مقر شركة إنبي
في مصر وبعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952، نفذ الرئيس جمال عبد الناصر حزمة من الإجراءات الاقتصادية، أوقف فيها إجراءات الخصخصة، وبدأ في تبني منهج التأميم، وبناء المصانع والشركات التي مازالت الحكومات المتعاقبة حتى اليوم تتنازل عنها للقطاع الخاص.
اعتمد عبد الناصر في مشروعه على الصناعة والزراعة حتى وصل إلى الاكتفاء الذاتي لجميع المحاصيل عدا القمح، الذي حقق وقتها 80 % من احتياجات المصريين، واستمر معدل النمو في الارتفاع ولم يتأثر بالنكسة.
قضى عبد الناصر على البطالة بشكل كبير بفضل الخطة التي انتهجها في بناء المصانع الكبيرة التي تسد احتياجات مصر، بدأ الأمر بصناعات الحديد والصلب، وشركات الأسمدة للمشاركة في النهضة الزراعية، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، والكابلات الكهربائية، بتمويل ذاتي، دون الحصول على قروض أجنبية أو معونات.
لم يستغرق عبد الناصر وقتا طويلا لاتخاذ هذه الإجراءات، فكان أول إصلاحاته بعد شهرين من اندلاع الثورة، وكانت النتيجة انخفاض نسبة الأمية من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970 بفضل مجانية التعليم، ومجانية التأمين الصحي والاجتماعي والمعاشات لكل مواطن، وكان الجنيه يساوى ثلاثة دولارات ونصف، ويساوى أربعة عشر ريالا سعوديا بأسعار البنك المركزي المصري، وبلغ سعر جنيه الذهب 4 جنيهات.
عودة دولة مبارك
عادت دولة مبارك بقوة في ظل حكم السيسي، إن لم يكن بأسماء الوزراء والحكام فبنفس أسلوب الخصخصة وبيع الشركات الناجحة المملوكة للشعب أو بيع جزء منها لصالح رجال الأعمال، وتتبع مصر في الفترة الحالية سياسة الخصخصة ذاتها التي بدأها نظام مبارك، مما يفتح المجال لسرقة المال العام، وتلقي الرشاوي من كبار المستثمرين، مقابل تقليل قيم الشركات.
وبدأت الخصخصة في مصر بصدور قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لعام 1991؛ وخلال الفترة من 1996 إلى 1999، تم خصخصة نحو 116 مؤسسة مملوكة للدولة بشكل جزئي أو كلي، واعتبـارًا مـن نهاية عـام 1999 توجهت الحكومة نحو خصخصة شركات تعمل في قطاعات مختلفة منها الغزل والنسيج والتشييد والصناعات الغذائية، وفي عـام 2000 تم خصخصة نحو 23 شركـة.
وتجارب مصر مع الخصخصة تشير إلى أن المواطن هو الخاسر الوحيد والضحية الوحيدة في هذه العملية، فبعد إصدار قانون الخصخصة ارتفعت أسعار الكهرباء بدءا من مايو عام 1990، وفي 28 يونيو/حزيران 1992، وصلت أسعار الكهرباء في مصر إلى 80% من الأسعار العالمية، دون زيادة في الأجور، كما تم تغيير شرائح الاستهلاك، مع توالي انقطاع التيار الكهربائي خاصة في فصل الصيف.
وعلى مستوى قطاع النقل، تم رفع تذاكر السفر بالسكك الحديدية ما بين 15% و 40% عام 1991، ثم 15% أخرى عام 1993، وتوالت الزيادات، وفي قطاع الاتصالات رفعت قيمة التعاقد على الهاتف الثابت من 650 جنيها إلى 850، واشتراك الخدمة الشهري تضاعف من 4 جنيهات إلى 8، وتم تقليل فترة المحاسبة من 6 أشهر إلى 3، كما تم تخفيض المكالمات المجانية الشهرية من 125 دقيقة إلى 55 دقيقة، وعام 1996 تم رفع قيمة الاشتراك الشهري 25% وتخفيض الدقائق المجانية من 55 دقيقة إلى 16 دقيقة شهريا.
وعلى المستوى التعليمي، ورغم أن الدستور أقر مجانيته فإن الحكومة فرضت رسوما عليه بالقانون رقم 139 لسنة 1981، إضافة إلى التوسع في إنشاء المدارس التجريبية الحكومية، كما استحدثت نظام الانتساب الجامعي برسوم تتراوح بين 265 و400 جنيه في السنة، إضافة إلى التدريس باللغات الأجنبية في عدد من الكليات تتراوح المصروفات الدراسية بها بين 1850 و 4000 جنيه.
الخصخصة تحت اسم جديد
كل ما حدث من إجراءات اقتصادية بعد الخصخصة، كانت قاسية بشكل كبير على المواطنين، واليوم تعود الخصخصة تحت اسم آخر؛ بطرحها كأسهم في البورصة.
فقد تحولت مصانع حليج الأقطان المقامة على حوالي مليون و400 ألف متر تقريبا بمحافظة المنيا، إلى كهوف مظلمة، بعد قرار تخصيصها في تسعينيات القرن الماضي، ما أسفر عن قطع أرزاق آلاف العاملين وضرب واحدة من أقوى دعائم الاقتصاد الوطني، ورغم صدور قرار نهائي من محكمة القضاء الإداري عام 2011 بعودة المصانع للدولة بعد إزالة ما عليها من تعديات، لكنه لم ينفذ حتى اليوم.
وقد لا تخلو صفقة للخصخصة في مصر من شبهة فساد؛ ولعل القضايا المتعددة التي صدرت فيها أحكام من القضاء المصري ببطلان عقود خصخصة الشركات خير دليل، فعندما تمّ بيع شركة أسمنت أسيوط، وكانت شركة رابحة، علل وزير الاستثمار آنذاك بأنه يجب ألا يُنظر إلى وضع الشركة من الجانب المحاسبي فقط.
ولكن لا بد أن يؤخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية، لأن الشريك الأجنبي سوف يدخل تكنولوجيا تقلل من معدلات الانبعاث الحراري. كما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي في الخميس 23 أكتوبر/تشرين الأول 20144، قرارا بتعديل بعض أحكام القانون الخاص، بإنشاء هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، ليسمح بمشاركة المستثمرين في محطات الكهرباء، وبعدها ارتفعت أسعار فواتير الكهرباء بشكل مبالغ.
ويبفى السؤال دائما: ماذا ستكسب مصر من بيع شركة تحقق أرباحا مجزية كشركة إنبي التي أعلنت الحكومة بيع جزء منها رغم نجاح الشركة.
خصخصة إنبي: شرط من شروط البنك الدولي
رغم أن تجارب الخصخصة في مصر باءت بالفشل نتيجة التخبط والتضارب وانعدام الدراسة والتشاور، وتجاهل صوت الشعب ومصالحه، فإنها كانت شرطا من شروط الإقراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتبرر الحكومة ذلك بحاجتها للمزيد من العملات الأجنبية.
فقد اتفقت وزارتا الاستثمار والبترول على طرح شركة إنبي للبترول المملوكة للدولة في البورصة المصرية، ضمن برنامج الحكومة لطرح جزء من الشركات المملوكة للدولة في البورصة المصرية، وهو ما يعد خصخصة لإحدى الشركات الرابحة ويثير الشكوك حول تدخل الفساد في قضية البيع.
وتعد شركة إنبي إحدى الشركات المهمة المملوكة للدولة، والتي بلغ إجمالي إيراداتها عام 2014 حوالي 5,2 مليار جنيه، وارتفعت أرباحها بنسبة 19 في المائة خلال عام 20155.
