تصوير (أحمد جمال زيادة) |
أثار الحكم بحبس الروائي والصحفي “أحمد ناجي” ردود فعل غاضبة في أوساط المثُقفين والمُبدعين على اختلاف توجهاتهم الفكرية. يرى الجميع أن حبس الخيال هو الجريمة الحقيقية، وأن وصاية الدولة ويدها الثقيلة تطال الجميع دون استثناء، وهو ما يتطلب وقفة جادة وحركة حقيقية من أجل بحث عن طريقة للرد على هذا الحكم.
انتقد عدد كبير من المُثقفين الحكم، فور صدروه، على مواقع التواصل الاجتماعي. صدربيان مُشترك عن كل من”مدى مصر” و”قل”، و”+18″، و”زحمة” للتضامن مع ناجي والتنديد بحبسه. كما صدر بيان “افتحوا المجال العام“، الذي وقع عليه 622 شخصية عامة حتى الآن. كما صدرت بيانات عن أغلب المنظمات الحقوقية في مصر والعالم، تدين الاعتداء على الحق في التعبير، وحبس المُؤلفين، ووضعت هذا في سياق ما تشهده مصر الآن من تراجع في الحريات العامة.
وفي اليوم الثالث لحبس ناجي، اجتمع عدد من الأدباء المثقفين في دار “ميريت” للطبع والنشر لمناقشة الموقف وكيفية التعامل معه. وأعلن اتحاد كتاب مصر عن تضامنه ورفضه لحبس الروائي الشاب. وكانت نقابة الصحفيين ومؤسسة حرية الفكر والتعبير قد تقدمتا، الأحد الماضي، بأربع طلبات إلى النائب العام من أجل وقف تنفيذ الحكم بالحبس. وهناك دعوة بين الأدباء لحرق نسخ من أعمالهم الإبداعية كشكل آخر من أشكال التضامن مع ناجي والاحتجاج على حبسه.
أما عن الجماعة الصحفية التي ينتمي إليها ناجي بحكم العمل، فقد شهدت عدة أشكال للتضامن. أصدرت صحيفة القاهرة؛ التابعة لوزارة الثقافة، عددها يوم الثلاثاء الماضي بصفحة غلاف بيضاء لا تحمل سوى شعار “لا لحبس الخيال”، كما حمل غلاف العدد الحالي لأخبار الأدب بصورة ناجي على الغلاف. وكان الدكتور “عمار علي حسن” قد احتج بأن ترك مساحة مقاله بيضاء. هذا إضافة إلى عشرات المقالات والأعمدة الصحفية، في صحف مصر الحكومية والخاصة، والصحف العربية التي تنتقد الحكم وتُفند حيثياته وتطالب بوقف تنفيذه.
وفي هذا الإطار، نظمت نقابة الصحافيين مؤتمرًا شاركت فيه 9 منظمات حقوقية وفنية، كما شارك فيه عدد من الشخصيات العامة تضامنًا مع الروائي “أحمد ناجي”؛ المحكوم عليه بالحبس لمدة عامين بتهمة خدش الحياء.
اكتظت قاعة نقابة الصحافيين بالمتضامنين، واللافت أن المؤتمر جمع بين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم. شارك وزير الثقافة “حلمي النمنم” في المؤتمر، الذي كان من أبرز المشاركين فيه “جمال فهمي”؛ الصحفي النقابي وممثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، و”محمود كمال”؛ عضو نقابة الصحفيين، و”خالد البلشي” رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، والروائي “إبراهيم عبد المجيد”، والمنتج السينمائي “محمد العدل”. كما شاركت “منى سيف”؛ الناشطة السياسية ومؤسسة “لا للمحاكمات العسكرية”.
قال البلشي، في كلمته، إن علينا أن نطلق على هذا المؤتمر إسم “مستمعوش غيري” في إشارة ساخرة من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمس. وأضاف أن “أحمد ناجي” يتعرض لأشد أنواع الظلم، وأشار إلى وقوع 752 انتهاكًا ضد الصحفيين؛ تنوعت بين منع تغطية، واعتداءات بدنية، واعتقالات. أضاف البلشي أن علينا توصيل رسالة لمن أمرنا ألا نسمع غيره، هي “أننا لن نسمع سوى أنفسنا”. أشار البلشي إلى أن الحرية بشكل عام تتعرض للانتهاك، فقد تم القبض على خمسة أطفال بتهمة ازدراء الأديان، بالإضافة إلى وجود 42 صحفي يقبعون في السجون حاليًا.
