراس تتوالى واحدة بعد الأخرى، لعل آخر هذه الهزائم هي أحكام بالمؤبد 10 سنوات لـ 3 متهمين و7 سنوات لسيد مشاغب و3 سنوات لـ 3 متهمين من ألتراس الزمالك في أحداث  ستاد الدفاع الجوي، حيث قضت الدائرة 9 بمحكمة جنايات شمال القاهرة، برئاسة المستشار صلاح محجوب، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، الأحد 24 سبتمبر، بالسجن المؤبد لمتهمين اثنين، والمشدد 10 سنوات لثلاثة متهمين، والمشدد 7 سنوات لسيد مشاغب و4 آخرين، والسجن 3 سنوات لثلاثة متهمين ، وبراءة متهمين اثنين، و الحبس سنتين لمتهم، فى اتهامهم فى أحداث استاد الدفاع الجوى، والتى وقعت قبل مباراة كرة القدم، بين ناديى الزمالك وإنبى بـ "ستاد الدفاع الجوي"، نتيجة منع قوات الأمن لمشجعين من الدخول وإطلاق قنابل الغاز عليهم وسط ترديدهم الصراخ الشهير "افتح بنموت" وقد أسفرت عن مقتل 20 مشجعًا من نادى الزمالك قالت الشرطة وتحقيقات النيابة أنهم ماتوا نتيجة التزاحم.
وسيد مشاغب هو قائد ألتراس الزمالك «وايت نايتس» وشارك في تأسيس ألتراس "وايت نايتس" في عام 2007. واتُهم مؤخرا بالاعتداء على رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، بإلقاء أكياسا من "البول والبراز" عليه أثناء وجوده بالشارع، إلا أن المحكمة برأته من الاتهام، وبعدها تم استئناف الحكم، وأيدت محكمة جنح العجوزة حكم البراءة في 27 نوفمبر من العام الماضي، واتهم مشاغب في قضية الدفاع الجوي وتم حبسه منذ منتصف مارس الماضي، حتى صدر عليه الحكم بالسجن 7 سنوات صباح اليوم.
سبق هذا الحكم القضائي، إلقاء قوات الأمن بالإسكندرية القبض على 150 مشجعًا أهلاويًا  من ستاد برج العرب خلال مباراة الأهلي والترجي التونسي، ضمن مباريات نصف نهائى دورى رابطة الأبطال الإفريقية، 17 سبتمبر 2017، بزعم حيازتهم تذاكر مزورة وارتداء تيشرتات تحمل رقم "74" في إشارة إلى عدد ضحايا مجزرة بورسعيد، وأطلقت  قوات الأمن سراح 120 مشجع آخر، بعد التأكد من هويتهم وعدم ارتكابهم مخالفات، واحتجزت 30 آخرين.
وفي 8 يوليو، ألقت قوات الأمن القبض على  90 مشجعًا أهلاويًا، لإرتدائهم تيشيرتات تحمل رقم «74»، إلى جانب إطلاق شماريخ.
وفي 16 سبتمبر الجاري،  نشر نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي أخبار تفيد بالقبض على 500 مشجعًا زملكاويًا بزعم محاولتهم دخول ملعب المباراة دون تذاكر. وقال اللواء شريف عبدالحميد، مدير إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الإسكندرية - قال - "إنه تم منع 4 أتوبيسات بها بعض جماهير الزمالك على الطريق الصحراوي، من الدخول إلى الطريق المؤدي إلى ستاد برج العرب بدعوى عدم حملهم تذاكر حضور المباراة".

ولم يسلم أهالي مشجعي كرة القدم من الاعتقال، حيث ألقت قوات اﻷمن القبض على 10 من عائلات مشجعي الزمالك المحبوسين، أثناء وجودهم أمام مقر مديرية اﻷمن بالإسكندرية ومحاولة معرفة مصير أبنائهم، وما زال الأهالي قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن.
كما تلقى الألتراس ضربة قاسية من القضاء المصري في 28 فبراير 2017، بأحكام مشددة 15 سنة لخمسة متهمين بالتجمهر من "ألتراس أهلاوي"، وعاقبت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، اليوم الثلاثاء، 5 من أفراد "ألتراس أهلاوي" بالتجمهر ، بالسجن المشدد لمدة 15 سنة . وقضت في هذا السياق ، بمعاقبة متهم آخر  بالسجن لمدة 5 سنوات. وكانت النيابة قد وجهت إلى المتهمين في القضية رقم 15567 لسنة 2014 وسط قصر النيل، اتهامات بالتجمهر واستعمال القوة والعنف والسرقة بالإكراه، وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة، وحيازة الأسلحة والذخيرة بدون ترخيص.

متى تسمح الدولة بعودة الألتراس من السجون إلى المدرجات؟

الإجابة على هذا التساؤل قد تبدو شبه مستحيلة، لا سيما أن خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة المصري صرح أن  "قرار عودة الجماهير إلى ملاعب المباريات المصرية لن يصدر عن وزارته أو وزارة الداخلية" وأن القرار في يد مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. إلا أن عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، تحدث عن ملف عودة الجماهير إلى المدرجات في الملاعب المصرية. وقال  "ناقشنا الأمر في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، وأكدت أنني لن أتخذ قرارًا، إلا إذا كانت الأجهزة الأمنية ووزارة الشباب والرياضة، لديها اطمئنان من عدم حدوث أمر يؤلمنا جميعا لا قدر الله".

كبسولة حمراء وشخشيخة !

gettyimages.com


الشخشيخة

عندما سمعت هذا الكلمة لحظة دخولي السجن، شعرت بأنهم سيجعلونا نفرغ ما في بطوننا بشكل جماعي "شخ.. شيخة" هكذا خُيّل لي، سمعت الكلمة بعد التشريفة، ووجدت جسدي يستعد لما هو آت.
= ودوهم الشخشيخااااااااااااااااااة.. هكذا قال أحد الضباط غاضبًا، وكأنه يقول "اغتصبوهم".  وكان صوته عاليًا كصوت حشرة "السيكادا الإفريقية" الأعلى صوتا بين حيوانات العالم. والتي قد تؤدي إلى جروح في طبلة الأذن لو سمعها الإنسان من مسافة قريبة.
    شعر جسمي حينها بالبرد وأفرزت هرومانات الخوف التي اشتمها المخبر، وذهلت مما سيحدث.لكني اكتشفت في النهاية أن الشخشيخة ليست إلا  "حوش" صغير ،مغلق بالقضبان من الأعلى ومن كل جانب.
لو كنت في عهد "مبارك" كان يجب علىّ أن أرتعد من هذه الشخيشخة، فقد أخبرني أحد الجهاديين الذي قابلتهم عنها، وقد سجن في هذا السجن من قبل:
= لقد تم تصميمها بهذا الشكل من أن أجل أن يخرج السجناء من زنازينهم في الطوابق العليا ويستطيعون رؤية الشخشيخة بشكل كامل.
- هذا جيد يا شيخ، أمر طيب، فلنعتبرها تهوية!
= أنت الطيب، لم يفعلوها للتهوية، هذه الشخيخة كان في منتصفها "عروسة" ظلت حتى عهد مبارك، هذه العروسة يصلب عليها السجين ويُجلد عقابًا على أتفه الأمور، يحدث هذا بعد أن يخرج كل السجناء من زنازنيهم ليشاهدوا ما يحدث للسجين وليتعظوا. "شخ.. شيخة". على كل حال تحولت الشخيخة فيما بعد إلا مكان لانتظار المساجين عند ترحيلهم للمحاكمة، أو لانتظار زيارة ذويهم. وكانت الشخيخة حلم السجناء، كان يدفع بعضهم السجائر للشاويش من أجل أن يتمشى بها مع سجناء الانتظار، لأنها واسعة إلى حد ما.

كبسولة حمرا

 كان يومًا شاقًا، وكانت هذه جلسة التجديد الأولى في معهد أمناء الشرطة، استيقظنا في السابعة صباحًا، وركبنا سيارة الترحيلات في التاسعة، ووصلنا إلى أكاديمية الشرطة حيث مكان المحاكمة الذي لن نتمكن فيه من رؤية ذوينا أو أصدقائنا في الحادية عشر صباحًا.
 وضعونا في القفص مُكبلين بالحديد، وانتظرنا سيادة القاضي الذي وصل في الخامسة مساءً، ولم يجلس سوى دقيقتين فقط، لم يستمع إلى أي مرافعة، ولكنه اكتفى بالنظر إلى بعض الأوراق، وأمر بتجديد حبسنا، فغضب الطلاب الذين كانوا يريدون الدفاع عن أنفسهم وصاحوا بأعلى أصواتهم. فنظر لهم القاضي لا مباليًا وترك المنصة وذهب.
  أخلت قوات الأمن القاعة فورًا من المحاميين، ووضعونا في سيارة الترحيلات نحو ساعة ونصف تقريبًا، من دون تحرك، ودعني أخبرك أن 5 دقائق في سيارة الترحيلات كفيلة بأن تُشعرك بأنك في هذه السيارة اللعينة منذ مائة عام. عدنا إلى سجن  أبو زعبل في التاسعة ليلًا، عدنا وكأننا موتى لا نقدر على التنفس بصعوبة، سيارة الترحيلات تشبه مقبرة متحركة، وقفص المحاكمة يشبه مقبرة زجاجية، وكلابشات حديدة طوال هذه الفترة لا يتحملها حيوان شرس، لا هواء في قفص المحاكمة، ولا حياة في سيارة الترحيلات، ولم نأكل أي طعام منذ الصباح.

 وقفنا في مدخل السجن نحو ساعة أخرى كإجراء روتيني يحدث بعد كل جلسة محاكمة، وبعدها يتم تفتيشنا كي لا ندخل بممنوعات.. بعد انتهاء التفيتش استقبلنا رجل يرتدي ترنج رياضي، ونظارة تشبه "قعر كباية الشاي" وسألنا:
= حد تعبان.
أجبنا جميعًا بالإيجاب إلا قليلًا، فتعصب وقال:
= احنا ناقصينكم على آخر الليل، عايزين ننام.
لم أفهم حينها، من هذا الكائن الذي يرتدي قعر كباية؛ هل هو سجين جنائي؟! أم أنه كان يلعب كرة القدم في فريق طلائع الجيش، فقرروا حبسه في سجن أبو زعبل عقابًا على الخسارة بهذا الترنج الرياضي؟!
جلس على كرسي خشبي، وأمامه مكتب في ساحة الشخيخة، وأمرنا أن نمر عليه واحدًا تلو الآخر، ولما جاء دوري حدث الآتي:
= بتشتكي من إيه، خلّص؟
- جالي برد وسخونية وبطني فيها شوية مغص والصداع هيفرتك دماغي والكحة مبترحمش.
ترك كل هذا وسألني:
= كحة ببلغم ولا ناشفة؟
- ناشفة؟ آه ناشفة بس مش أوي، بس هو إحنا هندخل للدكتور إمتى؟
= انت هتستعبط يا ابني؟ ما أنا قدامك أهو؟
نظرت للترنج ولنظارته ورفعت حاجبي:
- أنا آسف يا دكتور مخدتش بالي والله كنت فاكرك الـ…
= الإيه بقى إن شاء الله.
- ولا حاجة، بس أنا تعبان شوية.
نظر الطبيب الذي أشك في كونه طبيب يمينًا ويسارًا، وفتح كيس أسود ، والحقيقة أنني لا أحب الأكياس السوداء لإنني أخذت عنها انطباعًا ورثه لي أمي، بأن الأكياس السوداء مخصصة للزبالة، أفرغ الكيس الأسود على المكتب، وكان به كبسولات مقطعة بالمقص، ذكرتني بصيدلية في الأرياف تبيع الأدوية بالكبسولة الواحدة، وقال:
= انت هتقف تتفرج عليا؟ دور معايا ع الكبسولة الحمرا، عايز أنام بقى خلوا عندكم دم.
لم أرد، وعثر على الكبسولة الحمراء وقلت:
- اتفضل يا دكتور، الكبسولة الحمراء.
= خدها قبل ما تنام.
- أنا؟
= أمال أمي.
- مش قصدي بس بقول حضرتك هموت من التعب، تديني كبسولة حمرا؟
= أيوة يا أخويا كبسولة حمرا، تاخد واحدة زرقا، لو اللون مش عاجبك؟!
يبدو أنه يحاول أن يصير خفيف الدم منذ ولدته أمه، ولا يدري بأنه أسخف من الخليل كوميدي.
- لا مش قصدي اللون حضرتك، بس أنا كنت عايز أعرف…
=  عايز تعرف؟! انت فاكر نفسك في مستشفى خاصة ولا إيه يا حبيبي؟ إنت في أبو زعبل، مفيش حاجة اسمها تعرف هنا.
- شكرًا يا أسطه، قصدي يا دكتور.


