مصر العربية
"الإعدام أخف عقاب يتلقاه الفرد العربي..
أهنالك أقسى من هذا؟
طبعًا.. فالأقسى من هذا
أن يحيا في الوطن العربي"
***
هل في الحياة أسوأ من أن يولد المرء في وطنٍ تحولت شوارعه وميادينه إلى ساحات حرب بين دواعش الجاهلية الذين يؤمنون بالذبح كعبادة يتقربون بها إلى الله، وبحرق الأسرى بدعوى الدفاع عن الدين؛ وخطف النساء واستعبادهن كسبايا حرب. "ففي سبتمبر 2015 هربت أكثر من 2000 فتاة وامرأة إيزيدية من أيدي ميلشيات داعش، لكن بقيت أكثر من 5200 في أيديهم تحدثت النساء الهاربات عن عمليات اغتصاب منظم واعتداء واستعباد جنسي وزواج قسري، وبيعهن أو في بعض الحالات "إهدائهن" لمقاتلي التنظيم. حسب التقرير العالمي 2016 الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش.
وبين نظام ديكتاتوري سفاح قتل آلافً الخلق؛ وما زال يرتكب أبشع الجرائم من أجل أن يضمن بقائه أطول فترة ممكنة؛ بدعوى الدفاع عن الوطن، فوفقًا لجماعات سوريا محلية، ومنظمات حقوقية، بلغ عدد قتلى النزاع الدائر في سوريا بحلول أكتوبر 2015، أكثر من 250 ألف سوري بينهم أكثر من 100 ألف مدني. كما نتج عن النزاع أزمة إنسانية مع نزوح 7.6 مليون داخليا ولجوء 4.2 مليون شخص إلى دول الجوار، كما مات على الأقل 8900 معتقل في السجون عام 2015.
فكم من جرائم قد ارتُكبت بإسم الدين؟! وكم من مجازر قد حدثت بإسم الوطن؟!
هل هناك أسوأ من أن ينتمي المرء لوطن تحولت ميادينه إلى ساحات حرب واعتراك بين دول تتنافس على السيادة؟
***
"لسنا من الأحياء في أوطاننا
ولا من الأموات..
نهرب من هروبنا
مخافة اعتقالنا بتهمة الحياة"
***
هشام زُهير، شاب عشريني، سوري الجنسية، وأمه مصرية، هرب من جحيم التطرف والتكفير، ومن الرصاص والسكاكين، من الإعدام الجماعي، ومن المباني التي تُهدم فوق الرؤس، ومن قطع الرقاب، ومن طائرات تقصف البيوت وتحولها إلى رماد، ومن سيوف جاهلية تُسلّ لتذبح أبرياء، ومن صراع طائفي بين سنة وشيعة، وبين سُنة و سُنّة. ولجأ إلى بلد من المفترض أنها شقيقة لبلده سوريا، كما علموه وعلمونا في المدارس..
سوريا ومصر وطن واحد.. قصفت قوات العدو مبنى الإذاعة في القاهرة فأعلنت دمشق في اذاعتها "هنا القاهرة".. الحروب المشتركة ضد عدو واحد.. الدماء المختلطة في أرض معركة واحدة.. كنا يومًا واحد.. ومن المفترض أن نظل واحد. أم أن كل ما تعلمناه ليس إلا شعارات وهمية، وخزعبلات سياسية بدعوى القومية العربية الزائفة؟
هرب "هشام زهير" من جحيم وطنه إلى جحيم وطننا، قاده حظه العثر إلى بلد يختفي فيه أبنائه قسريًا، ويُعتقل فيه الناس "كِمالة عدد"، ويُحبس فيه من رَفَضَ بيع أراضيه، وتقوم قوات أمنه بعمليات تصفية جماعية وعشوائية.
***
الفرد في بلادنا
مواطن أو سلطان
ليس لدينا إنسان.
***
أن تكون سُوريًّا في مصر، فإعلم أن قوات الأمن ستنتقم منك في أقرب وقت، وأن الإعلامية ريهام سعيد ستُصورك وأنت تحصل على الخبز من سيارات الجيش المصرية، لتجعل الشعب يتعظ مما آلت إليه أحوالك وأحوال بلادك، كي لا يُفكّر في الثورة؛ وإن كنت تملك بعض النقود فإعلم أنها ستذهب فورًا إلى جيب السماسرة الذين سيتسغلون حاجتك في السكن وسيطلبون منك أضعاف ما يدفعه أبناء البلد. إنه العقاب الجماعي يا صديقي، عقاب على اللا شئ. لقد هربت من الجحيم إلى الجحيم.
هشام زهير وجد نفسه مُعتقلًا في قضية متظاهري الأرض، الذين خرجوا في تظاهرات رافضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، اعتقل عشوائيًا، وتم التحقيق معه أمام النيابة عشوائيًا، وحَكَم عليه القضاء عشوائيًا.
فمن قََبَضَوا عليه ومن حَقّقوا معه ومن حكموا عليه؛ لم يلتفتوا إلى جنسيته السورية التي تُعد دليلًا على أنه لا علاقة له بالمظاهرات؛ وبأن كل ما فعله، وسيظل نادمًا عليه طوال عمره، هو أنه كان يسير بجوار مظاهرة تهتف (عيش، حرية، الجُزُرْ دي مصرية).
حُكم عليه بالسجن 5 سنوات والغرامة 100 ألف جنيه، ضمن 47 متظاهر من متظاهري 25 أبريل، وفي 25 مايو الماضي قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الصادر ضدهم (بشكل عشوائي) وألغت عقوبة الحبس مع الإبقاء على الغرامة المالية 100 ألف جنيه. ( 4 مليون و700 ألف جنيه هي تكلفة الهتافات التي هتفها الشباب من أجل التمسك بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، بينما أخلت النيابة سبيل أحمد نظيف رئيس حكومة مبارك بضمان محل إقامته).
ولما رفضت المحكمة تقسيط هذه المبالغ الخرافية، انطلقت حملات جمع تبرعات لسداد قيمة الغرامات كاملة، وبالفعل تم دفع الغرامات التي يبلغ مجموعها 4 مليون 700 ألف جنيه مصري.
وأفرجت السلطات عن جميع المتهمين، عدا السوري "هشام زهير" رغم تسديد غرامته الباهظة كباقي المعتقلين، ورغم أنه غير مطلوب على ذمة قضايا أخرى، ورغم أنه قبض عليه عشوائيًا؛ إلا أن الأمن الوطني طالب بطرده من مصر وترحيله لسوريا.
***
نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن؟ نحن الوطن.
إن لم يكن بنا كريمًا آمنًا ولم يكن محترمًا ولم يكن حراً..
فلا عِشنا ولا عَاش الوطن.
***
بعيدًا عن الجانب القانوني في مسألة ترحيل "زهير"، لأن القانون هنا لا يُطبّق إلا حسب أهواء الحكام، وبعيدًا عن كل التعقيدات الدستورية والحقوقية لأن من يطالبون بتطبيق الدستور يُسجَنُون، والمدافعين عن حقوق الإنسان تُلفق لهم قضايا التمويل، وبعيدًا عن خرق النظام المصري للاتفاقيات الدولية التي وقّعَت عليها مصر تجاه حماية اللاجئين، لأن مصر لا تحمي أبنائها، فكيف يمكن أن تحمي لاجئين؟!
علينا أن نتساءل ما هو الخطر الذي يهدد أمن مصر في ظل وجود "زهير" بها، حتى يطالب الأمن الوطني بترحيله سوريا، أو بمعنى أدق يطالب بإعدامه على يد ميليشيات بشار، أو ذَبْحه بسيوف داعش، أو حَرْقه في قصف جوي من قوات التحالف؟! أم أن الأمن الوطني يعاقبه على الشبهة التي التصقت به (التظاهر مع المصريين رفضًا لبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية!). أم هي مشاركة مصرية بطريقة غير مباشرة في حملة الإبادة الجماعية للشعب السوري؟!
على كل من في قلبه إنسانية أن يعلن تضامنه مع "هشام زهير" الذي يُعاقب فقط لأنه سوري، وكأن السوري لا يجب أن يعيش كما يعيش الناس، لا يجب إلا أن يعيش أجواء الحرب في بلده، أو السجن في مصر، أو التشريد في تركيا، أو الموت في بحار اليونان، أو العيش في مخيمات قرب حدود ألمانيا. #لا_لترحيل_هشام_زهير
***
"لو سقط الثقب من الإبرة
لو هوت الحفرة في حفرة
لو سكِرت قنينة خمره
لو مات الضِّحك من الحسرة
فسأؤمن في صحة هذا وأُقِرُّ وأبصِم بالعشرة
لكنْ ..لن أؤمن بالمرة أن بأوطاني أوطانا
وأن بحاكمها أملا، أن يصبح يومًا إنسانا
أو أن بها أدنى فرق
ما بين الكلمة والعورة
أو أن الشعب بها حر
أو أن الحرية.. حُرة"
الأبيات للشاعر العراقي أحمد مطر