هل صبّحت على مصر اليوم؟

عبد الفتاح السيسي (الأوروبية)

لسماع المقال اضغط هنا


صاحبنا يعمل "باحث" في أشياء متعددة، عن عمل، وسكن، هجرة، وباحث عن أي حاجة تتاكل في الثلاجة!

منذ أن تخرج من الجامعة في 2012 وهو يعمل في مجال البحث، لإيمانه بمقولة: من جدّ وجد، استيقظ من نومه على صوت الزعيم المنبثق من التلفاز، وهو يتساءل غاضبًا "انتوا مين؟ انتوا مين؟"! فرك عينيه وذهب إلى مكان التلفاز فوجد والدته مبتهجة ومنبهرة بخطاب الزعيم!
ينظر صاحبنا إلى أمه متعجبًا، متسائلًا عن سر فرحتها العارمة، وفي أثناء تجميعه لجملة اعتراضية على إزعاج الجيران بصوت التلفاز العالِ، قال الزعيم "أوكسم بالله، أشيله من على وش الدنيا"! تراجع صاحبنا عن جملته الاعتراضية وقال لأمه "والنبي يا حاجة علّي التليفزيون شوية"!
قرر صاحبنا أن يعطي نفسه "أجازة" من العمل كـ "باحث عن عمل" وجلس بجوار أمه يسمع خطاب الرئيس الطويل.

ينظر الرئيس إلى عين صاحبنا مباشرة كأنه يحدّثه، وتنظر أمه أيضًا إليه كأنها تتوعده.. نظرًا لأنها تراه خائنًا شارك في ثورة 25 يناير.

"أنا راجل لا أحب الكذب، ولا بحب اللف والدوران".. هكذا قال الزعيم الملهم.. تذكّر صاحبنا كلمات الرئيس السابقة "لن أترشح للرئاسة، ولن أسمح للتاريخ بأن يكتب أن جيش مصر تحرك من أجل مصالح شخصية".. تذكّر أيضًا وعد الإخوان بعدم ترشحهم للرئاسة ليثبتوا للثوار أنهم لم يطمعوا في سُلطة والعياذ بالله. هذا قال أنه ترشح من أجل إنقاذ مصر وهؤلاء قالوا أنهم ترشحوا من أجل إنقاذ الثورة.  

يرى الزعيم مبتسمًا متفائلًا واعدًا الناس أنه سينفذ شبكة طرق تربط جميع جهات مصر خلال عام واحد. آه كلهم يبيعون الوهم لنا.. هكذا هم أصحاب الذاكرة القوية لا يصدقون أي كلام يُقال لأنهم فقط لا يقدرون على النسيان بسهولة، تذكّر أيضًا خطاب "ميصحش كده" الشهير الذي هدد فيه التجّار: "اللي عنده حاجة يبيعها لأنه في خلال 30 يوم ستنخفض الأسعار بعد أن يتدخل الجيش". مرّ الآن 90 يوم، ولكن الأسعار لم تنخفض، بل ارتفعت وارتفع سعر الدولار ومازال الزعيم متمسكًا بالشعار، تحيا مصر 3 مرات!
يفيق من ذكرياته التي "تودي" في داهية على كف أمّه الذي نزل على وجهه بعدما نادته بـ "الموكوس ابن الموكوس" مرات عديدة، نظر لها منبهرًا من هول القلم الذي نزل على وجهه قائلًا "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إيه الهبل اللي بفكر فيه ده؟ فكيف ينسى جاره الذي جلس على المقهى وقال "حسبي الله ونعم والوكيل، الشاي بارد يا شعبان" فظن أحد المخبرين أنه يعترض على سياسة الحكومة، فاختفى الرجل من وقتها، وقال عنه مساعد وزير الداخلية أنه انضم لداعش، مع أن قوات الأمن قد اعتقلته أمام أعين الجميع.. الحمد لله أن الجدران تسمع ولا تقرأ ما نفكّر به، هكذا قال لنفسه.

