يعمل إيه الحنطور في وطن ضايع؟ (1 - 2)


سوشيال ميديا


فاجأنا السيسي كعادته بحل للمشاكل التي تراكمت على البلاد، فركب الحنطور، وتجول في شوارع أسوان، ليصافح رجال الأمن والمخبرين باعتبار أنهم مواطنين.

الحل لدى السيسي بسيط للغاية، ومن يضع الخطط عبقري ويستحق أن يكون مخرجًا للأفلام القديمة، الخطة واحدة لا تتغير، كلما ازداد الفشل كلما ركب الرئيس أي شئ، دراجة، طائرة، سفينة، حنطور؛ وقريبًا توكتوك.

يحاول السيسي محاولات يائسة في إثبات مدى اهتمامه بالشباب، لذا يجتمع شهريًا بنفس الشباب الذين اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية فائقة، ولا يختلف كل اجتماع عن الذي قبله إلا في المكان وملابس الحضور!

 
فاجأنا السيسي كعادته بحل للمشاكل التي تراكمت على البلاد، فركب الحنطور، وتجول في شوارع أسوان، ليصافح رجال الأمن والمخبرين باعتبار أنهم مواطنين!
 


هل تذكرون هذا الشاب الجريء الذي قال للسيسي أنه لم ينتخبه وانتخب حمدين صباحي؟ إنه شاب دائم الحضور في مؤتمرات الشباب، وستجدونه في الحكومة يومًا ما، لو استمر الوضع كما هو عليه، لأنه يؤدي دوره ببراعة (أنا انتخبت حمدين ومع ذلك مسموح لي بالوجود في مؤتمر للرئيس) صوت تصفيق حاد في الخلفية!

رغم أن السيسي كان جالسًا بين من اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية، ورغم أن الرسالة التي كان يريد إيصالها للرأي العام، أنه واحد من الناس، ورغم أن الهدف من مشاهدة المباراة هو أن يقول الناس من غير أصحاب العقول "انظروا إنه يجلس وسطهم عادي ليشاهد مبارة مصر وغانا عادي؛ بارك الله في تواضعه؛ أخذ الله من عمرنا وأعطاه حتى يظل متبسمًا هكذا" ولا يعلم كيف تشكلت هذه العقول إلا الله، وقوات الأمن. فهناك أشخاص يعتقدون أن الرئيس يجب أن يطير وإن لم يفعل فهو متواضع وسبحان الله!

ومن ينبهرون بأنه يشاهد مباراة كرة قدم مثل باقي الخلق، لن يلتفتوا بالطبع إلى أن الصف الثاني كان من رجال الأمن، وأن القهوجي من رجال الأمن، وربما التلفاز نفسه مخبرًا في جهاز الأمن الوطني، وأن من كان بجوار السيسي يمينًا ويسارًا ليس بني أدم، ولكن الرجل فضّل الجلوس بجوار ترابيزة على اليمين، وأخرى على اليسار، وواحدة أمامه، حتى لا يختلط بشباب الأمن المختارين بعناية.

ويبقى لأصحاب العقول السليمة (فقط) أن يسألوا بعد أن شاهد السيسي المباراة، وبعد أن ركب الحنطور: يعمل ايه الحنطور في وطن ضايع؟

***
"الهدف من لقائنا كل شهر مواجهة أهل الشر".
لم تكن هذه المقولة مكتوبة على توكتوك في حي السيدة، أو ميكروباص على خط بولاق الدكرور، لكنها مقولة قالها السيسي في حواره الذي تنقله صحافة العالم، فتجعلنا مسخرة الأمم، بل وأكد عليها أدمن الصفحة الرسمية للسيسي على "فيسبوك" وأعاد كتابتها ولحقها بهاشتاج #ابدع_انطلق.

بعيدًا عن انعدام الإبداع لدى النظام بكل أركانه؛ من هم أهل الشر الذين يذكرهم السيسي في كل خطاباته وجعلهم شماعة لفشل نظامه في إدارة البلاد؟!