التقينا.. وفرّق بيننا سلام دافئ


رويترز

مدونات الجزيرة
كنت أفكر في طعامي، وشرابي، وملبسي، وأحدّث نفسي عن القضية، قضية كرة القدم، وأخطط لمستقبلي.. لو أنني بقيت خارج السجن في الفترة المقبلة سأتخلّى عن أكل اللحوم إلّا في العزومات، وسأشتري حذاءً جديدًا في عام 2030، وأقتني ملابس الشتاء عندما تتقدم البلاد العربية، وسأقلع عن التدخين فورًا طالما لم يعزمنِ أحدهم على سيجارة، وسأشرب من ماء البحر لو ظلّت فواتير المياه مرتفعة إلى هذا الحد، كما أنني سأعيش على ضوء الشموع هربًا من مُحصّل الكهرباء.. هكذا كنت أفكر في نفسي، بينما كنت أمشي على قدمي توفيرًا لسعر المواصلات. وبالصدفة، كنت في نفق العروبة، وهو آخر ما تبقى من العروبة، بالإضافة إلى طريق العروبة في المملكة العربية السعودية.. وفي هذا النفق المظلم قابلتها، كان وجهها شاحبًا وتبدو أنها منهكة وأن أحدهم تحرش بها أو اغتصبها، ابتسمت لي ولكن ابتسامتها بدت لي كأنها تبكي، كانت أنفاسها عالية ولكنها تشبه الموتى، لم أعرفها في البداية، أو عرفتها وتظاهرت بأنني لا أعرفها، فحدقت في عيني جدًا وكأنها تعاتبني، وقالت "لِمَ تتجاهلني؟ ألم تقل لي يومًا أنك تؤمن بي؟".
عندما سمعت صوتها شعرت برعشة في جسدي وانقباض في قلبي؛ إنها هي ذاتها التي كنت أدافع عنها منذ الصغر، هي التي حدثت عنها أبي وأمي وأصدقائي وزملائي في المدرسة، أذكر جيدًا أن أستاذي عاقبني لأنه رآني أرفع صورتها في الشارع وأهتف باسمها، وأرسمها على الجدران، ولا أخجل من الوقوف في مقهى شعبي لأحدّث الناس عنها..
إنها القضية الفلسطينية، وكانت تتمشى في نفق العروبة ذهابًا وإيابًا، دون أن تمل، تبحث عن شيء ما، وكان يجلس على رصيف نفق العروبة مجموعة الناس مكبلين الأيدي، ومكممين الأفواه، وعلى الجانب الآخر يجلس الملوك والأمراء والرؤساء العرب بجوار بعضهم وينظرون إلى فتاة تقف أمامهم وملامحها تبدو غريبة، ولكن نظراتهم لم تكن بريئة، حتى أن أحدهم كان يداعب ما بين قدميه في الخفاء ولكنه مع الوقت لم يخجل من فعل ذلك في العلن، وآخر يسيل  لعابه بشكل ملفت، وآخر يفتح فاه على آخره، وآخر عيناه ستنفجر من فرط النظر إلى الفتاة، كانت الفتاة ترتدي بدلة رقص بيضاء وعلى مؤخرتها رسمت نجمة زرقاء، وكانت تحاول إظهار كل ما تقدر عليه من جسدها، وفي وقت قصير نجحت في أن تجعلهم جميعًا ينامون في أحضانها، لا لجمالها، وإنما لشهوتهم.
تجاهلت هذا المشهد وأخبرت القضية أنني لم أنساها، ولكننا جميعًا انشغلنا بكأس الأمم الأفريقية، وبعد فترة انشغلنا ببطولة كأس العالم، وقلت لها "الحقيقة أنهم لن يتركوني وحالي لو كتب عنك، لذا اعذريني لو قصرت في حقك، لقد تغيرت الأمور كثيرًا".
قالت: أخبرني عن الجديد؟!
