الثورة ليست مرسي

(الفرنسية)

* الإخوان وأنصارهم حدثت لهم مجزرة في رابعة والنهضة، وفي أماكن أخرى، والإنسانية تستدعي التعاطف مع تلك الدماء. والعدل يقتضي محاسبة النظام الحاكم على كل نقطة دم سالت.

* الإخوان فشلوا، أو تم إفشالهم، ولكنهم لم يكونوا لصوصًا كعصابة مبارك.

* الإخوان دفعوا الثمن غاليًا، فأغلبهم في المعتقلات. ومنهم من اختفى قسريًا، ومنهم من سافر خارج البلاد خوفًا من البطش الأمني.

* الإخوان ليست جماعة إرهابية، ولكن لها أفكار غبية.

* اسمها ثورة 25 يناير، ولا توجد ثورة أخرى.

* التعاطف مع تلك الدماء التي سقطت وحملة الاعتقالات المكثفة، والظلم الذي طال جماعة الإخوان لا ينفي أخطائهم الكارثية منذ مجلس الشعب السابق الذي طبل للعسكر، وأعلن أنه "لا يوجد خرطوش"، والذي شكر مصطفى بكري عندما لعن الثوار واتهمهم بالخيانة، مرورًا بمخالفتهم الوعود وترشحهم للرئاسة، وتكريمهم لأحد قادة الثورة المضادة "المشير محمد حسين طنطاوي" ذلك الرجل الذي قاد العديد من المجازر ضد أبناء الثورة. وأخطاء أخرى لا يمكن حصرها في مقال صغير.

لم أذكر النقاط السابقة للتقليب في دفاتر الماضي، ولكن عليك أن تعتبرها مجرد اختبار لمدى تقبلك للرأي الآخر وبالطبع أنت من سيختبر نفسك ولست أنا. فإن كنت تهز رأسك متفقًا مع بعض النقاط، وتسبني بأبي وأمي في نقاط أخرى. فعليك ألّا تكمل المقال. وأن تكتب تعليقًا يتهمني بالخيانة والعمالة وكل الكلمات التي ترددها في جميع المقالات المخالفة لرأيك. لأنك تعتقد أن رأيك فقط هو الصواب. مع أن كل الآراء تحتمل الصواب والخطأ. حتى تلك الكلمات التي تقرأها الآن.
***
أصدرت حركة شباب 6 إبريل بيانًا تحاول فيه لم شمل كل من يؤمن بالثورة ومطالبها الأساسية التي خرّجت حشود من الشعب في 25 يناير من أجل تحقيقها. وطالبت الحركة كل من يؤمن بالثورة بالرجوع خطوة إلى الوراء من أجل الثورة، وقبل انهيار الوطن ودخوله في طريق اللاعودة.

بعيدًا عن اتفاقنا أو اختلافنا مع البيان، إلا أنه لا يمكن أن نختلف على أن البيان ليس إلا محاولة لإنقاذ الثورة والوطن.

لم تذكر الحركة أي شي عن ذكرى الثورة القادمة بالسلب أو بالإيجاب، ولكن "شبكة رصد" حاولت تضليل الناس وكتبت على موقعها أن حركة شباب 6 إبريل تدعو لعدم المشاركة في ذكرى الثورة القادمة، وانتهجت نفس الأسلوب الذي انتهجه إعلام النظام الحاكم غير المحايد في شيطنة كل من يعارضه أو يخالفه الرأي، لمجرد أن البيان لم يعجبها. أو قُل للضغط النفسي على الحركة من أجل المشاركة في الشارع.

النزول للشارع فقط. ولا وقت للتفاهم. ولا وقت لمطالب الثورة التي من أجلها تأسست حركة شباب 6 ابريل، والتي من أجلها زُج بقيادات الحركة في السجون.

لم يكن هذا الخبر ذو العنوان الكاذب هو رد الفعل فقط، فقد أصدر مكتب جماعة الإخوان المسلمين بالخارج بيانًا للرد على الحركة، ليرفض كل ماجاء في البيان، ويتمسك بشرعية مرسي، وهذا حقهم، يفعلون ما شاءوا. يرفضون، يتظاهرون، يعلنون أنه لا بديل عن الشرعية ولو بالدماء، يتهمون كل من ليس معهم بالخيانة وبأنهم انقلابيين، حتى لو أنه ضد الظلم، والفقر، والجهل، والقمع، والاعتقال، والإخفاء القسري، وضد كل الممارسات الغبية التي يمارسها النظام الحالي، ولكن هم أحرار فليقولوا ما شاءوا.

لكن البيان لم ينته عند هذا الأمر فقد ذُكر في آخره مقولة تنسف كل دعوات الاصطفاف. وتوضح أن هتاف "إيد واحدة" كان هتافًا ممتزجًا بالحلم الثوري، انتهت مدة صلاحيته بعد 11 فبراير 2011 مباشرة. وأنهم لا يفكرون إلا في هذا الكرسي الذي سرقه السيسي.

ذُكر في البيان "أننا ماضون لإتمام ثورتنا حتى منتهاها والعمل على تحقيق كل أهدافها وفي مقدمتها عودة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي"!

فليذهب هتاف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" إلى الجحيم، وليبقى الهتاف الذي يجب أن يبقى من وجهة نظر الإخوان "عيش، حرية، مرسي رئيس الجمهورية"، فالتحرك ليس من أجل مطالب الثورة الحقيقية، ولكنه من أجل عودة مرسي، بل أن عودة مرسي في مقدمة مطالب الثورة بالنسبة للإخوان. فلماذا يغضب الإخوان ومؤيدوهم، وتغضب اللجان الإلكترونية عندما يذكر شخص ما أن الإخوان لا يهمهم سوى عودة مرسي؟! وأن الحكاية ليست حكاية ثورة.

فأي ثورة تلك التي قامت من أجل يتولى شخص ما، مهما كان قدره رئاسة الجمهورية؟ وأي شخص هذا الذي تسيل من أجله دماء؟ ويعتقل من أجله آلاف؟!، الثورة لم تشتعل سوى لإقامة العدل؟ وليس لأن يحكم الإخوان ويغضبون عندما يزيحهم العسكر؟

الثورة لم تقم سوى لتطهير وزارة الداخلية الفاسدة، تلك الوزارة التي رفض مرسي تطهيرها، وأعلن على الملأ أنه لا يجوز لنا أن نقول "تطهير الداخلية". هذه الوزارة التي لا يمكن لعاقل أن يأمن مكرها.

الثورة لم تقم من أجل سواد عيون الإخوان، ولكنها قامت من أجل هذا الشعب الكادح الذي عانى الويلات اقتصاديًا، وسياسيًا، والذي عاني من الصحة، والتعليم، والسكن، ومن كل تفاصيل الحياة.

لا أعلم لماذ يتمحك الجميع في ثورة 25 يناير؟! حتى أعدائها الرسميين! فالسيسي نفسه، قائد الحرب التي أُعلنت على الثورة وشبابها بأجهزته الأمنية والقضائية والإعلامية يدّعي أنه يؤمن بثورة 25 يناير. وربما تجد بعض أعضاء حركة "آسفين يا ريس" يتحدثون عن مطالب الثورة في وقت الزنقة!

فلتقولوا ما شئتم، ولتتمحكوا في الثورة، ولتزايدوا علينا، وليقول هذا أننا انقلابيين، وليقول الآخر أننا خونة وننفذ أجندة داخلية. ولتتهمونا بالغباء. وبكل شئ قبيح في الدنيا. ولكن تبقى الحقيقة ظاهرة للأعمى، وهي أن الثورة لم تقم من أجل هذا أو ذاك. وتبقى الحقيقة الثابتة التي مهما تجاهلناها من أجل "مصطلح الاصطفاف" فلن يتجاهلها التاريخ، أن الإخوان أكبر فصيل وضع السكين في جسد الثورة. وأنهم لن ينتفضوا سوى من أجل رئيسهم.
ابدأوا السباب الآن!

مصر بتفرح بالنووي!





مصر العربية

في شمال أوكرانيا، وبالتحديد في مقاطعة كييف عام 1986، وقعت كارثة تشيرنوبل النووية، التي صُنفت عالميًا كأسوأ كارثة بشرية شهدها العالم في التلوث البيئي  والإشعاع المُضر حتى وقتنا الحالي.

وقعت تلك الكارثة بسب خلل في إحدى المولدات التوربينية، تعامل معها أحد العاملين بشكل خاطئ، مما أدى إلى انفجار المفاعل النووي الذى أودى بحياة نحو 40 عاملًا وإصابة أكثر من 2000 في وقت الانفجار، لم تكن المشكلة فيما حدث وقت الانفجار فقط، ولكن كانت الأزمة الكبرى هي إصابة آلاف الأطفال بمرض السرطان بعد وقوع الكارثة بفترة، كما تم إجلاء نحو 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالموقع.

ثم أعلنت السلطات الأوكرانية أن منطقة تشيرنوبل منطقة منكوبة، وبعد حدوث الانفجار سعى المئات من العمال في تغطية وتغليف المفاعل بالخرسانة الأسمنيتة مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم بعد مرضهم متأثرين بالإشعاع.

أعلن الاتحاد السوفيتي بعدها عن حدوث الانفجار على أراضيه رغم أنه لم يكن يعلن عن الكوارث أبدًا ولا يحب الاعتراف بأخطائه، كما طلب المعونة من دول العالم، لأنه لن يقدر على مقاومة تلك الكارثة وحده، بالإضافة إلى أن العالم كله سيُعرض للأذى بسبب تلك الكارثة، فقد تخطت آثار الانفجار حدود المدينة، حتى أنها وصلت لدول تبعد عن مكان الانفجار بآلاف الكيلو مترات، وخلفت الحرائق والانفجارت سحابة من الإشعاعات النووية القاتلة التي إن لم تقتل الإنسان ستصيبه بأمراض خطيرة كالسرطان، انتشرت السحابة في أوكرانيا، وروسيا، وبولندا، والتشيك، وألمانيا، وتركيا، وغيرها من الدول.
***
في هذا الشهر "نوفمبر 2015" أعلن عبد الفتاح السيسي عن مفاجأة قال أنها خطيرة، وهي الاتفاق مع روسيا على إنشاء محطة نووية فى مدينة الضبعة، دون الإعلان عن أي تفاصيل، فالرجل اكتفى بتصريحه بأنه راعى كل الشروط والاعتبارات، وبأن هذا العرض هو أقوى العروض الاقتصادية دون الإعلان عن تفاصيل أخرى، ولم يعلن عن تفاصيل.. فالرجل يظن أن الجماهير تثق في قرارته ثقة عمياء، وهي للأسف عمياء.

نحن أمام كارثة ربما تكون الأخيرة في مصر، لأنها قد تجعل من مصر مجرد كلمات مكتوبة في كتب التاريخ.

لا تظن عزيزي القارئ أن المقصود من ذكر تلك الكارثة التي وقعت في بلاد سبقت مصر بآلاف المراحل فى التقدم العلمي هو "التنكيد" عليك وإفساد فرحتك بإعلان عبد الفتاح السيسي عن خطته لإنشاء مشروع المحطة النووية، فمن الطبيعي يا سيدي أن تعيش في حالة نكد تلقائية بعد مشروع جهاز الكفتة، وكفتة مشروع قناة السويس الذي اقترضت الحكومة مليارات جديدة من أجله، والذي صنفه خبراء عالميون بأنه مشروع لا فائدة من وجوده.

وعليك إدراك أن الإهمال والفساد المنتشران في المؤسسات المصرية جعلا مصر تشرب من مياه النيل الممزوجة بالفوسفات بعد غرق حوالي 500 طن من الفوسفات في النيل، وإلى إغراق الإسكندرية والبحيرة في مياه الأمطار دون تدخل ولو صغير من الحكومة التي اكتفت باتهام الإخوان "شماعة الفشل" بأنهم سدوا بالوعات صرف مياه الأمطار! كما أدى الإهمال والفساد إلى حوادث القطارت، والموت في المستشفيات، وانهيار العقارات، وحوادث الطرق، وقتل سياح عن طريق الخطأ، وتلبيس كل شئ للإخوان.

لا تظن أيضًا أنني أذكرك ببعض وقائع الإهمال والفساد من أجل إصراري على التنكيد عليك، ولكني أؤكد لك أن نظامًا قد غرق في الفساد والإهمال من ساسه لرأسه، لا يمكنه حماية مشروع كمشروع المحطة النووية الذي قد يؤدي إلى كارثة كبرى. لذا فمن الطبيعي أن تشعر بالنكد دون أن تتهمني بالتسبب في ذلك.