أمرته أمه بكتابة رسالة إلى سيادة الرئيس تبلغه أنها تبرعت بالمنزل من أجل مصر بعد موتها، وعندما سألها صاحبنا أين سيعيش بعد موتها؟ نزل كفّها على وجهه الآخر، فقرر السكوت، وخاصة عندما قال الزعيم "لو سمتحتم اسكتوا".. وصلت رسالة أمه إلى رئاسة الجمهورية، فاحتفت بها وسائل الإعلام كأنها طهرت سيناء من الإرهاب، فقرر صاحبنا أن يسلك درب أمه وأن يرسل رسالة إلى رئاسة الجمهورية، طالما أن الرئاسة تقرأ كل الرسائل.. وكتب في رسالته:

السيد رئيس الجمهورية:
من مواطن موكوس يعمل "باحث عن عمل"
تحية طيبة وبعد:

- قلت في خطابك "انتوا فاكرين إني هسيبها ولا إيه؟".. لا تعلم كيف تأثرت والدتي وقتها بهذا التساؤل؟ فقد دعت الله أن يطيل عمرك كما أطال عمر الفراعنة، لأنك تستحق أن تحكم مصر مئات الأعوام، بل آلاف، بل تحكمها إلى أن تقوم الساعة، لأنك أنقذت مصر من الإخوان الذين دمّروا الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية، والبنية التحتية والفوقية والجانبية والآشعة فوق البنفسجية في عامٍ واحد.

ثم إنه يا سيدي لا أحدٌ يقدر على أن يتمنى أن ترحل عن الحُكم بشكل علني، لأن رجال الأمن يبحثون عن هؤلاء المخربين الذين يتنمون رحيلك وينكلون بهم بالاعتقال أو الإخفاء أو القتل.. هناك من يتمنى رحيلك، لكنها عادة سرية لا يجرؤ أحدهم أن يفعلها أمام الخلق، لا تتركها سيدي ولكن دعنا نتركها، فنحن عندما نحاول الخروج منها يخبرونا في المطار أن أسمائنا موجودة في قائمة الممنوعين من السفر.

- قلت يا سيدي الرئيس أنك تعرف الحكومة أكثر منا، وأنها حكومة "كويسة" وقلت أنك تجلس معها كل يوم.. وأنا أخاف عليك من الحسد الذي قد يصيبك من الأشرار، فلا تعلن أنك تجلس معهم أمام الجميع. فهل تعلم أن هناك آلاف يحاولون الجلوس مع الحكومة من أجل تقديم مطالبهم فيجلسون على أشياء أخرى؟ هناك مئات من حملة الماجستير يتظاهرون كل أسبوع أمام مجلس الوزراء كي تستمع الحكومة إلى مطالبهم ولكن لا يسمعهم سوى وزير الداخلية الذي بدوره يأمر بالقبض عليهم. كما أن هناك آلاف الأطباء أعلنوا معالجة المرضى مجانًا، بعد أن اعتدت عليهم قوات الأمن في المستشفيات فرفضت الحكومة الجلوس معهم وقادت حربًا إعلامية ضدهم. خاف على نفسك من الحسد سيدي الرئيس وكن حذرًا!

- تساءلت في خطابك "انتوا عارفين الحكومة بياخدوا إيه عشان يستحملوكم؟".. عن نفسي أعرف أنهم يحصلوا على مرتبات تافهة، فالوزير يحصل على 35 ألف جنيه شهريًا غير الحوافز والمكافآت والهدايا، مبلغ تافه لا يحق لأمثالي ممن يبحثون عن وظيفة بـ 2000 جنيه أن ينظروا له. حتى لو كان بعض الوزراء تصل رواتبهم إلى 3 ملايين جنيه كما ادّعى عماد مهني، رئيس مجلس علماء مصر، الذي تقدم باستقالته في وقت سابق، فما المانع من حصولهم على ملايين؟ فمصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا كما قلت سيادتك، فالوزراء "بيدّوا" مصر الكثير وبيتعبوا من فرط الظهور في وسائل الإعلام والرد على الانتقادات التافهة التي يوجهها الرأي العام للحكومة. كان الله في عونهم وعونك.

- فرحت جدًا عندما ارتفع صوتك حتى كاد الميكروفون أن ينكسر وقلت أن هناك محاولات لإسقاط مصر، نعم ياريس هناك محاولات من خونة متآمرين على مصر، هل أخبروك بأمر المدعو "توفيق عكاشة" الذي استضاف سفير إسرائيل في منزله؟! أظن أنك ستعدمه في ميدان عام، فالخيانة ليست وجهة نظر، دعني أخبرك بأن السفير حازم خيرت، قال على الملأ أنه فخور وسعيد بوجوده في إسرائيل، تخيل؟!        

