أخيراً، سيأتي من يستمع إلى شكواهم (مواقع التواصل) |
في فبراير/ شباط من عام 2014 نشرت الجرائد المصرية خبراً صياغته كالآتي: قال اللواء أبو بكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، إنّ وزارة الداخلية تأكدّت اليوم من عدم تعرض السجناء بسجن "أبو زعبل" للتعذيب، كما تردد، خلال اليومين الماضيين، قائلاً "لجأنا إلى الضباط وإدارة السجون وتأكدنا من عدم وقوع أي تعذيب للسجناء"
إذاً، فعادة النفي لدى السيد اللواء ملتصقة به قبل أن يحصل على لقب "متحدث باسم وزارة الداخلية"، فسيادة اللواء لديه ثقة عمياء في الضباط وإدارة السجون.
أعتقد أن سيادة اللواء اجتمع مع الضباط وسألهم:
- يا حضرات الضباط، هل عذبتم أحداً؟!
- قسماً يا سيدي لم يحدث.
- لا تقسموا، فأنتم صادقون
في يوم 16 فبراير/ شباط 2014، انقلب السجن رأساً على عقب، وأشهد أن المساجين الجنائيين وقتها قاموا بتنظيف السجن كأنهم ينظفون قصر الرئاسة، كما أن المياه لم تقطع طوال اليوم، وكانت قبلها لا تأتي إلا قليلاً، وزيارات الأهالي تخطت نصف ساعة تقريباً، كما أن مأمور السجن وقتها دخل الزنازين بنفسه ليسألنا عن احتياجاتنا! وهو أمر غير طبيعي، فمأمور السجن لا يدخل الزنازين إلا إذا كانت هناك حملات تأديب جماعية ينوي إقامتها.
تحدث أحدنا: نريد غطاءً لأننا ننام على البلاط وبطانيتين لا تكفيان، فاستجاب وأمر بتزويد كل شخص ببطانية ثالثة.
- الملابس قليلة يا سيدي.
فأمر بإحضار ملابس ميري فوراً، لأن هؤلاء الطلبة محترمون. مع أنه قبلها بيومين كانوا أولاد كلب عديمي التربية كما قال.
لم يترك زنزانة واحدة إلا وسألها عن احتياجاتها، وكانت كلها أمانيَّ بسيطة:
- نريد كتباً.
- أقلاماً.
- أوراقاً.
- جرائد.
- ملابس.
- أطعمة.
- علاجاً.
وأغرب ما حدث، في ذلك اليوم، هو صعود الطبيب بنفسه إلى الزنازين ليسأل المعتقلين عن صحتهم، وعمّن لديه أمراض تستحق المتابعة؟!
وقتها سألت الطبيب عن سبب التغيير الذي طرأ على السجن، هل قامت ثورة في الخارج ونحن لا ندري؟!
فنفس الطبيب كان لا يستجيب لأي استغاثات من المرضى مهما كانت الحالة خطرة.
ضحك الطبيب وقال: لا تقلق بعد غدٍ سيعود كل شيء كما كان. لأنه في الغد سيزور السجن وفد من حقوق الإنسان. وهذا شيء روتيني يحدث كل فترة.
شعر الطلاب بفرحة كبيرة، أخيراً، سيأتي من يستمع إلى شكواهم، ومن يعلن أن هناك المئات من الطلاب قد اعتقلوا عشوائياً، ويطالب بالإفراج عنهم وبمحاسبة المسؤولين عن وضعهم في السجن من دون ذنب، وربما يتظلم لدى جامعتهم ليؤدوا امتحاناتهم.
انتظر جميع الطلاب تلك الزيارة بفارغ الصبر، ورتبوا كل ما سيقولونه "سنتحدث عن التعذيب في القسم والمعسكر والسجن، لا لن نتحدث عن التعذيب كي لا يعيدوا الكرة، نريد الخروج فقط، سنقول لهم إننا لسنا مجرمين، وإننا نعشق الوطن، وإننا كنا ننوي أداء امتحاناتنا فقط، سيتحدث أحمد جمال بالنيابة عنّا، فهو الصحافي الوحيد بيننا وسيقدر على نقل الصورة بشكل واضح وسريع، سنكتب كل شيء كي لا ننسى".
هكذا حلموا بالحرية، وشيدوا قصوراً من الهواء، وأحلاماً بسيطة، فكلمة "حقوق الإنسان" أشعرتهم أنهم مقصودون من كلمة "إنسان"، ظنوا أن السيد "حافظ أبوسعدة" سيبكي حزنًا على ضياع مستقبلهم، وعلى مستقبل الوطن النائم على بلاط الزنازين فى الشتاء. فأغلبهم صغارٌ لا علاقة لهم بالثورة ولا بالسياسة، ولا يدركون أن هذا الرجل ليس إلا موظفًا لدى الدولة، لا يقدر على معصيتها.
انتظر الجميع تلك اللحظة المهمة، ولكن تلك اللحظة لم تأت بعد، مر اليوم من دون أن نرى أحد أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، لا في زنزانتنا ولا في الزنازين الأخرى.
وفي صباح اليوم التالي، أعلنت كل الجرائد أن المجلس القومي لحقوق الإنسان قد زار سجن أبو زعبل للاطمئنان على أوضاع المساجين، وأعلن أن السجن خالٍ من التعذيب وأنه استمع إلى شكاوى المساجين، وأكد أنه لم ترتكب الداخلية أي انتهاكات.
فالمجلس لم يصعد إلى الزنازين، ولم يتحدث إلى المعتقلين، واكتفى بزيارة المأمور ونائبه ورجال المباحث ليسألهم عن الانتهاكات التي ارتكبوها كما فعل معهم سيادة اللواء أبوبكر عبدالكريم، فلم يغير الضباط أقوالهم وخرج المجلس في وسائل الإعلام ليعلن أن كل شيء على ما يرام. (ملحوظة: لا أتحدث عن أعضاء المجلس بالإجماع، فمن بينهم من تحاربه الداخلية ولا تمكنه من زيارات السجون).