يظن عبد الفتاح السيسي أنه امتلك مصر، وأن من حقه أن يجرب فيها ما يحلو له، مغترًا بأولئك الذين يطبلون له في وسائل الإعلام، ويصفقون له ويوهمونه بأن الوطن قد ارتبط باسمه، وبأن عيد ميلاده قد صار عيدًا قوميًا. وبأنه بالفعل كبير الفلاسفة والعلماء، وبأنه طبيب وعبقري ونبغة. هو يحب أن يتحدث الإعلام عن إنجازاته حتى ولو كانت وهمية.

ورغم أن دول العالم المتقدمة تبتعد الآن بشكل صريح عن الطاقة النووية وتتجه إلى الطاقة الشمسية تجنبًا للحوادث التي قد تؤدي إلى كارثة عالمية كبرى. إلا أن عبد الفتاح السيسي اتخذ قرارًا فرديًا خطيرًا كهذا، وهذه هي الدول المتقدمة، فما بالك بدولة إعلامها يتصدره توفيق عكاشة، وتعادي علماء كعصام حجي، وتصدق عبد العاطي ملك الكفتة، دولة فاشلة في التعليم والصحة والأمن، وحتى في كرة القدم. ولكن زعيهما يصر على إنشاء محطة نووية "اشمعنى تشيرنوبل"؟!
***
بعيدًا عن الكوراث التي ربما تتسبب فيها المحطة النووية، هناك أعباء أخرى يتحملها المواطن المصري، فهو الوحيد الذى يتم إضراره بنجاح في كل قرار يأخذه عبد الفتاح السيسي، فالمواطن الكادح هو الخاسر الوحيد من مشروع تفريعة قناة السويس. وهو أيضًا الخاسر الأكبر من مشروع المحطة النووية.

وفي الوقت الذي صرح فيه المستشار أحمد الزند بأن المواطن المصري قادر على العيش بـ 2 جنيه في اليوم وبأن القضاة فقط هم من يستحقون أن يصيفوا في شرم الشيخ لأنهم أسياد وسواهم العبيد، وفي الوقت الذي صرح فيه وزير النقل بأن تذكرة المترو سترتفع 50 قرشًا بعد إذن المواطن الغلبان.

وفي ظروف اقتصادية صعبة لم تمر بها مصر من قبل، وجدنا عبد الفتاح السيسي يبتسم ابتسامة المنتصر ويعلن أن تكلفة مشروع المحطة النووية ستسدد مصر تكاليفه خلال 35 عامًا، أي فى عهد السيد رئيس مصر الصاعد "محمود عبد الفتاح السيسي".

للأسف يبحث السيسي عن مجده الشخصي، دون مراعاة لأولئك المواطنين الغلابة الذين لم ترحمهم الأنظمة المختلفة من الديون المتراكمة التى تتسبب في غلاء الأسعار.

اتضح حب العظمة عندما أعلن الرجل أنه أول رئيس يفكر في إنشاء محطة نووية، مع أن المخلوع محمد حسني مبارك قد بدأ في عمل هذا المشروع من قبل وأوقفه بعد كارثة "تشيرنوبل" التي تحدثنا عنها، وفي 2008 وقّع المخلوع مع بوتين اتفاقًا بين مصر وروسيا لإنشاء محطة نووية في الضبعة، فالمشروع ليس جديدًا كما يدّعي السيسي.

أعاننا الله على تلك الخطوة المتهورة، فأعتقد أن إنشاء محطة نووية ليس أسهل من تسليك بلاعات الصرف الصحي، ربنا يستر.

ورحم الله أحمد فؤاد نجم عندما قال:
وإيه يعنى شعبك يمـوت كل يوم.. ومن همه يطلع يشـــق الهــدوم.
كفايه علينا نشوف ابتسامتك.. ونغرق ما دام انت تقدر تعوم.

رحلة في زنزانة التأديب

هناك من يموتون في زنزانة التأديب (Getty)

ليس التعذيب فقط أن تُجلد على ظهرك بالسياط وأن تصرخ مستغيثًا "أحدٌ أحد"، ولا أن يضع السجان سلك الكهرباء في أماكن حساسة من جسدك، ولكن هناك أنواع من التعذيب لا تترك أثرًا على جسدك، مثل "زنزانة التأديب" فمصلحة السجون تعذّب المساجين بشكل رسمي وعلى أوراق رسمية، وبتهم ملفقة.
تمتلئ زنازين التأديب بكل من له نشاط سياسي يزعج ضباط السجن، وهناك تهمة ملفقة ثابتة لا تتغير، تُدعى "الامتناع عن دخول الزنزانة" وتُكتب على تذكرة المعتقل، إذا رأيتها في تذكرة أي معتقل، فاعلم أن إحدى الجهات قد أوصت بتعذيبه وتأديبه دون أن تظهر على جسده علامات.

يتعرض للتأديب أيضاً من يحاول تهريب الرسائل التي تفضح انتهاكات النظام داخل السجون، أو يحرض المساجين على الاعتراض على تفتيش ذويه بشكلٍ مهين، أو يحرضهم على عدم الاستجابة للضباط عندما يأمرونهم بالجلوس على الأرض كأسرى الاحتلال، وأن ينظروا إلى الأرض.

بالإضافة إلى بعض التفاهات التي تؤدي إلى دخول زنزانة التأديب، كمحاولة تهريب هاتف خلوي داخل السجن للاتصال بالأهالي "مع أن المخبرين يبيعون الهاتف الخلوي للمساجين بسعر 1200 جنيه"، أو محاولة إدخال بعض الأموال، لأن الأموال والسجائر داخل السجون مهمة لتضمن بعض الرفاهية "كالذهاب إلى زنزانة مجاورة لترى بعض أصدقائك".

أذكر أنني دخلت زنزانة التأديب فى إحدى المرات لأني رفضت النظر للأرض، فاهتز الضابط الذي يرتدي نظارة سوداء -حتى فى الأماكن الخالية من الشمس-ليداري خلفها مرضه النفسي، وصرخ بصوت مرتبك، "أنظر إلى الأرض" فرفضت ومكثت يومين في التأديب.

المرة الثانية في السجن كانت بسبب أحد المخبرين الذي حاول أن يفرض إتاوة على الجميع ليسهل عليهم بعض المستحقات، فرفضت اعطاءه ما يريد واعترضت عندما سبني بأمي. فمكثت ثلاثة أيام.

