مصر بتفرح بالنووي!





مصر العربية

في شمال أوكرانيا، وبالتحديد في مقاطعة كييف عام 1986، وقعت كارثة تشيرنوبل النووية، التي صُنفت عالميًا كأسوأ كارثة بشرية شهدها العالم في التلوث البيئي  والإشعاع المُضر حتى وقتنا الحالي.

وقعت تلك الكارثة بسب خلل في إحدى المولدات التوربينية، تعامل معها أحد العاملين بشكل خاطئ، مما أدى إلى انفجار المفاعل النووي الذى أودى بحياة نحو 40 عاملًا وإصابة أكثر من 2000 في وقت الانفجار، لم تكن المشكلة فيما حدث وقت الانفجار فقط، ولكن كانت الأزمة الكبرى هي إصابة آلاف الأطفال بمرض السرطان بعد وقوع الكارثة بفترة، كما تم إجلاء نحو 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالموقع.

ثم أعلنت السلطات الأوكرانية أن منطقة تشيرنوبل منطقة منكوبة، وبعد حدوث الانفجار سعى المئات من العمال في تغطية وتغليف المفاعل بالخرسانة الأسمنيتة مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم بعد مرضهم متأثرين بالإشعاع.

أعلن الاتحاد السوفيتي بعدها عن حدوث الانفجار على أراضيه رغم أنه لم يكن يعلن عن الكوارث أبدًا ولا يحب الاعتراف بأخطائه، كما طلب المعونة من دول العالم، لأنه لن يقدر على مقاومة تلك الكارثة وحده، بالإضافة إلى أن العالم كله سيُعرض للأذى بسبب تلك الكارثة، فقد تخطت آثار الانفجار حدود المدينة، حتى أنها وصلت لدول تبعد عن مكان الانفجار بآلاف الكيلو مترات، وخلفت الحرائق والانفجارت سحابة من الإشعاعات النووية القاتلة التي إن لم تقتل الإنسان ستصيبه بأمراض خطيرة كالسرطان، انتشرت السحابة في أوكرانيا، وروسيا، وبولندا، والتشيك، وألمانيا، وتركيا، وغيرها من الدول.
***
في هذا الشهر "نوفمبر 2015" أعلن عبد الفتاح السيسي عن مفاجأة قال أنها خطيرة، وهي الاتفاق مع روسيا على إنشاء محطة نووية فى مدينة الضبعة، دون الإعلان عن أي تفاصيل، فالرجل اكتفى بتصريحه بأنه راعى كل الشروط والاعتبارات، وبأن هذا العرض هو أقوى العروض الاقتصادية دون الإعلان عن تفاصيل أخرى، ولم يعلن عن تفاصيل.. فالرجل يظن أن الجماهير تثق في قرارته ثقة عمياء، وهي للأسف عمياء.

نحن أمام كارثة ربما تكون الأخيرة في مصر، لأنها قد تجعل من مصر مجرد كلمات مكتوبة في كتب التاريخ.

لا تظن عزيزي القارئ أن المقصود من ذكر تلك الكارثة التي وقعت في بلاد سبقت مصر بآلاف المراحل فى التقدم العلمي هو "التنكيد" عليك وإفساد فرحتك بإعلان عبد الفتاح السيسي عن خطته لإنشاء مشروع المحطة النووية، فمن الطبيعي يا سيدي أن تعيش في حالة نكد تلقائية بعد مشروع جهاز الكفتة، وكفتة مشروع قناة السويس الذي اقترضت الحكومة مليارات جديدة من أجله، والذي صنفه خبراء عالميون بأنه مشروع لا فائدة من وجوده.

وعليك إدراك أن الإهمال والفساد المنتشران في المؤسسات المصرية جعلا مصر تشرب من مياه النيل الممزوجة بالفوسفات بعد غرق حوالي 500 طن من الفوسفات في النيل، وإلى إغراق الإسكندرية والبحيرة في مياه الأمطار دون تدخل ولو صغير من الحكومة التي اكتفت باتهام الإخوان "شماعة الفشل" بأنهم سدوا بالوعات صرف مياه الأمطار! كما أدى الإهمال والفساد إلى حوادث القطارت، والموت في المستشفيات، وانهيار العقارات، وحوادث الطرق، وقتل سياح عن طريق الخطأ، وتلبيس كل شئ للإخوان.

لا تظن أيضًا أنني أذكرك ببعض وقائع الإهمال والفساد من أجل إصراري على التنكيد عليك، ولكني أؤكد لك أن نظامًا قد غرق في الفساد والإهمال من ساسه لرأسه، لا يمكنه حماية مشروع كمشروع المحطة النووية الذي قد يؤدي إلى كارثة كبرى. لذا فمن الطبيعي أن تشعر بالنكد دون أن تتهمني بالتسبب في ذلك.

يظن عبد الفتاح السيسي أنه امتلك مصر، وأن من حقه أن يجرب فيها ما يحلو له، مغترًا بأولئك الذين يطبلون له في وسائل الإعلام، ويصفقون له ويوهمونه بأن الوطن قد ارتبط باسمه، وبأن عيد ميلاده قد صار عيدًا قوميًا. وبأنه بالفعل كبير الفلاسفة والعلماء، وبأنه طبيب وعبقري ونبغة. هو يحب أن يتحدث الإعلام عن إنجازاته حتى ولو كانت وهمية.

ورغم أن دول العالم المتقدمة تبتعد الآن بشكل صريح عن الطاقة النووية وتتجه إلى الطاقة الشمسية تجنبًا للحوادث التي قد تؤدي إلى كارثة عالمية كبرى. إلا أن عبد الفتاح السيسي اتخذ قرارًا فرديًا خطيرًا كهذا، وهذه هي الدول المتقدمة، فما بالك بدولة إعلامها يتصدره توفيق عكاشة، وتعادي علماء كعصام حجي، وتصدق عبد العاطي ملك الكفتة، دولة فاشلة في التعليم والصحة والأمن، وحتى في كرة القدم. ولكن زعيهما يصر على إنشاء محطة نووية "اشمعنى تشيرنوبل"؟!
***
بعيدًا عن الكوراث التي ربما تتسبب فيها المحطة النووية، هناك أعباء أخرى يتحملها المواطن المصري، فهو الوحيد الذى يتم إضراره بنجاح في كل قرار يأخذه عبد الفتاح السيسي، فالمواطن الكادح هو الخاسر الوحيد من مشروع تفريعة قناة السويس. وهو أيضًا الخاسر الأكبر من مشروع المحطة النووية.

وفي الوقت الذي صرح فيه المستشار أحمد الزند بأن المواطن المصري قادر على العيش بـ 2 جنيه في اليوم وبأن القضاة فقط هم من يستحقون أن يصيفوا في شرم الشيخ لأنهم أسياد وسواهم العبيد، وفي الوقت الذي صرح فيه وزير النقل بأن تذكرة المترو سترتفع 50 قرشًا بعد إذن المواطن الغلبان.

وفي ظروف اقتصادية صعبة لم تمر بها مصر من قبل، وجدنا عبد الفتاح السيسي يبتسم ابتسامة المنتصر ويعلن أن تكلفة مشروع المحطة النووية ستسدد مصر تكاليفه خلال 35 عامًا، أي فى عهد السيد رئيس مصر الصاعد "محمود عبد الفتاح السيسي".

للأسف يبحث السيسي عن مجده الشخصي، دون مراعاة لأولئك المواطنين الغلابة الذين لم ترحمهم الأنظمة المختلفة من الديون المتراكمة التى تتسبب في غلاء الأسعار.

اتضح حب العظمة عندما أعلن الرجل أنه أول رئيس يفكر في إنشاء محطة نووية، مع أن المخلوع محمد حسني مبارك قد بدأ في عمل هذا المشروع من قبل وأوقفه بعد كارثة "تشيرنوبل" التي تحدثنا عنها، وفي 2008 وقّع المخلوع مع بوتين اتفاقًا بين مصر وروسيا لإنشاء محطة نووية في الضبعة، فالمشروع ليس جديدًا كما يدّعي السيسي.

أعاننا الله على تلك الخطوة المتهورة، فأعتقد أن إنشاء محطة نووية ليس أسهل من تسليك بلاعات الصرف الصحي، ربنا يستر.

ورحم الله أحمد فؤاد نجم عندما قال:
وإيه يعنى شعبك يمـوت كل يوم.. ومن همه يطلع يشـــق الهــدوم.
كفايه علينا نشوف ابتسامتك.. ونغرق ما دام انت تقدر تعوم.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة