الحرب القذرة



خورخيه فيديلا




وصل الجنرال العسكري إلى الحكم عبر انقلاب عسكري دموي، وصار الحاكم المطلق للبلاد، لم تكن هناك سلطة فى البلاد قادرة على محاسبته. وأصبحت كل مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والإعلامية تأتمر بأمره.


قتل الآلاف من معارضيه ممن أطلقت عليهم وسائل الإعلام "المخرّبين" فبررت وسائل الإعلام جرائمه واختارت الانحياز للديكتاتور العسكري بدلًا من انتقاده وفضح جرائمه، وصارت وسائل الإعلام تحكى للناس كذبًا عن إنجازات وهمية لم يشعر بها المواطن.


توجهت أسلحة الجيش أثناء حكمه نحو أبناء الشعب من المعارضين بدلًا من توجهها نحو العدو الحقيقى.


لجأ الجنرال إلى جريمة الإخفاء القسري، فاختطف المعارضين وأولادهم أيضًا وإحتجزهم فى أماكن غير معلومة؛ فالجنرال لم يفرق فى الخطف بين طفل أو شيخ أو امرأة.


أما التعذيب فكان احدى الوسائل القذرة التى استخدمها ضد المعارضين، وأقارب المعارضين، وجيران المعارضين. واللي يتشدد للمعارضين.

لم يكن هناك مانع من اعتقال الابن بدلاً من أبيه؛ أو العكس؛ المهم أن تصل الرسالة إلى كل أبناء الشعب بأنه من لم يرضى بحكم الرصاص سوف تدهسه الدبابات وأنه لا صوت يعلو فوق صوت السلاح.

لم يلتفت إلى أصوات المنظمات الحقوقية التى أدانت كل أفعاله وجرائمه، واعتقد أن السلاح فقط هو القادر على حكم شعبه.

أما الحالة الاقتصادية للبلاد فقد شهدت تأخرًا ملحوظًا وتضاعفت الديون بشكل غير طبيعى، وسعى العسكر إلى تجميع أكبر من الثروات لصالح جنرالاتهم.

تتحدث السطور السابقة عن الجنرال الأرجنتيني "خورخي فيديلا" الذي حكم الأرجنتين بعد أن قام الجيش الأرجنتينى عام 1976، بانقلاب عسكري على النظام البرلماني وعزل "ماريا أستيل" رئيسة الجمهورية الأرجنتينية من الحكم، ومع أن الدولة وقتها كانت تصف معارضيها بالمخرّبين إلا إن "إرهاب الدولة" وتخريبها أثناء حكم المجلس العسكري الأرجنيتنى طال الجميع، خاصة خلال فترة الجنرال العسكري الدموي "خورخيه فيديلا" (1976-1981).بدعوى أن الوضع إستثنائيًا.

في عهده تم تصفية مئات الطلاب والمعارضين، كما اعتقل الآلاف دون محاكمات حقيقية؛ فخُطفوا من بيوتهم أو من جامعاتهم أو من عملهم دون محضر شرطة، ودون أمر قضائي، ودون محاكمة.

ولأن الرصاص يحكم، والدماء تسيل بلا حساب، والأرواح تُزهق في الشوارع، والأطفال يخطفون، والنساء يدفعن ثمن نضالهن ضد بطش السلطة العسكرية بالزج بهن في المعتقلات؛ حاول النظام العسكري أن يشغل الناس بكرة القدم حتى لا يلتفتوا إلى جرائمه.

فقد تحدث المعارضون حينها عن فساد الاتحاد العالمي لكرة القدم "فيفا" واتهموه بأنه حصل على مبالغ مادية حتى تستضيف الأرجنتين كأس العالم سنة 1978.

تجاهلت وسائل الإعلام كل الجرائم التى ارتكبها النظام العسكري؛ وحاولت أن تلفت الأنظار نحو كرة القدم، فازدادت أعداد المعارضين للنظام العسكري في صفوف المشجعين خاصة بعد موقف اللاعب الهولندي "يوهان كرويف" الذي كان بين أكبر هؤلاء المعارضين للنظام الحاكم في الأرجنتين والذى رفض السفر إلى الأرجنيتن بسبب معارضته للجنرال العسكرى.. وتحولت مبارايات كرة القدم إلى تظاهرات ضد النظام العسكري، واستغلت أمهات المختفين قسريًا الحشد الجماهيري للمباريات في تعريف الناس بقضايا أبنائهن.

كانت الأحكام العُرفيّة السارية في الأرجنتين تمنع الاجتماع في الساحات والشوارع لأكثر من ثلاثة أشخاص. لذلك اتفقت مجموعة من أمهات المختفيين قسريًا على التظاهر أمام مقر الرئاسة الأرجنتينية  في ميدان مايو بطريقة مبتكرة فمشت الأمهات اثنتين اثنتين فى شكل دائري لمدة ساعة وشكلن ما يعرف بأمهات ساحة مايو.

هاجمت وسائل الإعلام الموالية  للنظام العسكري الأمهات ووصفتهن بالمجنونات والحاصلات على أموال من الخارج لزعزعة الاستقرار؛ واختطف الأمن 12 شخصًا مرتبطين بحركة الأمهات.

تحولت المظاهرات الدائرية إلى طقس أسبوعي عصر كل خميس؛ وزادت أعداد الأمهات أسبوعًا بعد آخر نتيجة تناقل الخبر بين الناس؛ واكتفت السلطات العسكرية في الأشهر القليلة الأولى بالتأكيد على تطبيق القانون على الجميع. (قانون الرصاص).

بعد أن اشتدت المعارضة ووصلت قضية الاخفاء القسري للمجتمع الدولي؛ ذكر "يوحنا بولس الثاني" بابا الفاتيكان الأرجنتين في عظته الأسبوعية، مُشيرًا إلى  قضية المُختفيين قسريًا؛ فنظم "خورخيه فيديلا" مؤتمرًا صحافيًا لأن كلام بابا الفاتيكان كان محرجًا للمجلس العسكري؛ اتسم خطابه بالرياء وارتدى ثوب المتدين، وياللعجب صرح أن نظامه يعتبر أن حقوق الإنسان قيمة انسانية لا يمكن الاستغناء عنها، وأن كرامة المواطن الأرجنتيني مصانة، وأن الحريات انتشرت فى ظل حكمه العسكري؛ وأن مرجعيته الكاثوليكية أمرته بهذا.

ثم وصف الانقلاب العسكري بأنه "إعادة للتنظيم الوطني" وأنه لم يقم بهذا الانقلاب إلا لإنقاذ البلاد والعباد من المخربين، والدفاع عن حقوق الإنسان ضد انتهاكات المخربين والإرهابيين الذين يستهدفون حرية وكرامة الإنسان ويحاولون تدمير القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع الأرجنتيني، وأن ضميره الوطني والديني استدعاه لهذا الفعل، مع أنه لا يحب أبدًا أن يكون رئيسًا للبلاد لأنها مسئولية عظيمة سيحاسبه الرب عليها.