ومرة أخرى لإصراري على كتابة المقالات وإرسالها إلى الخارج عن طريق المساجين الجنائيين. بعدما منعوا دخول الأوراق، والأقلام، والكتب، في تلك الفترة مع تولى مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية.

وفي المرات الثلاث، كتب ضابط المباحث على تذكرة المسجون الخاصة بي أني امتنعت عن دخول الزنزانة.

ما هي زنزانة التأديب؟
هي زنزانة للحبس الانفرادي توجد في كل السجون المصرية، وفي سجن أبو زعبل توجد زنازين التأديب في العنبر الجنائي، وتُمنع منظمات حقوق الإنسان من زيارتها، الزنزانة عرضها لا يتجاوز الثلاثة أشبار وطولها الخمسة أشبار، وارتفاعها هائل، وبالقرب من سقف الزنزانة توجد فتحة صغيرة للغاية، مغطاة بثلاث طبقات حديد، مظلمة، معدومة الهواء، كريهة الرائحة، نظرَا لأن بها علبة بلاسيتك لقضاء الحاجة.
فالمعتقل أثناء وجوده بزنزانة التأديب يمنع من دخول دورة المياه وبالتالي يمنع من الاستحمام. مما قد يؤدي إلى إصابة المعتقل بمرض الجرب.

عند دخولك زنزانة التأديب في الشتاء، يجردونك من ملابسك بشكل كامل، حتى الملابس الداخلية، ويعطونك بدلة ميري قماشها من نوع "البفتة" الخفيف للغاية وعلى ظهرها مكتوب كلمة "تحقيق" لونها أبيض إذا كنت على ذمة الحبس الاحتياطي، بينما يكتب عليها كلمة "نزيل" ولونها كحلي إذا كنت من المحكوم عليهم بالسجن.

تدخل الزنزانة حافي القدمين، ويمنع إدخال مصاحف أو كتب، ويمنعون أيضا دخول المأكولات والمشروبات وحتى المسبحة.

لا تكن قلقًا من موجة الشتاء القاتلة، فسيعطونك "نصف بطانية"، نعم نصف بطانية، ليست بطانية كاملة، كي لا تستطيع أن تحتمى بها من برد الشتاء القارس، وقتها عليك الاختيار، اما أن تغطّي جسدك بنصف غطاء وترقد على بُرش الزنزانة الذي تحوّل لصخرة من الجليد.

أو تضع نصف الغطاء على الأرض وتترك جسدك للشتاء كي يقتله، أو يجعله عرضة لكل الأمراض. في الصباح يسحبون منك نصف الغطاء. كي لا يتوقف جسدك عن الارتعاش.

الرائحة كريهة فى المكان، ولكنك لن تفكر في أي رائحة، وبخاصة إذا كنت في الشتاء. أما في الصيف فربما يضعون معك في نفس الزنزانة شخصين، أو ثلاثة، فتموتون من ارتفاع الحرارة، وعندما يجلس أحدكم يقف الآخرون.

أعلم أنك تسأل عن الطعام، اطمئن، الداخلية لن تتركك تموت جوعًا، ستجد أحدهم يفتح الزنزانة في الصباح ليعطيك رغيفًا من الخبز ويضع فيه قطعة جبنة صغيرة، وأنصحك وقتها أن تمتنع عن الطعام كي لا تضطر إلى أن تقضي حاجتك في العلبة البلاستيك.

أما زجاجة المياه، فهي نفس الزجاجة لا تتبدل، فقط يملؤها السجان دون تنظيفها، لذا يضطر المعتقل إلى شرب القليل من الماء ويحاول أن يغسل جسده ويتوضأ بباقي الزجاجة إن كان في فصل الصيف.

هناك من يموتون فى زنزانة التأديب، وهناك من تصيبهم أمراض عقلية، وهناك من يخرجون لينتقموا. المهم أنه في النهاية قد تمت عملية التعذيب بنجاح دون ترك أي علامة فى جسدك، وأن السيد حافظ أبو سعدة سيقول في وسائل الإعلام أن السجون خالية من التعذيب.

موضوعات متعلقة

التشريفة

اطمئنوا.. السجون مكيفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

زنزانة الإيراد الجديد

عذاب زيارات السجون


عن كاميرا ”إسراء“ المفخخة

كاريكاتير عن إسراء الطويل للفنان "هجرسي" نشر على مصر العربية
لسماع المقال اضغط هنا

نشرت جريدة "أخبار اليوم" في السبت الماضي 14 نوفمبر 2015، تقريرًا بعنوان «اعترافات إسراء الطويل أمام النيابة العامة» أعدّه الصحفيان عزت مصطفى، وخديجة عفيفي.
ولأن الجريدة لها دور معروف في الدفاع عن الأنظمة الحاكمة المختلفة ديكتاتورية كانت أو «كوميدية»، فقد شعرت الجريدة بأن التعاطف العام مع تلك الفتاة يهدد بقاء النظام الحالي، لذا قررت أن يُكتب التقرير في صفحة كاملة لتشويه إسراء الطويل التي صارت رمزًا لآلاف الواقعين تحت بطش النظام الحالي، إن لم يكن جهاز أمن الدولة قد قرر كتابة هذا التقرير بنفسه.
لا يهم إن كان أسلوب الدفاع عن النظام الحالي عقلانيًا أم لا؟! فعندما يحكم البلاد من يتفوهون بكلمات مضحكة حد البكاء، ويرتكبون حماقات خزعبلية حد الجنون، يصير من الطبيعى أن تقرأ في الجرائد الرسمية أخبارًا مفبركة، ستوهمك أن كل شيء على ما يرام، وأن العالم كله قد اتحد وتفرغ للمؤامرة على عبد الفتاح السيسي، وبأن قناة السويس الثانية قد نجحت وعلينا أن نسعى لحفر قناة سويس «ثالثة» في شارع الهرم، وربما ترى خبرًا بالخط الأحمر في الصفحة الأولى يقول: بعد نجاح تجربة جهاز الكفتة، طالب منوفي يخترع «جهاز كبدة»  للمساعدة على عدم التفكير نهائيًا.
أخبار وهرتلات لا نهاية لها في جرائدنا الرسمية لا تدل سوى على «هبل» الكاتب، وسذاجة من يصدقه.

كانت العناوين التي أبرزتها الجريدة كالآتي:

* خططت "إسراء" لاغتيال شخصية كبيرة انتقامًا لـ "أسماء" وتراجعت في اللحظات الأخيرة.
* إسراء الطويل: كنت أنوي وضع متفجرات في كاميرا التصوير بمعاونة أحد متهمي خلية الماريوت.
* أبي وأمي يعملان بدولة عربية ومصروفي 2000 جنيه.
* فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة.
* إسراء الطويل: الأمن أحبط محاولتي زرع كاميرات وأجهزة تصنت بمبنى هام.
* ووضعت صورة لإسراء الطويل وهي تتوكأ على عصاها وكتبت تحتها: استخدمت إسراء الطويل العكاز لاستعطاف الناس.
في حقيقة الأمر هناك أفلام خيالية تتسم بالواقعية أكثر من تلك «المسرحية الهزلية» التي كتبها الزميلان الصحفيان فى جريدة أخبار اليوم، فالعقل يقتضي أن نتساءل: هل يُعقل أن يتصف أي مخلوق بكل هذا الإجرام الذي صورته لنا الجريدة ثم يجلس أمام النيابة في تحقيقات رسمية ويعترف أنه خطط للاغتيال والانتقام وبث الإرهاب؟! فهل هذا الشخص قد نزلت عليه «الجلالة» مرة واحدة وأعلن توبته على يد وكيل النيابة؟!

إن كل قواعد المنطق تقول أن من يعترف بارتكاب جرائم في محضر رسمي قد تعرض للتعذيب، فلا يوجد مجرم في التاريخ يعترف أنه مجرم، حتى النظام الحالي رغم بحار الدم التي غرق فيها يحاول أن يظهر للناس بمظهر الملاك الذي لا يخطئ، أما الاحتمال الأكبر هو ذلك الاحتمال الذي يقول بأن هذه الاعترافات قد كتبها أحد كتبة السيناريوهات الذين لا يجيدون الكتابة، بعدما شرب «سيجارة ما» ليحاول سحب بساط تعاطف الرأي العام من تحت قدمي إسراء، دون دراية منه بأنه يتسبب فى تعاطف أوسع.
صاحبنا الذي كتب السيناريو فلت منه العيار «حبتين» عندما كتب اعترافًا خطيرًا عنوانه "فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة"، وهذا على أساس أن الوحدة جعلت إسراء تستدعي مكتب إرشاد جماعة الإخوان ليلعبوا معاها «بلاي سيتشن» للقضاء على الوحدة التي تشعر بها.
أما عن الكاميرا التي كانت تنوي وضع متفجرات بها، فعلينا أن نسأل صاحبنا كاتب السيناريو: أي نوع من الكاميرات هذا الذي يتسع حجمه لوضع متفجرات به؟ أم أنك  تقصد وضع كميات كبيرة من بومب الأطفال؟! ثم ما علاقة المصروف الذي تأخذه من والديها بالقضية؟!

وعن أي مبنى هام يتحدث صاحبنا؟! فإسراء قد اخطفتها قوات الأمن من الشارع، وأنكرت احتجازها لمدة 15 يومًا، ولم يقبض عليها متلبسة، ولأن قوات الأمن لم تجد تهمة مناسبة لإسراء فاقتحمت بيتها بعد فترة من اعتقالها وأخذت جهاز «اللاب توب» الخاص بها للبحث عن أي تهمة مناسبة، أي أن الاعتقال كان أولًا، والتهمة سنجدها بعد إشعار آخر، وطبعًا هناك تهم مطاطية جاهزة من السهل أن تتهم بها أي مخلوق كتلك التهمة التي تُسمى "انتماء لجماعة محظورة".
كانت الكراهية واضحة في قلم من يكتب، عندما اتهم  إسراء بأنها ليست عاجزة ولكنها تحاول استعطاف الشعب، فهكذا هم المخبرون تتحكم فيهم كراهيتهم غيرر المبررة عندما يكتبون أو يظهرون في وسائل الإعلام.
انتشرت مهنتي المذيع المخبر، والصحفي المخبر خلال حكم عبد الفتاح السيسي بشكل فج، وصارت أسمائهم معروفة، فهم يؤدون دور يحدده جهاز أمن الدولة، ستستشعره عندما تراهم جميعًا يتداولون نفس الموضوع، ونفس الاتهامات، ونفس الشخصية المطلوب اغتيالها إعلاميًا واتهامها بكل الاتهامات الباطلة، ففي نفس الوقت الذي نشرت فيه جريدة أخبار اليوم هذا التقرير الخُزعبلي، وجدنا أحد «مخبري» الإعلام، الذي يذيع ألعاب الحروب على أنها مشاهد حقيقية وصاحب مقولة «روسيا مبتهزرش»، يظهر على شاشة القناة التابعة لأمن الدولة ليتهم "إسراء الطويل" بأنها "إرهابية"، فالرجل يثق في أن أحدًا لن يحاسبه لأنه لا يتكلم إلا بتكليف من الأجهزة الأمنية، فيشتم ويسب ويتهم كل من أراد اتهاهمه دون أن يتعرض للمسائلة القانونية.
أما إحدى الحقوقيات التي استيقظت من نومها يومًا وشعرت بالفرحة والبهجة لأنها حلمت بالرئيس عبد الفتاح السيسي فرسمت قلوبًا على صفحتها الشخصية واستشعرت الراحة لرؤية وجهه الطاهر فى المنام، فقد ظهرت في وسائل الإعلام تصرخ وتطالب الناس بأن تنتبه لأن إسراء الطويل كانت معها «نبلة» تقنص بها عيون ضباط الجيش والشرطة. فإسراء لديها القدرة على وضع أطنان من المتفجرات في كاميرا وأن تقنص عيون الجيش والشرطة بنبلة.

إذًا.. تفرغ النظام الحالي بأذرعه الأمنية، والقضائية، والإعلامية، لمحاربة تلك الفتاة التي أحرجتهم باتكائها على العصا، ودموعها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وحاول إثبات ما لا يمكن إثباته، كي ينقذ نفسه من غباء من اعتقلوا إسراء.
يظلم النظام آلافًا ويطالب الملايين بأن يجوعوا من أجل بناء مصر وحكومته تعيش في نعيم، ثم يدّعي التقوى.

يقول "علي شريعتي": "عندما يرتدي الظلم رداء التقوى تولد أعظم فاجعة"، ومصر لم تمر في تاريخها بفاجعة كتلك التي نعيشها.

القومي ضد حقوق الإنسان

أخيراً، سيأتي من يستمع إلى شكواهم (مواقع التواصل)
في فبراير/ شباط من عام 2014 نشرت الجرائد المصرية خبراً صياغته كالآتي: قال اللواء أبو بكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، إنّ وزارة الداخلية تأكدّت اليوم من عدم تعرض السجناء بسجن "أبو زعبل" للتعذيب، كما تردد، خلال اليومين الماضيين، قائلاً "لجأنا إلى الضباط وإدارة السجون وتأكدنا من عدم وقوع أي تعذيب للسجناء"
إذاً، فعادة النفي لدى السيد اللواء ملتصقة به قبل أن يحصل على لقب "متحدث باسم وزارة الداخلية"، فسيادة اللواء لديه ثقة عمياء في الضباط وإدارة السجون.
أعتقد أن سيادة اللواء اجتمع مع الضباط وسألهم:
- يا حضرات الضباط، هل عذبتم أحداً؟!
- قسماً يا سيدي لم يحدث.
- لا تقسموا، فأنتم صادقون

في يوم 16 فبراير/ شباط 2014، انقلب السجن رأساً على عقب، وأشهد أن المساجين الجنائيين وقتها قاموا بتنظيف السجن كأنهم ينظفون قصر الرئاسة، كما أن المياه لم تقطع طوال اليوم، وكانت قبلها لا تأتي إلا قليلاً، وزيارات الأهالي تخطت نصف ساعة تقريباً، كما أن مأمور السجن وقتها دخل الزنازين بنفسه ليسألنا عن احتياجاتنا! وهو أمر غير طبيعي، فمأمور السجن لا يدخل الزنازين إلا إذا كانت هناك حملات تأديب جماعية ينوي إقامتها.

تحدث أحدنا: نريد غطاءً لأننا ننام على البلاط وبطانيتين لا تكفيان، فاستجاب وأمر بتزويد كل شخص ببطانية ثالثة.

- الملابس قليلة يا سيدي.
فأمر بإحضار ملابس ميري فوراً، لأن هؤلاء الطلبة محترمون. مع أنه قبلها بيومين كانوا أولاد كلب عديمي التربية كما قال.
لم يترك زنزانة واحدة إلا وسألها عن احتياجاتها، وكانت كلها أمانيَّ بسيطة:
- نريد كتباً.
- أقلاماً.
- أوراقاً.
- جرائد.
- ملابس.
- أطعمة.
- علاجاً.

وأغرب ما حدث، في ذلك اليوم، هو صعود الطبيب بنفسه إلى الزنازين ليسأل المعتقلين عن صحتهم، وعمّن لديه أمراض تستحق المتابعة؟!

وقتها سألت الطبيب عن سبب التغيير الذي طرأ على السجن، هل قامت ثورة في الخارج ونحن لا ندري؟!
فنفس الطبيب كان لا يستجيب لأي استغاثات من المرضى مهما كانت الحالة خطرة.
ضحك الطبيب وقال: لا تقلق بعد غدٍ سيعود كل شيء كما كان. لأنه في الغد سيزور السجن وفد من حقوق الإنسان. وهذا شيء روتيني يحدث كل فترة.

شعر الطلاب بفرحة كبيرة، أخيراً، سيأتي من يستمع إلى شكواهم، ومن يعلن أن هناك المئات من الطلاب قد اعتقلوا عشوائياً، ويطالب بالإفراج عنهم وبمحاسبة المسؤولين عن وضعهم في السجن من دون ذنب، وربما يتظلم لدى جامعتهم ليؤدوا امتحاناتهم.

انتظر جميع الطلاب تلك الزيارة بفارغ الصبر، ورتبوا كل ما سيقولونه "سنتحدث عن التعذيب في القسم والمعسكر والسجن، لا لن نتحدث عن التعذيب كي لا يعيدوا الكرة، نريد الخروج فقط، سنقول لهم إننا لسنا مجرمين، وإننا نعشق الوطن، وإننا كنا ننوي أداء امتحاناتنا فقط، سيتحدث أحمد جمال بالنيابة عنّا، فهو الصحافي الوحيد بيننا وسيقدر على نقل الصورة بشكل واضح وسريع، سنكتب كل شيء كي لا ننسى".

هكذا حلموا بالحرية، وشيدوا قصوراً من الهواء، وأحلاماً بسيطة، فكلمة "حقوق الإنسان" أشعرتهم أنهم مقصودون من كلمة "إنسان"، ظنوا أن السيد "حافظ أبوسعدة" سيبكي حزنًا على ضياع مستقبلهم، وعلى مستقبل الوطن النائم على بلاط الزنازين فى الشتاء. فأغلبهم صغارٌ لا علاقة لهم بالثورة ولا بالسياسة، ولا يدركون أن هذا الرجل ليس إلا موظفًا لدى الدولة، لا يقدر على معصيتها.

انتظر الجميع تلك اللحظة المهمة، ولكن تلك اللحظة لم تأت بعد، مر اليوم من دون أن نرى أحد أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، لا في زنزانتنا ولا في الزنازين الأخرى.
وفي صباح اليوم التالي، أعلنت كل الجرائد أن المجلس القومي لحقوق الإنسان قد زار سجن أبو زعبل للاطمئنان على أوضاع المساجين، وأعلن أن السجن خالٍ من التعذيب وأنه استمع إلى شكاوى المساجين، وأكد أنه لم ترتكب الداخلية أي انتهاكات.

فالمجلس لم يصعد إلى الزنازين، ولم يتحدث إلى المعتقلين، واكتفى بزيارة المأمور ونائبه ورجال المباحث ليسألهم عن الانتهاكات التي ارتكبوها كما فعل معهم سيادة اللواء أبوبكر عبدالكريم، فلم يغير الضباط أقوالهم وخرج المجلس في وسائل الإعلام ليعلن أن كل شيء على ما يرام. (ملحوظة: لا أتحدث عن أعضاء المجلس بالإجماع، فمن بينهم من تحاربه الداخلية ولا تمكنه من زيارات السجون).

موضوعات متعلقة:

رحلة في زنزانة التأديب     

التشريفة

اطمئنوا.. السجون مكيفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

زنزانة الإيراد الجديد

عذاب زيارات السجون


خطاب السيسي الموزون 3


لسماع المقال: اضغط هنا
وقف على المسرح بوجهٍ غاضب وشاحب، ربما من قلة النوم، فهو لا ينام سوى 4 ساعات، كما أخبرنا "مصطفى بكري" الذي لم يذكر كيف عرف عدد ساعات نوم الرئيس، والذي اشتكى من أن الرئيس يعمل وحده.
وفي الندوة التثقيفية «الخالية من الثقافة» ألقى علينا عبد الفتاح السيسى خطابه..
"مش عاوزين نستبق الأحداث ونتكلم لأن ده بيقلل من مصداقيتنا".

كاريكاتير للفنان أنور

عندما سمعت كلمة المصداقية، تذكرت «جهاز الكفتة».. هذا الجهاز العبقري الذي كان من المفترض أن يعالج المصريين، وفى النهاية طلع كفتة.
كما تذكرت ذلك الخطاب الذي ألقاه عبد الفتاح السيسي منذ شهر ونصف تقريبًا عن إنجازاته المبهرة، وقتها أخطأ الرجل وأطلق كلمة "تفريعة" بدلًا من "قناة" على مشروعه الذي تكلف الاحتفال به نحو 30 مليون دولار - حسب تصريحات الشركة المنظمة للحفل - كما أعلن أن عدد السفن ازداد 15 سفينة مما أدى إلى عودة 20 مليار جنيه من تكلفة التفريعة لخزينة الدولة.
وفى النهاية اكتشفنا أن تفريعة قناة السويس الجديدة تسببت في خسائر فادحة منها انخفاض سعر الجنيه المصري، كما أخبرنا هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق.
أما جريدة "المال" فقد نشرت خبرًا عنوانه "قروض قنـاة السويـس تقترب من مليار دولار"، ورأينا وسائل إعلام غربية اعتبرت أن التوسعة التي نفذتها مصر في قناة السويس بمليارات الدولارات قد لا يحتاجها العالم نظرًا لتباطؤ الاقتصاد العالمي، فحدثونا عن المصداقية!
منذ شهر تقريبًا اختفى الشاب "عمر خضر" كغيره ممن تخفيهم الدولة ثم تنكر احتجازهم لديها، وبعد غرق الإسكندرية أصدرت وزارة الداخلية بيانًا تعلن فيه نجاحها في القبض على «فريق البكابورت» الذي سد البلاعات وكان "عمر" ضمن الأسماء التي ذكرتها الداخلية واتهمته بأنه سد البلاعات رغم أنه وقتها كان محتجزًا لديهم.
حدث نفس الأمر مع إسراء الطويل، وإسلام خليل، وصهيب، الذين أنكرت الداخلية احتجازهم، ثم ظهروا في السجون بعد فترات متفاوتة، وحدث مع 20 مواطنًا أخفتهم الداخلية وظهروا في مديرية أمن الجيزة متهمين في قضايا مختلفة. فحدثونا عن المصداقية!
"ما تحقق خلال السنتين اللي فاتوا كتير، تحقق كثير فى مجال الأمن والاستقرار".

بعدها بيومين فقط سقطت الطائرة الروسية في أرض سيناء، وأعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن إسقاط الطائرة، ولكن الإعلام المصري حاول إثبات أن الطائرة سقطت وحدها «خبطت فى عمود مثلًا»، ثم أكد موقع BBC أن المخابرات الأمريكية رصدت مكالمات لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تشير إلى مخطط لتدمير الطائرة الروسية، وإن صح الخبر، فهذا معناه أن قواتنا المسلحة لم تتمكن مما تمكنت منه مخابرات أمريكا في رصد المحادثات، مما يعدّ فشلًا ذريعًا في نشر الأمن والاستقرار اللذان تحدث عنهما السيسي، حتى أن لجنة التحقيق المصرية «ريحت دماغها» وأعلنت أن سبب سقوط الطائرة غير معروف.
الغريب أنه فى ظل تلك الأحداث الدامية تفرغت المخابرات الحربية للتحقيق مع الصحفي "حسام بهجت"، الكاتب بموقع "مدى مصر"، بسبب تحقيق استقصائي نشره عن محاكمات لضباط بالجيش متهمين بمحاولة الانقلاب على الحكم. فانتشر موضوع المحاكمات بإعلان التحقيق مع "حسام بهجت" ومازال حسام يتحقق معه فى المخابرات حتى كتابة تلك السطور.
كما لا يمكننا أن ننسى موقعة اغتيال النائب العام التي كشفت لنا مدى الهشاشة الأمنية، وعدم القدرة على تأمين شخصية هامة يشغل منصب النائب العام. فحدثونا عن الأمن والاستقرار!
"عايز أقول لكم إني بلتقي بناس كتير وكلهم بيقولوا إنكم قدرتوا يا مصريين تحققوا أمن واستقرار لبلادكم".
ولهذا أعلنت «ناس كتير» ودول عديدة تعليق رحلاتها لمصر، بسبب هذا الاستقرار الذي يحسدنا عليه هؤلاء «الناس الكتير»، فقد أعلنت بريطانيا تعليق رحلاتها لشرم الشيخ أثناء وجود السيسي في بريطانيا، وخرج علينا السياسي البارع "معتز بالله عبد الفتاح" ليقول أن هذا القرار إهانة لبريطانيا وليس لمصر، وخرج علينا أحد الفنانين ليجعلنا مسخرة أمام خلق الله ويتهم الحكومة البريطانية بأنها إخوان.
أما الدب الروسى "بوتين" فهانت عليه العشرة وقرر تعليق الرحلات الجوية لشرم الشيخ، حتى أن أحد أنصار السيسي كتب تعليقًا على صفحة بوتين باللغة العربية "حتى أنت يا بوتين، لقد شعرنا بالصدمة"، ثم أعلنت كل من فرنسا، وهولندا، وتركيا، وإسبانيا، وبلجيكا، وإيرلندا، وأمريكا تعليق رحلاتهم إلى شرم الشيخ ومنهم من علق الرحلات إلى مصر تمامًا. فحدثونا عن «الناس الكتير» اللي بيحسدونا على الأمن والاستقرار.
"نقطة دم كل مصري غالية علينا".

كاريكاتير لكارلوس لاتوف.