وقال حلمي النمنم إنه سعيد بوجوده في بيت من بيوت الحرية مشيرًا إلى نقابة الصحفيين، وأضاف أننا نواجه 3 أحكام على كُتاب ومبدعين، وعلينا أن نواجه القوانين التي تعطل تنفيذ الدستور؛ مضيفًا أن القضية ليست قضية ناجي فقط. ولكنها قضية حرية الفكر والتعبير، وأنه إذا كان المجتمع لا يقبل نصًا بعينه فلا يجب أن نحارب النص بالسجن. صاح أحد الحضور مقاطعًا الوزير، وطالبه باتخاذ موقف قبل أن يتحدث. انفعل الوزير واتهم مُنتقده بالديكتاتورية.
استطرد النمنم: “علينا أن نعلم أن من خدش الحياء ليس أحمد ناجي ولكن من حرك قضية ضده مما أدى إلى مشاهدة نصوص أحمد ناجي في رواية “استخدام الحياة” أكثر من 2 مليون مرة على الإنترنت”.
وقال “محمود كمال” في كلمته إن وكيل النيابة تخيل أن أحمد ناجي يحكي عن نفسه في الرواية وأراد تلفيق قضية تعاطي مخدرات في القضية لأن بطل الرواية يتعاطى المخدرات.
أعلن “طارق الطاهر”؛ رئيس تحرير أخبار الأدب، تضامنه مع ناجي، ومع كل مُعتقل بسبب آرائه، مضيفًا أنه لا يُعلق على أحكام القضاء، ولكنه يطالب بتطبيق الدستور. كما طالب بعمل دوائر خاصة لمحاكمة الصحفيين المُخطئين كما يحدث مع القضاة. أضاف الطاهر أن ناجي كان يظن أنه سيتم احترام الدستور، وأنه لن يتعرض للحبس، ولكن للأسف حدث العكس.
أما الدكتورة “آمنة نصير”؛ النائبة بالبرلمان وأستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، فبدأت كلمتها بآية من القرآن الكريم “لست عليهم بمسيطر”، ورفضت وجود اتهام يُسمى “ازدراء الأديان”، مضيفة أن الوصاية لا يمكن أن تصلح أخلاقًا، وأن الفكر يجب أن يُواجه بالفكر، فحين نشر “إسماعيل أدهم” كتابًا عنوانه “لماذا أنا ملحد” في أوائل القرن العشرين، رد عليه “محمد فريد وجدي” بكتاب “لماذا أنا مؤمن؟”
وقال “محمد زكريا محي الدين”؛ عضو مجلس النواب إنه حضر ليتضامن مع أحمد ناجي ومع حرية الفكر، ووعد الحضور بعرض مناقشة القوانين المُعطلة للدستور داخل مجلس النواب.
وقال الروائي إبراهيم عبد المجيد، إن ما يحدث ليس عبثًا، لأن عبث كلمة محترمة، ما يحدث يمكننا أنا نطلق عليه “هبل” لأن الدولة تتجاوز القوانين والدستور.
في تصريحه لـ”مدى مصر” قال المنتج محمد العدل، إنه لم يأت إلى هنا تضامنا مع الكاتب أحمد ناجي أو السياسية “فاطمة ناعوت” فقط، ولكنه جاء متضامنًا مع كل من لا يستطيع أن يبوح برأيه علانية خوفًا من الفكر الوهابي المسيطر على الدولة. وأضاف العدل متعجبًا: “لا أدري كيف يمكن لأحد أن يظن نفسه رقيبًا أخلاقيًا على أحد الكتاب أو الفنانين أو غيرهم، وأنه ليس من حق أحد أن يمنع كاتبًا أو أديبًا من كتابة ما يريد، ولكن من حقه أن يمتنع عن قراءة ما يعتبره مسيئًا أو غير أخلاقي”.
تعجب “جمال فهمي” من هذه الهجمة الشرسة على العقل وعلى صناعة التفكير وعلى التعبير، “وأهم من كل هذا أتعجب من عدم احترام الدستور الذي أقرته مصر حكومة وشعبًا”. كما تساءل فهمي: من قال إن هذا العمل لمجرد انه جيد أو رديء يعرض على المحاكم والنيابة وأقسام الشرطة، هذه قضية يُفتي فيها النقاد والمتخصصون، يفتي فيها الجمهور صاحب الرأي الأساسي، بأن يُقبل على العمل أو يراه رديئًا فيبتعد عنه. وأضاف: “حق أحد أن يفرض وصاية على آراء الناس وعلى أذواقها؟ من يقول إن ما كتبه أحمد ناجي رديئًا، فهذا رأيك، ولا يجب أن يفرضه عليّ”.
ومن المُتوقع أن تستمر فعاليات التضامن مع ناجي والتنديد بالحكم في الأيام القادمة، لأن الأدباء والصحفيين يشعرون بالتقصير لأنهم لم يأخذوا القضية على محمل الجد في مراحل التقاضي الأولى، كما تصاعد الشعور بالقلق لدى كل صاحب فكرة وقلم من بطش السلطة، وأدركوا أنهم مُهددون جميعًا بالحبس، وأنهم يعيشون حرفيًا في أرض الخوف.