وعندما سأله أحد الصحافيين عن المختفيين قسريًا والذين وصل عددهم إلى 30 ألف وفى روايات أخرى 50 ألف، قال "ليس بإمكاننا القيام بأي إجراءات  طالما أنهم مختفون" على أساس أن من خطفوهم كائنات فضائية؛ أو على طريقة (أنا عارف إن فى مظلومين كتير فى السجون.. بس مش هفرج عنهم).

رغم أن فيديلا احتمى من شعبه بآلة القمع التى ظن أنها ستنجيه من الهلاك إلا أنه شعبه لم يرحمه وظلت الثورة مشتعلة ضده خلال الـ5 سنوات التى حكم فيها الأرجنيتن بالرصاص.

وانتهى به الحال بأن حكم عليه بالسجن مدى الحياة مرتين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وبالسجن 50 عاما بسبب اختطاف أطفال معارضين.. ومع أن  تلك الجرائم التى ارتكبها ونظامه العسكري  كانت من سنة 1976 حتى 1981 إلا أنه سجن عام 2008 وانتهى به الحال بالموت فى سجنه فى عام2013؛ ولم تُقدّم التحية العسكرية إلى "خورخي فيديلا" خلال تشييع جنازته لأن رتبته قد سحبت منه بعدما تبرأ الجيش من جرائمه؛ وجاء في الشريط الإخباري لشبكة اي24 الاخبارية التلفزيونية "المجرم القاتل قد توفى".

توفى المجرم ولكن جرائمه ستظل حية فى ذاكرة الشعب الأرجنيتنى إلى الأبد. فالتاريخ لا ينسى.

يقول ألدوس هكسلي أن "أهم درس يمكن أن نستفيده من التاريخ هو أن البشر لا يستفيدون كثيراً من دروس التاريخ".

مواضيع متعلقة:

تجارة البشر.. ومناضل يُدعى "ولد عبيدي"



قضائهم المستقل



كاريكاتير كارلوس لاتوف





عاد الرفيق ياسين صبري إلى الزنزانة بعد أن حكم عليه بالسجن 4 سنوات، حاولت أن أخفف عنه، فكان متماسكًا؛ حزينًا.
قال: - لا تظن أننى حزينًا على أن القاضي سجنني من دون سماع مرافعات أو شهود أو متهمين أو حتى محاميين، أو تظن أني حزينًا على ضياع 4 سنوات من عمري؛ فهذه ضريبة يدفعها كل من شارك فى الثورة.


فسألته عن سبب شحوب وجهه فقال:- أنا حزين على أحد المحاميين وهو والد احدى الفتيات في قضيتي؛ هذا المحامي حاول الانسحاب قبل أن ينطق القاضي بالحكم، فإذا بالقاضي يسأل المحامي "لماذا تركت الجلسة دون إستئذان؟".

فردّ المحامى:- أنا لا أستطيع أن أرى ابنتى يُحكم عليها بالسجن وأنا عاجز عن فعل شئ لها؛ هل تريد أن تكسرني أمام ابنتى سيدي القاضي؟!


وأكمل ياسين حكايته:- تخيل؛ القاضي أمر بحبس المحامي!

***


هذا القاضي الذي يحكي عنه "ياسين صبري" هو المتهم بطلب رشوة جنسية مقابل إنهاء قضية تنظر أمامه. "رامي عبدالهادي" رئيس جنح مستأنف مدينة نصر. حسب موقع جريدة الوطن وبوابة الوفد الإلكترونية وموقع المصري اليوم وغيرهم من المواقع الإخبارية.

هو نفس القاضي الذي لم يرحم الطالبة "أسماء حمدي" وحكم عليها بالسجن 5 سنوات هي ومن معها من الطالبات دون أى دليل عليها واعتمد فى حكمه على تحريات أمن الدولة.


بينما نظر بعين الشفقة للإعلامي أحمد موسى وبرأه من قضايا عدة، وكأنه متخصص فى قضايا "أحمد موسى"، فبعد أن حكم على موسى بالسجن عام فى قضية سب "أسامة الغزالى حرب" لم ينفذ الحكم، وجاء القاضى المنقذ لأحمد موسى ليقضي ببراءته رغم أن السباب كان على الهواء مباشرة. ونظر أيضًا فى قضية سب أحمد موسى للناشطة السياسية "غادة نجيب" وزوجها " هشام عبدالله" وقضى ببراءته.


وبعد أن حكم على موسى شهرين فى قضية سب هشام جنينة ظهر سيادة القاضي ليبرأه مرة ثالثة. (يعنى من الآخر. سب لمن يعجبك واترك الباقي علينا)!


* نفس القاضى الذي نظر فى قضايا المئات من طلاب وطالبات جامعة الأزهر، وحكم عليهم بضياع مستقبلهم وحكم عليهم دون دليل واحد ودون آية أحراز.


* نتحدث هنا عن قاض أعطى أمرًا بإخلاء سبيل الرئيس المخلوع "محمد حسنى مبارك"، والذىي لا يحتاج دليل على فساده وسفك دماء شعبه، بينما حكم بالسجن 5 سنوات، والغرامة 100 ألف جنيه على أحد المحاميين، لأنه انسحب من القاعة كي لا يسمع النطق بالحكم على ابنته!


وحكم على طالبات جامعة الأزهر بأحكام قاسية، معتمدًا فى أحكامه على تحريات الأمن الوطني.


هنا يجب أن نطرح بعض التساؤلات:


1 - ما هى المعايير التى بناء عليها اختير هذا القاضي ليكون خليفة الله في الأرض غير أنه ابن لأحد القيادات العسكرية السابقة؟!


2 - أليس من حقنا أن نتسائل لماذا تخصص هذا القاضي فى عدة قضايا للإعلامي أحمد موسى خاصة بعدما نشرت مواقع إخبارية عديدة عن حصوله على رشوة لتبرئة أحد المتهمين؟!


3 - كيف يمكن لقاض أن يحكم على متهمين دون سماع مرافعات كما حدث مع ياسين صبري؟ وأن يحكم دون دليل واحد أو حرز واحد كما حدث فى قضية أسماء حمدي؟! وكيف يمكن أن يصدر الأحكام بناء على تحريات أمن الدولة التى تختطف الناس من الشوارع وتعذب المواطنين داخل أقسام الشرطة وتلفق القضايا دون أن يراعوا الله فيما يفعلوه؟!


4 - من أهم معايير استقلال القضاء (النزاهة والأمانة والرحمة وعدم الحكم بدون أدلة).. وهنا نلاحظ أن كل هذه المعايير قد افتقدها هذا القاضي، فكيف يمكن أن نصدق أن القضاء مستقل بالفعل؟!


