«الغاز المصري» و «دولة الاحتلال» .. قصة غير قابلة للإسالة

GEETY


مدد

بعد انطلاق صافرة النهاية، انطلقت أبواق السيارات ودقات الطبول في الشوارع، وكانت الاحتفالات صاخبة، وغطت الألعاب النارية سماء مصر، بعد أن خرج المصريون إلى الشوارع، على ما يبدو أن الأعداد كانت بالملايين. كان هذا في عام 2010، وكان المنتخب المصري لكرة القدم، قد أحرز لقب كأس الأمم الأفريقية، بعد فوزه على منتخب غانا بهدف وحيد أحرزه اللاعب محمد ناجي جدو مقابل لا شيء.
وبعد بكى البعض متأثرًا بتهنئة الرئيس للمنتخب وللشعب بالانتصار العظيم، يبدو أنه في اليوم التالي، كان هناك من كان يبكي في المناطق الشعبية والقرى الأكثر فقرًا، بعد أن اختفت أنابيب الغاز من الأسواق.
البكاء لم يكن وصفًا دقيقًا، كان الناس يتقاتلون، فبعد إحراز مصر كأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة على التوالي، وتحديدًا في 6 فبراير 2010، دارت معارك بالأسلحة النارية في عدة محافظات، وشهدت عدة مناطق بمحافظات الجيزة و٦ أكتوبر وحلوان مشاجرات بين المواطنين، استخدموا فيها “السيوف والسِّنَج والأسلحة البيضاء” وأصيب 25 بسبب التدافع على أسطوانات الغاز بكفر الشيخ وجرت معركة بالرصاص الحي والشوم في الغربية أصيب فيها 6 مواطنين، بسبب أسبقية الحصول على اسطوانات الغاز. في اليوم ذاته وفي المنوفية استغل 5 عاطلين الزحام الشديد وتمكنوا من سرقة 5 أسطوانات غاز ممتلئة بعد أن استبدلوها بـ 5 فارغة من سيارة كبيرة تابعة لمستودع غاز بأشمون أثناء تعطل الحركة المرورية ولاذوا بالفرار وتم تحرير محضر بالواقعة.
استغل بعض التجار اختفاء الغاز، وعرضوا اسطوانة الغاز بأسعار تصل إلى 50 جنيه، في الأماكن الفقيرة.
في الوقت ذاته كانت مصر تصدر الغاز إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بأسعار رخيصة، فالاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية مع دولة الاحتلال عام 2005 تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاما، بأسعار تتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، كانت الأسعار العالمية في حدود من 5 إلى 7 دولارات آنذاك، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات.
كانت الحكومة المصرية حينها تدعي أن تصدير الغاز إلى إسرائيل ليس السبب في أزمة الأنابيب، وحمّلت الحكومة دولة الجزائر المسئولية لأنها امتنعت عن توريد غازها إلى مصر، لعدم تسديد الأخيرة أموالًا متأخرة.
الغاء الاتفاقية
صدّرت مصر الغاز الطبيعي إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى إلغاء الاتفاقية عام 2012، فقد استنزفت الآبار بعد تعرض الأنابيب الناقلة لعمليات تخريبية وتفجيرات متتالية.
وقالت مصر حينها إن السبب عدم التزام الشركة الاسرائيلية بسداد الأقساط الشهرية لعدة شهور، وهو ما أعطى الحق للهيئة المصرية العامة للبترول في فسخ التعاقد.
في الوقت نفسه، وصفت دولة الاحتلال إلغاء الصفقة بـ”الخلاف التجاري”
مع التأكيد على أن هذا لن يؤثر على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
تبعات إلغاء التصدير
قال وزير المالية الإسرائيلي حينها يوفال شتاينتس: “إن قرار الإلغاء المصري مقلق للغاية لما يترتب عليه من تبعات سياسية واقتصادية” ورأى أنه يشكل محفزًا لمضاعفة الجهود لبدء استخراج الغاز الطبيعي من مخزنين استراتيجيين في عرض المتوسط اكتشفتهما إسرائيل خلال العام الحالي.
أما وزير الطاقةحينها عوزي لانداو قال “نحن مستعدون لهذه الخطوة منذ عامين، وأن إسرائيل طورت قدراتها في مجال الطاقة كي تستقل”.
أما وزير البنى التحتية السابق بنيامين بن اليعيزر قال: “لا يمكن لشركة غاز أن تلغي اتفاقا مع دولة، وأن ما حدث مؤشرًا على مواجهة محتملة مع مصر ما بعد مبارك”.
قالت صحيفة “معاريف” بعد القرار”لقد تلقت إسرائيل صدمة” واعتبرت أن الخطوة أولى ثمار فوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية”
حقل “ظُهر” والاكتفاء الذاتي
افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسميًا حقل “ظهر” للغاز الطبيعي فبراير 2018، يقع حقل “ظهر” ضمن مجمع شروق الذي تبلغ مساحته 3,752 كم مربع داخل المنطقة المصرية الاقتصادية في البحر المتوسط وتم اكتشافه من قبل شركة “إني” الإيطالية في عام 2015، ويضم هذا المشروع إلى جانب “إني”، شركة “بي بي” البريطانية و”بلاعيم” المصرية وغيرهم. ويبلغ حجم احتياطاته ثلاثين ترليون قدم مكعب ويحتل مساحة 100 كيلومتر مربع، وهو أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط.
كانت التوقعات السائدة والتصريحات الرسمية حينها تتجه إلى أن عام 2018 سيشهد ازدهارا اقتصاديا
قال طارق الملا، وزير البترول، إن هناك عدة حقول يتم العمل عليها من أجل إنتاج الغاز الطبيعي لمصر، وليس حقل ظهر فقط، وعلى الجانب الآخر يتم الوضع في الحسابات زيادة معدلات الاستهلاك كل عام.
وأضاف “أن عملية الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي ستكون قبل نهاية عام 2018، واعتبارا من عام 2019 سيكون هناك أولويات في الاستخدام، وسيتم تصدير الغاز الطبيعي للخارج”.
وقال اللواء “عادل الغضبان” محافظ بورسعيد، إن هذا المشروع سيحقق لمصر اكتفاءً ذاتيا من الغاز.
وتوقعت مصر فائضا في إنتاج الغاز بالسنة المالية 2018-2019
لماذا تستورد مصر الغاز بعد أن كانت تصدره؟
إجمالى استهلاك مصر من الغاز الطبيعى يبلغ نحو 6 مليارات قدم مكعب يوميا، تستحوذ الكهرباء منها على نحو 65 % وتعوض شركة “إيجاس” المصرية الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك باستيراد ما يتراوح بين 800 مليون و 1.2 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز بإجمالي 220 مليون دولار لنحو 8 شحنات شهريا. بحسب “عرب فاينينس”
وتهدف وزارة البترول للوصول إلى ما يتراوح بين 6.3 إلى 6.5 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز وذلك قبل منتصف العام الحالي. وهذا ما تسعى مصر لإنتاجه من حقل ظهر الذي سيوفر على البلاد نحو مليار دولار سنويًا.
يوم عيد في إسرائيل وصمت في مصر
بعد أن كانت مصر تصدر الغاز إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في أيام ليست بعيدة، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها وقعت صفقة تاريخية بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي لمصر. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضا علاقاتها الإقليمية، واصفا الاتفاق بأنه “يوم عيد”.
وأضاف: “أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو، والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة، وستُصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم، والخدمات الصحية، والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين.”

مناظرة رئاسية.. مشهد المسرحية الأخير

رويترز



مع أننا كنا في فبراير، إلا أنها كانت ليلة حارة جدا، وفبراير دائما متقلب، تتقلب أيامه بين المشمسة والممطرة والدافئة والباردة، يقولون في فلسطين "الرجال مثل شباط ما عليهم رباط"، وبهذا المثل جرى تشبيه الرجال بتقلبات وغدر شباط أو فبراير، لكننا مع كل فبراير تبدو علينا المفاجأة من كونه مُتقلبا.

الديمقراطية في بلادنا مثل شباط "متقلبة"، فلا تعاتب حاكما يقمع شعبه بدعوى الحفاظ على الوطن ومحاولة تطبيق الديمقراطية، وإعلاميا لا ينقل سوى صوت السلطة الحاكمة، وأناسا يدفعون الأموال للفقراء كي يشاركوا في مسرحية الانتخابات ليكتمل المشهد الديمقراطي العسكري العبثي. وهذا هو شباط أو فبراير، يأتي بمرشح جديد، لا يعلمه أحد، إلا من تأذوا منه سابقا.
في تلك الليلة اجتمعت جهات أمنية مع رئيس الجمهورية، كان غاضبا جدا بسبب محاولات إقناعه بأن يخوض مناظرة رئاسية على إحدى وسائل الإعلام. كان الغضب يكسو وجه الرئيس، لأنه يعلم أن الجماهير تتشوق إلى رؤيته، لا لأنها تحبه، لكن لأنها تحب أن تضحك على طريقته الساخرة، إنه يعوضهم عن غياب الفن الساخر، وهكذا تأخذ الجماهير خطاباته على محمل الضحك، بينما يأخذها هو على محمل الجد جدا.

الجماهير تضحك إلى حد البكاء على حديث الرئيس، وعلى صمته، وعلى تحركاته، وعلى قراراته، وعلى نظراته، فما بالكم لو كانت مناظرة مع كوميدي آخر لكنه غير معلوم. على كل حال، اقتنع الرئيس أخيرا بإجراء مناظرة، بعدما طمأنوه أن هذا الرجل الذي سيناظره يجعل الجماهير تضحك جدا، ستحمد الجماهير الله على أنه في حياتهم زعيم مثلك.

على شاشة التلفاز التابعة لأجهزة أمنية، ظهر إعلامي شهير تابع لأجهزة أمنية ليعلن للعوام المقموعين من الأجهزة الأمنية؛ أنه "إيمانا من السيد الرئيس، بأن الديمقراطية حق للشعب، وبأن على الشعب أن يختار مصيره (السجن أو القتل)  قرر السيد رئيس الجمهورية إجراء مناظرة رئاسية نارية، وعليكم أن تجهزوا أطباق المهلبية، وإن الرئيس كرم الله وجهه، سيجيب عن كل الأسئلة التي سألتموها، والتي لم تسألوها".
ظل الإعلامي طوال حلقته يتحدث عن عظمة الرئيس التي تخطت عظمة جيفارا، وصبره الذي تخطى صبر غاندي، وغضبه الذي يخشاه الأعداء، وذكاءه الذي تخطى ذكاء أينشتاين، وأدبه الذي تخطى أدب دوستويفسكي، وخفة دمه التي تخطت خفة دم عزيز نيسين، وفلسفته التي تخطت فلسفة أوليفر ساكس، وألبير كامو، وآرثر شوبنهاور، وإريك هوفر.. لكن الإعلامي نسي أن يذكر اسم المرشح الآخر، مع أن الحلقة تخطى عدد ساعتها الأربع.

قبل أن تبدأ الحلقة، قابل المرشح المجهول رئيس الجمهورية، وعندما رآه اغرورقت عيناه من الدمع، وظل يقبل رأس الرئيس وخده الأيمن والأيسر، ويردد قائلا "كلنا فداك يا ريس" لا تصدق أنني منافس لك، إنهم يوقعون بيننا، وأشار إلى الإعلامي الشهير، لكن الإعلامي الشهير حاول أن يوضح موقفه قائلا "لقد اتصلوا بي من جهة أمنية، وأخبروني أن سيادتك تريد إجراء مناظرة رئاسية" لكن الرئيس اكتفى بهز رأسه راضيا، وهو ما جعل المرشح يفرح ويحصل على بعض الهدوء.
لم يتبق على اكتمال المسرحية الانتخابية سوى مشهد واحد، وهو المناظرة الصحفية، وها قد بدأت المناظرة:

السؤال الأول:
هل تشجع المواطنين على حب الديمقراطية؟
قال الرئيس: إنه يتمنى أن يحب الجميع الديمقراطية، وأن يطلقوا اسمها على أسماء أولادهم، وليكن لدينا شارع اسمه "شارع الديمقراطية"، وسوبر ماركت الديمقراطية، وحلواني الديمقراطية، ومخبز الديمقراطية، فليحدث كل هذا، أما عن تطبيقها في البلاد، فهذه مسألة أخرى.

تحطم زجاج الأستديو من فرط التصفيق، الجماهير تصفق كلما ضحك الرئيس، أو غضب، أو تفوه بكلمات غير مفهومة، حتى أن أحد الجماهير عرض يداه على الطبيب، فقال له إن الحل الوحيد بترها نظرا لأنها تورمت من فرط التطبيل أو التصفيق.

نظر الإعلامي إلى المرشح المجهول موجها له السؤال ذاته، لكن المرشح تعرق، وارتبك، ويبدو أن لسانه عجز عن الكلام، ما جعل مخرج البرنامج، وهو أمين شرطة سابق، يأمر بالخروج لفاصل إعلاني. بالمناسبة، كان الفاصل الإعلاني عبارة عن دعايا للسيد الرئيس وإعطائه تفويضا جديدا ضد الإرهاب، لمحاربة قوى الشر والظلام والنكسة والنكبة والربكة.

بعد انتهاء الإعلان، حان دور المرشح مجددا، وقال: أما أنا فدائما لا أؤمن بدولة يقودها رجل مدني، وأعلم جيدا أن مصر لا يمكن حكمها إلا برجل عسكري، حصل على رتبة الجنرال حتى لو لم يحارب، و.... قاطعه الإعلامي، وأخبره ألا يطيل حتى يعطي الفرصة لسيادة الرئيس، فهز المرشح رأسه موافقا.

السؤال الثاني كان حول سياسة المرشح أمام المظاهرات؟
قال الرئيس: لن أسمح بحدوث ذلك، "أنتم شكلكم متعرفونيش"، الدولة لا تحتمل مظاهرة، ولا تحتمل أن يتحدث مخلوق، وأنا أحذر.
قال المرشح: الرئيس لن يسمح.

السؤال الثالث: ما خطتك للنهوض بالبلاد؟
اللي هيقرب منها هنفسه، وهقول للمصريين ينزلوا يعملوا لي تفويض ثاني، بس كبير شوية.
قال المرشح: هذه الدولة لن تنهض إلا بالحكم العسكري بالنار والحديد، وأتمنى ألا يحبسوني بعد الفاصل.
بعد أن انتهت الحلقة، التف حول الرئيس رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ليأخذوا معه صورة "سيلفي"، وفي الخلفية مشهد مليء بالنيران والدخان.

بدأت "المليطة" الانتخابية







كانت قوات الأمن تبحث جاهدة عن أحد الفدائيين، وأخيرا عثرت على أحدهم "م، م، م"، وقد قررت الصحافة أن تختصر اسمه بثلاثة أحرف، لأن الناس دائما ما يتناسون اسمه، ويخلطون بينه وبين الفنانة "سما المصري"، على كل حال إنه فدائي من الدرجة الأولى، حتى إنه قبل على نفسه أن يطلق عليه لقب "طرطور الرئيس"، كما أنه يستمع إلى الأوامر جيدا، وينفذها فورا، ولديه حاسة استشعار الأمر، فلو أن ضابط الأمن الوطني نظر إلى بنطلونه رافعا حاجبه مثلا، سيخلع "م، م، م" بنطلونه فورا، لأنه يستشعر الأمر الأمني بشكل أوتوماتيكي، كذلك الحال بالنسبة إلى باقي ملابسه، وأشياء أخرى.

قرر المرشح المجهول، أو قررت له قوات الأمن أن يترشح، وكان فخورا بذلك، معتبرا أنه بهذا يجاهد في سبيل الوطن، طالما أن جيبه يمتلئ بأموال الوطن. وفي يوم أقام له الأمن أول مؤتمر جماهيري، حضرته جماهير غفيرة من جحافل المخبرين، ومن فقراء حصلوا على وجبة غداء و100 جنيه. وقبل أن يبدأ المؤتمر، هتفت الجموع باسم رئيس البلاد، "عاش الزعيم، ومُتنا نحن"، ولم تهتف باسم المرشح "م م م" لأنها اعتادت على ذلك، لم يُدرك الجميع أن الهتاف كان في صالح المنافس، حتى أن المرشح "م" نفسه وجد نفسه مرفوعا على الأعناق وفي يده صورة الرئيس وظل يهتف باسم، وابتلت لحيته من فرط الدموع متأثرا بحبه لسيادته.