قلت: هل تذكرين عندما قال الماغوط أن " أمة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة، وتتابع المباريات الرياضية، أو تمثيلية السهرة، والبنادق الإسرائيلية مصوبة إلى جبينها وأرضها وكرامتها وبترولها".. الآن يا قضيتي تغير كل شي، الأمة لم تعد تحل الكلمات المتقاطعة لسببين، الأول أن العقل العربي لا يقدر على التفكير سوى في الطعام، والثاني أن الجرائد أسعارها مرتفعة. لكن اطمئني، ما زالت الأمة تتابع المباريات الرياضية جيدًا، والبنادق لم تعد إسرائيلية فقط، ولكنها صارت عربية إسرائيلية، وكلها مصوبة لكِ، وأعتقد أننا سنفوز في مباراة كرة القدم المقبلة بفضل الله.
قالت: سمعت أن أحد الرؤساء أرسل خطابًا لمجرم الحرب "شيمون بيريز" وقال فيه "صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز عزيزي وصديقي العظيم". هل هذا صحيح؟!
قلت: نعم، ولكننا لم نتركه وحاله، لقد وقفنا على قلب رجل واحد وغضبنا غضبة رجل واحد، ثم رميناه في السجن. والحقيقة أننا أيضًا رُمينا في السجن معه، ولا تسأليني كيف؟ لأن هذه مسألة معقدة جدًا.
لمعت عيناها من الفرحة عندما علمت بشأنه، وكادت أن ترقص من الفرحة وتحتضنني.
قلت: ولكني أريد أن أكون صريحًا معكِ، لقد حدثت بعض الأمور بعدما سُجن هذا الرئيس، لقد جئنا برئيس آخر.
قالت: لن أفقد الأمل فيكم أبدًا.
قلت: لكن في عهده، وتحديدًا في أكتوبر 2015، صوتت القاهرة لانضمام إسرائيل لعضوية «لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي»، في سابقة كانت هي الأولى من نوعها.. وصوّتت مصر في سبتمبر 2015، لصالح الاحتلال الإسرائيلي «دورون سمحي»، لاختياره نائبا لرئيس اتحاد دول البحر المتوسط لكرة اليد، إضافة إلى دولة عربية أخرى؛ منها تونس.. وفي يونيه/حزيران 2016 صوتت مصر لصالح سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون، ليكون رئيسًا للجنة القانونية في المنظمة الدولية، بجانب دول عربية أخرى من بينها «الأردن والمغرب» ووصف السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، انتخابه رئيسًا للجنة القانونية في الأمم المتحدة، بأنه “إنجاز لإسرائيل على الحلبة الدولية بعد 67 عامًا من عدم تعيين أي ممثل عنها في رئاسة أي لجنة دائمة للأمم المتحدة”.
قالت: لا عليك، لا بد أن الرئيس الجديد غضب من هذه الحماقات.
قلت: هو بالفعل غضب، لكنه غضب منّا لأننا ننتقده، واتهمنا أننا عملاء لكِ! ويبدو أنه لم يبال لانتقادنا فأرسل وزير خارجيته للعزاء في شيمون بيريز.
وبينما كنت أتحدث معها وأشرح لها ما يحدث، جاء أحدهم وكان يرتدي بدلة مدنية، ولكنها تبدو لي عسكرية، وقال لها: "ما الذي جاء بك في منتصف نفق العروبة، كفى ظلمًا وعلينا أن ندفئ الأجواء، لو سمحتي اتركي النفق لهذه الفتاة التي ترقص وتعري ساقيها هناك، اتركي نفق العروبة وسأعطيك قطعة أرض تسكنين فيها في سلام وأمان".
حاولت القضية أن تتكلم فقط لتدافع عن حقها وتخبره بخطئه، ولكنها وجدت نفسها مكممة، مكبلة، مقبوض عليها، بتهمة معاداة السلام الدافئ.

والحقيقة أنني اكتفيت بالمشاهدة، وكتمت إيماني بالقضية، وعدت إلى التفكير في طعامي وشرابي وملبسي.

مؤخرات عظيمة

AFP 


كنت نائمًا كالموتى، فأيقظني "عصام"؛ وكان يحب أن يخبرني بكل شيء  يدعوه للتعجب في هذا السجن اللعين؛ بدأ الحديث من دون مراعاة لكوني نائمًا أو ميتًا:
= جاءني سجين جنائي، وقال أنه من طرف عمّ محمود.
- ما المبهر في هذا؟
= دخل حمام الزنزانة، ووضع يده في مؤخرته.
- أرجوك لا تقل أنه كان يريدك أن..
= لا، ياسيدي، وضع يده في مؤخرته وأخرج شيئًا مغلّف بكيس بلاستيكي، وقال خذ.
- صباح القرف، وأخذت؟ّ!
ضحك عصام وقال:
= نعم أخذت؛ تخيل ما الذي أخذته في الكيس؟
- انجز، أريد النوم.
= موبايل.
انبهرت فعلًا، واعتدلت في جلستي، إن فكرة أن يحمل أحدهم هاتفه في مؤخرته، فكرة مبهرة، خصوصا لنا نحن الذين لا نتحمل وضع اللبوس في وقت المرض.
أكمل عصام: لما عرفت أنه موبايل، فرحت به جدا، وتجاهلت رائحة الخراء، بل وتجاهلت الخراء نفسه، والذي كان واضحًا على الغلاف.
  ظننت أن الأمر قد انتهى، وأن عصام قال ما دعاه للتعجب وانتهى، ولكنه أكمل حديثه:
- أخذت الهاتف المحمول لأحاول إخفاءه، لكن السجين ناداني:- "انتظر يا زميلي".
- لا تقل أنه كان يريدك، أرجوك.
= يا عمي قلت لأ، أخرج الشاحن بنفس الطريقة ومن نفس المكان!
رغم اعتقادي بأن عصام لديه خيال واسع، وإيماني بأنه لا يمكن لأي مؤخرة في التاريخ أن تتحمل كل هذا، إلا أنه بعد مرور أيام بدأت أصدق القصة، نظرًا لما رأيته من أعاجيب داخل هذا المكان، السجن يحمل بين جدرانه آلاف القصص العجيبة!

