هناك من يموتون في زنزانة التأديب (Getty) |
ليس التعذيب فقط أن تُجلد على ظهرك بالسياط وأن تصرخ مستغيثًا "أحدٌ أحد"، ولا أن يضع السجان سلك الكهرباء في أماكن حساسة من جسدك، ولكن هناك أنواع من التعذيب لا تترك أثرًا على جسدك، مثل "زنزانة التأديب" فمصلحة السجون تعذّب المساجين بشكل رسمي وعلى أوراق رسمية، وبتهم ملفقة.
تمتلئ زنازين التأديب بكل من له نشاط سياسي يزعج ضباط السجن، وهناك تهمة ملفقة ثابتة لا تتغير، تُدعى "الامتناع عن دخول الزنزانة" وتُكتب على تذكرة المعتقل، إذا رأيتها في تذكرة أي معتقل، فاعلم أن إحدى الجهات قد أوصت بتعذيبه وتأديبه دون أن تظهر على جسده علامات.
يتعرض للتأديب أيضاً من يحاول تهريب الرسائل التي تفضح انتهاكات النظام داخل السجون، أو يحرض المساجين على الاعتراض على تفتيش ذويه بشكلٍ مهين، أو يحرضهم على عدم الاستجابة للضباط عندما يأمرونهم بالجلوس على الأرض كأسرى الاحتلال، وأن ينظروا إلى الأرض.
بالإضافة إلى بعض التفاهات التي تؤدي إلى دخول زنزانة التأديب، كمحاولة تهريب هاتف خلوي داخل السجن للاتصال بالأهالي "مع أن المخبرين يبيعون الهاتف الخلوي للمساجين بسعر 1200 جنيه"، أو محاولة إدخال بعض الأموال، لأن الأموال والسجائر داخل السجون مهمة لتضمن بعض الرفاهية "كالذهاب إلى زنزانة مجاورة لترى بعض أصدقائك".
أذكر أنني دخلت زنزانة التأديب فى إحدى المرات لأني رفضت النظر للأرض، فاهتز الضابط الذي يرتدي نظارة سوداء -حتى فى الأماكن الخالية من الشمس-ليداري خلفها مرضه النفسي، وصرخ بصوت مرتبك، "أنظر إلى الأرض" فرفضت ومكثت يومين في التأديب.
المرة الثانية في السجن كانت بسبب أحد المخبرين الذي حاول أن يفرض إتاوة على الجميع ليسهل عليهم بعض المستحقات، فرفضت اعطاءه ما يريد واعترضت عندما سبني بأمي. فمكثت ثلاثة أيام.
ومرة أخرى لإصراري على كتابة المقالات وإرسالها إلى الخارج عن طريق المساجين الجنائيين. بعدما منعوا دخول الأوراق، والأقلام، والكتب، في تلك الفترة مع تولى مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية.
وفي المرات الثلاث، كتب ضابط المباحث على تذكرة المسجون الخاصة بي أني امتنعت عن دخول الزنزانة.
ما هي زنزانة التأديب؟
هي زنزانة للحبس الانفرادي توجد في كل السجون المصرية، وفي سجن أبو زعبل توجد زنازين التأديب في العنبر الجنائي، وتُمنع منظمات حقوق الإنسان من زيارتها، الزنزانة عرضها لا يتجاوز الثلاثة أشبار وطولها الخمسة أشبار، وارتفاعها هائل، وبالقرب من سقف الزنزانة توجد فتحة صغيرة للغاية، مغطاة بثلاث طبقات حديد، مظلمة، معدومة الهواء، كريهة الرائحة، نظرَا لأن بها علبة بلاسيتك لقضاء الحاجة.
فالمعتقل أثناء وجوده بزنزانة التأديب يمنع من دخول دورة المياه وبالتالي يمنع من الاستحمام. مما قد يؤدي إلى إصابة المعتقل بمرض الجرب.
عند دخولك زنزانة التأديب في الشتاء، يجردونك من ملابسك بشكل كامل، حتى الملابس الداخلية، ويعطونك بدلة ميري قماشها من نوع "البفتة" الخفيف للغاية وعلى ظهرها مكتوب كلمة "تحقيق" لونها أبيض إذا كنت على ذمة الحبس الاحتياطي، بينما يكتب عليها كلمة "نزيل" ولونها كحلي إذا كنت من المحكوم عليهم بالسجن.
تدخل الزنزانة حافي القدمين، ويمنع إدخال مصاحف أو كتب، ويمنعون أيضا دخول المأكولات والمشروبات وحتى المسبحة.
لا تكن قلقًا من موجة الشتاء القاتلة، فسيعطونك "نصف بطانية"، نعم نصف بطانية، ليست بطانية كاملة، كي لا تستطيع أن تحتمى بها من برد الشتاء القارس، وقتها عليك الاختيار، اما أن تغطّي جسدك بنصف غطاء وترقد على بُرش الزنزانة الذي تحوّل لصخرة من الجليد.
أو تضع نصف الغطاء على الأرض وتترك جسدك للشتاء كي يقتله، أو يجعله عرضة لكل الأمراض. في الصباح يسحبون منك نصف الغطاء. كي لا يتوقف جسدك عن الارتعاش.
الرائحة كريهة فى المكان، ولكنك لن تفكر في أي رائحة، وبخاصة إذا كنت في الشتاء. أما في الصيف فربما يضعون معك في نفس الزنزانة شخصين، أو ثلاثة، فتموتون من ارتفاع الحرارة، وعندما يجلس أحدكم يقف الآخرون.
أعلم أنك تسأل عن الطعام، اطمئن، الداخلية لن تتركك تموت جوعًا، ستجد أحدهم يفتح الزنزانة في الصباح ليعطيك رغيفًا من الخبز ويضع فيه قطعة جبنة صغيرة، وأنصحك وقتها أن تمتنع عن الطعام كي لا تضطر إلى أن تقضي حاجتك في العلبة البلاستيك.
أما زجاجة المياه، فهي نفس الزجاجة لا تتبدل، فقط يملؤها السجان دون تنظيفها، لذا يضطر المعتقل إلى شرب القليل من الماء ويحاول أن يغسل جسده ويتوضأ بباقي الزجاجة إن كان في فصل الصيف.
هناك من يموتون فى زنزانة التأديب، وهناك من تصيبهم أمراض عقلية، وهناك من يخرجون لينتقموا. المهم أنه في النهاية قد تمت عملية التعذيب بنجاح دون ترك أي علامة فى جسدك، وأن السيد حافظ أبو سعدة سيقول في وسائل الإعلام أن السجون خالية من التعذيب.