انتبه المرشح أخيرا إلى كونه مرشحا للرئاسة، ولا يجوز أن يهتف باسم المنافس، بعدما سأله أحد الصحافيين قائلا: "لماذا تهتف باسم الرئيس طالما أنك منافس له؟"، بُهت الذي ترشح بأمر الأمن، واحمرت وجنتاه، ولمعت صلعته خجلا من السؤال، ولكن خطرت على باله "تطبيلة" سريعة وقال: "إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن روح التسامح موجودة بيني وبين سيادة الرئيس أطال الله عمره، لا مانع لدي أن ينجح، طالما أن نجاحه سيصب في مصلحة المواطن، وفي مصلحتي، وحتى لو كان لدي مانع، فلن أعترف".

انتبهت الجحافل المحتشدة في ساحة المؤتمر بعد هذا التصريح، إلى أن "م م م" يعد منافسا للسيد الرئيس، وأنهم ليسوا في مؤتمر لحملة "عايزينه للآخر" المطالبة ببقاء الرئيس لآخر يوم في عمر هذا الوطن. وبدأت الحشود تهتف باسم "م م م" لأول مرة في تاريخه، حتى أنه لم يستوعب الهتاف، وفرح كطفل في صباح يوم العيد، وسأل نفسه: "هل هؤلاء يهتفون باسمي حقا؟".

للحظة شعر بأنه بطل قومي، زعيم ثوري أو إصلاحي أو فضائي، وفجأة خرج عن النص قائلا: "سأجعل دخل الفرد لا يقل عن 20 ألف جنيه في الشهر، وإذا كرمنا الله سأجعلها 20 ألفا في الأسبوع، وربما في الساعة". الخروج عن النص في هذا الوطن شيء معتاد، الرئيس نفسه لا يكمل جملة مفيدة، تجده مثلا يقول: "نحن هذه البلد بلدنا جميعا إلا هم وطالما أنه لن نستطيع أن نأخذ فيها جميعا إلا بما يرضي الله، آه أنا بقول، آه أمال إيه، أمرتني أمي ألا أفتح الثلاجة حتى لا يطير الدخان". لا تتعجب أبدا لو سمعت مقولة كهذه، بل عليك أن تحمد الله على سماعها لأنها مفهومة إلى حد ما، بالمقارنة مع غيرها.

* سأل صحفي آخر: "هل هناك ضمانات للمنافسة الشريفة؟!
 لقد بدأت "المليطة" الانتخابية، والمنافسة ستكون حامية الوطيس، لا أحد يعلم من سيفوز؟ الجميع يترقب في حذر، والناس يتساءلون في المقاهي والشوارع والكنائس والجوامع؛ يا ترى من سيفوز في هذه الانتخابات؟ ولكني اكتشفت مؤخرا أنهم يتحدثون عن الانتخابات الأمريكية!

* سأله أحدهم: "ماذا تقصد بالمليطة الانتخابية؟"
لا أدري، ولكني رأيت أحد المثقفين وقد قالها في تصريح صحفي، فأعجبتني الكلمة.
* لماذا شاركت في الانتخابات؟
أرفض الإجابة، ومن تحدث فيما لا يعنيه، أخذ ما لا يرضيه!
* حدثنا عن برنامجك الرئاسي.
لم يعطون برنامجا حتى الآن.
* ومتى تحصل عليه؟
لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم.
* وجه رسالة للرئيس بصفته منافسا.
أتمنى أن يحصد على مجموع أصوات 100%، أما أنا فيكفيني ما حصلت عليه.

حاولت صحفية أجنبية أن تسأله عن تاريخه ومستقبله، ولكنه بعد أن رأى الجماهير العريضة تلتف حول مائدة مليئة بالطعام والشراب، ترك المنصة واتجه مهرولا نحو المائدة، لينافس الجماهير على لقب "بطل المؤتمر في أكل اللحمة"، وظل يهتف باسم رئيس البلاد، ثم يردد قائلا "نريده للآخر، نريده للآخر".