وهي إحدى شركات قطاع البترول التي اقتربت على إتمام عامها الأربعين، حيث تأسست عام 1978 كشركة مساهمة مصرية، ولم تعمل شركة إنبي في مصر فقط، ولكنها صارت شركة عالمية في صناعات الغاز والبترول وتقديم الخدمات الهندسية والإنشاءات وغيرها من المجالات، حيث إن للشركة فروع في 15 دولة هي: (سوريا، السودان، الإمارات، السعودية، العراق، ليبيا، الأردن، الجزائر، قطر، عمان، الكويت، اليمن، لبنان، إيطاليا، أمريكا).
وقد أنجزت الشركة منذ نشأتها نحو 860 عملا ومشروعا في مجالات البترول والغاز وغيرها، وبلغ رأس مال الشركة المدفوع نحو 200 مليون دولار، والمصرح به نحو 600 مليون دولار؛ وتمتلك الهيئة العامة للبترول 97% من أسهمها، فى حين تمتلك شركة بتروجيت 2 % من الأسهم، و1% يمتلكها صندوق الإسكان والخدمات الاجتماعية للعاملين بقطاع البترول.
كما تساهم شركتا إنبي وبتروجيت بنسبة 40% (28 مليون دولار) لكل منهما في شركة الشرق الأوسط للصهاريج وخطوط أنابيب البترول (ميدتاب)، وتساهم شركة إنبي في شركة ميدور الشرق الأوسط لتكرير البترول بنسبة 100%، وفي شركة إبروم – المصرية لتشغيل وصيانة المشروعات بنسبة 10%، وشركة كارجاس الغاز الطبيعي للسيارات 200%، وشركة بتروجيت المشروعات البترولية والاستشارات الفنية 2%، وشركة بتروسيف الخدمات البترولية للسلامة والبيئة 35%، وشركة خدمات البترول البحرية 6%، وشركة إيبيك العالمية لصناعة المواسير 10%، وشركة روجتك الإقليمية لنقل تكنولوجيا البترول والغاز 10%، وشركة بتروسبورت المصرية للخدمات الرياضية 19.78%، وشركة فجر المصرية للغاز الطبيعى 8.3%، وشركة السويس لمهمات السلامة 10%، وشركة مهارات الزيت والغاز 10%، وشركة روربمبن مصر 11%، وشركة المصرية لإنتاج الإسترنكس 15%، وشركة واحة باريس للمياه الطبيعية 25%، وشركة المصرية الصينية لتصنيع منصات حفر البترول 12.5%، وشركة المصرية الهندية لإنتاج البوليستر 7%، وشركة المصرية لإنتاج ثنائى ميثيل الإيثر 15%، وشركة المصرية لتطوير مواقع البترول 25%، وشركة خليج سرت لمشروعات الغاز 24.5%، وشركة إنفنسيس مصر لنظم العمليات 25%، وشركة سيناء للغاز 20%، وشركة العالمية لتصنيع مهمات الحفر 15%، وأيضا شركة تنمية للبترول.
أهمية شركة إنبي
ومن المشاريع المهمة التي تعمل بها الشركة مشروع إنتاج الإيثلين، فشركة تويو اليابانية تقوم بدور المقاول العام لمشروع إنتاج الإيثلين، بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار، وتعمل معها شركتا إنبي وبتروجت، بطاقة إنتاجية 460 ألف طن سنويًا، فيما تقوم شركة إنبي بمفردها بتنفيذ مرافق المشروع بالكامل، بتكلفة تبلغ 1500 مليون دولار.
كما تقوم الشركة حاليًا في مشروع استرجاع الغازات بالسويس عن طريق إنشاء وحدة بطاقة استيعابية تصل إلى 211.111 طن فى السنة لاستخلاص 68.111 طن بتوجاز سنويًا، ومشروع وحدة إنتاج الأسفلت الجديدة بشركة السويس لتصنيع البترول 2014 – 2017 من خلال إنشاء وحدة جديدة لإنتاج الأسفلت بطاقة 3211 طن يوميا.
ورغم أن الخصخصة نجحت في دول عديدة، وتنتهجها دول الخليج، فإن تلك السياسة في مصر تتحكم بها عوامل كثيرة تنتهي بالفساد الحكومي والإداري، وتؤدي في النهاية لخسارة أملاك الشعب. ومن سلبيات الخصخصة أن أملاك الدولة والشعب تباع لجهات ودول أجنبية بثمن بخس دراهم معدودة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن شركة إنبي لها حاليًا إدارة ناجحة وتوفر العملة الصعبة، وأنها أنشئت لتمصير خبرة صناعة البترول، وأن بيعها يعد استهتارًا بمقدرات الوطن.
ما هي الخصخصة؟
ترك الفرص لمنشآت القطاع الخاص لأن تسيطر على تقديم خدمات كانت تقدمها الدولة سابقًا، أو إهداء أو بيع موجودات مادية ملكيتها عامة إلى منشآت القطاع الخاص، أو تحويل المنشآت الحكومية إلى شركات مساهمة وبيع الأسهم فيها للقطاع الخاص.
أو إنهاء العمل بنظام «الدعم»، وفي تعريف آخر تشير الخصخصة إلى “تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص إدارة أو إيجارًا أو مشاركة أو بيعا وشراء في ما يتبع الدولة أو تنهض به أو تهيمن عليه.
أهم أضرار الخصخصة في مصر
1. غياب قوانين المنافسة، الأمر الذي سيجعل الاحتكار هو المتحكّم في السوق، أو في بيع هذه الخدمات المهمّة مثل الكهرباء والماء والبترول والغاز.
2. تستغني عن موظفي الدولة وتزيد من نسبة البطالة.
3. قد تؤدي إلى سيطرة المصالح الخاصة والقضاء على المصالح العامة من أجل توفير أرباح أكثر بطرق غير نزيهة.
3 . تؤدي لهدم الدولة، فلا تقدم الدولة خدماتها لمحدودي الدخل، ولا تراعي الشركات الخاصة أي شئ سوى الربح.
4. الرهان على الخصخصة كعلاج للمسائل الاقتصادية التي تعانيها بشكل خاص البلدان المتخلفة في غير محله، لأن الشروط المطلوبة لنجاحها مثل «السوق التنافسية الحرة»، والبورصة، المؤهلات الإدارية العالية..إلخ غير متوفرة إلا في البلدان الرأسمالية المتطورة.
5. السماح للشركات الأجنبية بالتوغل والسيطرة على السوق الاقتصادية وبالتالي السيطرة على المواد ورفع الأسعار.
ولعل درس الخراب الذي لحق بروسيا نتيجة الخصخصة يعد درسًا مهمًا للبلاد المتأخرة اقتصاديًا والفاسدة إداريًا، حيث جرت في روسيا «أسوأ إجراءات خصخصة في التاريخ حيث استولت المافيات ورأس المال الأجنبي والمتنفذون السياسيون من كبار البيروقراطيين ومسؤولي الحزب الشيوعي الروسي على الشركات العامة بأثمان بخسة، حيث تشير بعض المصادر إلى بيع مؤسسات حكومية قدرت قيمتها بـ200 مليار دولار، بيعت فقط بـ 7 مليارات».
وعندما نريد تلخيص أضرار خصخصة يمكننا الاطلاع على تصريح صحفي للدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، في نوفمبر 2016 حيث قال: «باعت الحكومة 623 شركة بـ33 مليار جنيه، في حين أنها تقدر بسعر 270 مليارا، ما يعني إهدار 240 مليارا، ورغم تصريحات الحكومة الدائمة بأنه لن يضار أي عامل من الخصخصة، فإن عدد العمال بالقطاع العام انخفض بعد البيع من مليون موظف إلى 370 ألفا، كما لم يستفد من نظام المعاش المبكر سوى 186 ألف موظف فقط».
المصادر