السيسي يؤمن إيمانًا كاملًا  بأن كل يعارضه يعد من أهل الشهر، ظهر هذا المعتقد بشكل جيد عندما حاول أحد الشباب التحدث فأمره السيسي بالصمت وأن يسمع كلامه فقط. إنه يؤمن أنه إيمانًا راسخًا بأنه المخلّص والمنقذ، حتى لو كان لا يعلم ماذا سيفعل في الغد.

السيسي يؤمن أن كل من كتب كلمة ناقدة وكل من شارك في ثورة يناير هم أهل الشر، ولعل قائمة الإرهاب التي تم الإعلان عنها تدل على ذلك، فقد تضمنت القائمة أسماء صحفيين ومعارضين وشباب ثورة لم يكونوا يومًا مع استخدام العنف، فبعيدًا عن أن القائمة تضمنت اللاعب الدولي محمد أبو تريكة، الذي لو ترشح لانتخابات الرئاسة لانتخبته الجماهير حتى لو كان لا دراية له بأمور الحكم، فقد تضمنت القائمة شباب ثورة يشهد التاريخ لهم بالنقاء ووضع الحلول السياسية للخروج من الأزمات، ولم يكونوا يومًا مع العنف، فوجنا إسلام لطفي أحد مؤسسي حزب التيار المصري وعضو ائتلاف شباب الثورة، كما تضمنت القائمة محمد القصاص وأحمد عبد الجواد من أعضاء حزب مصر القوية. وتضمنت السجين السياسي هشام جعفر، الصحفي والباحث والأكاديمي، ولعله من العبث أن يتهم هذا الرجل بتهمة الإرهاب، فجعفر قد عمل على إدارة حوار بين ما يزيد عن 10 أحزاب مصرية وشخصيات عامة تضم كل الاتجاهات والخلفيات السياسية، سواء المعارضة أو المقربة من السلطة، للخروج من ازمة الاستقطاب التي سيطرت على البلاد، والأغرب من كل هذا أن الرجل مسجون بسبب وثيقة قدمها للحكومة من أجل تقوية المسار الديمقراطي وتوسعة المجال السياسي.

فهؤلاء مثال لأهل الشر الذين يتحدث عنهم السيسي! ونحن لا ندري عن أي شر يتحدث، وقد تحالف نظامه مع قوى الشر الحقيقية، فزيارة وزير الخارجية سامح شكري لإسرائيل ولقائه برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسفره لإسرائيل من أجل العزاء في شيمون بيريز، ليس إلا دعمًا لقوى الشر!

إن قوى الشر هي التي تساعد على الاستيطان، ولعل حكومة السيسي عندما سحبت مشروع قرار قدمته إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت تنوي شرًا وتستحق اللقب الذي يصر على ترديده في خطاباته "قوى الشر".

***
يتراجع السيسي عن وعوده الوهمية بأن مصر ستصير جنة في عهده، ونار في عهد من سواه، ويقول "كل اللي أقدر أقدمه للمصريين إخلاص وأمانة وشرف وبس"
وهكذا انتهى بنا الحال، من مصر هتبقى أد الدنيا وستحيا 3 مرات، إلى أنه لن يستطيع أن يقدم شيئًا سوى إخلاص وأمانة وشرف. إخلاص في القضاء على الطبقة الوسطى، أمانة في عدم الوفاء بالوعود، شرف الكلمة التي قالها لملك السعودية بأنه سيسلمه تيران وصنافير مهما كانت أحكام القضاء.

***
أكد السيسي على أن الشباب يمثلون أكثر من 60% من سكان مصر وأنهم من يصنعون المستقبل.. لكن ماذا بعد التأكيد؟

بعد انتهاء السيسي من هذه الكلمات غير البراقة والمعتادة، وقبل آذان الفجر اقتحمت قوات الأمن منازل بعض شباب الألتراس ودمرت محتويات منازلهم وقبضت على من تواجد في المنزل؛ لماذا؟ لا شئ سوى أن قوات الأمن تخشى من أن محاولات ألتراس أهلاوي إحياء ذكرى مذبحة بورسعيد في 1 فبراير المقبل. فكل شئ في هذا الوطن قد صار تحسبًا ليس إلا. "اعتقال 16 شابًا تحسبًا لإحياء ذكرى 25 يناير، اقتحام منازل نشطاء تحسبًا لإحياء ذكرى محمد محمود، تصفية قيادات إخوانية تحسبًا لاحياء ذكرى رابعة".

يعلم السيسي أن الشباب هو المستقبل، لكنه ما زال يصر على محوه من الوجود وعلى أن تكون فئة كبيرة منهم قابعة بين جدران السجون فقد وصلت أعداد المعتقلين السياسيين نحو 60 ألف سجين سياسي أغلبهم من الشباب حسب تقدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

 
يحاول السيسي محاولات يائسة في إثبات مدى اهتمامه بالشباب، لذا يجتمع شهريًا بنفس الشباب الذين اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية فائقة، ولا يختلف كل اجتماع عن الذي قبله إلا في المكان وملابس الحضور!
 


***
عاتب السيسي أهل الشر قائلًا "قطاع السياحة لو مستقر كان يكفي مصر، ومكناش هنحتاج من الدولة تقوم تعمل حاجة، لإن المستثمرين كانوا هيعملوا كل حاجة"
وكأن الدولة الآن تقوم بكل حاجة كما ينبغي أن تفعل، وكأن قوى الشر الوهمية هي السبب في اضمحلال السياحة. وكأننا لو أقسمنا للرجل بأن الدولة هي السبب الأكبر بل والرئيسي في فشل السياحة لن يصدق؛ فهل يظن أن الإيطاليين سيموتون في غرام مصر ونيلها بعد تعذيب ريجيني ومقتله؟ وأن الروس سيتوافدون على مطار القاهرة بعد تفجير طائرة روسية لهم في سماء مصر، وأن المكسيكون يتمنون قضاء عطلة سعيدة في مصر بعد أن اخترق رصاص الأمن أجساد أبنائهم في مصر بشكل عشوائي للاشتباه فيهم؟ وأن قمع مظاهرات سلمية كالتظاهرات التي نظمتها القوى المدنية اعتراضًا على بيع تيران وصنافير سيعطي انطباعًا جيدًا لدى السياح عن مصر؟!

لم يعد من المعقول أن يدعي دعاة الاستقرار في القاع، أن السبب في تراجع السياحة هي ثورة يناير أو المظاهرات فقد تراجعت الثورة إلى الخلف، وتوقفت التظاهرات وسُجن الثوار، وتمكنت الدولة من نشر الخوف في كل ركن في البلاد، ولكن السياحة تراجعت أكثر، حتى أن  آخر تقرير صادر عن وزارة السياحه، أظهر وصول خسائر القطاع نحو 70%. فأسطورة أن الثورة هي السبب في أي خراب باطلة.

وللحديث بقية..

فيتامينات قصصية.. المجانين الهاربون

لقطة من فيلم "البحث عن فضيحة"


أذاع الراديو الخبر التالي..
"السادة المستمعون، وصلتنا أخبار تفيد بأن عشرات المجانين هربوا من مستشفى المجانين، وباءت محاولات قوات الجيش والشرطة في القبض عليهم بالفشل، وأن المجانين الهاربون من أخطر المجانين، وسنوافيكم بالتفاصيل".
ظن الناس أنها دعاية لإحدى المنظفات، وأن الإذاعة ستعلن المفاجأة الجميلة في النشرة المقبلة.
لكننا سمعنا المذيع يقول:
"ألو،، ألو،، السادة المستمعون:  نأسف لقطع الموسيقى، فقد نجح أكثر من ثلاثمائة مجنون في الهروب المستشفى بعد اشتباكات ومناوشات مع الأمن، وتم تحطيم باب المستشفى، وحاول رجال الإطفاء رش المجانين بالمياه، فرد المجانين بأن بصقوا على وجوههم وتبولوا على أجسادهم"
وفي خبر ثالث:
"قوات الجيش والشرطة قد حوصرت من المجانين"
تمكن الرعب من الجماهير، ولكنهم ما زالوا يظنون أنها دعاية سخيفة، حتى جاء الخبر اليقين في منتصف الليل، وأذاع الراديو:
"لقد فر نصف المجانين ولا يستطيع أحدهم التفرقة بين المجانين والعقلاء، حتى أن قوات الأمن ألقت القبض على رئيسها ووضعوه في مستشفى الأمراض العقلية، كما أدخلوا معه مدير المستشفى ورئيس البلدية، واكتشفوا الخطأ لاحقًا".
ظلت الشرطة تعتقل بشكل عشوائي وتضع المواطنين في مشفى المجانين، حتى امتلأت بالعقلاء، ولم يبقى بها مجنون واحد.
وقبل أن يرحل المجانين عينوا مديرًا جديدًا عاقلًا للمستشفى ومساعدًا له، ومديرًا لأمن المستشفى، فلم يسمح المدير الجديد بمساعدة الأمن لأحد بالدخول أو الخروج من المشفى. وفي أول حوار صحفي مع  المدير الجديد؛ سأله الصحفي:
- هل تعرف أن المحتجزين في المستشفى عقلاء؟
- نعم
- من الذي عينك مديرًا؟
- المجانين؟
- ولماذا لا تخلي سبيل العقلاء؟
- الوظيفة هي الوظيفة.
أما مدير أمن المستشفى فطلب من الصحفي ألا ينشر ما سيقوله له، وقال:
- أعلم أن من بالداخل عقلاء، وأن من عينني هم المجانين، ولكني لن أفرج عنهم حتى لا يدخلني المجانين مع العقلاء.
أذاع الراديو أخبارًا تفيد بأن المجانين قد سيطروا على كل المؤسسات الحكومية، والغريب أن المجانين كانوا يضعون مديرًا عاقلًا لكل مؤسسة يسيطرون عليها، كما لم يغيروا مدير الأمن والمخابرات والنائب العام.
وأعلن أحد الجنرالات للصحف أن قوات العقلاء قد هزمت لأنها تقاوم مجانين لا يعرفون الخطط والقوانين، ولا حسابات لديهم، وأننا ندرس تصرفاتهم حتى نقاومهم بكل عقل.
لكن الجنرال انضم لصفوف المجانين عندما شعر بقوتهم.
تحولت الصحف الحكومية وبدأت تكتب لصالح المجانين، وبدأت تنشر مقالات وتقارير تمجد في الجنون، وتلعن في العقل والعقلاء.
وقبض المجانين على كل المسئولين العقلاء، وأدخلوهم مستشفى المجانين.
وأذاعوا بيانًا في الإذاعة ملخصه:
"السادة العقلاء، عاش المجانين، عاش المجانين".
انضم من لم يُقبض عليه من الموظفين العقلاء إلى صفوف المجانين، وكانوا ينسبون أعمالهم إلى الجنون والمجانين حتى لا يدخلوا المستشفى مع العقلاء، واجتمع عدد غير من البشر في الساحات وبدأوا يهتفون:
- عاش المجانين عاش الجنون.
وبدأ العقلاء يقومون بأعمال جنونية فيمشون  على أيديهم، ويزحفون على الأرض، ويرقصون في كل مكان حتى لا يثيروا الشكوك بأنهم عقلاء.
وبدأ كل من له خلاف مع جاره بالإبلاغ عنه واتهامه بأنه عاقل.

***
في أول مؤتمر للمجانين، صاح أحدهم:
- الدستوووور.
ردد الجميع.
- الدستووووور قبل كل شئ.
وقال مجنون اقتراحه:
- هربنا من المستشفى لأن عمل العقلاء لا يعجبنا، وعلينا أن نخرب كل شئ فعله العقلاء.
وافق الجميع فورًا:
- علينا أن نخرب كل شئ، وأن نفعل عكس ما يفعله العقلاء.
- إذًا، فلتكن المادة الأولى "المجانين سيخربون كل ما فعله العقلاء، وسيفعلون عكسه".
وافق الجميع، وصاح أحدهم:
- لتكن المادة الثانية نفسة المادة الأولى.
فوافق الجميع بكل حماس.
وقال آخر:
- لتكن المادة الثالثة وكل مواد الدستور نفس المادة الأولى.
فوافق المجانين من دون تردد، وأعلنوا دستور البلاد الجديد للعامة.

***
أراد المجانين اختيار رئيسًا للبلاد، فذهبوا إلى المستشفى وقالوا للعقلاء:
- سنختار من بينكم رئيسًا فمن يريد؟
رفع الجميع يده، ومنهم من رفع يديه وقدميه.
قال مجنون لرفاقه المجانين:
- العقلاء كما ترون يريدون أن يصيروا كلهم رؤساء، فمن منكم يريد أن يكون رئيس؟
لم يرفع مجنون واحد يده.
فسأل المجنون المتحدث أحد العقلاء:
- لماذا تريد أن تصير رئيسًا؟!
- أنا الوحيد القادر على ذلك.
قال أحدهم:
- إنه حقير، أن الأولى.
تعالت الأصوات:
- الإثنين جهلاء.
- اجعلوني رئيسًا.
نظر المجنون للمجانين وسأل أحدهم:
- هل تريد أن تكون رئيسًا؟
- لا، لأني أعتقد أن من بين أخوتي المجانين من أهم أكثر كفاءة.
تعجب العقلاء وضحكوا، وكاد أحدهم أن يبكي وهو يتوسل للمجنون:
- اجعلني رئيسًا لوجه لله، أتمنى الموت لو لم تفعل.
سأل المجنون أحد العقلاء:
- لماذا تريد الرئاسة؟
- لأنني موظف سابق ولدي خبرة.

التفت المجنون لأحد زملائه المجانين وسأله:
- لماذا لا تريد الرئاسة؟
- لأنني موظف سابق وأعلم أن الرئاسة تحتاج لجهد وعمل وليست لدي قدرة على ذلك.
سأل المجنون عاقلًا آخر فقال:
- لأني شاب، والبلد لا ينهض إلا على أكتاف الشباب.
ونظر إلى مجنون وسأله فقال:
- لأني شاب وليست لدي الخبرة.
قال المجنون للعقلاء ها أنتم ترون لا أحد من المجانين يريد الرئاسة وأشار نحو أحدهم وقال:
- ليكن هذا العاقل رئيسًا.
غضب العقلاء:
- إنه وسخ.
- إنه حقير
- إنه سافل.
قال المجنون لأحد المجانين:-  سنجعلك رئيسًا.
صرخ المجانين:
- نعم ليبقى رئيس.
- إنه متعلم.
- لديه كرامة.
رد المجنون:
- سأتحمل ذلك لأنكم أجمعتم على اختياري، لكني أريد مساعدتكم، ولو أخطأت أرشدوني إلى الصواب.
***
وهكذا لم يرشح أحد المجانين نفسه، وشُكلت الحكومة بصعوبة لأن الجميع كان يرفض المناصب، وصار المجانين يفعلون عكس ما كان يفعله العقلاء، كما أمر الدستور.
كتب أحد العقلاء كتابًا عنوانه "أعقل إنسان عرفته في تاريخ البشرية" ليمدح رئيسه الجديد.
فسأل الرئيس المجنون من حوله:
-  ماذا كان يفعل العاقل الذي قبلي لو مدحه الكتّاب:
- يمطرهم بالهدايا، ويكرمهم، ويحقق لهم الأرباح.
فجمع الشعب في الساحات وقال للكاتب المنافق:
- أيها العاقل، لقد قرأت كتابك الذي تمدحني فيه، وأشكرك كثيرًا، وقد علمت أن العقلاء كانوا يكرمون أمثالك، وبما أنني مجنون وأفعل عكس ما يفعله العقلاء. سأضربك علنا أمام جمهورك، حتى يعود الحمار من الماء! وهجم المجانين على الكاتب الذي مدح الرئيس وضربوه حتى أغشى عليه.
في يوم ذهب وزير الرياضة إلى مباراة كرة قدم، وأخبره الحكم أنه يجب تقوية أجسام الشباب ليرفعون شأن البلد.
قال:
- ولكني لا أرى سوى 22 شابًا، ماذا عن الـ60 ألفًا الذين يشاهدوا المباراة؟
ونظر إلى أحد المشاهدين الذي انتفخ جسده وقال:
- أرى جسدك رشيقًا.
وقال لرجل ضعيف:
- أرى الرياضة قد نفعتك.
وأعطى أمرًا للمشاهدين بالنزول إلى الملعب ليلعبوا كرة القدم حتى سقطوا على الأرض من شدة التعب.
وفي يوم ذهب أحد الوزراء لاجتماع فصفق الحضور، واندهش الوزير وسألهم عن سر التصفيق؟!
- لأنكم حضرتم يا أفندم.
- أنا حضرت على قدمي مثلكم ولم أكن طائرًا كالعصفور.
وفرض عليهم عقوبة التصفيق 24 ساعة كاملة.
ذات يوم ذهب أحد المجانين إلى ملهى ليلي، ووجد فتاة عارية ترقص فسأل المشاهدين:
- ماذا تشاهدون؟
- فتاة عارية.
- هل جئتم إلى هنا لهذا السبب؟
- نعم
- كم دفعتم من أجل ذلك؟
وكان منهم من دفع خمسين، ومن دفع مائة، ومن دفع خمسمائة.
تعجب المجنون وسأل العقلاء:
- هل هذا الجسد مميز عن باقي أجساد الفتيات؟ أم أنها ستخرج أرنبا من بين قدميها؟ أليس عيبًا ما تفعلوه.
- لا يا أفندم ليس عيب، الجسد العاري يسبب لنا هيجانًا ممتعًا.
قال المجنون:
- فهمت، أنتم على حق، وأنا آمركم جميعًا بأن تحضروا زوجاتكم وبناتكم إلى هنا، كي يتعرين ويتمايلن على الموسيقى، حتى ترتفع نسبة الهيجان الممتعة وتعم الفائدة.
ولما تحايل عليه الجميع وكادوا أن يبكوا كي لا يفعل، أمرهم بخلع ثيابهم وأن يصعدوا على المنصة  ويرقصوا عراة على أنغام الموسيقى.
وفي يوم اجتمع المجانين ليبحثوا عن أي شئ فعله العقلاء كي يخربوه فوجدوا أنهم خربوا كل ما فعله العقلاء، وقرروا العودة إلى مستشفى المجانين بعدما أدوا مهمهتم.
لما علم الناس بكوا وظلوا يتوسلون للمجانين:
- لا تتركونا للعقلاء.
- أليس في قلوبكم رحمة؟
لم يستجب المجانين للضغوطات، ورجعوا إلى المستشفى، وعاد العقلاء للحكم، وبدأوا في إصلاح ما خربه المجانين،  ولم يحدث هذا بسهولة، لأن الشئ الذي يخربه المجنون يصلحه العاقل في أربعين عامًا.
والآن بقيت هناك بعض الأعمال الحسنة في المدينة، هي ثمرة من كانوا يحسبونهم مجانين.
القصة  بتصرف لـ"عزيز نيسين" رحمه الله، وعنوانها "المجانين الهاربون".

صُباع خالد علي.. وشيء آخر !


GETTY IMAGES


دافع المتهمون بالعمالة عن أرض مصرية، واستطاعوا إثبات ما لا يمكن إنكاره، أن تيران وصنافير مصريتان. وصرنا ننتظر محاكمة النظام الحالي بتهمة بث أخبار كاذبة بعد أن أكد مجلس الدولة في حكم نهائي على مصرية الجزيرتين، وإن لم يكن، فعلى النظام محاكمة مجلس الدولة لإشاعتهم أحكامًا تنفي الرواية الرسمية، كما فعلت أجهزة النظام مع كل من تظاهر دفاعًا عن الأرض.

ننتظر أيضًا محاكمة من تنازل عن الأرض من دون وجود وثيقة واحدة تثبت سعودية الجزيرتين بتهمة الخيانة العظمى، فليس بعد التنازل عن جزء من الوطن خيانة أعظم؛ وطبقًا للمادة 77 من قانون العقوبات المصري "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدًا فعلًا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها"،  وفي نفس المادة "يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية في شأن من شئون الدولة فتعمد إجرائها ضد مصلحتها".

كما أن على الدولة استرداد كفالات مجموعها ٤ مليون و٧٠٠ ألف جنيه، حصلت عليها للإفراج عن 47 من متظاهري تيران وصنافير، ممن اختاروا السجن بديلًا للصمت، كي لا تباع أرض مصرية؛ بل على الدولة تعويضهم ماديًا.
وبات لزامًا على النيابة العامة إيقاف المحاكمة الهزلية لمن ما زالوا يحاكمون لأنهم تظاهروا دفاعًا عن الأرض، ولمن ما زالت تُنفّذ عليهم مراقبة أمنية داخل أقسام الشرطة تحت مسمى التدابير الاحترازية. فالتدابير الاحترازية لمن باع، لا لمن رفض البيع.

***
بعد أن حكمت المحكمة بحكمها التاريخي، وبغض النظر عن ما سيحدث من النظام مستقبلًا وعن الخطوات التي سيتخذها لمحاولة إرضاء السعودية بأي ثمن، خرج المحامي خالد علي من المحكمة ليهتف ويعلن عن انتصاره هو ورفاقه من كتيبة المدافعين عن الأرض وعن حقوق الإنسان، الذين تتهمهم أغلب وسائل الإعلام المحسوبة على النظام بالعمالة وتتعمد تشويههم، حتى لا يقبلهم الشعب؛ وبشكل لا إرادي أشار خالد علي بإصبعه الأوسط؛ ربما كانت إشارته لا إرادية لكنها صادقة، ففي لحظات الانفعال أو الغضب، أي كلمة تُقال أو فعل يحدث، يكون نابعًا من أعماق الإنسان وصادقًا بشكل كبير؛ لذا أؤمن بأن عبد الفتاح السيسي عندما ينفعل يخرج ما بداخله فعلًا "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟ ميصحش كده، أنا عايز الفكة، احنا في شبه دولة، مفيش".

لوّح خالد علي بإصبعه لمن باع الأرض، ولمن قال أن تيران وصنافير سعوديتان إما دفاعًا عن النظام أو نفاقًا لملك السعودية، ربما لوّح أيضًا لمن كان ينتظر أن تحكم المحكمة بسعودية الجزيرتين فيطلق الغاز المسيل للدموع على المحتشدين أمام مجلس الدولة ويمارس هواية القمع ويزج بهم في السجن إلى وقت لا يعلمه إلا الله.

 لا أدري لمن لوّح تحديدًا، لكن على كل حال هناك من يستحق هذا التلويح الوسطي الجميل، إما مخبر بدرجة إعلامي، أو إعلامي لا يجيد غير النفاق للحكام ويجيد النفاق لمن ينافق للحكام، أو سياسي لديه القدرة على تغيير المواقف كما يغير حيوان الحرباء الزاحف لون جلده بسهولة للهروب من الأعداء.

 ***
جائزة قدرها مليون جنيه، أعلن عنها الإع..لامي أحمد موسى لمن يجد وثيقة تاريخية تثبت تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر، لكن الحكومة لم تجد وثيقة واحدة تثبت تبعيتهما للسعودية.

انتظر الجميع موسى ليسمع تعليقه بعد الحكم، وهل سيوفي بوعده كما يفعل الرجال ويدفع المليون جنيه لمن أثبت مصرية الجزيرتين بالمستندات التي من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر "خريطة مصر الصاردة سنة 1912 وموضّح فيها أسماء الجزر المصرية وضمنها تيران وصنافير؛ وإنشاء سجل مدنى مصري لجزيرة تيران؛ وكتاب وزارة المالية سنة 1945 باسم مسح لمصر، والذي ذكر اسم جزيرة تيران فى صفحة 46؛ وقرار وزير الزراعة في 1982 بحظر صيد الطيور والحيوانات في منطقة جزيرة تيران؛ وقرار وزير الداخلية في 1982 بإنشاء نقطة شرطة مستديمة في جزيرة تيران تابعة لقسم شرطة سانت كاترين؛ كما لم يثبت في أي وثيقة رسمية ممارسة السعودية لأى من أعمال السيادة على الجزيرتين قبل أو منذ إعلان المملكة سنة 1932م حتى وقتنا الحالي؛ بالإضافة إلى الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية الذي طبع في عام 2000 ولم يشمل جزيرتى تيران وصنافير ضمن الجزر التابعة للسعودية".

لكن موسى لم يفعل، ولم يعلن الفائز بالجائزة، واهتم بـ"إصبع خالد علي" الذي لوَح به لمن باع الأرض، ورغم أن التلويح لم يكن متعمدًا، إلا أن موسى قرر أن يمثل دور الشخص المحترم المثالي الواعظ ليقول لخالد علي "لا يليق بك أن تفعل ذلك، عيب، بترفع صباعك لمين؟".

وكل ما في الأمر أن من رفع الإصبع هو "خالد علي" وأن موسى على رأسه بطحة. فماذا لو كان التلويح قد صدر من مرتضى منصور في إحدى حلقات الإع.. لامي موسى، وماذا لو خلع بكري سرواله على الهواء لكل من قال أن الجزر مصرية؛ هل سيملي عليهم موسى عظاته؟ وماذا عن إذاعة أسرار الناس الخاصة ونشر صورًا ومكالمات على الهواء بالمخالفة لمواد الدستور والقانون؟ أليس هذا العيب بعينه، أم أن العيب لو صدر من أهل العيب لا يبقى عيبًا؟!
وجّه موسى لخالد علي رسالة قال فيها "لو دكر يا خالد قولي صباعك ده رافعه لمين؟" فما زال مُصرًا على أن هذا الصباع قد رفع لمن هم مثله، ويصر على إثبات أنه طُبع بطبائع الرجعية التي تعتقد أن الشجاعة مقتصرة على الذكور فقط، وكأن النساء لم يكن لديهن شجاعة ليقولوا الحق. فالحق لا يفرق بين ذكر أو أنثى.

يكمل موسى زوبعته الوهمية، ويبلغ كل من دافع عن الأرض وعلى رأسهم خالد علي أنه "لولا السيسي كان زمانكم مستخبيين تحت السراير لما كان الإرهابيين هيجيبوكم من رقابكم، وأن السيسي هو من أنقذ مصر وحماها".

وفي الحقيقة، لا أصدق أنني أكتب ردودًا بديهية على ما يقوله موسى، لكن الواقع أن هناك من يسلم عقله له، وموسى يراهن على هؤلاء، فأي إرهاب قد أنقذنا منه السيسي بعد كل هذه العمليات الإرهابية التي انتشرت في البلاد، ففي الربع الأول من عام 2016 شهدت مصر 211 هجومًا إرهابيا، وفي الربع الثاني من نفس العام 228 هجومًا إرهابيًا حسب تقرير أصدره معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. هذا بالإضافة إلى أن الإرهاب المنتشر لا يقتصر على إرهاب الجماعات، فهناك إرهاب دولة ولمن أراد معرفته فليطلع على إحصائيات حقوق الإنسان من بعد 3 يوليو 2013 حتى وقتنا الحالي.

أخيرًا هدد موسى المصريين في أرزاقهم إن سمعوا كلام العملاء الخونة الذين دافعوا عن أراضي سالت عليها دماء مصرية قائلًا "خافوا إن السعودية تطرد العمالة المصرية"؛ وفي هذه الجملة تحديدًا، دليل قاطع على فشل نظامه في توفير لقمة عيش كريمة لمن اضطروا للعمل خارج البلاد، ولمن هم على حافة الطرد من السعودية إن غضبت على السيسي، في هذه الجملة تحديدًا إهانات لكل مصري، وضربة لكرامة من لديهم كرامة، فقد كانت مصر سابقًا عونًا للسعودية عندما كانت مصر خالية من الفساد إلا قليلًا؛ كما أن بهذا المنطق الاستعبادي الذي سلكه موسى، سنتنازل عن سيناء لإسرائيل خوفًا من قطع العلاقات مع أمريكا.

"الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه". جيفارا.