لا يمكن أن ننسى دماء كل من أسماء البلتاجى وشيماء الصباغ وسندس اللواتي اغتالتهن الدولة بدم بارد، وطالب الهندسة إسلام عطيتو الذي تمت تصفيته بخلاف تصفية 10 مواطنين بشقة بأكتوبر، وبعدها تصفية 7 بالبراجيل، وأعتقد أن النظام ما زال مستعدًا لإراقة الدماء من أجل البقاء على كرسي الحكم أطول فترة ممكنة. فعن أي دماء غالية يتحدث؟!
"لسه بكررها تاني، هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه أو يرفق به، هو الرفق إيه؟ إن أنا أنكّد عليه كل يوم؟ لأ طبعًا".

دموع إسراء الطويل، نقلًا عن مواقع التواصل الإجتماعي.

لم تجد إسراء الطويل من يحنو عليها عندما ذرفت دموعًا أشعرت كل «اللي عنده دم» من الشعب بالنكد، ولم تجد من يحنو عليها وهي تتوكأ على عصاها لإعاقة في قدمها، بل وجدنا إحدى مؤيدات السيسي التي تطلق على نفسها «حقوقية» تطالبه بعدم الرفق بتلك الفتاة وحبسها مدى الحياة.
كما أن أهلنا فى إسكندرية والبحيرة لم يجدوا من يحنو عليهم عندما هدمت بيوتهم السيول «التي لو حدثت في دولة متقدمة لاستفادت منها»، وعندما مات منهم العشرات بسبب الإهمال وعدم تجهيز بالوعات صرف الأمطار، فكان حل الدولة الوحيد هو اتهام الإخوان بسد البالوعات، فالإخوان شماعة متينة يمكنك أن تعلّق عليها كل أخطائك وكوارثك.
"الموضوع يخوّف؟ لأ.. احنا ماشيين كويس. أكتر من كويس، وأنا مش ببالغ".
نعم ونحن أيضًا نرى أن كل شئ ماشى «كويس» وأكثر من «الكويس»، فحرية الصحافة قد حصلت على المركز الـ 159 من بين 180 دولة حسب تقرير "مراسلون بلا حدود"، أما التعليم فقد نجحنا في الحصول على المركز قبل الأخير على العالم، وهو مركز «كويس»، وحصلنا على المركز الأول في الإصابة بفيرس سي، والمركز الأول في تلوث الهواء، والمركز الأول في حوادث الطرق، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، أما الأسعار فقد ارتفعت نحو 10 أضعاف ما كانت عليه في عهد المخلوع محمد حسني مبارك. وفقًا لما أراه شخصيًا. لكن الحمد لله، احنا ماشيين أكتر من كويس.
"احنا بنتكلم فى 17 شهر مش بتكلم فى 17 سنة، خلو بالكو، أنا مش بتكلم فى 17 سنة أنا بتكلم فى 17 شهر".
نحن لم ننتظر على مرسي أكثر من عام، بالإضافة إلى أن أجهزة الدولة كانت تحاربه مما زاده فشلًا على فشله، أما سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي فكل أجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية تدعمه بشكل واضح، ولكن النتائج والآداء صفر كما قال الإعلامى جابر القرموطي الذي رجع في كلامه في الحلقة الثانية وقال أنه لم يقصد «صفر أوي يعني».
"لو سمحتم متختلفوش أبدًا، احنا عايزين مجتمع واحد".

رسمة للفنان "أنديل"

نعم نحتاج إلى مجتمع واحد خالٍ من الإخوان والسلفيين والليبراليين والعلمانيين والاشتراكيين الثوريين، وشباب 6 إبريل، وشباب الألتراس، وكل من له علاقة بالثورة، نريد مجتمعًا لا خلاف فيه إلا بين دولتي مبارك والسيسي.
"دي حاجة صعبة أوي، ميصحش كده، ميصحش كده، احنا بنتجاوز كل حاجة، إيه ده؟ ميصحش كده، انتوا بتقولوا كل حاجة فيها كارثة، الله يعني هو القطاع ده مفيهوش كارثة ولا إيه؟!".
كان يشير إلى قطاع الإعلام، وفي الحقيقة تلك هي النقطة الوحيدة التي أتفق فيها مع الرجل، فقطاع الإعلام به كوارث وليست كارثة واحدة.. "تطبيل، ونفاق، وتحريض، ومصالح رجال أعمال"، قال الرجل مقولته وهو غاضب، وبعدها رأينا صورًا لرجل الأعمال "صلاح دياب" مؤسس جريدة المصري اليوم، وأحد الداعمين لنظام عبد الفتاح السيسي، والمساهمين في صندوق "تحيا مصر"، وهو مكبل اليدين بشكل مهين تعمدت قوات الأمن إظهاره، وأرسلت صوره لإحدى الجرائد التابعة لها، وسواء كان الرجل قد قُبض عليه فى قضية ملفقة أو حقيقية، فالأكيد أنه قُبض عليه لتصل الرسالة إلى ذلك القطاع الذي امتلأ بالكوارث، والذي انتقد غرق الإسكندرية، بأنه من لم يقف معنا في الفشل قبل النجاح فمصيره كمصير صلاح دياب. "ميصحش كده"
"ابتدينا نشوف أحزاب سياسية تتشكل وقوى ابتدت تبان، مش كده؟".
تلك الأحزاب التي تصدرتها السيدة المسيحية المرشحة على قوائم حزب النور وهى تصدر أصواتًا غليظة من «أنفها» وتعترض قائلة على أحد من قال أنها «عار» على المسيحيين «عار ده يعنى بوس ولا كبس؟» وسعيد حساسين حبيب الملايين الذى يعطى رشاوى انتخابية فى هيئة عقاقير، وأحمد مرتضى منصور صاحب المقولة الشهيرة "بعد ما ناخد الحصانة هنضرب أى حد بالجزمة" حزب وطنى قديم وحزب وطنى جديد يتنافسان على الأغلبية البرلمانية، فتلك هى القوى السياسية التي تشكلت وابتدت تبان مش كده؟
"انتوا لحد دلوقتي بتسمعوا كلام مني بقالكم سنتين، قولوا لي أسأت لمين؟!".
تصفيق حاد. تهليل. صوت أنثى عالٍ يردد "ربنا يخليك لينا ياريس".
أُسْدِلَ السِّتار..
موضوعات متعلقة:

خطاب السيسى الموزون 1

خطاب السيسي الموزون 2