***

    عم محمود، رجل أعمال، قبض عليه لأنه يحمل اسمًا شبيهًا لأحد الجناة، ولما بذل مجهودا في إثبات أنه الشخص الخاطئ؛ قالوا له "لا تتعب نفسك، ولا تزعل روحك" وبدلوا الاسم في أوراق القضية وكتبوا اسمه.
  كان برفقته كان برفقته سجين جنائي، ولكنه سجن مع السياسين لكونه متهمًا في حرق قسم التبين، يُدعى "بربئ" كان جميع الشاويشية والمخبرين والسجناء الجنائيين يخشونه، وكان سندًا لعم  محمود، ولنا.
     جاء "بربئ" يومًا بصحبة أحد الجنائين، وكان لا يمكن أن نرى ملامح وجه هذا الجنائي من كثافة الجروح الطولية التي ملأت وجهه، وهو أسلوب عراك يطلق عليه السجناء "الجرّار"، والجرار عبارة عن حذاء ومثبت في أسفله شفرات عديدة بجوار بعضها، ولما تصيب أحدهم لا يمكن خياطتها نظرًا لقرب الجروح من بعضها.
قدم "بربئ" الجنائي لعم محمود:
- حسن، ولد جدع، من عنبر الجنائيين، وأمين، ولا يمكن أن يبوح بأسرارنا لمخلوق.
 سأله عم محمود:
- هل تستطيع رفع تليفون كبير يا حسن؟ أقصد تليفون يدعم الإنترنت؟
= تصدق بالله يا عم "محمووووأ".
- لا إله إلا الله.
= عليّ الطلاق، أنا على استعداد تام لأن أرفع هذه الحقيبة.
   وأشار إلى حقيبة ملابس تخص عم محمود، وهي حقيبة كبيرة جدًا. هنا تدخل "بربئ":
- لا يا .. أمك، لا نريد أن تجعل رائحة الحقيبة كريهة كوجهك، نحن نريد الهاتف.
= تحت أمرك يا كبير.
سأله عم محمود للتأكيد:
-  يعني مالي مؤخرتك؟ (لم يقل مؤخرتك، قالها بالعامية).
وأكد السجين على عم محمود أنه "ماليها".
***
وضع "بربئ" بعض قطرات الصابون في إناء كنت أحضّر فيه وجبة "الإندومي" الساخنة التي أحببتها في الشتاء، وكان يمرر بعض الأموال في الإناء، ثم يضعها في مكان جاف. سألته:
- ماذا تفعل؟
= خد شم يا أبو حميد.
أخذت الأموال التي لم تمر على مسحوق الصابون بعد، ووضعتها بالقرب من أنفي؛ فشممت رائحة الخراء تنبعث وكأنها رائحة مركزة صنعت خصيصًا كي تترك أثرًا سيئًا في النفوس نحو 20 عام. ضحك بربئ، وكان رجلًا خفيف الظل جدًا، ولكني كرهته حينها خاصة عندما قال بكل بساطة
= هذه الأموال كانت مخزنة في مؤخرة عمك "بريعة"!
صرخت، ورميت الأموال على الأرض، وانتظرت أن تأتي المياه، ولكنها لا تأتي في مثل هذه المواقف، ولما جاءت بعد صبر طويل بقيت تحتها نحو ساعتين، وكان الجو باردًا جدًا، وفي أثناء نومي حلمت بأنني وقعت في خرارة الحمام.
***
أجريت أول مكالمة هاتفية لي من داخل السجن؛ كان الهاتف قد خرج طازجا، من مؤخرة السجين الجنائي لأذني مباشرةً. وضعت الهاتف على أذني من دون اكتراث لمصدره، فكنت قد نسيت شكل الهاتف. وهو هاتف صغير صيني الصنع، ويبدو من صغر حجمه أن الصين قد صنعته خصيصًا ليوضع في مؤخرات سجناء مصر، كل شيء محسوب في الصين صدقوني. أجريت مكالمة تخطت دقيقتين، مقابل علبتين سجائر، تحدثت مع أمي؛ بكيت بعدها، حزنا على فراق أمي، وبكيت من رائحة الخراء.

***
 في سجون دول تحترم الإنسانية لا يضطر السجناء لوضع الهواتف في مؤخراتهم، فقد قرأت "التجربة النرويجية" لـ بلال فضل والتي قال فيها "تصنف 36% من سجون النرويج على أنها منخفضة الأمن، حيث يسمح للسجناء بعدد غير محدود من المكالمات الهاتفية دون حاجة إلى أن يخبئوا شرائح المحمول في أماكن حساسة، بل تسمح لهم بإجازة أربعة أيام شهريا، لحثهم على السلوك الحسن خارج السجن".