5 - هل من المنطقي أن يعاقب القاضي الأطفال بأقصى عقوبة وينظر بعين الشفقة للرئيس المخلوع حسني مبارك الذى أفسد فى البلاد وسلخ العباد ثم تطالبوننا بعدم التعليق على أحكام القضاء؟!

اقرأ أيضًا:


أتعرف ما هو الوطن يا جمال؟


 إعدام الصحافة 1

 إعدام الصحافة 1


هل تطالب بإعدام كل المعتقلين والمعارضين والنشطاء والمتعاطفين معهم؟! هل تجيد التطبيل والنفاق والرقص وتزييف الحقائق؟! هل يمكنك التعريض للظالمين وممارسة الإرهاب الصحفى والإعلامى ضد كل من دعا على الظالمين؟! تتهم كل من اعترض على انتهاكاتٍ يمارسها النظام الحالى بالأخونة والعمالة لإسرائيل وإيران وقطر وتركيا وصيربيا وجزر القمر والصومال وكوكب المريخ؟!


إذا كنت تجيد كل ما سبق بنعم فأنت فى نظر من يحكمونا صحافي بارع يجب تكريمك وترقيتك لأعلى المناصب فى الدولة، يجب أن تُرفع على الأعناق وأشياء أخرى (لا داعى لذكرها)، وربما تتصل بك الرئاسة لتعبر عن إعجابها بمقالك الرائع.


فالصحافة التى يريدها النظام الحالى مثل:


*لا أستطيع أن أخفى سعادتى وشماتتى فى إعدام كل من ينتمى إلى عصابة الإخوان، حتى لو كانوا مليوناً أو عشرة ملايين. لن تضار مصر إذا قطعت إصبعاً من كفها قبل أن يتسمم الجسم كله، ولن تضار أيضاً إذا لوّحت للمتعاطفين مع هذه العصابة، والمستائين من حكم الإعدام، بحبل المشنقة. ليكن القضاء مسيّساً. لتكن السياسة عشيقة للقانون فى الحرام. ليكن تقدير القاضى، الذى أصدر الحكم، غشيماً لا يقرأ العواقب. ملعون أبو أم القانون حين يقف عائقاً دون إعدام هؤلاء القتلة، الخونة، أعداء الدين والوطن والإنسانية.. محمود الكردوسى


وهناك أيضا صحافة أو خراء كهذا:


*ارتضى الفلول، وهم الغالبية الكاسحة من الشعب المصرى، أن يتواروا عن الأنظار، وتحملوا السباب والإهانة، والاتهام بالعبودية، ولاحسى البيادة، لا لشىء إلا أنهم دافعوا عن جيش إعدام ومؤسسات بلادهم، الزمن كان منصفا وعادلا، وأعاد الحق لأصحابه، وأن الفلول، هم أشرف وأرجل وأكثر وطنية، من الأدعياء المدعين من تجار الدين والشعارات الثورية الوهمية، والضحك على البسطاء، من هذا الشعب.. دندرواى الهوارى


من السهل جدا أن تكون كهؤلاء ممن يطالبون بإعدام الملايين وممن أعدموا إنسانيتهم وممن  جعلوا من فلول النظام السابق وأعداء الثورة عظماء ويسنحقون التكريم والتعظيم، وجعلوا ممن ثاروا على الفساد والسرقة وسفك الدماء والتعذيب والإعتقال وضحوا بحياتهم شياطين ومرتزقة.


أما إذا كنت سياسيا مخضرما درست الاقتصاد والعلوم السياسية وتعمل بمجال الصحافة والإعلام وتكتب مقالات بشكل يومى ولا تجد إنجازاً للنظام سوى ما يمكنك الكتابة عنه، فيمكنك أن تتجنب الكتابة فى السياسة أصلا حتى لا يفهمك سيادة الرئيس خطأ وأن تتكتقى بمقالات من نوعية "كتالوج الستات ومعاملة البنات. أو الكتالوج العصرى للراجل المصرى" كما يفعل معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. الذى أدهشنا بمقالاته الأخيرة من هذه النوعية، فالدماء سالت فى صباح العيد والاعتقالات لم تتوقف، لذا كان على أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية أن يعترض بشدة فكتب مقالا بعنوان  "كتالوج الستات ومعاملة البنات".  لم يكتف بهذا بل فاجأنا بجزء ثان للمقال بعنوان "الكتالوج العصرى للراجل المصرى"


تلك هى حرية الصحافة المكفولة التى يريدها النظام الحالى، أما من حاول نقل الحقيقة أو التوثيق بالفيديو فمصيره المعتقل.


فلا تتعجب عندما تسمع عن مصور صحفى تخطى 700 يوم اعتقال على ذمة الحبس التحقيق كمحمود أبوزيد شوكان، أو مصور صحفى حكم عليه بالمؤبد كعبد الله الفخرانى، أو صحفى تعرض للتعذيب مرات عديدة كعمر عبد المقصود، وأعتقد أنك لن تتفاجأ عندما تعلم أن "وجدى خالد" المصور الصحفى الذى أعتقل أثناء تأدية عمله أصيب بأزمة قلبية داخل قفص المحاكمة عندما علم أن وكيل النيابة قرر التجديد له 15 يوما،ً فهذا خبر روتينى ربما تسمعه يوميا. بل هناك من يموتون داخل السجون.


إذا أتيحت لك الفرصة للظهور فى وسائل الإعلام فلا تخش أن تحرض على شباب الثورة أو المعارضين، ولا تتردد فى تكفير بعض الناس طالما فى مصلحة النظام، ولا تعتقد أن شعارات من نوعية "أفرم يا سيسى، إعدم يا سيسى" تعد إرهابا بالنسبة لمن يحكمونا.


الارهاب فى نظرهم هو نقل الحقيقة.


فقد اقتحمت قوات الأمن مقر شبكة يقين الإخبارية المصرّح لها بالعمل بالصحافة بشكل رسمى، وصادرت كل المعدات واعتقلت مدير الشبكة "يحيى  خلف" واتهمته بنشر أخبار كاذبة مع أن الشبكة تعتمد فى أخبارها على الفيديوهات المصورة فقط. فكيف يمكن أن نعتقد مثلا أن نشر مؤتمر ما لحزب ما أو لشخصية عامة أخبارا كاذبة؟!


اتهم أيضا بالانتماء للإخوان مع أن الشبكة لم تكتب كلمة واحدة تؤيد فيها الإخوان ومع أنها تغطى كل مؤتمرات الحكومة! ومن الإتهامات الهزلية "إستخدام برامج غير أصلية فى تقطيع الفيدوهات والفوتوشوب وخلافه!


أعلنت الشبكة بعدها تعليق العمل نظرا للقمع والانتهاكات التى تعرضت لها الشبكة من اعتقالات ومداهمات لمقر الشبكة ومصادرة معدّاتها، وهذا ما يريده النظام للأسف، فنحن خسرنا الشبكة الإخبارية الوحيدة التى توثق الأخبار بالفيديو فقط والتى تغطى كل الفعاليات والمؤتمرات والندوات الثقافية المهمة التى تتجاهلها وسائل الإعلام.


تقول منظمة "مراسلين بلا حدود" أنّ عدد الصحافيين في سجون مصر هو «الأعلى» منذ عام1990، كما أنّ السلطات تستخدم الأمن القومي ذريعة لانتهاك حرّية الصحافة وأنّ التهديد بالسجن في مصر يعتبر جزءاً من مناخ تمارس فيه السلطات الضغط على وسائل الإعلام لفرض الرقابة على الأصوات الناقدة وإصدار أوامر بعدم التحدّث عن مواضيع حساسة. وطبعاً التهمة الجاهزة للمنظمة ولصاحب المقال هى الأخونة أو العمالة لقطر. مع أن العقل خلق للتفكير وليس لإفراز الخراء.
متى يأتى العيد؟!

متى يأتى العيد؟!

مصر العربية


في زمان ما كان العيد يحمل الفرحة مهما كانت الأحزان التى تسكن القلوب. الآن يأتي علينا العيد ليجدد الأحزان. لكننا كالعادة نكذب على أنفسنا ونقول. كل عام وأنتم بخير. ( محمود أمين)


العيد فى طفولتنا كان يحمل البهجة بالفعل وصار يفقد بريقه وفرحته كلما كبرنا، كل عيد يأتى أسوأ مما مضى.


كنت أعتقد أن السبب فى فقدان فرحة العيد هو أننى كبرت. مع أننى لم أكبر، ولكنى توصلت إلى أن هناك عوامل كثيرة جعلت من العيد كابوساً يخشاه الكثيرون، أهمها: إنتشار الفقر،وتعليم الجهل، والفوضى الأخلاقية المتمثلة فى التحرش، والظلم. أما فى هذا العيد فيجب أن نقول أن أهم عامل جعل من صباح العيد كابوساً  هو "الدماء"


حتى كاد الناس أن يهنئون بعضهم البعض قائلين:
كل عام وانتم فى فقر.
كل عام وانتم فى جهل.
كل عام وانتم فى ظلم.
كل عام وانتم فى بحر دماء.
كل عام وأنتم لستم بخير.
ظهرت لنا إحدى المواطنات الشريفات فى فيديو وهى تتحدث مع شرطة مكافحة التحرش وتقول أن شعب مصر بخير مادام السيسى بخير. تسائلت عن الخير فأخبرونى أنه محل بقالة شهير فى قلعة الكبش.
فكيف كان العيد؟!


بعد صلاة الفجر: تخلى أهالى المعتقلين عن قضاء صلاة العيد حتى يخففوا على أولادهم المعتقلين فإستيقظوا فجرا كى ينتظروا خارج أبواب السجون ساعات طويلة لرؤية أولادهم وبناتهم القابعين خلف السجون ورأينا شهادات كثيرة توثق معاناة الأهالى من الإنتظار بالساعات أمام أبواب السجون، ورأينا من قال أنه لم يستطع رؤية أخته سوى 20 دقيقة، ومنهم من قال 10 دقائق ورأينا من لم يتمكن من الجلوس مع ذويه لأن الداخلية قد وضعت حواجز تحول بين المرء وأهله، بل هناك من لم يتمكن من رؤية المعتقل إطلاقا كما حدث مع "مصطفى ماهر" شقيق المعتقل "أحمد ماهر" الذى حكى أن الداخلية لم تسمح له برؤية أخيه ولو دقيقة واحدة!


بعد صلاة العيد: تحتفل الداخلية بالعيد مع أهالى ناهيا وتقرر أن تفض تظاهرة سلمية خرجت بعد صلاة العيد لتطالب بالإفراج عن المعتقلين، فقتلت الداخلية الشاب حسام العقباوى وأطلقت الرصاص الحى والخرطوش وقنابل الغاز المسيلة للدموع، فأصابت العديد من الاهالى ولم تفرق بين متظاهر أو مصلى، وقالت أنها كانت تفض مظاهرة مسلحة، مع أننا لم نشاهد فيديو أو صورة لهذا السلاح، ولم نسمع عن أى إصابات فى صفوف الداخلية أثناء فض المظاهرة،  وإعتقلت 15 شابا من كوافير حلاقة وصورتهم أمام أسلحة ومفرقعات وإتهمتهم بالإرهاب كى تدارى ما إرتكبته من جرائم، ثم فاجأتنا النيابة بأخلاء سبيل كل من أعتقل من محل الحلاقة بكفالة 5000 آلاف جنيه  لأنهم تجرأوا على الحلاقة بدون تصريح، ثم رأينا إشتباكات فى الطالبية بين المواطنين الشرفاء ومتظاهرين، قتل من المتظاهرين 6 أشخاص ومع هذا الإعلام وصفهم بالعناصر المسلحة.


بعد صلاة الظهر: أمهات تصرخ بعد معرفة مصير أولادهم ممن قتلوا. ودموعا تتساقط من أعين اهالى من أعتقلوا صبيحة يوم العيد، حتى أن ممن أعتقلوا من كان فرحه ثالث أيام العيد. وشبابا يداوون جراحهم من آثار معركة ما بعد صلاة العيد، بعيدا عن المستشفيات التى بالطبع ستتصل بالداخلية لإلقاء القبض عليهم.


بعد صلاة العصر: إزدحام شديد فى شوارع القاهرة والجيزة، وحالات تحرش عديدة، ومشاهد لشباب المستقبل المشرق وهم يحومون حول بناتنا ككلاب مسعورة، وبنات قررن قضاء العيد فى المنازل خوفا من التحرش.


بعد صلاة المغرب: خراء منتشر فى أكثر وسائل الإعلام يصدر رائحة كريهة، كذبا لا نهاية له وتضليلا للشعب، (عاجل: القبض على خلية إرهابية خطيرة تتكون من 15 إرهابيا فى محل حلاقة بناهيا.. مقتل أحد الإرهابيين بناهيا أطلق النيران على الداخلية..الإخوان يقتلون شابا فى ناهيا ويتهمون الداخلية.. الإخوان يتظاهرون بالسلاح فى شوارع الطالبية والأهالى يتصدون لهم ويقتلون 6 من إرهابيى الإخوان.. الشعب يحتفل بالعيد والأمن يكافح التحرش). أليس هذا خراء؟!


