GETTY IMAGES |
دافع المتهمون بالعمالة عن أرض مصرية، واستطاعوا إثبات ما لا يمكن إنكاره، أن تيران وصنافير مصريتان. وصرنا ننتظر محاكمة النظام الحالي بتهمة بث أخبار كاذبة بعد أن أكد مجلس الدولة في حكم نهائي على مصرية الجزيرتين، وإن لم يكن، فعلى النظام محاكمة مجلس الدولة لإشاعتهم أحكامًا تنفي الرواية الرسمية، كما فعلت أجهزة النظام مع كل من تظاهر دفاعًا عن الأرض.
ننتظر أيضًا محاكمة من تنازل عن الأرض من دون وجود وثيقة واحدة تثبت سعودية الجزيرتين بتهمة الخيانة العظمى، فليس بعد التنازل عن جزء من الوطن خيانة أعظم؛ وطبقًا للمادة 77 من قانون العقوبات المصري "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدًا فعلًا يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها"، وفي نفس المادة "يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية في شأن من شئون الدولة فتعمد إجرائها ضد مصلحتها".
كما أن على الدولة استرداد كفالات مجموعها ٤ مليون و٧٠٠ ألف جنيه، حصلت عليها للإفراج عن 47 من متظاهري تيران وصنافير، ممن اختاروا السجن بديلًا للصمت، كي لا تباع أرض مصرية؛ بل على الدولة تعويضهم ماديًا.
وبات لزامًا على النيابة العامة إيقاف المحاكمة الهزلية لمن ما زالوا يحاكمون لأنهم تظاهروا دفاعًا عن الأرض، ولمن ما زالت تُنفّذ عليهم مراقبة أمنية داخل أقسام الشرطة تحت مسمى التدابير الاحترازية. فالتدابير الاحترازية لمن باع، لا لمن رفض البيع.
***
بعد أن حكمت المحكمة بحكمها التاريخي، وبغض النظر عن ما سيحدث من النظام مستقبلًا وعن الخطوات التي سيتخذها لمحاولة إرضاء السعودية بأي ثمن، خرج المحامي خالد علي من المحكمة ليهتف ويعلن عن انتصاره هو ورفاقه من كتيبة المدافعين عن الأرض وعن حقوق الإنسان، الذين تتهمهم أغلب وسائل الإعلام المحسوبة على النظام بالعمالة وتتعمد تشويههم، حتى لا يقبلهم الشعب؛ وبشكل لا إرادي أشار خالد علي بإصبعه الأوسط؛ ربما كانت إشارته لا إرادية لكنها صادقة، ففي لحظات الانفعال أو الغضب، أي كلمة تُقال أو فعل يحدث، يكون نابعًا من أعماق الإنسان وصادقًا بشكل كبير؛ لذا أؤمن بأن عبد الفتاح السيسي عندما ينفعل يخرج ما بداخله فعلًا "يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟ ميصحش كده، أنا عايز الفكة، احنا في شبه دولة، مفيش".
لوّح خالد علي بإصبعه لمن باع الأرض، ولمن قال أن تيران وصنافير سعوديتان إما دفاعًا عن النظام أو نفاقًا لملك السعودية، ربما لوّح أيضًا لمن كان ينتظر أن تحكم المحكمة بسعودية الجزيرتين فيطلق الغاز المسيل للدموع على المحتشدين أمام مجلس الدولة ويمارس هواية القمع ويزج بهم في السجن إلى وقت لا يعلمه إلا الله.
لا أدري لمن لوّح تحديدًا، لكن على كل حال هناك من يستحق هذا التلويح الوسطي الجميل، إما مخبر بدرجة إعلامي، أو إعلامي لا يجيد غير النفاق للحكام ويجيد النفاق لمن ينافق للحكام، أو سياسي لديه القدرة على تغيير المواقف كما يغير حيوان الحرباء الزاحف لون جلده بسهولة للهروب من الأعداء.
***
جائزة قدرها مليون جنيه، أعلن عنها الإع..لامي أحمد موسى لمن يجد وثيقة تاريخية تثبت تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر، لكن الحكومة لم تجد وثيقة واحدة تثبت تبعيتهما للسعودية.
انتظر الجميع موسى ليسمع تعليقه بعد الحكم، وهل سيوفي بوعده كما يفعل الرجال ويدفع المليون جنيه لمن أثبت مصرية الجزيرتين بالمستندات التي من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر "خريطة مصر الصاردة سنة 1912 وموضّح فيها أسماء الجزر المصرية وضمنها تيران وصنافير؛ وإنشاء سجل مدنى مصري لجزيرة تيران؛ وكتاب وزارة المالية سنة 1945 باسم مسح لمصر، والذي ذكر اسم جزيرة تيران فى صفحة 46؛ وقرار وزير الزراعة في 1982 بحظر صيد الطيور والحيوانات في منطقة جزيرة تيران؛ وقرار وزير الداخلية في 1982 بإنشاء نقطة شرطة مستديمة في جزيرة تيران تابعة لقسم شرطة سانت كاترين؛ كما لم يثبت في أي وثيقة رسمية ممارسة السعودية لأى من أعمال السيادة على الجزيرتين قبل أو منذ إعلان المملكة سنة 1932م حتى وقتنا الحالي؛ بالإضافة إلى الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية الذي طبع في عام 2000 ولم يشمل جزيرتى تيران وصنافير ضمن الجزر التابعة للسعودية".
لكن موسى لم يفعل، ولم يعلن الفائز بالجائزة، واهتم بـ"إصبع خالد علي" الذي لوَح به لمن باع الأرض، ورغم أن التلويح لم يكن متعمدًا، إلا أن موسى قرر أن يمثل دور الشخص المحترم المثالي الواعظ ليقول لخالد علي "لا يليق بك أن تفعل ذلك، عيب، بترفع صباعك لمين؟".
وكل ما في الأمر أن من رفع الإصبع هو "خالد علي" وأن موسى على رأسه بطحة. فماذا لو كان التلويح قد صدر من مرتضى منصور في إحدى حلقات الإع.. لامي موسى، وماذا لو خلع بكري سرواله على الهواء لكل من قال أن الجزر مصرية؛ هل سيملي عليهم موسى عظاته؟ وماذا عن إذاعة أسرار الناس الخاصة ونشر صورًا ومكالمات على الهواء بالمخالفة لمواد الدستور والقانون؟ أليس هذا العيب بعينه، أم أن العيب لو صدر من أهل العيب لا يبقى عيبًا؟!
وجّه موسى لخالد علي رسالة قال فيها "لو دكر يا خالد قولي صباعك ده رافعه لمين؟" فما زال مُصرًا على أن هذا الصباع قد رفع لمن هم مثله، ويصر على إثبات أنه طُبع بطبائع الرجعية التي تعتقد أن الشجاعة مقتصرة على الذكور فقط، وكأن النساء لم يكن لديهن شجاعة ليقولوا الحق. فالحق لا يفرق بين ذكر أو أنثى.
يكمل موسى زوبعته الوهمية، ويبلغ كل من دافع عن الأرض وعلى رأسهم خالد علي أنه "لولا السيسي كان زمانكم مستخبيين تحت السراير لما كان الإرهابيين هيجيبوكم من رقابكم، وأن السيسي هو من أنقذ مصر وحماها".
وفي الحقيقة، لا أصدق أنني أكتب ردودًا بديهية على ما يقوله موسى، لكن الواقع أن هناك من يسلم عقله له، وموسى يراهن على هؤلاء، فأي إرهاب قد أنقذنا منه السيسي بعد كل هذه العمليات الإرهابية التي انتشرت في البلاد، ففي الربع الأول من عام 2016 شهدت مصر 211 هجومًا إرهابيا، وفي الربع الثاني من نفس العام 228 هجومًا إرهابيًا حسب تقرير أصدره معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. هذا بالإضافة إلى أن الإرهاب المنتشر لا يقتصر على إرهاب الجماعات، فهناك إرهاب دولة ولمن أراد معرفته فليطلع على إحصائيات حقوق الإنسان من بعد 3 يوليو 2013 حتى وقتنا الحالي.
أخيرًا هدد موسى المصريين في أرزاقهم إن سمعوا كلام العملاء الخونة الذين دافعوا عن أراضي سالت عليها دماء مصرية قائلًا "خافوا إن السعودية تطرد العمالة المصرية"؛ وفي هذه الجملة تحديدًا، دليل قاطع على فشل نظامه في توفير لقمة عيش كريمة لمن اضطروا للعمل خارج البلاد، ولمن هم على حافة الطرد من السعودية إن غضبت على السيسي، في هذه الجملة تحديدًا إهانات لكل مصري، وضربة لكرامة من لديهم كرامة، فقد كانت مصر سابقًا عونًا للسعودية عندما كانت مصر خالية من الفساد إلا قليلًا؛ كما أن بهذا المنطق الاستعبادي الذي سلكه موسى، سنتنازل عن سيناء لإسرائيل خوفًا من قطع العلاقات مع أمريكا.
"الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه". جيفارا.