نشر بعض المغرضين من قائدي حروب الجيل الرابع صورًا لك مع اللوبي الصيهوني، وقالوا أنك وصفت نتنياهو بالقائد العظيم، ولكني لا أصدقهم لأنهم خونة وعملاء، ولو كان هذا الأمر صحيحًا فسأفعل كما تفعل أمي وأقول أن هذا دهاء ومكر منك سيدي، فرغم أن أمي اتهمت "مرسي" بالخيانة عندما وصف "شيمون بيريز" بصديقه العزيز، إلا أنه لا يمكننا أن نشبه بين حالتك وحالته أبدًا، على الأقل كي نضمن بقائنا على قيد الحياة أطول فترة ممكنة!

- عندما عرضت نفسك للبيع يا سيدي وقلت "والله العظيم لو ينفع أتباع هتباع" نزلت دموعي حد البربرة، وتأثرت كما لم أتأثر من قبل، وتذكرت قصيدة الحلزونة للفنان عادل إمام.
"فليسقط الشعر ولتنهار أبياتي.. الشعر شعري والمأساة مأساتي".

الغريب أن البعض قام بالتصفيق وقتها يا سيدي، كما حدث معك عندما قلت هذه الجملة المؤثرة، أما الساخرون فعرضوك للبيع وأضحكوا العالم عليك، ولم يُقدّروا عرض نفسك للبيع في الأسواق، منهم لله. ياريتني كنت أنا يا أخي.

- أعجبني عرضك سيدي الرئيس عندما قلت "عايز أجيب كل اللي بيتكلم وأمسّكه وزارة وأقول له وريني هتعمل إيه؟" افعلها يا سيدي و"مسّكهم" المناصب ولننتظر ماذا يفعلون؟ أفرج عن هؤلاء الذين يتكلمون من السجون، وصدعونا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فهؤلاء خونة وأنا أعتقد أن عدم اعترافهم بإسرائيل ودفاعهم المستميت عن القضية الفلسطينية، وانحيازهم للفقراء ليس إلا تمثيلية.

- هل تعلم ماذا فعلت أمي عندما قلت "لو بتحبوا مصر صحيح، اسمعوني أنا بس، بس؟؟".. لقد دمرت كل شرائط عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، ومحمد منير، وقالت أنها لن تسمع غيرك بعد اليوم لأن محمد منير خائن. ها ها، أعلم أنك بالطبع لا تقصد أن نسمع غيرك في الغناء، ولكنك تقصد "السياسة" بالطبع، وأعلم جيدًا أن السياسة نجاسة، ولهذا أنت لا علاقة لك بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. أقترح على سيادتك أن تبلغ أمن الدولة بكتابة إرشادات ونصائح سيادتك في كل أمور الحياة حتى لا نسمع غيرك، فهذا هي الديمقراطية الحديثة، أن نسمع الرئيس فقط ونرفع أحذيتنا في وجه من يعترض!

- "اللي اتعمل في سنة ونص متعملش في 20 سنة".
نعم يا سيدي، فهل استطاع حاكمًا مهما بلغت مملكته وديكتاتوريته أن يبني 13 سجنًا في هذا الوقت القياسي؟ لا أعتقد.

- شعرت ببالغ الأسى يا سيدي عندما قلت أنك تحتاج إلى أن نصبّح على مصر كل يوم بجنيه من رصيدنا، لم أشعر بهذا اليأس اللعين لأنها فكرة فاشلة لا سمح الله، أو لأنك جمعت مليارات لتفريعة قناة السويس ولم نستفد منها بمليم، أو لأن لائحة البرلمان الجدية تكافئ النواب بـ 90 مليون جنيه في السنة، أو لأن القضاة يطالبون بـ 5 آلاف جنيه مكافأة أسوة بمجلس الدولة، لا سمح الله، ولكني شعرت بالأسى لأني "مش معايا رصيد" نظرًا لأني أبحث عن عمل منذ تخرجت من الجامعة ولكنها مستورة والحمد لله.

بالمناسبة ياريس.. العمل الذي أعلنت عنه حكومتكم لا يكفي أجرة مواصلات رايح جاي، إنهم يخدعوك سيدي لذا وجب عليّ إبلاغك. ودعمًا مني لمبادرتك الرائعة بالتصبيح على مصر فقد غيرت اسمي على موقع فيس بوك وجعلته "هل صبّحت على مصر اليوم؟".. حتى يتذكر كل من يشاهد صفحتي أن يصبّح على مصر كل يوم، كي تستطيعوا بناء السجون، وشراء الغاز المسيل للدموع، وتقدروا على دفع بدلات لقضائنا الشامخ.. صباح الفل.

موضوعات متعلقة

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة