رسام الكاريكاتير إسلام جاويش |
لسماع المقال اضغط هنا
لحيته طويلة من فرط الشعور باللاشعور، لو خرج بها في الشوارع سيشتبه به رجال الأمن، وربما يخطفوه ويخفوه قسريًا ويفعلوا به أشياءً أخرى قسريًا إلى أن يتأكدوا من براءته من اللا تهمة، وعندما يتأكدون من براءته بفضل الله سيلفقون له قضية ما، لم يجدوا لها صاحب من قبل، وستعلن صفحة الشرطة أن قوات الأمن نجحت فى إحباط مخطط إرهابي، وإحباط الثورة، لذا حلق لحيته كي لا يحدث ذلك كله.
يشاهد فيلمًا تسجيليًا عن ميدان التحرير الذي أغلقته قوات الجيش والشرطة، وانتشرت به كائنات جاءت إلى التحرير بشكل لا إرادي، وتفوهت بكلمات لا تفهم معناها، إحدى الكائنات قالت أن عددهم وصل إلى 80 مليون وأن "المناديل" الأخرى ممتلئة.
شاهَد هذا الفيلم على قناة تُبثّ من الخارج، لأن القنوات كي تعمل بالداخل يجب أن تخضع لأوامر أمن الدولة وأن تبث ما يرضي عنه سيادة الرائد المسئول عن القناة.
يريد أن يدخل ميدان التحرير بعد أن شاهد الفيلم التسجيلي - ولكن الإرادة وحدها لا تكفي، فالشعب كله يريد والحاكم يفعل ما يريد - يشعر بالحنين إلى تلك الأرض المقدسة التي قُتل بها صديق عمره، ولكنه يتراجع عن هذا التفكير الأهوج، لأنه لا يشبه تلك الكائنات المنتشرة في الميدان، كما أن رجال المباحث قادرون على إخراجه من وسط آلاف من هذه الكائنات نظرًا لشكله المميز.
المظاهرات قد ولّى زمانها، فمن يقدر على التظاهر سوى أنصار الرئيس؟!
العدل قد تولى وزارته عدوًا للعدل.
حقوق الإنسان قد تولى حقبتها أحد المتهمين في موقعة الجمل.
القضاء "ناجي" بشموخه، و"شحاتةٌ" منتشرةٌ في شوارعنا.
البرلمان يكره حرية التعبير، ويُكرَه على موافقة ما يريده الرئيس.
البرلمان يمثل النظام ولا يمثل الشعب.
إذًا، لا تظاهر، لا خروج للميدان، لا تعبير عن الرأي، مفيش.
لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص؛ فماذا يفعل صاحبنا؟!
إن عبر عن رأيه بواقٍ ذكري أهداه للشرطة انتفضت الدولة ضده.
لو ارتدى قميصًا يعبر به عن رأيه، قُضي على مستقبله كما حدث مع محمود محمد المعتقل منذ أكثر من عامين.
لو قرر التصوير فقد خسر كاميرته الباهظة الثمن وزُج به في السجن مثل شوكان.
الكتابة تؤدي إلى السجن وربما إلى القتل. المعارضة خطر، اهرب خارج البلاد كي تعارض.
يا إلهي، هل نعيش في سجن كبير؟!.. اخرس يا عميل يا إرهابي، سيكون هذا رد أحد مؤيدي النظام إن فكرت في طرح سؤالًا كهذا.
أخيرًا يصل صاحبنا إلى حل، سينشئ صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، كي يفرغ بها طاقته، ويعبر عن رأيه، ولكن العملية ليست سهلة، فهناك من اُعتقل بسبب آرائه على فيس بوك، وهناك أيضًا إسلام جاويش رسام الكاريكاتير الذي اُعتقل لإنشائه صفحة بدون ترخيص!
أنت متهم بإنشاء صفحة بدون ترخيص!
أنت متهم بالتظاهر بدون ترخيص!
أنت متهم بالمشاركة في ثورة بدون ترخيص!
أنت متهم بالحياة بدون ترخيص!
***
ماذا؟! قتلت المتظاهرين؟
سرقت ملايين؟
وضعت العصا في مؤخرة المساجين؟
سرقت من الأراضي مئات الفدادين؟
إذًا فأنت تصلح عضو مجلس شعب.. وربما وزير!
يحلق صاحبنا لحيته، وشعره، ويرتدي ملابس لا كتابة عليها ولا أي علامات، كي لا يشتبه به الأمن، ويذهب إلى مكتب تصاريح "التواصل الاجتماعي"، وهو مكتب جديد تم إنشائه بتاريخ 31 يناير 2016 يوم القبض على صاحب "الورقة" رسام الكاريكاتير "إسلام جاويش".. يسأل أحد رجال الأمن عن القسم الخاص بترخيص صفحات الفيس بوك، فينظر له رجل الأمن متشككًا فاحصًا وباحثًا عن أي سبب لاعتقاله، ولكن صاحبنا "حَلَقَ" الأسباب في المنزل، فيسأله رجل الأمن عن الواجب، فيعطه ورقة بعشرين، وهي عادة قديمة في بلادنا، الورقة بعشرين نقضي بها مصالحنا في كل الأماكن الحكومية.
يصف له رجل الأمن: هتطلع الدور التاني، تدخل شمال، هتلاقي أوضة مكتوب عليها "يوتيوب" تسيبها وتمشي هتلاقي "تويتر" سيبك منه. بعده هتلاقي فيس بوك على طول.
يذهب صاحبنا إلى المكتب ويملي على العامل مقصده:
- لو سمحت عايز أعمل صفحة على فيس بوك.
ينظر له العامل أو المخبر الجالس على المكتب، ويعطه استمارة بها 100 سؤال عن معلوماته الشخصية ومعلومات عائلته وأصدقائه، وهل أي من هؤلاء الأقارب أو الأصدقاء له علاقة ولو من بعيد بالإخوان؟!
أسئلة لا علاقة لها بالصفحة ولكن على كل حال سيجيب عليها كي ينشئ صفحته ويفرغ طاقته وغضبه ويعبر عن رأيه.
بعد أن ينتهي من ملء الإستمارة والإجابة على الأسئلة، يأخذها منه العامل أو المخبر الجالس على المكتب ويذهب بها إلى مكان ما، ثم يظهر العامل أو المخبر ويقول لصاحبنا: ادخل المكتب اللي جنبنا خد الاستمارة.
دخل صاحبنا المكتب ولم يعد، اختفى، تبخر كالمياه، أو ربما ألبسه أحدهم طاقية الاخفاء، أو بلعه مخبر جائع، كالعادة أنكرت وزارة الداخلية اختفاءه.
#الحرية_لإسلام_جاويش
رسام كاريكاتير اعتقلته قوات الأمن بتهمة إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بدون ترخيص.
يذكر أن إسلام ينتقد بعض قرارات النظام الحالي في رسوماته، ويذكر أيضًا أن رسوماته لو كانت مؤيدة للنظام الحالي ما مسه أحد بسوء!
اقرأ أيضًا