بعد صلاة العشاء: تشييع جنازات هنا وهناك، وأمهات لا تصدق أن البيت فى أول يوم العيد غير مكتمل العدد، وضباط أفسدوا على الناس فرحتهم يمارسون هوايتهم المفضلة فى ضرب من إعتقلوهم لأجبارهم على أن يعترفوا بما لم يرتكبوه. ومسرحية مدرسة المشاغبين تبث على أغلب القنوات التليفزيونية.

لكن متى ياتى العيد؟! العيد سيأتى يوما، عندما يرحل الفقر والجهل والظلم، وعندما تكون الدماء أغلى من البناء. سيأتى العيد وقتما يأتى العدل.


Their feast is in prisons

Their feast is in prisons


Between four walls they sit down, waiting and wishing to watch something different, or hear voices that remind them of the days that never spin away of their minds. But there's nothing new except that there's nothing new; same faces, same voices, and the same prison bars.
The same comrade that always says: "Imagine my friend, we were free some day, walking down the streets with no dates, breathing freely, watching the sun without barriers, sitting in front of the sea, seeing our beloved ones, sleeping on a bed that suffices five prisoners" Thus be the stories there, behind prison bars. We dream of getting a good job, having a fun journey, and we seek shelters from the sun. While they summed up their wishes in getting an hour of wideness in a dull lane that the sun never enters. The prison's administration prevents this hour of wideness for security reasons, or bad weather, or because some human rights activists staged a demonstration in the North Pole in solidarity with detainees. During sleeping, we're bothered with the loud noise of TV. While they're bothered with the noise of security soldiers came for searching their cells or stealing its contents after dawn. Most of the time the "searching" turns into "stealing", insults and violation. We get bored of reading and we use books to decorate our libraries, we dispense journals because we use the internet, and we think about exchanging that bed with another that can make us feel more comfortable. You think of leaving your house and of not seeing your parents for a while. While in prisons, their wishes are summed up in reading a book or a journal or listening to the radio. They don't mind sleeping on cell's floor, but getting two feet to sleep on is a difficult dream to come true. They wish they can see their families for more than 20 minutes. On feasts:
We love holidays and feasts; we wish them to go on because they're our opportunity to empty our minds. In prisons, detainees hate all holidays and feasts as well, they wish them to end fast, so that ordinary days would come sooner, that's because the police celebrate the detainees in their own way. They close the cells doors from the feast's night until the end of Eid's 3 days (Muslim's feast), they prevent them from the wideness in that dull lane, and so it becomes a dream for them as it is heaven. Ignore the untrue media statements and prisons regulations that the police don't follow. That's the actual reality. You always hear that the prisons authority announces for exceptional visits for detainees on the occasion of the Eid, but let me tell you that the exceptional visits don't exceed ten minutes, and may be the waiting period of a detainee's family can last from day to night, claiming that the numbers are large. Entering the prisons visiting room in earlier time depends on how much bribes you pay, that explains why you find the visits of drug and gun dealers last longer than these of opinion detainees, they also don't wait for long hours to get in the visiting room as you do. There's a different between you and them; you're a political activist and they are killers! The beautiful voices coming from the mosques singing "God is the greatest, praise to God" make happiness seeps to our souls. Eid prayers in squares, offering gifts for children and watching Egyptian classic and funny plays like "Hooligans" and "Witness that hasn't witnessed anything" are interesting things to do although we do them every Eid. The idea that your family would give up Eid prayers waiting from the very early morning to see you in front of prison doors to relieve some of your grief, is sufficient to make you die of sorrow, so you must burry your grief inside your heart and smile. Detainees pray Eid prayers between four walls, they smile with endless wounds in their deep insides, they look at prison doors when they're opened for a minute in the morning of the Eid to enter them food and bread, and may be some detainees beg the guards to let them hang their washed clothes outside the very crowded cell, and the guards may agree and may refuse. See the guards circumvent you as you're a tourist; they ask you for cigarettes or some food or drinks that you're keeping in your cell for necessity. "Merry Eid Ahmed, you are not offering us anything this feast, aren't you?" say the guards, with a warning tone in their voices: "We are not opening the cell after the Eid unless you offer us something" … You feel mad when you see those who are controlling you are not thinking about anything other than their stomachs, but hold your horses and don't hazard, if you enter the disciplinary cell, you will be deprived of being visited for a whole month. When the Eid prayers end, everybody sleeps as they're dead, it's the escapism. *** One my comrades in the cell said: you know this choral of children singing after "Safaa al-Soaod" _ Egyptian classic artist (October 9, 1950)_ in her song "Eid is joy", they do not actually believe her when she sings "Eid is Joy" part. -How do you know that, genius? -Because when she sings: "Eid is joy", they sing back: "Yeah", "Yeah" here actually means "yeah?" like that we say when we're told something we don't believe. But there are always things that can distract your sadness; I still remember the voice of my comrade "Yassin Sabry" in the next cell singing "Free your dogs in our streets and lock us in yours prisons" that famous classic song for "Sheik Imam" _ Revolutionary Egyptian singer and composer (july 2, 1918 – June 7, 1995) _ so the cell turns into a theatre to sing in, the guards shout ordering us to shut up, but when singing starts, who the hell can silence us?!
Poetries are written, audio dramas are played and imitating the sounds of animals in a funny and tearful way too.

عيدهم فى السجن


مصر العربية



بين أربعة جدران يجلسون، ينتظرون ويشتمنون رؤية شئ مختلف، أو سماع أصوات تذكرهم بأيامٍ لم تفارق مخيلتهم، ولكن لا جديد سوى أنه لا جديد، نفس الوجوه والأصوات، نفس القضبان..


نفس الرفيق الذى يقول دائمًا: "تخيل يا صديقى أننا يوماً كنا طلقاء، نمضى فى الشوارع بلا مواعيد، نتنفس الهواء بحرية، نرى الشمس بلا حواجز، نجلس أمام البحر، نرى أحبابنا، ننام على فراش يكفى لخمسة مساجين".. هكذا تكون الحكايات هناك, خلف القضبان.


* نحن نحلم بالحصول على وظيفة جيدة، ورحلة ممتعة، ونحتمى من حرارة الشمس، وهم تتلخص أمانيهم فى الحصول على تريض ساعة واحدة فى ممر كئيب لا يراه الشمس، تمنع إدارة السجن هذا التريض لدواع أمنية، أو لسوء الأحوال الجوية، أو لأن بعض الحقوقيين نظموا مظاهرة فى القطب الشمالى للتضامن مع المعتقلين.


نحن يزعجنا صوت التلفاز العالى أثناء النوم، وهم يزعجهم صوت عساكر الأمن اللذين جاءوا لتفتيش الزنزانة أو لسرقة محتوايتها بعد الفجر، ففى أكثر الأحيان يتحول التفتيش إلى (تقفيش) وانتهاكات وإهانات، ودائما هناك خسائر فى صفوف المعتقلين، أقلّها دخول زنزانة التأديب.


* نحن نمل القراءة ونجعل من الكتب زينة فى مكتبة، ونستغنى عن الجرائد لوجود الإنترنت، ونفكر فى تغيير الفراش واستبداله بآخر يجعلنا نشعر بالراحة، تفكر فى الابتعاد عن البيت قليلاً وعدم رؤية أبيك وأمك لفترة ما، وهم تتلخص أمانيهم فى قراءة كتاب، جرنال، سماع الراديو، ولا مانع من النوم على برش الزنزانة، ولكن الحصول على شبرين للنوم حلم يصعب تحقيقه، يتمنون أن تتخطى الزيارة 20 دقيقة حتى يتمكنوا من رؤوية ذويهم.
أما فى الأعياد:
* نحب الأجازات والأعياد.. نتمنى استمرارها لأنها فرصة لراحة البال، فى السجون يبغض المعتقلين كل الأجازت، ولا سيما الأعياد، ويتمنون أن تمضى الأيام سريعا، كى تأتى الأيام العادية، لأن الداخلية تحتفل بالمعتقلين على طريقتها، فتغلق الزنازين من يوم الوقفة إلى آخر أيام العيد، وتمنع التريض فى الممر الكئيب، فيصير الممر هذا حلماً كأنه الجنة، دعك من التصريحات الإعلامية الكاذبة ولوائح السجون التى بالطبع لا تطبقها وزارة الداخلية، فهذا هو الحال.
* أنت دائمًا تسمع أن مصلحة السجون تعلن عن زيارات استثنائية للمعتقلين بمناسبة العيد، لكن دعنى أخبرك بأن الزيارة الاستثنائية لا تتخطى عشرة دقائق، وربما يطول انتظار ذوي المعتقل من الصباح إلى المساء، بدعوى أن الأعداد كبيرة، والدخول إلى قاعة الزيارة فى وقت مبكر حسب ما ستدفعه من رشاوي، لذا تجد زيارات تجار المخدارت والسلاح أطول بكثير من زيارات السياسين، كما أنهم لا ينتظرون وقتاً طويلاً. فهناك فرق كبير بينك وبينهم.. أنت سياسى، وهم قتلة وتجار مخدرات!


*جميلة هى أصوات المساجد عندما تكبر" الله أكبر الله أكبر والله الحمد" تجعل السعادة تتسرب إلى نفوسنا، أما صلاة العيد فى الساحات، وإعطاء الهدايا للأطفال. ومشاهدة مسرحية المشاغبين وشاهد مشافش حاجة. هى أشياء ممتعة برغم أننا نفعلها كل عيد، لكن فكرة أن يتخلى ذويك عن صلاة العيد من أجل أن ينتظروا رؤيتك أمام أبواب السجون منذ الصباح ليخففون عنك بعض همومك، كفيلة بإماتتك حزنًا، فيجب أن تدفن حزنك داخلك وتبتسم.


يصلى المعتقلون صلاة العيد بين أربعة جدران، يبتسمون وفى داخلهم جرح لا نهاية له، ينظرون إلى أبواب الزنازين وهى تُفتح فى صباح العيد دقيقةً واحدة من أجل إدخال التعيين والجراية (الطعام والخبز) وربما يتحايل أحد المساجين على الحرس حتى يعلق ملابسه المغسولة خارج الزنزانة لأن الزنزانة مزدحمة، فيرضى الحرس أو لا يرضى.


ترى الحرس يتحايلون عليك كأنك سائح ويطلبون سجائر العيد أو بعض الطعام أو المشاريب التى خزنتها للضرورة (كل سنة وانت طيب يا أستاذ أحمد مفيش حاجة ولا إيه؟) وفى أصواتهم تلاحظ التحذير (مش هنفتح الزنزانة بعد العيد لو مجبتش حاجة).. تشعر بالغضب عندما ترى من يتحكمون فيك لا يفكرون إلا فى بطونهم، ولكن لا تتهور، فإن دخلت التأديب ستحرم من الزيارة شهرًا كاملًا.


عندما تنقضى صلاة العيد ينام الجميع كما الموتى، إنه الهروب من الواقع.
***
قال لى أحد رفاقي فى الزنزانة: تعرف إن العيال اللى بتغنى ورا صفاء أبو السعود فى أغنية العيد فرحة مش مصدقين إن العيد فرحة؟!


- إزاى يا فيلسوف؟!


- عشان هى بتقول العيد فرحة وهما بيقولوا (يا سلام).. يا سلام هنا زى يا سلام لما حد يكذب وانت ترد ومش مصدق (يا سلام)، وأجمل فرحة. يا سلااااااااااام.


لكن دائما هناك أشياء تلهيك عن الحزن، ما زلت أذكر صوت الرفيق "ياسين صبرى" من الزنزانة المجاورة لزنزانتى وهو يغنى (اطلق كلابك فى الشوارع. واقفل زنازينك علينا) فيتحول العنبر إلى ساحة غناء، ويصيح الحرس ليأمرونا بالسكوت، ولكن عندما يبدأ الغناء فمن يستطيع أن يجعلنا نصمت؟!

أشعار تقال، ومسرحيات صوتية، وتقليد لأصوات الحيوانات بشكل مضحك، ومبكى.

لا تقتلوا صهيب


مصر العربية



"عذاب كلمة بشعة تتكون من أربعة أحرف، وما أبشع من الكلمة إلا مذاقها، فمن تعرض للتعذيب سيعرف معني الكلمة. لجأ الإنسان للتعذيب منذ قديم الأذل وتفنن في ابتداع أبشع وأقسي الطرق لجعل الضحية تتمني الموت آلاف المرات علي أن تبقي في ذلك العذاب، فبعض الدول قد تعذب شخصاً ما عقاباً علي ارتكاب جريمة ما أو لإجباره علي الاعتراف بارتكاب جرم حتي وإن لم يرتكبه، كما قد يكون التعذيب لمقاصد أخري كتخويف الناس وارهابهم وأحياناً يكون التعذيب مجرد هواية ومتعة للبعض من مرضى النفوس والساديين".


من كتاب بوابة الجحيم للدكتور محمد عبد الوهاب.
نشرت وزراة الدفاع المصرية فيديو على موقع You Tube يحكى عن ضربة استباقية خطيرة من الأجهزة الأمنية المصرية لأحد أخطر العناصر الإرهابية الخطرة التى تهدد الاقتصاد وعجلة الإنتاج والأمن القومى، وتهدد أيضاً كوكب الكرة الأرضية والكواكب الشقيقة بما فيهم كوكب المريخ، ثم تظهر مشاهد لأسلحة لا حصر لها ومفرقعات يديوية وإليكترونية، فلم يتبق سوى الدبابات والطائرات ليعلن الأمن عن ضبط جيشاً إرهابياً، أول ما خطر ببالى عند رؤية الفيديو كان استشهاد أكثر من 70 جنديًا مصريًا على حدود البلاد فظننت أنهم نجحوا فى القبض على أبو بكر البغدادى الأمير الداعشى.
من كتاب بوابة الجحيم للدكتور محمد عبد الوهاب.
نشرت وزراة الدفاع المصرية فيديو على موقع You Tube يحكى عن ضربة استباقية خطيرة من الأجهزة الأمنية المصرية لأحد أخطر العناصر الإرهابية الخطرة التى تهدد الاقتصاد وعجلة الإنتاج والأمن القومى، وتهدد أيضاً كوكب الكرة الأرضية والكواكب الشقيقة بما فيهم كوكب المريخ، ثم تظهر مشاهد لأسلحة لا حصر لها ومفرقعات يديوية وإليكترونية، فلم يتبق سوى الدبابات والطائرات ليعلن الأمن عن ضبط جيشاً إرهابياً، أول ما خطر ببالى عند رؤية الفيديو كان استشهاد أكثر من 70 جنديًا مصريًا على حدود البلاد فظننت أنهم نجحوا فى القبض على أبو بكر البغدادى الأمير الداعشى.
لكن فوجئنا جميعا بوجوه شاحبة تظهر عليها علامات التعذيب، وتعترف اعترافات خطيرة بارتكاب جرائم قتل وتكوين خلايا إرهابية وشراء ذخائر من الأسلحة.


ظهر فى الفيديو الفتى الذى اختطفته وزارة الداخلية من الشارع يوم 1 يونيو الماضي "صهيب سعد الحداد" والذى أنكرت وزارة الداخلية احتجازه لديها، كما أنكرت احتجاز "إسراء الطويل" و "عمر على" اللذان اختطفتهما الداخلية مع صهيب فى نفس اليوم، وبعد 15 يومًا علمنا أنهم بالفعل محتجزون لدى وزارة الداخلية.


عندما رأيت "صهيب" فى الفيديو يعترف بالشروع فى القتل، ذلك الفتى الذى اعتقل من قبل لمدة عام ونص العام لاتهامه ظلماً بالانضمام إلى خلية الماريوت، والذى يذهب يوميا لقسم الشرطة لأنه تحت المراقبة تذكرت إحدى مشاركات آلاء الطويل، شقيقة إسراء الطويل على موقع Facebook، وكانت تحكي عن زيارة لصهيب فى سجن طرة، وحكت لنا كيف أن صهيب لا يستطيع أن يحرك يديه من فرط التعذيب والانتهاكات التى تعرض لها، كما أنه تعرض للصعق بالكهرباء إلى حد الإغماء.
أذكر هنا عدة نقاط لا يمكن للعقلاء تجاهلها:


1 - إن انتشار مثل هذه الفيديوهات بالاعترافات الخطيرة تُعد أدلة قاطعة على وجود تعذيب داخل السجون، فكيف يمكن لأحدهم أن يعترف بارتكاب عملاً إرهابياً بكل هذه البساطة؟! هل شعر بخطأه وندم على ما اقترفت يداه من جرائم إرهابية، فقرر التوبة بعدما نصحته وزارة الداخلية بالاعتراف؟ أم أنه عُذّب لكى يقول مالم يفعله؟! أعتقد ان الإجابة ليست صعبة.


2 - الداخلية دائما تكذب: فقد أنكرت وزارة الداخلية اختطاف صهيب وعمر وإسراء أو احتجازهم فى أماكن غير معلومة، ولكنهم ظهروا بعد 15 يوما من اختطافهم.


3 - الداخلية لم تنجح إلا فى شيء واحد وهو الفشل، فعندما يتم تفجير موكب النائب العام ثم تفجير مبنى القنصلية الإيطالية، فيكون الرد على التفجيرات الإرهابية غلق محطة أنورالسادات، ومحطة جمال عبدالناصر على سبيل التغيير، وتلفيق قضايا لشباب وبنات مثل إسراء وصهيب وعمر وتكثيف الحراسة على ميدان التحرير فهذا هو الفشل بعينه.


4 - غالبا ما يفلت المجرم الحقيقى من العقاب، وحتى لا تعلن الداخلية فشلها أمام المجتمع تحاول التغطية على هذا الفشل بتلفيق القضايا لأمثال صهيب ممن لا ذنب لهم سوى أنهم مصريون.


5- تقول الداخلية فى الفيديو أنهم نجحوا فى ضبط المتهمين من مقراتهم بعد الإذن القضائي، مع أنه من المعلوم أن صهيب وإسراء وعمر اختطفوا من الشارع، ولم يتم عرضهم على النيابة إلا بعد 15 يوما.


6 - الداخلية دائما فوق القانون. فلم نسمع عن محاسبة من عذبوا عمر، وارتضينا فقط بأن تعلن الجهات الأمنية عن مكان عمر ورفاقه. كما سمعنا عن المحامى "محمد الجمل" الذى كان يؤدي عمله بمحكمة مدينة نصر، فلم يطمئن له أحد أمناء الشرطة لأنه "يمشى بسرعة" فأطلق عليه الرصاص الحي، فصار المحامى الآن بين الحياة والموت. كما لم ننسى قتل المحامى كريم حمدي من قبل دون أدنى محاسبة قانونية.


7 - الداخلية هي الراعي الرسمي للإرهاب: فالقتل والاعتقال وتلفيق القضايا والتعذيب ليست إلا عوامل لصناعة إرهابي من الدرجة الاولى لم ينجح فى الحصول على حقه بالقانون فيحاول أن يثأر ممن اعتقله ظلما وممن عذّبه وممن أمر باستمرار حبسه وممن سكت على ظلمه خوفاً.


8 - كيف يمكن لمن يمارس الإرهاب بأن يحارب الإرهاب؟! فالاختطاف والتعذيب والقتل وبث الرعب فى نفوس الناس إرهابا تمارسه الداخلية، فكيف نصدق أن الحرب على الإرهاب وليست على الوطن؟!
إن وزارة الداخلية نجحت فى تطبيق مقولة ميكيافيلى: "من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك".


فعندما ترى مصفحات الشرطة منتشرة فى شتى بقاع المحروسة معلنة عن وجودها بتشغيل جهاز الإنذار بلا داع سوى التخويف والمنظرة على خلق الله، وعندما تضع قدمك على أبواب محطات مترو الأنفاق فتحبس أنفاسك من الرعب لانتشار الأجهزة الحديثة لكشف المفرقعات والكلاب البوليسية والتفتيش الذاتي لكل من يحمل حقيبة، وانتشار العساكر هنا وهناك، وتفتيش الهاتف الخاص بأحد الشباب، وعندما ترى رجال الشرطة المتخفيين بزيهم المدنى يراقبون كل شئ لدرجة الإحساس بأنك تعيش فى رواية 1984 لجورج أورويل. ينتابك شعور بالخوف والبغض والغضب. إنهم غير قادرون إلا على تخويفنا وبث الرعب فينا نحن المسالمين، ينتقمون منا لأنهم لا يتسطيعون الانتقام من العدو الحقيقي، لا يقدرون على محاربة من يحملون السلاح فيقمعون من يحمل الأفكار.


آلة القمع اشتدت ووصلت مداها، ولكنها لن تدوم.

إحنا شعبين





ينظر الباشا فى هاتفه ثم ينفخ بملل، يفتح التلفاز ثم يغلقه، يرفع هاتفه مرة أخرى:


أيوة يا سعد. هو مفيش حد اتقبض عليه النهاردة ولا إيه؟!. أصل أنا زهقان شوية وعايز أسلّى نفسى. طيب فكرة حلوة. مع السلامة.
يغلق الهاتف وينظر إلى العصا الكهربائية ثم يأمر بإحضار أحد المساجين، ليمارس هوايته المفضلة ويضع العصا الكهربائية فى مؤخرته.
أيوة يا سعد. كانت فكرة منيلة. خصموا منى شهر عشان كهربت الواد فى.... ضهره. ده ظلم والله مش أول مرة يخصموا منى. اتخصم منى شهرين قبل كده عشان لفقت لواحدة قضية آداب. هو مفيش غيرى؟! دى الوزارة كلها بتعمل كدة!
(2)

اسمه محمود محمد، يبلغ من العمر 18 عامًا، ولكنه يفكر كما الإنسان. له رفاق صغار عذبتهم الشرطة، لم يضع عصا كهربائية فى مؤخرة من عذبوا رفاقه. ولم يعتد على أقسام الشرطة. ولكنه فى 25 يناير 2014 ارتدى تيشيرت مكتوب عليه (وطن بلا تعذيب). ولكن كيف يجروء على ذلك؟! إنها وقاحة. كيف تطالب بوقف التعذيب يا خائن يا عميل؟! ولأنه حاول أن يفسد على الباشوات هوايتهم المفضلة فاعتقلوه. يقضى الآن 18 شهرًا على ذمة التحقيق. لأن إخوتنا فى النيابة مازالوا يدرسون مدى خطورة كلمة (وطن بلا تعذيب) على مجتمع الباشاوات.
(3)

يجلس أحمد موسى على الكرسى المريح ببدلته التى يكفى سعرها لزواج شاب وفتاة من أبناء الشعب. يتهم من لا يقدر على شراء شقة للزواج بالعمالة والخيانة والتمويل. ثم  يظهر على الهواء يسب هذا ويلعن أبو اللى جاب هذا، يطالب بإعدام فلان واعتقال عِلّان، وعندما يقرر أحد المتضررين رفع قضيه عليه فيحكم على أحمد موسى بالسجن عامان، ولكنه يسافر مع السيسى إلى ألمانيا بكل سهولة ويعود ليحكم له قضائنا الشامخ ببرائته. فيظهر من جديد ليكمل ما بدأه من سب وردح وتحريض.
(4)

أثناء فض رابعة العدوية تناشد الشرطة المصورين الصحفيين بتغطية أحداث الفض. فيستجيب المصور الصحفى محمود أبو زيد شوكان. ولكنه تناسى أنه لا يملك سوى جنسيته المصرية. يتم اعتقاله هو وصحفيين بريطانيين. فتفرج الداخلية عن الأجانب فى نفس اليوم ويستمر شوكان فى السجن ليقضى ما يقرب من 700 يومًا على زمة الحبس الاحتياطى. (زيه زى أحمد موسى بالظبط)!
(5)

هوايته قنص العيون. حتى أن أحد جنوده أثنى عليه بعدما فقأ عين أحد المتظاهرين فى شارع محمد محمود. يقف أمام القضاء كأى مواطن بسيط غلبان ثم يحكم عليه بالسجن 3 سنوات. فيتقدم بنقض على الحكم ويحصل على البراءة. فيعود لعمله من جديد لأنه لم يفعل شيئًا سوى قنص العيون (بسيطة يعنى) ثم يتعاطف معه المستشار محمد ناجى شحاتة لأنه كما تعلمون تغلب عليه إنسانيته بل ويدافع عنه كما يدافع عن جميع المتهمين ويقول (ده ضابط غلبان ميقصدش إن الطلقة تيجى فى عيون المتظاهرين. كان بيفرقهم بس).
(6)

فقد بصره أثناء مشاركته في جمعة الغضب، اسمه محمد دومة، خرج فى ذكرى الثورة ليشارك فى إحيائها، فإذا بالأمن يعتقله ويتم التحقيق معه أمام ضباط أمن الدولة وهو معصوب العينين اللتان فقداهما فى الثورة، ويتهموه بقطع الطريق والاعتداء على الشرطة وتكدير السلم العام. فلا فرق بين محمد دومة وقناص العيون. القانون يتطبق على الجميع(هو أحسن من الباشا فى إيه؟!).

(7)

أعلم أن هناك عددًا لا بأس به يسبنى الآن بأبى وأمى وعائلتى، فكما تقول الكاتبة إليف شافاق (هكذا هى الحياة، عندما تخبر أحدهم الحقيقة يكرهك) ولكن اسمح لى يا عزيزي أن أجعلك تكرهنى أكثر، وأذكرك بالصورة التى نشرتها الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية والتى توضح الفرق بين طعام الباشاوت والعساكر.


دعك من أن اللحوم والخيرات التى لا حصر لها وضعت أمام الضباط ليأكلوها، وبأن العساكر اكتفت بأن تشم رائحة اللحوم دون أكلها، وأنظر إلى الكراسي التى يجلس عليها الضباط، والكراسى التى يجلس عليها العساكر.


دعك من الكراسى. لماذا يجلس الباشوات على مائدة والعساكر على مائدة أخرى مع أن الداخلية كتبت فوق الصورة (قام السيد اللواء / مدير أمن بورسعيد بتناول وجبة الإفطار مع أبنائه المجندين بإدارة قوات الأمن)؟! فهل يجلس الأب على مائدة والابن على مائدة أخرى؟! وهل يأكل الأب من طعام ويحرم أبنائه منه؟!
هل تعلم أن الداخلية تسمح بدخول التلفاز والراديو والجرائد والمجلات للمساجين الجنائيين وتمعنهم عن المعتقلين فى قضايا تظاهر؟!
بلاش دى، فى ظل الوضع الحالي ربما يرتكب أحدهم جريمة قتل ويحكم عليه بالسجن، ولكن تبقى له فرصة النقض والحصول على البراءة. بينما هناك من يقوده حظه إلى أن يسير بجوار مظاهرة فيحكم عليه 15 عامًا، ولا يسمح له بالنقض بناء على قانون مكافحة الإرهاب الجديد!
أعلم أنك ما زلت تسبنى :)