كاريكاتير عن إسراء الطويل للفنان "هجرسي" نشر على مصر العربية |
نشرت جريدة "أخبار اليوم" في السبت الماضي 14 نوفمبر 2015، تقريرًا بعنوان «اعترافات إسراء الطويل أمام النيابة العامة» أعدّه الصحفيان عزت مصطفى، وخديجة عفيفي.
ولأن الجريدة لها دور معروف في الدفاع عن الأنظمة الحاكمة المختلفة ديكتاتورية كانت أو «كوميدية»، فقد شعرت الجريدة بأن التعاطف العام مع تلك الفتاة يهدد بقاء النظام الحالي، لذا قررت أن يُكتب التقرير في صفحة كاملة لتشويه إسراء الطويل التي صارت رمزًا لآلاف الواقعين تحت بطش النظام الحالي، إن لم يكن جهاز أمن الدولة قد قرر كتابة هذا التقرير بنفسه.
لا يهم إن كان أسلوب الدفاع عن النظام الحالي عقلانيًا أم لا؟! فعندما يحكم البلاد من يتفوهون بكلمات مضحكة حد البكاء، ويرتكبون حماقات خزعبلية حد الجنون، يصير من الطبيعى أن تقرأ في الجرائد الرسمية أخبارًا مفبركة، ستوهمك أن كل شيء على ما يرام، وأن العالم كله قد اتحد وتفرغ للمؤامرة على عبد الفتاح السيسي، وبأن قناة السويس الثانية قد نجحت وعلينا أن نسعى لحفر قناة سويس «ثالثة» في شارع الهرم، وربما ترى خبرًا بالخط الأحمر في الصفحة الأولى يقول: بعد نجاح تجربة جهاز الكفتة، طالب منوفي يخترع «جهاز كبدة» للمساعدة على عدم التفكير نهائيًا.
أخبار وهرتلات لا نهاية لها في جرائدنا الرسمية لا تدل سوى على «هبل» الكاتب، وسذاجة من يصدقه.
كانت العناوين التي أبرزتها الجريدة كالآتي:
* خططت "إسراء" لاغتيال شخصية كبيرة انتقامًا لـ "أسماء" وتراجعت في اللحظات الأخيرة.
* إسراء الطويل: كنت أنوي وضع متفجرات في كاميرا التصوير بمعاونة أحد متهمي خلية الماريوت.
* أبي وأمي يعملان بدولة عربية ومصروفي 2000 جنيه.
* فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة.
* إسراء الطويل: الأمن أحبط محاولتي زرع كاميرات وأجهزة تصنت بمبنى هام.
* ووضعت صورة لإسراء الطويل وهي تتوكأ على عصاها وكتبت تحتها: استخدمت إسراء الطويل العكاز لاستعطاف الناس.
في حقيقة الأمر هناك أفلام خيالية تتسم بالواقعية أكثر من تلك «المسرحية الهزلية» التي كتبها الزميلان الصحفيان فى جريدة أخبار اليوم، فالعقل يقتضي أن نتساءل: هل يُعقل أن يتصف أي مخلوق بكل هذا الإجرام الذي صورته لنا الجريدة ثم يجلس أمام النيابة في تحقيقات رسمية ويعترف أنه خطط للاغتيال والانتقام وبث الإرهاب؟! فهل هذا الشخص قد نزلت عليه «الجلالة» مرة واحدة وأعلن توبته على يد وكيل النيابة؟!
إن كل قواعد المنطق تقول أن من يعترف بارتكاب جرائم في محضر رسمي قد تعرض للتعذيب، فلا يوجد مجرم في التاريخ يعترف أنه مجرم، حتى النظام الحالي رغم بحار الدم التي غرق فيها يحاول أن يظهر للناس بمظهر الملاك الذي لا يخطئ، أما الاحتمال الأكبر هو ذلك الاحتمال الذي يقول بأن هذه الاعترافات قد كتبها أحد كتبة السيناريوهات الذين لا يجيدون الكتابة، بعدما شرب «سيجارة ما» ليحاول سحب بساط تعاطف الرأي العام من تحت قدمي إسراء، دون دراية منه بأنه يتسبب فى تعاطف أوسع.
صاحبنا الذي كتب السيناريو فلت منه العيار «حبتين» عندما كتب اعترافًا خطيرًا عنوانه "فتحت بيتي للإخوان بسبب شعوري بالوحدة"، وهذا على أساس أن الوحدة جعلت إسراء تستدعي مكتب إرشاد جماعة الإخوان ليلعبوا معاها «بلاي سيتشن» للقضاء على الوحدة التي تشعر بها.
أما عن الكاميرا التي كانت تنوي وضع متفجرات بها، فعلينا أن نسأل صاحبنا كاتب السيناريو: أي نوع من الكاميرات هذا الذي يتسع حجمه لوضع متفجرات به؟ أم أنك تقصد وضع كميات كبيرة من بومب الأطفال؟! ثم ما علاقة المصروف الذي تأخذه من والديها بالقضية؟!
وعن أي مبنى هام يتحدث صاحبنا؟! فإسراء قد اخطفتها قوات الأمن من الشارع، وأنكرت احتجازها لمدة 15 يومًا، ولم يقبض عليها متلبسة، ولأن قوات الأمن لم تجد تهمة مناسبة لإسراء فاقتحمت بيتها بعد فترة من اعتقالها وأخذت جهاز «اللاب توب» الخاص بها للبحث عن أي تهمة مناسبة، أي أن الاعتقال كان أولًا، والتهمة سنجدها بعد إشعار آخر، وطبعًا هناك تهم مطاطية جاهزة من السهل أن تتهم بها أي مخلوق كتلك التهمة التي تُسمى "انتماء لجماعة محظورة".
كانت الكراهية واضحة في قلم من يكتب، عندما اتهم إسراء بأنها ليست عاجزة ولكنها تحاول استعطاف الشعب، فهكذا هم المخبرون تتحكم فيهم كراهيتهم غيرر المبررة عندما يكتبون أو يظهرون في وسائل الإعلام.
انتشرت مهنتي المذيع المخبر، والصحفي المخبر خلال حكم عبد الفتاح السيسي بشكل فج، وصارت أسمائهم معروفة، فهم يؤدون دور يحدده جهاز أمن الدولة، ستستشعره عندما تراهم جميعًا يتداولون نفس الموضوع، ونفس الاتهامات، ونفس الشخصية المطلوب اغتيالها إعلاميًا واتهامها بكل الاتهامات الباطلة، ففي نفس الوقت الذي نشرت فيه جريدة أخبار اليوم هذا التقرير الخُزعبلي، وجدنا أحد «مخبري» الإعلام، الذي يذيع ألعاب الحروب على أنها مشاهد حقيقية وصاحب مقولة «روسيا مبتهزرش»، يظهر على شاشة القناة التابعة لأمن الدولة ليتهم "إسراء الطويل" بأنها "إرهابية"، فالرجل يثق في أن أحدًا لن يحاسبه لأنه لا يتكلم إلا بتكليف من الأجهزة الأمنية، فيشتم ويسب ويتهم كل من أراد اتهاهمه دون أن يتعرض للمسائلة القانونية.
أما إحدى الحقوقيات التي استيقظت من نومها يومًا وشعرت بالفرحة والبهجة لأنها حلمت بالرئيس عبد الفتاح السيسي فرسمت قلوبًا على صفحتها الشخصية واستشعرت الراحة لرؤية وجهه الطاهر فى المنام، فقد ظهرت في وسائل الإعلام تصرخ وتطالب الناس بأن تنتبه لأن إسراء الطويل كانت معها «نبلة» تقنص بها عيون ضباط الجيش والشرطة. فإسراء لديها القدرة على وضع أطنان من المتفجرات في كاميرا وأن تقنص عيون الجيش والشرطة بنبلة.
إذًا.. تفرغ النظام الحالي بأذرعه الأمنية، والقضائية، والإعلامية، لمحاربة تلك الفتاة التي أحرجتهم باتكائها على العصا، ودموعها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، وحاول إثبات ما لا يمكن إثباته، كي ينقذ نفسه من غباء من اعتقلوا إسراء.
يظلم النظام آلافًا ويطالب الملايين بأن يجوعوا من أجل بناء مصر وحكومته تعيش في نعيم، ثم يدّعي التقوى.
يقول "علي شريعتي": "عندما يرتدي الظلم رداء التقوى تولد أعظم فاجعة"، ومصر لم تمر في تاريخها بفاجعة كتلك التي نعيشها.