إخواني.. وحشاش !




مصر العربية

نجح نجاحًا ليس كمثله نجاح في الحصول على لقب أقدم طالب في جامعة الأزهر، التي مكث بها 10 أعوام قابلة للزيادة لأنه لم يتخرج بعد من الفرقة الرابعة بكلية تجارة.

ظلّ في الفرقة الرابعة نحو 4 أعوام. ففي كل فصل دراسي يكتفي بمراجعة مادّة واحدة حتى يقدر على التركيز فيها، كما أنه لم يفكّر يومًا في الغش، ليس عملًا بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منّا" ولكنّ عقله لا يستوعب كثافة المعلومات عندما يحاول أحدهم أن يغششه.

ملً الحياة والدراسة في مصر، وأجّل حلم حياته في التخرج من كلية التجارة، وسافر إلى السودان هربًا، قاصدًا العمل وهاربًا من لقب "قهوجي" الذي التصق به منذ أن بلغ العاشرة من عمره، ولكن العمل بالسودان لم يجعله غنيًا كما تمنى، فلا فرق بين عمله الأصلي "قهوجي" وعمله في السودان، ذلك العمل الذي لم يفصح عنه أبدًا حتى هذه اللحظة.

عاد من السودان وفي حوزته بعض الهدايا المستعملة لزوجته وابنتيه، ولكن زوجته قالت له كعادتها "ياما جاب الغراب لأمه".. قرر العودة لحلمه الذي لم ولن يتخلى عنه مهما بلغ من العمر أرذله، حيث التخرج من كلية التجارة والعمل "مدير بنك" هكذا تمنى، فهو ما زال صغيرًا والمستقبل يفتح له أحضانه، يبلغ من العمر فقط 35 عامًا، ولكن شئون الطلبة أخبرته أن قضائه كل تلك المدة في الكلية يقتضي أن يدفع على كل مادة يؤدي بها الامتحان 200 جنيه، نزل عليه الخبر كالصاعقة، لأنه بهذا سيقلل من الميزانية الخاصة بالحشيش، ولكن على كل حال يومًا ما سيصير "مدير بنك" ويزرع في حديقة منزله حشيش لا حصر له، وسيصبح كل تجار الحشيش الكبار أصدقائه "هكذا تمنّى" !
***
في فجر السبت 28 ديسمبر 2013، أدّى صلاة الفجر في خشوع، ثم شرب الحشيش لأنه لا يقدر على التركيز بدونه، ولفّ سيجارة أخرى احتياطي ووضعها في جيبه كي يشربها قبل الامتحان مباشرة.

كان معه 500 جنيه لأنه قرر عدم العودة إلى بلده الأم "الزقازيق" إلّا بعد الانتهاء من المادة الثانية المقررة عليه بعد أسبوع، وكان معه ورقة بخمسة جنيهات طبع أحدهم عليها كلمات "مرسي رئيسي، يسقط حكم العسكر" قرر ألّا يعطها لأي مخلوق في القاهرة لأنه يظن أن نصف سكان القاهرة يعملون مع مباحث أمن الدولة، وبالطبع لا يمكن أن يتخلى عنها لأنها بالنسبة له مبلغ كبير لا يأتي إلا بعد طلوع الروح.

دخل إلى الحرم الجامعي وفي جيبه سيجارة الحشيش، والـ 5 جنيهات المطبوع عليها "مرسي رئيسي" وملزمة لمادة المحاسبة لا علاقة لها بالمحاسبة التي سيأتي منها الامتحان لأنه حصل عليها من طالب "ابن حلال" تخرج في الجامعة عام 2009 توفيرًا لدفع المزيد من الأموال، وقرّر المذاكرة منها وكله ثقة في أن الله لن يخذله.

عندما وصل إلى الكلية وجدها تحترق، ظنّ في بداية الأمر أنها هلوسة محششين، ولكن اكتشف أنّها بالفعل تحترق وأن سيجارة الحشيش لم تحترق بعد، فتذكر مقولة أمه "الموكوس موكوس ولو علقوا على عقله فانوس" ولعن حظه الهباب، وأخذ يهرول هنا وهناك يحاول إطفاء النيران التي اشتعلت في الكلية أكثر من محاولات رجال الإطفاء أنفسهم وظل يهتف "يا ولاد الكلب، ده انا دافع في المادة 200 جنيه".. تلك الـ 200 جنيه التي لو لم يدفعها لاشترى بثمنها 15 سيجارة حشيش من النوع الرديء الممزوج بالتوابل.
***
بعدما خمدت النيران علم أن الامتحانات تأجلت لدواع أمنية، فحمد لله لأنها أصلًا مادة لم يفهم منها شيئًا طوال فترة دراسته، ولا يرى لاختراعها سببًا سوى عرقلته! وفي أثناء خروجه من الجامعة مرّ على سيارة شرطة فألقى السلام على ضابط الشرطة والعساكر متبسّمًا في وجوههم، اعتقادًا منه بأنهم يقدّرون له دوره البطولي في إطفاء الكلية، ولكن الضابط لم يرد السلام، فغلى الدم في عروق صاحبنا وقال للضابط: رُدّ السلام يا أخي، أنا كنت هبقى زميلك بس أنا مبحبش الشغلانة دي!

فأصدر الضابط أوامره بالقبض عليه وتفتيشه، فوجدوا سيجارة الحشيش والـ 5 جنيهات المطبوع عليها "مرسي رئيسي" في حوزته. فضربه الضابط على وجهه وقال: يعني إخواني وحشاش؟!

حاول صاحبنا أن يشرح للضابط أن هناك سوء تفاهم وأنه لا علاقة له بالإخوان مع اعترافه بأنه حشاش فقط وليس "إخواني وحشاش" ولكن الضابط أصرّ على أنه إخواني وحشاش. أما بقية الـ 500 جنيه فقد ضربها أحد المخبرين في جيبه، وهنا ظل يهتف: الـ 500 جنيه يا باشا. الـ 500 جنيه يا باشا.
***
احتجزته قوات الأمن في أحد مباني الجامعة، ثم جاء مراسل قناة "صدى البلد" الذي شعر بأنه "جاب التايهة" وصوّر تلك الأعجوبة وهذا المتظاهر الإخواني الحشاش.

وبدأ حواره مع صاحبنا الذي انتابته فرحة عارمة عندما علم أنه سيظهر في التليفزيون، لكن صاحبنا تفاجأ عندما قال المراسل: معنا أحد طلاب الإخوان الإرهابيين وبحوزته سيجارة حشيش.

فقاطعه صاحبنا قائلًا: إخوان إيه يابرنس وإرهابيين إيه؟!

ولكن البرنس كان مُصرًّا على أنه إخواني وإرهابي وحشاش وحرق كلية تجارة ومنع الطلبة من دخول الامتحان.

فظل صاحبنا ينكر، ولكن البرنس لم يعطه الفرصة للإنكار وسأله عن سيجارة الحشيش.

فابتسم صاحبنا وسأل البرنس سؤال نبيه: هي مش سيجارة الحشيش في إيدك؟! تبقى بتاعتك!

فضحك البرنس وضحك صاحبنا وضحك المخبرين. ثم عاد البرنس ليسأله عن الخمسة جنيه المكتوب عليها "مرسي رئيسي" فنهره الطالب مندفعًا كعضو مجلس شعب وقال: يعني هو مكانش رئيسك يا أخويا؟!

فرد البرنس متفزلكًا، نعم كان رئيسي ولكني لم أكتب على النقود مرسي رئيسي؟!

فرد صاحبنا ردًا مقنعًا: وأنا مش هضحي بالـ 5 جنيه وأرميها عشان واحد سفيه كتب عليها كده. ثم تعصّب صاحبنا ومزّق الـ 5 جنيه قائلًا، وادي الـ 5 جنيه. محاولًا التخلص منها والاكتفاء بسيجارة الحشيش.

ولكن المخبرين جمّعوها من جديد حتى تكون دليل على حرق الكلية وانتمائه للإخوان، وبالفعل كانت الـ 5 جنيه حرزًا من أحراز القضية.. أما عن سيجارة الحشيش، فقد أمر الضابط بإبعادها حتى لا تكون سبب برائته، لأنهم يريدون إخوان ولا يريدون "حشاشين".
***
اقتادوا صاحبنا إلى قسم ثانِ مدينة نصر، وظلّ يهتف هناك الـ 500 جنيه يا كفرة، الـ 500 جنيه يا حرامية.

ظلّ طوال اليوم على هذا الحال لا يفكر سوى في الـ 500 جنيه، فجاء أحد الضباط وأخذه إلى غرفة مغلقة وصعقه بالكهرباء حتى يصمت، ولكنه لم يصمت وظل يهتف بالـ 500 جنيه، وظلوا هم يعيدون الكرّة ويصعقونه بالكهرباء.

حُكم على صاحبنا في نهاية الأمر بالسجن المشدد 5 سنوات ومثلها مراقبة أمنية، فهتف صاحبنا "الله أكبر" وسجد سجدة شكر، ظن جميع المساجين أن الله قد أنزل على قلبه السكينة وبأنه يُظهر الفرحة على وجهه حتى لا يشعر بالانكسار. ولكنه كان يشعر بالفرحة لأنه حكم عليه بالسجن 5 سنوات فقط مع أن أغلب المتهمين في القضية حكم عليهم 7 سنوات ومثلها مراقبة. "يذكر أن صاحبنا لم يفقد الأمل في الحصول على الـ 500 جنيه، وفي إكمال دراسته".


* السطور السابقة حدثت بالفعل مع أحد الطلاب المتهمين في قضية رقم 7399 لعام 2013.

عصا الداخلية.. للجميع

متظاهرون في مواجهة الشرطة خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011 (رويترز)

لسماع المقال اضغط هنا


حاولت كثيرًا أن أكتب لكم عن بعض الإيجابيات، ولكني كلما بدأت في مقالٍ ما يتحدث عن العلم، والتاريخ، والحب، والأمل، والتجارب الناجحة التي علينا أن نطبقها في بلادنا، أجد واقعة ما تقتضي إنسانيتي الكتابة عنها.

حاولت أن أكتب لكم كلمات تسرُّ القارئين، ولكن النظام الحالي قد أحال بيني وبين تلك الكلمات بجرائمه التي لو تجاهلناها فستلعننا الأجيال القادمة لأننا أورثناها لهم من دون محاولة منّا بإبعادها عنهم، ولو بالكتابة.

فمن المؤلم جدًا أن تكتب مرارًا وتكرارًا عن الانتهاكات والتعذيب.

"التعذيب" تلك الكلمة اللعينة التي مهما حاولنا الهروب منها سنجدها منتشرة في كل مكان، فالأخبار التي تتحدث عن "التعذيب" في وسائل الإعلام المختلفة تخطى عددها عدد الناخبين في انتخابات مجلس الشعب. وإذا كانت كلمة التعذيب مؤلمة بالنسبة لمن يكتب أو يقرأ، فما بالك بأولئك المُعذّبون أنفسهم؟!

بحثت عن طريقة ما، تجعلني أتخلص من شعوري بالذنب وتجاهل هذا الخبر الذي نشرته منظمة "العفو الدولية" عن طفلًا يدعى "مازن محمد عبد الله" يبلغ من العمر 14 عامًا، تعرض للاغتصاب والتعذيب والصعق بالكهرباء في أعضائه التناسلية، وإدخال عصا في مؤخرته، لإجباره على الاعتراف بالتظاهر بدون تصريح والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. فوجدت أنه ليست هناك طريقة للهروب من الكتابة عن مثل تلك الأمور إلا أن أكون مؤيدًا للسيسي، مبررًا لنظامه، نافيَا لفشل حكومته، داعيًا الشعب أن يكف عن تعذيب الرئيس لأنه لا ينام، منافقًا كهذا، وآفاقًا كذاك، فهؤلاء فقط هم من ينجحون في تجاهل مثل تلك القضايا، لأنهم يعتبرون أن الكتابة فيها خيانة، والدفاع عن المظلومين جريمة في حق الوطن تقتضي الإعدام.
***
إن جهاز الشرطة المصرية على مختلف العصور يدمن انتهاك أعراض المواطنين، فحادثة الطفل "مازن" ليست هي الأولى من نوعها، فإذا بحثنا فى انتهاكات الداخلية القديمة والجديدة، سنجدها حافلة بوقائع اغتصاب وهتك أعراض ووضع العصا في مؤخرة المواطنين.
في 2007 كانت هناك قضية شهيرة لسائق يدعى "عماد الكبير" حيث قد اُغتصب هذا السائق في قسم شرطة بولاق الدكرور، ولكن الفارق الوحيد بين تلك القصة القديمة وقصة "مازن" أن حينها تحركت 41 منظمة حقوقية للتضامن مع السائق، ونظموا تظاهرات حاشدة أمام النقابات المختلفة، كما أن وسائل الإعلام قد اهتمت بالقضية لأنها كانت قضية رأي عام.. أما قضية "مازن" فلأنها صات خبرَا عاديًا متكررًا في هذا التوقيت من حكم السيسي، فلم نجد سوى منظمة العفو الدولية لتتضامن مع الطفل، ولم نجد سوى بعض المواقع الإلكترونية تتداول الخبر.
فكم مرة قرأنا أخبارًا تفيد بوضع عصا في مؤخرة سجين أو اغتصابه بأيدي ضباط الشرطة؟!

مرات عديدة لا حصر لها، أذكركم ببعضها:
* قام ضابط شرطة بقسم المنصورة بإجبار مواطن على تقبيل حذاءه وإدخال العصا في مؤخرته بعدما ربطه من قدميه وأمر أمين الشرطة "محمد فرج" بتصويره عاريًا (2007).

* قال الطفل "عنتر محمد أبو زيد" أن رئيس المباحث محمد مصطفى الضبش. ومخبرًا يدعى منصور و2 من أمناء الشرطة قاموا بضربه وتجريده من ملابسه وهتك عرضه ومنع الطعام عنه لمدة يومين وقاموا بصعقه بالكهرباء لمدة 6 ساعات متواصلة بعد إلقاء الماء على جسده (2007).
* ضابط بقسم أول المنصورة يضع سيخ حديد في مؤخرة مواطن يدعى "عادل عبد السميع" (2008).

* ضباط شرطة بمديرية أمن كفر الشيخ يجبرون 5 متهمين على ممارسة الشذوذ، حيث وردت للنيابة شكاوى من 5 مراهقين اتهموا فيها كل من الملازمين سعد أحمد سعد وفؤاد محمود سعداوي بالتعدي عليهم وهتك عرضهم (2008).

* ذكرت صحيفة "الجارديان" أن ضباط شرطة قسم ثان مدينة نصر اغتصبوا طالب الأزهر "عمر الشويخ" البالغ من العمر 19 عامًا، بعد إلقاء القبض عليه في 24 مارس (2014).

* أمين شرطة يغتصب فتاة معاقة ذهنيًا داخل قسم إمبابة.. الجرائد المصرية (2014).

* تقدمت المواطنة "حورية حسن المتولي" ببلاغ لنيابة رأس البر حمل رقم 1396 لسنة 2014 تتهم فيه أمناء قسم شرطة رأس البر باقتيادها إلى القسم ومحاولة اغتصابها لولا أن حال العذر الشرعي دون ذلك.. مصر العربية (2014).

* خصم شهر من راتب ضابط وضع العصا الكهربائية في مؤخرة متهم، يذكر أن الضابط خصم من راتبه شهرين بسبب تلفيقه قضية آداب لسيدة.. اليوم السابع (2015).
انتشار هذا الجرم الشنيع الذي لا يرتكبه سوى المرضى النفسيين يجعلك تظن أن هناك مادة تُدرس في كلية الشرطة تتحدث عن كيفية وضع العصا في مؤخرة المواطن. وألّا يكونوا قلقين أبدَا من ممارسة تلك الهواية الممتعة بالنسبة لهم، لأن هناك متحدثًا باسم وزارة الداخلية مهمته الدفاع عن جهاز الشرطة أمام وسائل الإعلام ونفي كل جرائمه، وإظهار الضباط على أنهم ملائكة ذي أجنحة لم يخلقون إلا لحماية الشعب من الإرهابيين. وهناك نيابة ستمنع النشر في قضية التعذيب، وقضاء سيحكم بأحكام بسيطة.

والدليل الواضح على أن التعذيب في أقسام الشرطة لا يتم إلا بموافقة النظام، وربما بأوامر النظام نفسه، هو أن ضباط الشرطة المتهمين بالتعذيب لا تتم محاسبتهم بما يقتضيه العدل، فسنجد ضابط شرطة خُصم من راتبه كذا أو نُقل إلى مكان كذا بسبب تعذيب شخص ما، وفي أسوأ الظروف يُحكم على الضباط بـ 5 أعوام سجن ثم يحصل على البراءة في حكم النقض، بينما عوقب القيادي بجماعة الإخوان محمد البلتاجي والمستشار الخضيري بالسجن 15 عامًا لاتهامهم بتعذيب مواطن في ميدان التحرير. وستجد أيضًا أن التظاهر تصل عقوبته أحيانًا إلى مؤبد، حسب كراهية القاضي للمتهم، وقتل 37 سجينًا في سيارة ترحيلات أبو زعبل حكمه 5 أعوام سجن، مساواة بعلاء عبد الفتاح المتهم بالتظاهر.

الواضح أن التعذيب وكسر النفوس مهم جدًا بالنسبة للنظام الحالي لأنه لا يملك للقمع بديلًا، لا يملك مشروعًا يقدمه للناس، ولا برلمانًا يعبرعن آمالهم وطموحاتهم، ولا إعلامًا يتحدث بلسانهم، ولا تعليمًا يرتقي بهم، فالتعذيب هو الحل.

يقول "جون بول سارتر": ليس المقصود من التعذيب انتزاع الاعترافات فقط، ولكن المقصود إذلال الضحية عبر الصرخات والخضوع، وعبر الشعور بأنه حيوان في أعين الجميع، وفي عين الضحية نفسها، فقد تحمل وصمة أبدية تشعرها بأنها أقل قيمة وشأنًا من كونها إنسانًا.

التعذيب الممنهج، وتداول أخباره بشكل دائم حتى يصير من المسلمات التي نتحدث عنها كأننا نتحدث عن أخبار كرة القدم، ليس إلا وسيلة النظام الحالي للبقاء.

يقول المعتقل "إسلام خليل" الذي اختفي قسريًا 122 يومًا، وتعرض للتعذيب بشكل وحشي في إحدى رسائله: "لا تعتادوا حكايات القتل والتعذيب التي صرنا نراها صباحًا ومساءً، ارفضوها واجعلوها أمرًا مستهجنًا وغريبًا؛ حتى لا تفقدوا ما تبقى من إنسانيتكم".

الدولة الفاشلة

لسماع المقال اضغط هنا


في رسالة ماجستير حصلت على  تقدير ممتاز، بعنوان "أمريكا والدولة الفاشلة" تتحدث "مها أبو عمرة" عن مصطلح الدولة الفاشلة.


وذكرت لنا أن وظائف الدولة تركّز على استثمار أشياء عديدة (لتلبية احتياجات المواطن، لا لتلبية احتياجات الحاكم وحاشيته) من أجل بناء الدولة.. منها على سبيل المثال: "رأس المال البشري والثقافي والعلمي والاجتماعي والقانوني والسياسي".
***
لا داعي أن أذكّركم بأن رأس المال البشري تقضي عليه الدولة وتحاول إبادته، فنحن نتحدث عن 41 ألف معتقل من رأس المال البشري، حسب منظمة العفو الدولية، منهم مئات أخفتهم الدولة قسريًا، ناهيك عن عدد القتلى في التظاهرات منذ ثورة 25 يناير والذين وصل عددهم إلى 10 آلاف حسب موقع ويكي ثورة، بالإضافة إلى ملايين الشباب ممن يدعون في صلاتهم "اللهم هجرة" بعدما حاصرتهم الدولة أمنيًا وقمعت أصواتهم وفتحت لهم القبور والمعتقلات.


أما رأس المال العلمي والثقافي، فقد اعتبر السيسي نفسه طبيب الفلاسفة، واعتبر عبد العاطي "ملك الكفتة" أن الكفتة ستتحول من لحمة مشوية إلى وصفة سحرية تعالج كل الأمراض، بينما ألغت أمن الدولة محاضرة بجامعة القاهرة لعالِم الفضاء المصري الأمريكي "عصام حجي" الذي يعمل بوكالة "ناسا" في مجال علم الصواريخ، ورغم أن قوات الأمن منعته من الظهور إلا أن علمه  أجبر طبيب الفلاسفة على سماع هذا العالم في مؤتمر "قمة المناخ" بباريس حيث كان "عصام حجي" يتحدث ويسمعه رؤساء العالم، تقديرًا لعلمه الذي لم تقدره الدولة المصرية.


حدثتنا الكاتبة عن رأس مال قانوني، فالدولة كي يُطلق عليها "دولة" يجب أن تكون لديها قانون تطبقه على الجميع، ليس مجرد كلمات على ورق، وليس قانون الغاب الذي يحكمنا الآن، فأعتقد أنني لست بحاجة لأذكرك بعدد حالات التعذيب في أقسام الشرطة، وعدد الوفيات والانتهاكات، عليك فقط أن تكتب على موقع جوجل كلمات كـ "ضابط شرطة، تعذيب، وفاة معتقل" وموقع "جوجل" كفيل بأن يحكي لك عن قانون الغاب الذي تطبقة وزارة الداخلية، وسيحكي لك عن تصريحات لمتحدث الداخلية الإعلامي تستخف بعقلية الجميع، فالرجل سينفي كل شئ، ويدّعي أن حالات التعذيب التي وصل عددها إلى آلاف ليست إلا حالات فردية. وستجد أنه في وطننا "مفيش حاتم بيتحاكم".. عندما تبحث عن العقوبات التي تُطبق على ضباط الشرطة والتي ستجدها غالبًا، نقل ضابط من مكان إلى مكان أفضل.


الكاتبة لم تكن تقصد وقتنا الحالي عندما ذكرت أن رأس المال السياسي يعد أهم العوامل التي يجب أن تركز عليها الدولة وأن تعطي المساحة للأحزاب المعارضة كي تظهر على الساحة، فالرسالة قد حصلت على الامتياز عام 2010، أثناء برلمان الحزب الوطني.


ورقص المال السياسي (بالقاف) وصل إلى مداه في وقتنا الحالي، فالدولة العكاشية قد أعلنت سيطرتها بنجاح، حتى أن عكاشة نفسه سيصير رئيسًا للبرلمان، مما قد يجعل علماء السياسة يضيفون مصطلح "الدولة العكاشية" إلى تقسيم النظم السياسية.
***
الدولة، كي تكون دولة، لها وظائف عدة يجب أن تقوم بها:
1- الوظيفة السياسية.. فالدولة تُعتبر مجالًا للصراع بين الأحزاب السياسية يحصل فيه الأفضل على المناصب السياسية، لا أن تضع كل المعارضين في السجون والمطبلاتية في البرلمان. فبرلماننا رئيسه "توفيق عكاشة" صاحب نظرية البط، وأعضاءه مرتضى منصور وابنه، برلماننا يحتوي "محمود بدر" بأوامر عسكرية، و"طارق الخولي" بأوامر أمنية.
أما أولئك الذين ينطبق عليهم لفظ معارضة فقد اكتظت بهم السجون، فأحمد ماهر السياسي المشهور قد أكمل عامين في السجن، ومثله أحمد دومة وياسين صبري، وعلاء عبد الفتاح وعبد الرحمن طارق ونوبي، وغيرهم من الشباب الثوري الذي عارض الحكم العسكري، ففي  البرلمان الجديد القديم لا مجال للمعارضة والتشريعات، لا مجال سوى للرقص، والتعريض، والنفاق، ومحاربة مبادئ الثورة، ونصرة الثورة المضادة لثورة 25 يناير. لا مجال سوى للضحك حد البكاء من تلك الكائنات التي ستعوضنا عن كوميديا باسم يوسف الغائبة بأمر الحاكم العسكري.


ويرتبط بالوظيفة السياسية تلك القوى الأساسية في الدولة (التشريعية، التنفيذية، القضائية) والحمد لله القوة التشريعية في أيدي السيسي منذ أن تولى رئاسة مصر حتى أنه شرّع أكثر من 350 قانون، وفي النهاية ستنتقل السلطة التشريعية إلى البرلمان الذي سيؤيد كل قرارات السيسي ولله الحمد. أما السلطة التنفيذية فوزارة الداخلية تنفذ كل شئ بدقة، التعذيب، ووضع العصا في مؤخرة المساجين، والقتل العشوائي حتى للسياح المكسكيكين، والاعتقال العشوائي، وإخفاء المواطنين، والسلطة القضائية شامخة وتحكم بالعدل، ذلك العدل الذي اقتضى الإفراج عن مبارك ورجاله واعتقال الثوار.
2- الوظيفة الاجتماعية.. أن تحقق الدولة العدالة بين أفراد المجتمع، لا أن يعيش مواطن بـ 2 جنيه في اليوم، لا أن يكون الزند وقُضاه أسيادًا وسواهم العبيد. وأن توفر الدولة فرص العمل للجميع، كل حسب كفاءته، فيمكن لابن عامل النظافة أن يصير قاضيًا، ولابن القاضي أن يصير عامل نظافة.
3- الوظيفة الاقتصادية.. أن تكون مصادر الثروة وعوامل الإنتاج الأساسية غير مُحتكرة من جانب قلة نخبوية، وأن ينال كل فرد نصيبه العادل من الدخل القومي، لا أن يحصل القضاة والضباط على مرتبات خيالية، وأن يتمنى المواطن الغلبان الإعدام هربًا من غلاء الأسعار الذي يطارده بسبب احتكار الجنرالات لمفاصل الدولة الاقتصادية.


4- الوظيفة الأمنية.. داخليًا وخارجيًا، أما داخليًا فقد اُغتيل النائب العام بسهولة شديدة، كما أن الجيش لا يقدر على تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، وخارجيًا فقد تفجرت طائرة روسية في سماء المحروسة، وقد نجح "حمار" من قبل في اختراق بوابات المطار دون أن تلاحظه قوات الأمن.


5- الوظيفة الإدارية.. فلا دولة بدون تخطيط، ذلك التخطيط الذي أدى إلى غرق محافظات عديدة بسبب سد بالوعات الصرف واتهام الإخوان بأنهم من سدوها، ذلك التخطيط المذهل الذي يمكنك أن تسمع فيه رئيس الدولة يعد بمحاربة الغلاء وخفض الأسعار، بينما تجد فيه وزير النقل يستأذن الشعب في أن يرفع سعر تذكرة المترو.


الدولة الفاشلة:
ذكرت الكاتبة في رسالتها أن مصطلح فشل الدولة يعني أن تصبح غير قادرة على القيام بوظائفها التي لا يمكن لغيرها القيام بها (كتلك الوظائف التي ذكرناها) وأن تلجأ الدولة إلى قوى خارجية من أجل معالجة المشاكل (كالاستعانة بأموال الخليج والسعودية، وبسلاح روسيا) وأن هذا السعي غالبًا يزيد من الفشل. كما أن استبدال الأمن بالقمع يعد أحد عناصر الفشل الهامة.


وتشير الدراسات إلى أن الدولة الفاشلة هي الدولة غير القادرة على تصحيح الفشل ذاتيًا، وذلك لانعدام القنوات المعبرة عن الإرداة الشعبية.


كما أرجعت بعض الدراسات فشل الدولة إلى دور الحاكم، على اعتبار أن أخطاء القيادة هي التي تدمر الدولة، تلك القيادة التي تتبنى النظرة المصلحية للقلة التي تحكم البلاد، وتهمش مصالح أغلبية الشعب. فقائد فاشل + نظام فاشل = دولة فاشلة.


*من عوامل الفشل أيضًا أن تنظر الدولة لتلك الكلمات التي كتبتها على أنها خيانة للوطن وتخابر مع قوى خارجية.

الثورة ليست مرسي

(الفرنسية)

* الإخوان وأنصارهم حدثت لهم مجزرة في رابعة والنهضة، وفي أماكن أخرى، والإنسانية تستدعي التعاطف مع تلك الدماء. والعدل يقتضي محاسبة النظام الحاكم على كل نقطة دم سالت.

* الإخوان فشلوا، أو تم إفشالهم، ولكنهم لم يكونوا لصوصًا كعصابة مبارك.

* الإخوان دفعوا الثمن غاليًا، فأغلبهم في المعتقلات. ومنهم من اختفى قسريًا، ومنهم من سافر خارج البلاد خوفًا من البطش الأمني.

* الإخوان ليست جماعة إرهابية، ولكن لها أفكار غبية.

* اسمها ثورة 25 يناير، ولا توجد ثورة أخرى.

* التعاطف مع تلك الدماء التي سقطت وحملة الاعتقالات المكثفة، والظلم الذي طال جماعة الإخوان لا ينفي أخطائهم الكارثية منذ مجلس الشعب السابق الذي طبل للعسكر، وأعلن أنه "لا يوجد خرطوش"، والذي شكر مصطفى بكري عندما لعن الثوار واتهمهم بالخيانة، مرورًا بمخالفتهم الوعود وترشحهم للرئاسة، وتكريمهم لأحد قادة الثورة المضادة "المشير محمد حسين طنطاوي" ذلك الرجل الذي قاد العديد من المجازر ضد أبناء الثورة. وأخطاء أخرى لا يمكن حصرها في مقال صغير.

لم أذكر النقاط السابقة للتقليب في دفاتر الماضي، ولكن عليك أن تعتبرها مجرد اختبار لمدى تقبلك للرأي الآخر وبالطبع أنت من سيختبر نفسك ولست أنا. فإن كنت تهز رأسك متفقًا مع بعض النقاط، وتسبني بأبي وأمي في نقاط أخرى. فعليك ألّا تكمل المقال. وأن تكتب تعليقًا يتهمني بالخيانة والعمالة وكل الكلمات التي ترددها في جميع المقالات المخالفة لرأيك. لأنك تعتقد أن رأيك فقط هو الصواب. مع أن كل الآراء تحتمل الصواب والخطأ. حتى تلك الكلمات التي تقرأها الآن.
***
أصدرت حركة شباب 6 إبريل بيانًا تحاول فيه لم شمل كل من يؤمن بالثورة ومطالبها الأساسية التي خرّجت حشود من الشعب في 25 يناير من أجل تحقيقها. وطالبت الحركة كل من يؤمن بالثورة بالرجوع خطوة إلى الوراء من أجل الثورة، وقبل انهيار الوطن ودخوله في طريق اللاعودة.

بعيدًا عن اتفاقنا أو اختلافنا مع البيان، إلا أنه لا يمكن أن نختلف على أن البيان ليس إلا محاولة لإنقاذ الثورة والوطن.

لم تذكر الحركة أي شي عن ذكرى الثورة القادمة بالسلب أو بالإيجاب، ولكن "شبكة رصد" حاولت تضليل الناس وكتبت على موقعها أن حركة شباب 6 إبريل تدعو لعدم المشاركة في ذكرى الثورة القادمة، وانتهجت نفس الأسلوب الذي انتهجه إعلام النظام الحاكم غير المحايد في شيطنة كل من يعارضه أو يخالفه الرأي، لمجرد أن البيان لم يعجبها. أو قُل للضغط النفسي على الحركة من أجل المشاركة في الشارع.

النزول للشارع فقط. ولا وقت للتفاهم. ولا وقت لمطالب الثورة التي من أجلها تأسست حركة شباب 6 ابريل، والتي من أجلها زُج بقيادات الحركة في السجون.

لم يكن هذا الخبر ذو العنوان الكاذب هو رد الفعل فقط، فقد أصدر مكتب جماعة الإخوان المسلمين بالخارج بيانًا للرد على الحركة، ليرفض كل ماجاء في البيان، ويتمسك بشرعية مرسي، وهذا حقهم، يفعلون ما شاءوا. يرفضون، يتظاهرون، يعلنون أنه لا بديل عن الشرعية ولو بالدماء، يتهمون كل من ليس معهم بالخيانة وبأنهم انقلابيين، حتى لو أنه ضد الظلم، والفقر، والجهل، والقمع، والاعتقال، والإخفاء القسري، وضد كل الممارسات الغبية التي يمارسها النظام الحالي، ولكن هم أحرار فليقولوا ما شاءوا.

لكن البيان لم ينته عند هذا الأمر فقد ذُكر في آخره مقولة تنسف كل دعوات الاصطفاف. وتوضح أن هتاف "إيد واحدة" كان هتافًا ممتزجًا بالحلم الثوري، انتهت مدة صلاحيته بعد 11 فبراير 2011 مباشرة. وأنهم لا يفكرون إلا في هذا الكرسي الذي سرقه السيسي.

ذُكر في البيان "أننا ماضون لإتمام ثورتنا حتى منتهاها والعمل على تحقيق كل أهدافها وفي مقدمتها عودة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي"!

فليذهب هتاف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" إلى الجحيم، وليبقى الهتاف الذي يجب أن يبقى من وجهة نظر الإخوان "عيش، حرية، مرسي رئيس الجمهورية"، فالتحرك ليس من أجل مطالب الثورة الحقيقية، ولكنه من أجل عودة مرسي، بل أن عودة مرسي في مقدمة مطالب الثورة بالنسبة للإخوان. فلماذا يغضب الإخوان ومؤيدوهم، وتغضب اللجان الإلكترونية عندما يذكر شخص ما أن الإخوان لا يهمهم سوى عودة مرسي؟! وأن الحكاية ليست حكاية ثورة.

فأي ثورة تلك التي قامت من أجل يتولى شخص ما، مهما كان قدره رئاسة الجمهورية؟ وأي شخص هذا الذي تسيل من أجله دماء؟ ويعتقل من أجله آلاف؟!، الثورة لم تشتعل سوى لإقامة العدل؟ وليس لأن يحكم الإخوان ويغضبون عندما يزيحهم العسكر؟

الثورة لم تقم سوى لتطهير وزارة الداخلية الفاسدة، تلك الوزارة التي رفض مرسي تطهيرها، وأعلن على الملأ أنه لا يجوز لنا أن نقول "تطهير الداخلية". هذه الوزارة التي لا يمكن لعاقل أن يأمن مكرها.

الثورة لم تقم من أجل سواد عيون الإخوان، ولكنها قامت من أجل هذا الشعب الكادح الذي عانى الويلات اقتصاديًا، وسياسيًا، والذي عاني من الصحة، والتعليم، والسكن، ومن كل تفاصيل الحياة.

لا أعلم لماذ يتمحك الجميع في ثورة 25 يناير؟! حتى أعدائها الرسميين! فالسيسي نفسه، قائد الحرب التي أُعلنت على الثورة وشبابها بأجهزته الأمنية والقضائية والإعلامية يدّعي أنه يؤمن بثورة 25 يناير. وربما تجد بعض أعضاء حركة "آسفين يا ريس" يتحدثون عن مطالب الثورة في وقت الزنقة!

فلتقولوا ما شئتم، ولتتمحكوا في الثورة، ولتزايدوا علينا، وليقول هذا أننا انقلابيين، وليقول الآخر أننا خونة وننفذ أجندة داخلية. ولتتهمونا بالغباء. وبكل شئ قبيح في الدنيا. ولكن تبقى الحقيقة ظاهرة للأعمى، وهي أن الثورة لم تقم من أجل هذا أو ذاك. وتبقى الحقيقة الثابتة التي مهما تجاهلناها من أجل "مصطلح الاصطفاف" فلن يتجاهلها التاريخ، أن الإخوان أكبر فصيل وضع السكين في جسد الثورة. وأنهم لن ينتفضوا سوى من أجل رئيسهم.
ابدأوا السباب الآن!

مصر بتفرح بالنووي!





مصر العربية

في شمال أوكرانيا، وبالتحديد في مقاطعة كييف عام 1986، وقعت كارثة تشيرنوبل النووية، التي صُنفت عالميًا كأسوأ كارثة بشرية شهدها العالم في التلوث البيئي  والإشعاع المُضر حتى وقتنا الحالي.

وقعت تلك الكارثة بسب خلل في إحدى المولدات التوربينية، تعامل معها أحد العاملين بشكل خاطئ، مما أدى إلى انفجار المفاعل النووي الذى أودى بحياة نحو 40 عاملًا وإصابة أكثر من 2000 في وقت الانفجار، لم تكن المشكلة فيما حدث وقت الانفجار فقط، ولكن كانت الأزمة الكبرى هي إصابة آلاف الأطفال بمرض السرطان بعد وقوع الكارثة بفترة، كما تم إجلاء نحو 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالموقع.

ثم أعلنت السلطات الأوكرانية أن منطقة تشيرنوبل منطقة منكوبة، وبعد حدوث الانفجار سعى المئات من العمال في تغطية وتغليف المفاعل بالخرسانة الأسمنيتة مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم بعد مرضهم متأثرين بالإشعاع.

أعلن الاتحاد السوفيتي بعدها عن حدوث الانفجار على أراضيه رغم أنه لم يكن يعلن عن الكوارث أبدًا ولا يحب الاعتراف بأخطائه، كما طلب المعونة من دول العالم، لأنه لن يقدر على مقاومة تلك الكارثة وحده، بالإضافة إلى أن العالم كله سيُعرض للأذى بسبب تلك الكارثة، فقد تخطت آثار الانفجار حدود المدينة، حتى أنها وصلت لدول تبعد عن مكان الانفجار بآلاف الكيلو مترات، وخلفت الحرائق والانفجارت سحابة من الإشعاعات النووية القاتلة التي إن لم تقتل الإنسان ستصيبه بأمراض خطيرة كالسرطان، انتشرت السحابة في أوكرانيا، وروسيا، وبولندا، والتشيك، وألمانيا، وتركيا، وغيرها من الدول.
***
في هذا الشهر "نوفمبر 2015" أعلن عبد الفتاح السيسي عن مفاجأة قال أنها خطيرة، وهي الاتفاق مع روسيا على إنشاء محطة نووية فى مدينة الضبعة، دون الإعلان عن أي تفاصيل، فالرجل اكتفى بتصريحه بأنه راعى كل الشروط والاعتبارات، وبأن هذا العرض هو أقوى العروض الاقتصادية دون الإعلان عن تفاصيل أخرى، ولم يعلن عن تفاصيل.. فالرجل يظن أن الجماهير تثق في قرارته ثقة عمياء، وهي للأسف عمياء.

نحن أمام كارثة ربما تكون الأخيرة في مصر، لأنها قد تجعل من مصر مجرد كلمات مكتوبة في كتب التاريخ.

لا تظن عزيزي القارئ أن المقصود من ذكر تلك الكارثة التي وقعت في بلاد سبقت مصر بآلاف المراحل فى التقدم العلمي هو "التنكيد" عليك وإفساد فرحتك بإعلان عبد الفتاح السيسي عن خطته لإنشاء مشروع المحطة النووية، فمن الطبيعي يا سيدي أن تعيش في حالة نكد تلقائية بعد مشروع جهاز الكفتة، وكفتة مشروع قناة السويس الذي اقترضت الحكومة مليارات جديدة من أجله، والذي صنفه خبراء عالميون بأنه مشروع لا فائدة من وجوده.

وعليك إدراك أن الإهمال والفساد المنتشران في المؤسسات المصرية جعلا مصر تشرب من مياه النيل الممزوجة بالفوسفات بعد غرق حوالي 500 طن من الفوسفات في النيل، وإلى إغراق الإسكندرية والبحيرة في مياه الأمطار دون تدخل ولو صغير من الحكومة التي اكتفت باتهام الإخوان "شماعة الفشل" بأنهم سدوا بالوعات صرف مياه الأمطار! كما أدى الإهمال والفساد إلى حوادث القطارت، والموت في المستشفيات، وانهيار العقارات، وحوادث الطرق، وقتل سياح عن طريق الخطأ، وتلبيس كل شئ للإخوان.

لا تظن أيضًا أنني أذكرك ببعض وقائع الإهمال والفساد من أجل إصراري على التنكيد عليك، ولكني أؤكد لك أن نظامًا قد غرق في الفساد والإهمال من ساسه لرأسه، لا يمكنه حماية مشروع كمشروع المحطة النووية الذي قد يؤدي إلى كارثة كبرى. لذا فمن الطبيعي أن تشعر بالنكد دون أن تتهمني بالتسبب في ذلك.

يظن عبد الفتاح السيسي أنه امتلك مصر، وأن من حقه أن يجرب فيها ما يحلو له، مغترًا بأولئك الذين يطبلون له في وسائل الإعلام، ويصفقون له ويوهمونه بأن الوطن قد ارتبط باسمه، وبأن عيد ميلاده قد صار عيدًا قوميًا. وبأنه بالفعل كبير الفلاسفة والعلماء، وبأنه طبيب وعبقري ونبغة. هو يحب أن يتحدث الإعلام عن إنجازاته حتى ولو كانت وهمية.

ورغم أن دول العالم المتقدمة تبتعد الآن بشكل صريح عن الطاقة النووية وتتجه إلى الطاقة الشمسية تجنبًا للحوادث التي قد تؤدي إلى كارثة عالمية كبرى. إلا أن عبد الفتاح السيسي اتخذ قرارًا فرديًا خطيرًا كهذا، وهذه هي الدول المتقدمة، فما بالك بدولة إعلامها يتصدره توفيق عكاشة، وتعادي علماء كعصام حجي، وتصدق عبد العاطي ملك الكفتة، دولة فاشلة في التعليم والصحة والأمن، وحتى في كرة القدم. ولكن زعيهما يصر على إنشاء محطة نووية "اشمعنى تشيرنوبل"؟!
***
بعيدًا عن الكوراث التي ربما تتسبب فيها المحطة النووية، هناك أعباء أخرى يتحملها المواطن المصري، فهو الوحيد الذى يتم إضراره بنجاح في كل قرار يأخذه عبد الفتاح السيسي، فالمواطن الكادح هو الخاسر الوحيد من مشروع تفريعة قناة السويس. وهو أيضًا الخاسر الأكبر من مشروع المحطة النووية.

وفي الوقت الذي صرح فيه المستشار أحمد الزند بأن المواطن المصري قادر على العيش بـ 2 جنيه في اليوم وبأن القضاة فقط هم من يستحقون أن يصيفوا في شرم الشيخ لأنهم أسياد وسواهم العبيد، وفي الوقت الذي صرح فيه وزير النقل بأن تذكرة المترو سترتفع 50 قرشًا بعد إذن المواطن الغلبان.

وفي ظروف اقتصادية صعبة لم تمر بها مصر من قبل، وجدنا عبد الفتاح السيسي يبتسم ابتسامة المنتصر ويعلن أن تكلفة مشروع المحطة النووية ستسدد مصر تكاليفه خلال 35 عامًا، أي فى عهد السيد رئيس مصر الصاعد "محمود عبد الفتاح السيسي".

للأسف يبحث السيسي عن مجده الشخصي، دون مراعاة لأولئك المواطنين الغلابة الذين لم ترحمهم الأنظمة المختلفة من الديون المتراكمة التى تتسبب في غلاء الأسعار.

اتضح حب العظمة عندما أعلن الرجل أنه أول رئيس يفكر في إنشاء محطة نووية، مع أن المخلوع محمد حسني مبارك قد بدأ في عمل هذا المشروع من قبل وأوقفه بعد كارثة "تشيرنوبل" التي تحدثنا عنها، وفي 2008 وقّع المخلوع مع بوتين اتفاقًا بين مصر وروسيا لإنشاء محطة نووية في الضبعة، فالمشروع ليس جديدًا كما يدّعي السيسي.

أعاننا الله على تلك الخطوة المتهورة، فأعتقد أن إنشاء محطة نووية ليس أسهل من تسليك بلاعات الصرف الصحي، ربنا يستر.

ورحم الله أحمد فؤاد نجم عندما قال:
وإيه يعنى شعبك يمـوت كل يوم.. ومن همه يطلع يشـــق الهــدوم.
كفايه علينا نشوف ابتسامتك.. ونغرق ما دام انت تقدر تعوم.

رحلة في زنزانة التأديب

هناك من يموتون في زنزانة التأديب (Getty)

ليس التعذيب فقط أن تُجلد على ظهرك بالسياط وأن تصرخ مستغيثًا "أحدٌ أحد"، ولا أن يضع السجان سلك الكهرباء في أماكن حساسة من جسدك، ولكن هناك أنواع من التعذيب لا تترك أثرًا على جسدك، مثل "زنزانة التأديب" فمصلحة السجون تعذّب المساجين بشكل رسمي وعلى أوراق رسمية، وبتهم ملفقة.
تمتلئ زنازين التأديب بكل من له نشاط سياسي يزعج ضباط السجن، وهناك تهمة ملفقة ثابتة لا تتغير، تُدعى "الامتناع عن دخول الزنزانة" وتُكتب على تذكرة المعتقل، إذا رأيتها في تذكرة أي معتقل، فاعلم أن إحدى الجهات قد أوصت بتعذيبه وتأديبه دون أن تظهر على جسده علامات.

يتعرض للتأديب أيضاً من يحاول تهريب الرسائل التي تفضح انتهاكات النظام داخل السجون، أو يحرض المساجين على الاعتراض على تفتيش ذويه بشكلٍ مهين، أو يحرضهم على عدم الاستجابة للضباط عندما يأمرونهم بالجلوس على الأرض كأسرى الاحتلال، وأن ينظروا إلى الأرض.

بالإضافة إلى بعض التفاهات التي تؤدي إلى دخول زنزانة التأديب، كمحاولة تهريب هاتف خلوي داخل السجن للاتصال بالأهالي "مع أن المخبرين يبيعون الهاتف الخلوي للمساجين بسعر 1200 جنيه"، أو محاولة إدخال بعض الأموال، لأن الأموال والسجائر داخل السجون مهمة لتضمن بعض الرفاهية "كالذهاب إلى زنزانة مجاورة لترى بعض أصدقائك".

أذكر أنني دخلت زنزانة التأديب فى إحدى المرات لأني رفضت النظر للأرض، فاهتز الضابط الذي يرتدي نظارة سوداء -حتى فى الأماكن الخالية من الشمس-ليداري خلفها مرضه النفسي، وصرخ بصوت مرتبك، "أنظر إلى الأرض" فرفضت ومكثت يومين في التأديب.

المرة الثانية في السجن كانت بسبب أحد المخبرين الذي حاول أن يفرض إتاوة على الجميع ليسهل عليهم بعض المستحقات، فرفضت اعطاءه ما يريد واعترضت عندما سبني بأمي. فمكثت ثلاثة أيام.

ومرة أخرى لإصراري على كتابة المقالات وإرسالها إلى الخارج عن طريق المساجين الجنائيين. بعدما منعوا دخول الأوراق، والأقلام، والكتب، في تلك الفترة مع تولى مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية.

وفي المرات الثلاث، كتب ضابط المباحث على تذكرة المسجون الخاصة بي أني امتنعت عن دخول الزنزانة.

ما هي زنزانة التأديب؟
هي زنزانة للحبس الانفرادي توجد في كل السجون المصرية، وفي سجن أبو زعبل توجد زنازين التأديب في العنبر الجنائي، وتُمنع منظمات حقوق الإنسان من زيارتها، الزنزانة عرضها لا يتجاوز الثلاثة أشبار وطولها الخمسة أشبار، وارتفاعها هائل، وبالقرب من سقف الزنزانة توجد فتحة صغيرة للغاية، مغطاة بثلاث طبقات حديد، مظلمة، معدومة الهواء، كريهة الرائحة، نظرَا لأن بها علبة بلاسيتك لقضاء الحاجة.
فالمعتقل أثناء وجوده بزنزانة التأديب يمنع من دخول دورة المياه وبالتالي يمنع من الاستحمام. مما قد يؤدي إلى إصابة المعتقل بمرض الجرب.

عند دخولك زنزانة التأديب في الشتاء، يجردونك من ملابسك بشكل كامل، حتى الملابس الداخلية، ويعطونك بدلة ميري قماشها من نوع "البفتة" الخفيف للغاية وعلى ظهرها مكتوب كلمة "تحقيق" لونها أبيض إذا كنت على ذمة الحبس الاحتياطي، بينما يكتب عليها كلمة "نزيل" ولونها كحلي إذا كنت من المحكوم عليهم بالسجن.

تدخل الزنزانة حافي القدمين، ويمنع إدخال مصاحف أو كتب، ويمنعون أيضا دخول المأكولات والمشروبات وحتى المسبحة.

لا تكن قلقًا من موجة الشتاء القاتلة، فسيعطونك "نصف بطانية"، نعم نصف بطانية، ليست بطانية كاملة، كي لا تستطيع أن تحتمى بها من برد الشتاء القارس، وقتها عليك الاختيار، اما أن تغطّي جسدك بنصف غطاء وترقد على بُرش الزنزانة الذي تحوّل لصخرة من الجليد.

أو تضع نصف الغطاء على الأرض وتترك جسدك للشتاء كي يقتله، أو يجعله عرضة لكل الأمراض. في الصباح يسحبون منك نصف الغطاء. كي لا يتوقف جسدك عن الارتعاش.

الرائحة كريهة فى المكان، ولكنك لن تفكر في أي رائحة، وبخاصة إذا كنت في الشتاء. أما في الصيف فربما يضعون معك في نفس الزنزانة شخصين، أو ثلاثة، فتموتون من ارتفاع الحرارة، وعندما يجلس أحدكم يقف الآخرون.

أعلم أنك تسأل عن الطعام، اطمئن، الداخلية لن تتركك تموت جوعًا، ستجد أحدهم يفتح الزنزانة في الصباح ليعطيك رغيفًا من الخبز ويضع فيه قطعة جبنة صغيرة، وأنصحك وقتها أن تمتنع عن الطعام كي لا تضطر إلى أن تقضي حاجتك في العلبة البلاستيك.

أما زجاجة المياه، فهي نفس الزجاجة لا تتبدل، فقط يملؤها السجان دون تنظيفها، لذا يضطر المعتقل إلى شرب القليل من الماء ويحاول أن يغسل جسده ويتوضأ بباقي الزجاجة إن كان في فصل الصيف.

هناك من يموتون فى زنزانة التأديب، وهناك من تصيبهم أمراض عقلية، وهناك من يخرجون لينتقموا. المهم أنه في النهاية قد تمت عملية التعذيب بنجاح دون ترك أي علامة فى جسدك، وأن السيد حافظ أبو سعدة سيقول في وسائل الإعلام أن السجون خالية من التعذيب.

موضوعات متعلقة

التشريفة

اطمئنوا.. السجون مكيفة

عيدهم فى السجن

مبروك.. أخوك في السجن

المتهم مدان ولو ثبتت براءتها

التعذيب ليس مجانًا

ترحيلات الموت

في قسم الشرطة.. التعذيب للجميع

زنزانة الإيراد الجديد

عذاب زيارات السجون


عن كاميرا ”إسراء“ المفخخة

كاريكاتير عن إسراء الطويل للفنان "هجرسي" نشر على مصر العربية
لسماع المقال اضغط هنا

نشرت جريدة "أخبار اليوم" في السبت الماضي 14 نوفمبر 2015، تقريرًا بعنوان «اعترافات إسراء الطويل أمام النيابة العامة» أعدّه الصحفيان عزت مصطفى، وخديجة عفيفي.
ولأن الجريدة لها دور معروف في الدفاع عن الأنظمة الحاكمة المختلفة ديكتاتورية كانت أو «كوميدية»، فقد شعرت الجريدة بأن التعاطف العام مع تلك الفتاة يهدد بقاء النظام الحالي، لذا قررت أن يُكتب التقرير في صفحة كاملة لتشويه إسراء الطويل التي صارت رمزًا لآلاف الواقعين تحت بطش النظام الحالي، إن لم يكن جهاز أمن الدولة قد قرر كتابة هذا التقرير بنفسه.
لا يهم إن كان أسلوب الدفاع عن النظام الحالي عقلانيًا أم لا؟! فعندما يحكم البلاد من يتفوهون بكلمات مضحكة حد البكاء، ويرتكبون حماقات خزعبلية حد الجنون، يصير من الطبيعى أن تقرأ في الجرائد الرسمية أخبارًا مفبركة، ستوهمك أن كل شيء على ما يرام، وأن العالم كله قد اتحد وتفرغ للمؤامرة على عبد الفتاح السيسي، وبأن قناة السويس الثانية قد نجحت وعلينا أن نسعى لحفر قناة سويس «ثالثة» في شارع الهرم، وربما ترى خبرًا بالخط الأحمر في الصفحة الأولى يقول: بعد نجاح تجربة جهاز الكفتة، طالب منوفي يخترع «جهاز كبدة»  للمساعدة على عدم التفكير نهائيًا.
أخبار وهرتلات لا نهاية لها في جرائدنا الرسمية لا تدل سوى على «هبل» الكاتب، وسذاجة من يصدقه.

كانت العناوين التي أبرزتها الجريدة كالآتي:

* خططت "إسراء" لاغتيال شخصية كبيرة انتقامًا لـ "أسماء" وتراجعت في اللحظات الأخيرة.
* إسراء الطويل: كنت أنوي وضع متفجرات في كاميرا التصوير بمعاونة أحد متهمي خلية الماريوت.
* أبي وأمي يعملان بدولة عربية ومصروفي 2000 جنيه.
* فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة.
* إسراء الطويل: الأمن أحبط محاولتي زرع كاميرات وأجهزة تصنت بمبنى هام.
* ووضعت صورة لإسراء الطويل وهي تتوكأ على عصاها وكتبت تحتها: استخدمت إسراء الطويل العكاز لاستعطاف الناس.
في حقيقة الأمر هناك أفلام خيالية تتسم بالواقعية أكثر من تلك «المسرحية الهزلية» التي كتبها الزميلان الصحفيان فى جريدة أخبار اليوم، فالعقل يقتضي أن نتساءل: هل يُعقل أن يتصف أي مخلوق بكل هذا الإجرام الذي صورته لنا الجريدة ثم يجلس أمام النيابة في تحقيقات رسمية ويعترف أنه خطط للاغتيال والانتقام وبث الإرهاب؟! فهل هذا الشخص قد نزلت عليه «الجلالة» مرة واحدة وأعلن توبته على يد وكيل النيابة؟!

إن كل قواعد المنطق تقول أن من يعترف بارتكاب جرائم في محضر رسمي قد تعرض للتعذيب، فلا يوجد مجرم في التاريخ يعترف أنه مجرم، حتى النظام الحالي رغم بحار الدم التي غرق فيها يحاول أن يظهر للناس بمظهر الملاك الذي لا يخطئ، أما الاحتمال الأكبر هو ذلك الاحتمال الذي يقول بأن هذه الاعترافات قد كتبها أحد كتبة السيناريوهات الذين لا يجيدون الكتابة، بعدما شرب «سيجارة ما» ليحاول سحب بساط تعاطف الرأي العام من تحت قدمي إسراء، دون دراية منه بأنه يتسبب فى تعاطف أوسع.
صاحبنا الذي كتب السيناريو فلت منه العيار «حبتين» عندما كتب اعترافًا خطيرًا عنوانه "فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة"، وهذا على أساس أن الوحدة جعلت إسراء تستدعي مكتب إرشاد جماعة الإخوان ليلعبوا معاها «بلاي سيتشن» للقضاء على الوحدة التي تشعر بها.
أما عن الكاميرا التي كانت تنوي وضع متفجرات بها، فعلينا أن نسأل صاحبنا كاتب السيناريو: أي نوع من الكاميرات هذا الذي يتسع حجمه لوضع متفجرات به؟ أم أنك  تقصد وضع كميات كبيرة من بومب الأطفال؟! ثم ما علاقة المصروف الذي تأخذه من والديها بالقضية؟!

وعن أي مبنى هام يتحدث صاحبنا؟! فإسراء قد اخطفتها قوات الأمن من الشارع، وأنكرت احتجازها لمدة 15 يومًا، ولم يقبض عليها متلبسة، ولأن قوات الأمن لم تجد تهمة مناسبة لإسراء فاقتحمت بيتها بعد فترة من اعتقالها وأخذت جهاز «اللاب توب» الخاص بها للبحث عن أي تهمة مناسبة، أي أن الاعتقال كان أولًا، والتهمة سنجدها بعد إشعار آخر، وطبعًا هناك تهم مطاطية جاهزة من السهل أن تتهم بها أي مخلوق كتلك التهمة التي تُسمى "انتماء لجماعة محظورة".
كانت الكراهية واضحة في قلم من يكتب، عندما اتهم  إسراء بأنها ليست عاجزة ولكنها تحاول استعطاف الشعب، فهكذا هم المخبرون تتحكم فيهم كراهيتهم غيرر المبررة عندما يكتبون أو يظهرون في وسائل الإعلام.
انتشرت مهنتي المذيع المخبر، والصحفي المخبر خلال حكم عبد الفتاح السيسي بشكل فج، وصارت أسمائهم معروفة، فهم يؤدون دور يحدده جهاز أمن الدولة، ستستشعره عندما تراهم جميعًا يتداولون نفس الموضوع، ونفس الاتهامات، ونفس الشخصية المطلوب اغتيالها إعلاميًا واتهامها بكل الاتهامات الباطلة، ففي نفس الوقت الذي نشرت فيه جريدة أخبار اليوم هذا التقرير الخُزعبلي، وجدنا أحد «مخبري» الإعلام، الذي يذيع ألعاب الحروب على أنها مشاهد حقيقية وصاحب مقولة «روسيا مبتهزرش»، يظهر على شاشة القناة التابعة لأمن الدولة ليتهم "إسراء الطويل" بأنها "إرهابية"، فالرجل يثق في أن أحدًا لن يحاسبه لأنه لا يتكلم إلا بتكليف من الأجهزة الأمنية، فيشتم ويسب ويتهم كل من أراد اتهاهمه دون أن يتعرض للمسائلة القانونية.
أما إحدى الحقوقيات التي استيقظت من نومها يومًا وشعرت بالفرحة والبهجة لأنها حلمت بالرئيس عبد الفتاح السيسي فرسمت قلوبًا على صفحتها الشخصية واستشعرت الراحة لرؤية وجهه الطاهر فى المنام، فقد ظهرت في وسائل الإعلام تصرخ وتطالب الناس بأن تنتبه لأن إسراء الطويل كانت معها «نبلة» تقنص بها عيون ضباط الجيش والشرطة. فإسراء لديها القدرة على وضع أطنان من المتفجرات في كاميرا وأن تقنص عيون الجيش والشرطة بنبلة.

إذًا.. تفرغ النظام الحالي بأذرعه الأمنية، والقضائية، والإعلامية، لمحاربة تلك الفتاة التي أحرجتهم باتكائها على العصا، ودموعها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وحاول إثبات ما لا يمكن إثباته، كي ينقذ نفسه من غباء من اعتقلوا إسراء.
يظلم النظام آلافًا ويطالب الملايين بأن يجوعوا من أجل بناء مصر وحكومته تعيش في نعيم، ثم يدّعي التقوى.

يقول "علي شريعتي": "عندما يرتدي الظلم رداء التقوى تولد أعظم فاجعة"، ومصر لم تمر في تاريخها بفاجعة كتلك التي نعيشها.