مصر العربية
نجح
نجاحًا ليس كمثله نجاح في الحصول على لقب أقدم طالب في جامعة الأزهر، التي
مكث بها 10 أعوام قابلة للزيادة لأنه لم يتخرج بعد من الفرقة الرابعة بكلية
تجارة.
ظلّ في الفرقة الرابعة نحو 4 أعوام. ففي كل فصل دراسي يكتفي بمراجعة مادّة واحدة حتى يقدر على التركيز فيها، كما أنه لم يفكّر يومًا في الغش، ليس عملًا بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منّا" ولكنّ عقله لا يستوعب كثافة المعلومات عندما يحاول أحدهم أن يغششه.
ملً الحياة والدراسة في مصر، وأجّل حلم حياته في التخرج من كلية التجارة، وسافر إلى السودان هربًا، قاصدًا العمل وهاربًا من لقب "قهوجي" الذي التصق به منذ أن بلغ العاشرة من عمره، ولكن العمل بالسودان لم يجعله غنيًا كما تمنى، فلا فرق بين عمله الأصلي "قهوجي" وعمله في السودان، ذلك العمل الذي لم يفصح عنه أبدًا حتى هذه اللحظة.
عاد من السودان وفي حوزته بعض الهدايا المستعملة لزوجته وابنتيه، ولكن زوجته قالت له كعادتها "ياما جاب الغراب لأمه".. قرر العودة لحلمه الذي لم ولن يتخلى عنه مهما بلغ من العمر أرذله، حيث التخرج من كلية التجارة والعمل "مدير بنك" هكذا تمنى، فهو ما زال صغيرًا والمستقبل يفتح له أحضانه، يبلغ من العمر فقط 35 عامًا، ولكن شئون الطلبة أخبرته أن قضائه كل تلك المدة في الكلية يقتضي أن يدفع على كل مادة يؤدي بها الامتحان 200 جنيه، نزل عليه الخبر كالصاعقة، لأنه بهذا سيقلل من الميزانية الخاصة بالحشيش، ولكن على كل حال يومًا ما سيصير "مدير بنك" ويزرع في حديقة منزله حشيش لا حصر له، وسيصبح كل تجار الحشيش الكبار أصدقائه "هكذا تمنّى" !
***
في فجر السبت 28 ديسمبر 2013، أدّى صلاة الفجر في خشوع، ثم شرب الحشيش لأنه لا يقدر على التركيز بدونه، ولفّ سيجارة أخرى احتياطي ووضعها في جيبه كي يشربها قبل الامتحان مباشرة.
في فجر السبت 28 ديسمبر 2013، أدّى صلاة الفجر في خشوع، ثم شرب الحشيش لأنه لا يقدر على التركيز بدونه، ولفّ سيجارة أخرى احتياطي ووضعها في جيبه كي يشربها قبل الامتحان مباشرة.
كان معه 500 جنيه لأنه قرر عدم العودة إلى بلده الأم "الزقازيق" إلّا بعد الانتهاء من المادة الثانية المقررة عليه بعد أسبوع، وكان معه ورقة بخمسة جنيهات طبع أحدهم عليها كلمات "مرسي رئيسي، يسقط حكم العسكر" قرر ألّا يعطها لأي مخلوق في القاهرة لأنه يظن أن نصف سكان القاهرة يعملون مع مباحث أمن الدولة، وبالطبع لا يمكن أن يتخلى عنها لأنها بالنسبة له مبلغ كبير لا يأتي إلا بعد طلوع الروح.
دخل إلى الحرم الجامعي وفي جيبه سيجارة الحشيش، والـ 5 جنيهات المطبوع عليها "مرسي رئيسي" وملزمة لمادة المحاسبة لا علاقة لها بالمحاسبة التي سيأتي منها الامتحان لأنه حصل عليها من طالب "ابن حلال" تخرج في الجامعة عام 2009 توفيرًا لدفع المزيد من الأموال، وقرّر المذاكرة منها وكله ثقة في أن الله لن يخذله.
عندما وصل إلى الكلية وجدها تحترق، ظنّ في بداية الأمر أنها هلوسة محششين، ولكن اكتشف أنّها بالفعل تحترق وأن سيجارة الحشيش لم تحترق بعد، فتذكر مقولة أمه "الموكوس موكوس ولو علقوا على عقله فانوس" ولعن حظه الهباب، وأخذ يهرول هنا وهناك يحاول إطفاء النيران التي اشتعلت في الكلية أكثر من محاولات رجال الإطفاء أنفسهم وظل يهتف "يا ولاد الكلب، ده انا دافع في المادة 200 جنيه".. تلك الـ 200 جنيه التي لو لم يدفعها لاشترى بثمنها 15 سيجارة حشيش من النوع الرديء الممزوج بالتوابل.
***
بعدما خمدت النيران علم أن الامتحانات تأجلت لدواع أمنية، فحمد لله لأنها أصلًا مادة لم يفهم منها شيئًا طوال فترة دراسته، ولا يرى لاختراعها سببًا سوى عرقلته! وفي أثناء خروجه من الجامعة مرّ على سيارة شرطة فألقى السلام على ضابط الشرطة والعساكر متبسّمًا في وجوههم، اعتقادًا منه بأنهم يقدّرون له دوره البطولي في إطفاء الكلية، ولكن الضابط لم يرد السلام، فغلى الدم في عروق صاحبنا وقال للضابط: رُدّ السلام يا أخي، أنا كنت هبقى زميلك بس أنا مبحبش الشغلانة دي!
بعدما خمدت النيران علم أن الامتحانات تأجلت لدواع أمنية، فحمد لله لأنها أصلًا مادة لم يفهم منها شيئًا طوال فترة دراسته، ولا يرى لاختراعها سببًا سوى عرقلته! وفي أثناء خروجه من الجامعة مرّ على سيارة شرطة فألقى السلام على ضابط الشرطة والعساكر متبسّمًا في وجوههم، اعتقادًا منه بأنهم يقدّرون له دوره البطولي في إطفاء الكلية، ولكن الضابط لم يرد السلام، فغلى الدم في عروق صاحبنا وقال للضابط: رُدّ السلام يا أخي، أنا كنت هبقى زميلك بس أنا مبحبش الشغلانة دي!
فأصدر الضابط أوامره بالقبض عليه وتفتيشه، فوجدوا سيجارة الحشيش والـ 5 جنيهات المطبوع عليها "مرسي رئيسي" في حوزته. فضربه الضابط على وجهه وقال: يعني إخواني وحشاش؟!
حاول صاحبنا أن يشرح للضابط أن هناك سوء تفاهم وأنه لا علاقة له بالإخوان مع اعترافه بأنه حشاش فقط وليس "إخواني وحشاش" ولكن الضابط أصرّ على أنه إخواني وحشاش. أما بقية الـ 500 جنيه فقد ضربها أحد المخبرين في جيبه، وهنا ظل يهتف: الـ 500 جنيه يا باشا. الـ 500 جنيه يا باشا.
***
احتجزته قوات الأمن في أحد مباني الجامعة، ثم جاء مراسل قناة "صدى البلد" الذي شعر بأنه "جاب التايهة" وصوّر تلك الأعجوبة وهذا المتظاهر الإخواني الحشاش.
احتجزته قوات الأمن في أحد مباني الجامعة، ثم جاء مراسل قناة "صدى البلد" الذي شعر بأنه "جاب التايهة" وصوّر تلك الأعجوبة وهذا المتظاهر الإخواني الحشاش.
وبدأ حواره مع صاحبنا الذي انتابته فرحة عارمة عندما علم أنه سيظهر في التليفزيون، لكن صاحبنا تفاجأ عندما قال المراسل: معنا أحد طلاب الإخوان الإرهابيين وبحوزته سيجارة حشيش.
فقاطعه صاحبنا قائلًا: إخوان إيه يابرنس وإرهابيين إيه؟!
ولكن البرنس كان مُصرًّا على أنه إخواني وإرهابي وحشاش وحرق كلية تجارة ومنع الطلبة من دخول الامتحان.
فظل صاحبنا ينكر، ولكن البرنس لم يعطه الفرصة للإنكار وسأله عن سيجارة الحشيش.
فابتسم صاحبنا وسأل البرنس سؤال نبيه: هي مش سيجارة الحشيش في إيدك؟! تبقى بتاعتك!
فضحك البرنس وضحك صاحبنا وضحك المخبرين. ثم عاد البرنس ليسأله عن الخمسة جنيه المكتوب عليها "مرسي رئيسي" فنهره الطالب مندفعًا كعضو مجلس شعب وقال: يعني هو مكانش رئيسك يا أخويا؟!
فرد البرنس متفزلكًا، نعم كان رئيسي ولكني لم أكتب على النقود مرسي رئيسي؟!
فرد صاحبنا ردًا مقنعًا: وأنا مش هضحي بالـ 5 جنيه وأرميها عشان واحد سفيه كتب عليها كده. ثم تعصّب صاحبنا ومزّق الـ 5 جنيه قائلًا، وادي الـ 5 جنيه. محاولًا التخلص منها والاكتفاء بسيجارة الحشيش.
ولكن المخبرين جمّعوها من جديد حتى تكون دليل على حرق الكلية وانتمائه للإخوان، وبالفعل كانت الـ 5 جنيه حرزًا من أحراز القضية.. أما عن سيجارة الحشيش، فقد أمر الضابط بإبعادها حتى لا تكون سبب برائته، لأنهم يريدون إخوان ولا يريدون "حشاشين".
***
اقتادوا صاحبنا إلى قسم ثانِ مدينة نصر، وظلّ يهتف هناك الـ 500 جنيه يا كفرة، الـ 500 جنيه يا حرامية.
اقتادوا صاحبنا إلى قسم ثانِ مدينة نصر، وظلّ يهتف هناك الـ 500 جنيه يا كفرة، الـ 500 جنيه يا حرامية.
ظلّ طوال اليوم على هذا الحال لا يفكر سوى في الـ 500 جنيه، فجاء أحد الضباط وأخذه إلى غرفة مغلقة وصعقه بالكهرباء حتى يصمت، ولكنه لم يصمت وظل يهتف بالـ 500 جنيه، وظلوا هم يعيدون الكرّة ويصعقونه بالكهرباء.
حُكم على صاحبنا في نهاية الأمر بالسجن المشدد 5 سنوات ومثلها مراقبة أمنية، فهتف صاحبنا "الله أكبر" وسجد سجدة شكر، ظن جميع المساجين أن الله قد أنزل على قلبه السكينة وبأنه يُظهر الفرحة على وجهه حتى لا يشعر بالانكسار. ولكنه كان يشعر بالفرحة لأنه حكم عليه بالسجن 5 سنوات فقط مع أن أغلب المتهمين في القضية حكم عليهم 7 سنوات ومثلها مراقبة. "يذكر أن صاحبنا لم يفقد الأمل في الحصول على الـ 500 جنيه، وفي إكمال دراسته".
* السطور السابقة حدثت بالفعل مع أحد الطلاب المتهمين في قضية رقم 7399 لعام 2013.