عبدالعال وعائلته.. عَال !

GETTY IMAGES


= قل لي يا عبد العال ما أخبار عائلتك؟

- لا تشغل بالك سيدي الرئيس بهذه التفاهات، وعليك أن ترتدي أغطية الشتاء جيدًا، فعائلتي كلها بخير طالما أنك بصحة جيدة، أولادي بخير جدًا، أكبرهم دخل السجن لأنه ارتكب جريمة تظاهر ويجب أن يعاقب بعشرة أعوام سجن مشدد؛ وتأديبًا له سيقضي فترة مراقبة أمنية يومية في قسم الشرطة حتى تطمئن الحكومة على أخلاقه السياسية بعد إنهاء فترة عقوبته، وهذا شئ طيب فالولد كان يأكل كثيرًا وغيابه وفّر علينا، إنه يأكل في السجن ما لا نأكله بالخارج.

 
أما أمي، فالحمد لله، ماتت موتة طبيعية بعد أن جاءها خبر أبي؛ الذي توفي بسبب فاتورة الكهرباء التي تخطت 1200 جنيه!
 

ابني الثاني أخفى نفسه من على المقهى بعد أن استوقفه رجال الأمن لأنه تكلم عن الحكومة بشكل غير لائق واشتكى من غلاء المعيشة ونشر مناخ تشاؤمي بين زبائن المقهى ويبدو أن طريقة رجال الأمن لم تعجبه فأخفى نفسه بنفسه ولم يصلنا خبره منذ أربعة عشر شهرًا، لا تشغل بالك به إنه ولد متشائم.

ابني الأصغر يخدم في الخدمة العسكرية وانضم لقطاع قوات الأمن، وبالمناسبة هو الذي قبض على شقيقه الأكبر أثناء مشاركته في جريمة التظاهر، وحكى لي أنه اضطر لوضع العصا في مؤخرة أخيه بنفسه من دون أن يشعر بذنب؛ وأنه فعل هذا من أجل الوطن كما أخبره الضباط؛ ومن أجل بقائك سيدي الرئيس، انظر كيف يحبك رجال الأمن ويحافظون عليك؟ّ!

لدي ثلاث فتيات والحمد لله، تخّيل أني كنت أبكي يومًا لأنهن عديمات الفائدة، ولأني لم أستطع تمالك نفسي وأنا مع زوجتي ولم أقدر حينها على شراء حبوب منع الحمل، فكنت أضرب نفسي بقبقاب سرقته من المسجد ندمًا على كثرة الخلفة، ولكن حان الوقت كي أعلم قيمتهن؛ فقد أخبرني رجالك أننا الآن في عام المرأة، لذا أرسلت الفتيات ليعملن في الأسواق فهن سائقات سيارات بضائع ويتحملن أكثر مما يتحمله مائة حصان؛ أملًا في أن يأتي الفرج ويحصلن على شقة مجانية.

= وماذا عن زوجتك وأمك؛ هل هن بخير؟

- بخير؟ إلا بخير؛ خير لا نهاية له، وكله بفضلك، زوجتي ينقصها بعض الأدوية التي كتبها الطبيب كي تكمل حياتها، ستكون بخير؛ إنه طبيب جاهل كتب لها علاج قابل لأن يرتفع سعره بشكل عجيب، أريد أن أخبرك بأن جهل الطبيب قد وصل إلى ما لا نهاية، فقد كتب علاج لزوجتي لا يتخطى سعره حينها 60 جنيه شهريًا بدعوى أنه يرأف بحالنا، ولكن الأدوية ظلت ترتفع حتى وصل سعرها 600 جنيه، تخيل؟ إن مثل هؤلاء الأطباء يجب أن يُسجنوا كي لا يشوهون سمعة الوطن ولأنهم يكتبون أدوية للمرضى قابلة للإرتفاع مما قد يخلق لدى الفقراء شعورًا بالغضب تجاهك سيدي الرئيس!

أما أمي، فالحمد لله، ماتت موتة طبيعية بعد أن جاءها خبر أبي؛ الذي توفي بسبب فاتورة الكهرباء التي تخطت 1200 جنيه؛ رغم أننا لم نكن مشتركين في الكهرباء توفيرًا للطاقة وأموالنا، أبي لم يمت طبعًا من الصدمة سيدي الرئيس لكنه مات في قسم الشرطة لاتهامه بإهانة موظف عام أثناء تأدية وظيفته، فقد ضرب محصل الكهرباء على قفاه، ومات أبي عندما وجد سلك كهرباء عاري داخل القسم فأمسك السلك بيده ووضعه في أماكن حساسة من جسده ظنًا منه بأنه قادر على تخزين الطاقة في جسده حتى يخرج من قسم الشرطة ويضئ منزلنا بشكل مجاني، والحمد لله أن الطب الشرعي قد أثبت أنه لم يمسك سلك الكهرباء العريان بيده؛ وقالوا في التقرير أنه مات بعد وقوعه في حفرة مشتعلة داخل القسم، أو لهبوط حاد في الدورة الدموية؛ وأظن سيدي الرئيس أنهم لم يكتبوا أنه مات أثناء تخزين الطاقة في جسده رأفة بحالنا لأنهم لو كتبوا ذلك لأرغمونا على دفع فاتورة الكهرباء التي استهلكها في أثناء موته.

= قل لي يا عبد العال هل ينقصك أي شيء؟ قل ولا تخف؟

- لِمَ الخوف سيدي؟ هل تظن أنهم هددوني كي لا أتكلم؟ أو أنهم حبسوني في هذا البيت ثلاثة أيام قبل أن تأتي لزيارتي، وهل تظن أن هذا ليس بيتي؟ وأن هذا ليس ملبسي؟ وهذا ليس مأكلي ولا مشربي؟! كل شئ على مايرام صدقني؛ أُنظر إلى رجل الأمن الذي يتوعدني بنظراته الثاقبة، لشعوره بأنني أكذب أو بالأدق لأنني قلت أشياءً خارجة عن النص.ها ها ها، رجال الأمن مخلصين لك.

أشعر أنك تريد أن تسألني عن الطعام؛ لا يكن لديك خبر سيدي الرئيس؛ إذا عثرت على السكر في الأسواق ساءت أموري، الحمد لله أنه اختفى لأني لا أملك ثمنه، وبالتالي لم أعد لشرب الشاي والقهوة والعصائر؛ وهذا يوفر لي الكثير من الأموال لأن كل الأشياء التي نضع السكر عليها ارتفعت بشكل جنوني بسبب جشع التجار، أكرر، بسبب جشع التجار فقط؛ لذا أعتقد أن كل شئ بخير.

ينقصني فقط ملابس الشتاء لأن أسعارها مرتفعة حد السماء، والرجل الذي كان يعطف علي ويعطيني ملابس الشتاء المستخدمة كل شتاء قُبض عليه لإدراته جمعية خيرية؛ واتهموه بالتخابر لصالح دولة أجنبية وإدارة نشاط جمعية مشبوهة تساعد الفقراء.

كل شئ على مايرام صدقني، لو أن رجال الشرطة توقفوا عن وضع العصا في مؤخرة ابني، ولو علمت مكان ولدي الثاني، ولو أنهى ابني الثالث فترة تأدية الخدمة العسكرية دون أن ينتحر؛ ولو استطعت أن أُلحق إحدى بناتي المدرسة لتتعلم حرفًا واحدًا، ولو استطعت الحصول على عمل ثالث، ولو استطعت أن أحافظ على راتبي بحيث لا ينتهي قبل أول عشرة أيام في الشهر، ولو حصلت على  علاج لزوجتي، ستكون الأمور بخير.

إذا استطعت الحصول على مسكن ضمن مشروع المليون شقة، أو الحصول على مائة متر ضمن مشروع المليون فدان، وإذا استطاعت زوجتي أن تحصل على معاش من الدولة، وإذا تحمل بناتي العمل واستطعن جمع الأموال ليتزوجن، وإذا وجدن شباب يقدرون على تكاليف الزواج، سيكون كل شيء بخير.

لو لم تأتِ فاتورة الكهرباء مرتفعة، ولو لم تأت فاتورة الغاز والمياه مرتفعة؛ لأننا لا نستخدمهم أصلًا سيكون كل شئ على ما يرام.

 
ينقصني فقط ملابس الشتاء لأن أسعارها مرتفعة حد السماء، والرجل الذي كان يعطف علي ويعطيني ملابس الشتاء المستخدمة كل شتاء قُبض عليه لإدراته جمعية خيرية!
 

المعيشة في الشوارع شتاءً؛ نعمة يمقتها الكافرون، ونحن لسنا كفار، فلو أن الشوارع  لم تغرق في شبر مياه بعد انهمار الأمطار، وإذا استطاع فاعلو الخير الحصول علينا ليعطونا أغطية الشتاء؛ وإذا تركت الحكومة فاعلوا الخير وحالهم، سيكون كل شئ بخير.

المعيشة في الشوارع صيفًا؛ جنة لا يشعر بها الملحدون، إذا استطعنا الجلوس تحت شجرة لم يقتلعها الحي للاحتماء من الشمس، وإذا تركونا نجلس تحتها، وإذا جلست الكلاب بجوارنا من دون أن تعض أقدامنا أثناء النوم؛ ستكون الأمور رائعة.

لو أن أقاربي لم يفضحوني ويقولون أن رجالك هدموا منزلي لأنه عشوائي وأني لا أملك بيتًا كي أستقبلك فيه، ولا أملك أمري كي أخبرك به؛ لو أن هذا البيت ملكي، وهذه الحارة حارتي، وهذا الوطن وطني، ولو أنك استمعت إلى حديثي كاملًا ولم يقبض عليّ رجال الأمن بعد رحيلك، فكل شئ سيكون بخير. وستكون عائلتي "عال".

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة