هل صبّحت على مصر اليوم؟

عبد الفتاح السيسي (الأوروبية)

لسماع المقال اضغط هنا


صاحبنا يعمل "باحث" في أشياء متعددة، عن عمل، وسكن، هجرة، وباحث عن أي حاجة تتاكل في الثلاجة!

منذ أن تخرج من الجامعة في 2012 وهو يعمل في مجال البحث، لإيمانه بمقولة: من جدّ وجد، استيقظ من نومه على صوت الزعيم المنبثق من التلفاز، وهو يتساءل غاضبًا "انتوا مين؟ انتوا مين؟"! فرك عينيه وذهب إلى مكان التلفاز فوجد والدته مبتهجة ومنبهرة بخطاب الزعيم!
ينظر صاحبنا إلى أمه متعجبًا، متسائلًا عن سر فرحتها العارمة، وفي أثناء تجميعه لجملة اعتراضية على إزعاج الجيران بصوت التلفاز العالِ، قال الزعيم "أوكسم بالله، أشيله من على وش الدنيا"! تراجع صاحبنا عن جملته الاعتراضية وقال لأمه "والنبي يا حاجة علّي التليفزيون شوية"!
قرر صاحبنا أن يعطي نفسه "أجازة" من العمل كـ "باحث عن عمل" وجلس بجوار أمه يسمع خطاب الرئيس الطويل.

ينظر الرئيس إلى عين صاحبنا مباشرة كأنه يحدّثه، وتنظر أمه أيضًا إليه كأنها تتوعده.. نظرًا لأنها تراه خائنًا شارك في ثورة 25 يناير.

"أنا راجل لا أحب الكذب، ولا بحب اللف والدوران".. هكذا قال الزعيم الملهم.. تذكّر صاحبنا كلمات الرئيس السابقة "لن أترشح للرئاسة، ولن أسمح للتاريخ بأن يكتب أن جيش مصر تحرك من أجل مصالح شخصية".. تذكّر أيضًا وعد الإخوان بعدم ترشحهم للرئاسة ليثبتوا للثوار أنهم لم يطمعوا في سُلطة والعياذ بالله. هذا قال أنه ترشح من أجل إنقاذ مصر وهؤلاء قالوا أنهم ترشحوا من أجل إنقاذ الثورة.  

يرى الزعيم مبتسمًا متفائلًا واعدًا الناس أنه سينفذ شبكة طرق تربط جميع جهات مصر خلال عام واحد. آه كلهم يبيعون الوهم لنا.. هكذا هم أصحاب الذاكرة القوية لا يصدقون أي كلام يُقال لأنهم فقط لا يقدرون على النسيان بسهولة، تذكّر أيضًا خطاب "ميصحش كده" الشهير الذي هدد فيه التجّار: "اللي عنده حاجة يبيعها لأنه في خلال 30 يوم ستنخفض الأسعار بعد أن يتدخل الجيش". مرّ الآن 90 يوم، ولكن الأسعار لم تنخفض، بل ارتفعت وارتفع سعر الدولار ومازال الزعيم متمسكًا بالشعار، تحيا مصر 3 مرات!
يفيق من ذكرياته التي "تودي" في داهية على كف أمّه الذي نزل على وجهه بعدما نادته بـ "الموكوس ابن الموكوس" مرات عديدة، نظر لها منبهرًا من هول القلم الذي نزل على وجهه قائلًا "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إيه الهبل اللي بفكر فيه ده؟ فكيف ينسى جاره الذي جلس على المقهى وقال "حسبي الله ونعم والوكيل، الشاي بارد يا شعبان" فظن أحد المخبرين أنه يعترض على سياسة الحكومة، فاختفى الرجل من وقتها، وقال عنه مساعد وزير الداخلية أنه انضم لداعش، مع أن قوات الأمن قد اعتقلته أمام أعين الجميع.. الحمد لله أن الجدران تسمع ولا تقرأ ما نفكّر به، هكذا قال لنفسه.

أمرته أمه بكتابة رسالة إلى سيادة الرئيس تبلغه أنها تبرعت بالمنزل من أجل مصر بعد موتها، وعندما سألها صاحبنا أين سيعيش بعد موتها؟ نزل كفّها على وجهه الآخر، فقرر السكوت، وخاصة عندما قال الزعيم "لو سمتحتم اسكتوا".. وصلت رسالة أمه إلى رئاسة الجمهورية، فاحتفت بها وسائل الإعلام كأنها طهرت سيناء من الإرهاب، فقرر صاحبنا أن يسلك درب أمه وأن يرسل رسالة إلى رئاسة الجمهورية، طالما أن الرئاسة تقرأ كل الرسائل.. وكتب في رسالته:

السيد رئيس الجمهورية:
من مواطن موكوس يعمل "باحث عن عمل"
تحية طيبة وبعد:

- قلت في خطابك "انتوا فاكرين إني هسيبها ولا إيه؟".. لا تعلم كيف تأثرت والدتي وقتها بهذا التساؤل؟ فقد دعت الله أن يطيل عمرك كما أطال عمر الفراعنة، لأنك تستحق أن تحكم مصر مئات الأعوام، بل آلاف، بل تحكمها إلى أن تقوم الساعة، لأنك أنقذت مصر من الإخوان الذين دمّروا الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية، والبنية التحتية والفوقية والجانبية والآشعة فوق البنفسجية في عامٍ واحد.

ثم إنه يا سيدي لا أحدٌ يقدر على أن يتمنى أن ترحل عن الحُكم بشكل علني، لأن رجال الأمن يبحثون عن هؤلاء المخربين الذين يتنمون رحيلك وينكلون بهم بالاعتقال أو الإخفاء أو القتل.. هناك من يتمنى رحيلك، لكنها عادة سرية لا يجرؤ أحدهم أن يفعلها أمام الخلق، لا تتركها سيدي ولكن دعنا نتركها، فنحن عندما نحاول الخروج منها يخبرونا في المطار أن أسمائنا موجودة في قائمة الممنوعين من السفر.

- قلت يا سيدي الرئيس أنك تعرف الحكومة أكثر منا، وأنها حكومة "كويسة" وقلت أنك تجلس معها كل يوم.. وأنا أخاف عليك من الحسد الذي قد يصيبك من الأشرار، فلا تعلن أنك تجلس معهم أمام الجميع. فهل تعلم أن هناك آلاف يحاولون الجلوس مع الحكومة من أجل تقديم مطالبهم فيجلسون على أشياء أخرى؟ هناك مئات من حملة الماجستير يتظاهرون كل أسبوع أمام مجلس الوزراء كي تستمع الحكومة إلى مطالبهم ولكن لا يسمعهم سوى وزير الداخلية الذي بدوره يأمر بالقبض عليهم. كما أن هناك آلاف الأطباء أعلنوا معالجة المرضى مجانًا، بعد أن اعتدت عليهم قوات الأمن في المستشفيات فرفضت الحكومة الجلوس معهم وقادت حربًا إعلامية ضدهم. خاف على نفسك من الحسد سيدي الرئيس وكن حذرًا!

- تساءلت في خطابك "انتوا عارفين الحكومة بياخدوا إيه عشان يستحملوكم؟".. عن نفسي أعرف أنهم يحصلوا على مرتبات تافهة، فالوزير يحصل على 35 ألف جنيه شهريًا غير الحوافز والمكافآت والهدايا، مبلغ تافه لا يحق لأمثالي ممن يبحثون عن وظيفة بـ 2000 جنيه أن ينظروا له. حتى لو كان بعض الوزراء تصل رواتبهم إلى 3 ملايين جنيه كما ادّعى عماد مهني، رئيس مجلس علماء مصر، الذي تقدم باستقالته في وقت سابق، فما المانع من حصولهم على ملايين؟ فمصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا كما قلت سيادتك، فالوزراء "بيدّوا" مصر الكثير وبيتعبوا من فرط الظهور في وسائل الإعلام والرد على الانتقادات التافهة التي يوجهها الرأي العام للحكومة. كان الله في عونهم وعونك.

- فرحت جدًا عندما ارتفع صوتك حتى كاد الميكروفون أن ينكسر وقلت أن هناك محاولات لإسقاط مصر، نعم ياريس هناك محاولات من خونة متآمرين على مصر، هل أخبروك بأمر المدعو "توفيق عكاشة" الذي استضاف سفير إسرائيل في منزله؟! أظن أنك ستعدمه في ميدان عام، فالخيانة ليست وجهة نظر، دعني أخبرك بأن السفير حازم خيرت، قال على الملأ أنه فخور وسعيد بوجوده في إسرائيل، تخيل؟!        

نشر بعض المغرضين من قائدي حروب الجيل الرابع صورًا لك مع اللوبي الصيهوني، وقالوا أنك وصفت نتنياهو بالقائد العظيم، ولكني لا أصدقهم لأنهم خونة وعملاء، ولو كان هذا الأمر صحيحًا فسأفعل كما تفعل أمي وأقول أن هذا دهاء ومكر منك سيدي، فرغم أن أمي اتهمت "مرسي" بالخيانة عندما وصف "شيمون بيريز" بصديقه العزيز، إلا أنه لا يمكننا أن نشبه بين حالتك وحالته أبدًا، على الأقل كي نضمن بقائنا على قيد الحياة أطول فترة ممكنة!

- عندما عرضت نفسك للبيع يا سيدي وقلت "والله العظيم لو ينفع أتباع هتباع" نزلت دموعي حد البربرة، وتأثرت كما لم أتأثر من قبل، وتذكرت قصيدة الحلزونة للفنان عادل إمام.
"فليسقط الشعر ولتنهار أبياتي.. الشعر شعري والمأساة مأساتي".

الغريب أن البعض قام بالتصفيق وقتها يا سيدي، كما حدث معك عندما قلت هذه الجملة المؤثرة، أما الساخرون فعرضوك للبيع وأضحكوا العالم عليك، ولم يُقدّروا عرض نفسك للبيع في الأسواق، منهم لله. ياريتني كنت أنا يا أخي.

- أعجبني عرضك سيدي الرئيس عندما قلت "عايز أجيب كل اللي بيتكلم وأمسّكه وزارة وأقول له وريني هتعمل إيه؟" افعلها يا سيدي و"مسّكهم" المناصب ولننتظر ماذا يفعلون؟ أفرج عن هؤلاء الذين يتكلمون من السجون، وصدعونا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فهؤلاء خونة وأنا أعتقد أن عدم اعترافهم بإسرائيل ودفاعهم المستميت عن القضية الفلسطينية، وانحيازهم للفقراء ليس إلا تمثيلية.

- هل تعلم ماذا فعلت أمي عندما قلت "لو بتحبوا مصر صحيح، اسمعوني أنا بس، بس؟؟".. لقد دمرت كل شرائط عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، ومحمد منير، وقالت أنها لن تسمع غيرك بعد اليوم لأن محمد منير خائن. ها ها، أعلم أنك بالطبع لا تقصد أن نسمع غيرك في الغناء، ولكنك تقصد "السياسة" بالطبع، وأعلم جيدًا أن السياسة نجاسة، ولهذا أنت لا علاقة لك بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. أقترح على سيادتك أن تبلغ أمن الدولة بكتابة إرشادات ونصائح سيادتك في كل أمور الحياة حتى لا نسمع غيرك، فهذا هي الديمقراطية الحديثة، أن نسمع الرئيس فقط ونرفع أحذيتنا في وجه من يعترض!

- "اللي اتعمل في سنة ونص متعملش في 20 سنة".
نعم يا سيدي، فهل استطاع حاكمًا مهما بلغت مملكته وديكتاتوريته أن يبني 13 سجنًا في هذا الوقت القياسي؟ لا أعتقد.

- شعرت ببالغ الأسى يا سيدي عندما قلت أنك تحتاج إلى أن نصبّح على مصر كل يوم بجنيه من رصيدنا، لم أشعر بهذا اليأس اللعين لأنها فكرة فاشلة لا سمح الله، أو لأنك جمعت مليارات لتفريعة قناة السويس ولم نستفد منها بمليم، أو لأن لائحة البرلمان الجدية تكافئ النواب بـ 90 مليون جنيه في السنة، أو لأن القضاة يطالبون بـ 5 آلاف جنيه مكافأة أسوة بمجلس الدولة، لا سمح الله، ولكني شعرت بالأسى لأني "مش معايا رصيد" نظرًا لأني أبحث عن عمل منذ تخرجت من الجامعة ولكنها مستورة والحمد لله.

بالمناسبة ياريس.. العمل الذي أعلنت عنه حكومتكم لا يكفي أجرة مواصلات رايح جاي، إنهم يخدعوك سيدي لذا وجب عليّ إبلاغك. ودعمًا مني لمبادرتك الرائعة بالتصبيح على مصر فقد غيرت اسمي على موقع فيس بوك وجعلته "هل صبّحت على مصر اليوم؟".. حتى يتذكر كل من يشاهد صفحتي أن يصبّح على مصر كل يوم، كي تستطيعوا بناء السجون، وشراء الغاز المسيل للدموع، وتقدروا على دفع بدلات لقضائنا الشامخ.. صباح الفل.

موضوعات متعلقة

وقفة للمحامين ضد “انتهاكات الداخلية”.. وانتقادات للنقيب

أمام نقابة المحاميين. تصوير (أحمد جمال زيادة)



نظم العشرات من المحامين وقفة أمام نقابتهم في الثانية والنصف ظهر اليوم، الخميس، اعتراضًا على ما وصفوه بالانتهاكات ضد المحامين في مقار المحاكمات وأمام القضاة.
وخلال الوقفة، رفع المحامون لافتات تندد بالاعتداءات التي يتعرضون لها على يد أفراد من وزارة الداخلية، وهي اللافتات التي كُتب عليها عبارات مثل: “حاتم لازم يتحاكم، لا لاعتداءات الداخلية ضد المحاميين”، فيما ظهرت خلال الوقفة بعض اللافتات التي تهاجم سياسة “الإخفاء القسري”، و”تلفيق القضايا لأصحاب الرأي”. وتضامن المشاركون في الوقفة كذلك مع حراك الأطباء ونقابتهم ضد انتهاكات الشرطة، وذلك عبر لافتة كتبوا عليها: “متضامنون مع الأطباء ضد بلطجة الداخلية”.
وردد المحامون الذين شاركوا في الوقفة بعض الشعارات التي تتهم وزارة الداخلية بـ “البلطجة”. فيما كان التواجد الأمني في محيط الوقفة غير مكثف.
وقد صرح أحمد صابر، المحامي بالنقض وأحد منظمي الوقفة، لـ “مدى مصر” أنها تأتي للمطالبة بوقف انتهاكات الداخلية ضد الشعب بصفة عامة، وضد المحامين بشكل خاص، مضيفًا أنه على السلطات الحالية الإفراج عن المعتقلين الذين لفقت لهم تهمًا تافهة لا عقاب عليها في القانون، بحسب قوله.
كما أضاف الباحث القانوني والمحامي بالنقض حسين حسن أن الاتهام المعتاد الذي ستوجهه وسائل الإعلام لهم هو أنهم “إخوان”، وهو ما نفاه، وأكد أنهم فقط ضد الإرهاب الذي تمارسه الدولة ضدهم، واستكمل قائلًا إن عدد المحامين المعتقلين وصل إلى 323، دون أي تدخل من النقابة لحمايتهم، بحسب قوله، كما انتقد حسن نقيب المحامين قائلًا: “لم لا يتحرك نقيب المحامين كنقابة الأطباء ونقابة الصحفيين؟ الإجابة واضحة، وهي أن سامح عاشور تفرغ للصراعات الداخلية وتناسى أعضاء النقابة الموكل عنهم”.
كان شهر يونيو من العام الماضي قد شهد دعوة من النقابة للمحامين بالإضراب لمدة يوم واحد، اعتراضًا على انتهاكات الداخلية ضد أعضائها، وهي الدعوة التي أتت على خلفية اعتداء نائب مأمور قسم شرطة فارسكور، بمحافظة دمياط، على أحد  المحامين بالضرب بالحذاء، خلال حضوره تحقيقًا مع موكله، وهي الواقعة التي تم حبس الضابط فيها أربعة أيام على ذمة التحقيق، فيما قال وقتها نقيب المحامين سامح عاشور إنهم مستمرون في “التصعيد”.
وشهد العام الماضي عددًا من حالات الاعتداء على المحامين من قبل أفراد منتمين لوزارة الداخلية، فيما كانت آخر تلك الحالات اعتداء لواء شرطة بقسم سمنود بمحافظة الغربية على أحد المحامين لفظيًا، بداية الشهر الجاري، وهي الواقعة التي اعتصم على إثرها عدد من المحامين في قسم الشرطة اعتراضًا على ما تعرض له زميلهم.

مُثقفو مصر يواصلون الدفاع عن أحمد ناجي

تصوير (أحمد جمال زيادة)
أثار الحكم بحبس الروائي والصحفي “أحمد ناجي” ردود فعل غاضبة في أوساط المثُقفين والمُبدعين على اختلاف توجهاتهم الفكرية. يرى الجميع أن حبس الخيال هو الجريمة الحقيقية، وأن وصاية الدولة ويدها الثقيلة تطال الجميع دون استثناء، وهو ما يتطلب وقفة جادة وحركة حقيقية من أجل بحث عن طريقة للرد على هذا الحكم.
انتقد عدد كبير من المُثقفين الحكم، فور صدروه، على مواقع التواصل الاجتماعي. صدربيان مُشترك عن كل من”مدى مصر” و”قل”، و”+18″، و”زحمة” للتضامن مع ناجي والتنديد بحبسه. كما صدر بيان “افتحوا المجال العام“، الذي وقع عليه 622 شخصية عامة حتى الآن. كما صدرت بيانات عن أغلب المنظمات الحقوقية في مصر والعالم، تدين الاعتداء على الحق في التعبير، وحبس المُؤلفين، ووضعت هذا في سياق ما تشهده مصر الآن من تراجع في الحريات العامة.
وفي اليوم الثالث لحبس ناجي، اجتمع عدد من الأدباء المثقفين في دار “ميريت” للطبع والنشر لمناقشة الموقف وكيفية التعامل معه. وأعلن اتحاد كتاب مصر عن تضامنه ورفضه لحبس الروائي الشاب. وكانت نقابة الصحفيين ومؤسسة حرية الفكر والتعبير قد تقدمتا، الأحد الماضي، بأربع طلبات إلى النائب العام من أجل وقف تنفيذ الحكم بالحبس. وهناك دعوة بين الأدباء لحرق نسخ من أعمالهم الإبداعية كشكل آخر من أشكال التضامن مع ناجي والاحتجاج على حبسه.
أما عن الجماعة الصحفية التي ينتمي إليها ناجي بحكم العمل، فقد شهدت عدة أشكال للتضامن. أصدرت صحيفة القاهرة؛ التابعة لوزارة الثقافة، عددها يوم الثلاثاء الماضي بصفحة غلاف بيضاء لا تحمل سوى شعار “لا لحبس الخيال”، كما حمل غلاف العدد الحالي لأخبار الأدب بصورة ناجي على الغلاف. وكان الدكتور “عمار علي حسن” قد احتج بأن ترك مساحة مقاله بيضاء. هذا إضافة إلى عشرات المقالات والأعمدة الصحفية، في صحف مصر الحكومية والخاصة، والصحف العربية التي تنتقد الحكم وتُفند حيثياته وتطالب بوقف تنفيذه.
وفي هذا الإطار، نظمت نقابة الصحافيين مؤتمرًا شاركت فيه 9 منظمات حقوقية وفنية، كما شارك فيه عدد من الشخصيات العامة تضامنًا مع الروائي “أحمد ناجي”؛ المحكوم عليه بالحبس لمدة عامين بتهمة خدش الحياء.
اكتظت قاعة نقابة الصحافيين بالمتضامنين، واللافت أن المؤتمر جمع بين مؤيدين ومعارضين للنظام الحاكم. شارك وزير الثقافة “حلمي النمنم” في المؤتمر، الذي كان من أبرز المشاركين فيه “جمال فهمي”؛ الصحفي النقابي وممثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، و”محمود كمال”؛ عضو نقابة الصحفيين، و”خالد البلشي” رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، والروائي “إبراهيم عبد المجيد”، والمنتج السينمائي “محمد العدل”. كما شاركت “منى سيف”؛ الناشطة السياسية ومؤسسة “لا للمحاكمات العسكرية”.
قال البلشي، في كلمته، إن علينا أن نطلق على هذا المؤتمر إسم “مستمعوش غيري” في إشارة ساخرة من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمس. وأضاف أن “أحمد ناجي” يتعرض لأشد أنواع الظلم، وأشار إلى وقوع 752 انتهاكًا ضد الصحفيين؛ تنوعت بين منع تغطية، واعتداءات بدنية، واعتقالات. أضاف البلشي أن علينا توصيل رسالة لمن أمرنا ألا نسمع غيره، هي “أننا لن نسمع سوى أنفسنا”. أشار البلشي إلى أن الحرية بشكل عام تتعرض للانتهاك، فقد تم القبض على خمسة أطفال بتهمة ازدراء الأديان، بالإضافة إلى وجود 42 صحفي يقبعون في السجون حاليًا.
وقال حلمي النمنم إنه سعيد بوجوده في بيت من بيوت الحرية مشيرًا إلى نقابة الصحفيين، وأضاف أننا نواجه 3 أحكام على كُتاب ومبدعين، وعلينا أن نواجه القوانين التي تعطل تنفيذ الدستور؛ مضيفًا أن القضية ليست قضية ناجي فقط. ولكنها قضية حرية الفكر والتعبير، وأنه إذا كان المجتمع لا يقبل نصًا بعينه فلا يجب أن نحارب النص بالسجن. صاح أحد الحضور مقاطعًا الوزير، وطالبه باتخاذ موقف قبل أن يتحدث. انفعل الوزير واتهم مُنتقده بالديكتاتورية.
استطرد النمنم: “علينا أن نعلم أن من خدش الحياء ليس أحمد ناجي ولكن من حرك قضية ضده مما أدى إلى مشاهدة نصوص أحمد ناجي في رواية “استخدام الحياة” أكثر من 2 مليون مرة على الإنترنت”.
وقال “محمود كمال” في كلمته إن وكيل النيابة تخيل أن أحمد ناجي يحكي عن نفسه في الرواية وأراد تلفيق قضية تعاطي مخدرات في القضية لأن بطل الرواية يتعاطى المخدرات.
أعلن “طارق الطاهر”؛ رئيس تحرير أخبار الأدب، تضامنه مع ناجي، ومع كل مُعتقل بسبب آرائه، مضيفًا أنه لا يُعلق على أحكام القضاء، ولكنه يطالب بتطبيق الدستور. كما طالب بعمل دوائر خاصة لمحاكمة الصحفيين المُخطئين كما يحدث مع القضاة. أضاف الطاهر أن ناجي كان يظن أنه سيتم احترام الدستور، وأنه لن يتعرض للحبس، ولكن للأسف حدث العكس.
أما الدكتورة “آمنة نصير”؛ النائبة بالبرلمان وأستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، فبدأت كلمتها بآية من القرآن الكريم “لست عليهم بمسيطر”، ورفضت وجود اتهام يُسمى “ازدراء الأديان”، مضيفة أن الوصاية لا يمكن أن تصلح أخلاقًا، وأن الفكر يجب أن يُواجه بالفكر، فحين نشر “إسماعيل أدهم” كتابًا عنوانه “لماذا أنا ملحد” في أوائل القرن العشرين، رد عليه “محمد فريد وجدي” بكتاب “لماذا أنا مؤمن؟”
وقال “محمد زكريا محي الدين”؛ عضو مجلس النواب إنه حضر ليتضامن مع أحمد ناجي ومع حرية الفكر، ووعد الحضور بعرض مناقشة القوانين المُعطلة للدستور داخل مجلس النواب.
وقال الروائي إبراهيم عبد المجيد، إن ما يحدث ليس عبثًا، لأن عبث كلمة محترمة، ما يحدث يمكننا أنا نطلق عليه “هبل” لأن الدولة تتجاوز القوانين والدستور.
في تصريحه لـ”مدى مصر” قال المنتج محمد العدل، إنه لم يأت إلى هنا تضامنا مع الكاتب أحمد ناجي أو السياسية “فاطمة ناعوت” فقط، ولكنه جاء متضامنًا مع كل من لا يستطيع أن يبوح برأيه علانية خوفًا من الفكر الوهابي المسيطر على الدولة. وأضاف العدل متعجبًا: “لا أدري كيف يمكن لأحد أن يظن نفسه رقيبًا أخلاقيًا على أحد الكتاب أو الفنانين أو غيرهم، وأنه ليس من حق أحد أن يمنع كاتبًا أو أديبًا من كتابة ما يريد، ولكن من حقه أن يمتنع عن قراءة ما يعتبره مسيئًا أو غير أخلاقي”.
تعجب “جمال فهمي” من هذه الهجمة الشرسة على العقل وعلى صناعة التفكير وعلى التعبير، “وأهم من كل هذا أتعجب من عدم احترام الدستور الذي أقرته مصر حكومة وشعبًا”. كما تساءل فهمي: من قال إن هذا العمل لمجرد انه جيد أو رديء يعرض على المحاكم والنيابة وأقسام الشرطة، هذه قضية يُفتي فيها النقاد والمتخصصون، يفتي فيها الجمهور صاحب الرأي الأساسي، بأن يُقبل على العمل أو يراه رديئًا فيبتعد عنه. وأضاف: “حق أحد أن يفرض وصاية على آراء الناس وعلى أذواقها؟ من يقول إن ما كتبه أحمد ناجي رديئًا، فهذا رأيك، ولا يجب أن يفرضه عليّ”.
ومن المُتوقع أن تستمر فعاليات التضامن مع ناجي والتنديد بالحكم في الأيام القادمة، لأن الأدباء والصحفيين يشعرون بالتقصير لأنهم لم يأخذوا القضية على محمل الجد في مراحل التقاضي الأولى، كما تصاعد الشعور بالقلق لدى كل صاحب فكرة وقلم من بطش السلطة، وأدركوا أنهم مُهددون جميعًا بالحبس، وأنهم يعيشون حرفيًا في أرض الخوف.

حتى لا يأكلنا الذئب

كارتون الفنان أنديل (مدى مصر)

لسماع المقال اضغط هنا

"كنا نحن معشر الحمير، نتحدث بلغة خاصة بنا، مثلما يتحدث البشر، كنا نتكلم ونغني، ولم نكن ننهق مثلما عليه حالنا الآن، النهيق بدأ فيما بعد، فكما تعلمون أن جميع احتياجاتنا ورغباتنا وعواطفنا نفصح عنها الآن بالنهيق.

لكن كيف تغيرت لغتنا إلى نهيق؟
تغيرت بسبب الخوف، تلجمت ألسنتنا، وذهبت عقولنا، فصرنا ننهق.
في زمان ما، كان يلهو حمار عجوز في الغابة وحيدًا، كان يغني بلغة الحمير، وبعد فترة من الغناء واللهو، اشتم رائحة ذئب قادم من بعيد، رفع الحمار رأسه وتنفس حتى امتلأت رئتيه، وقال لنفسه: "لا يوجد رائحة ذئب" واستمر في لهوه وتجاهله لرائحة الذئب، ازدادت رائحة الذئب أكثر، وهذا يعني أنه اقترب، ولكن الحمار طمأن نفسه وقال: "قد لا يكون ذئب".
رائحته صارت تملأ المكان ولكنه قال: "إن شاء الله لن يكون ذئب".
سمع صوت الذئب فباتت الأمور واضحة، ولكن الحمار أقنع نفسه بأنه ليس صوت ذئب.
مع اقتراب الذئب أكثر أخذ قلب الحمار يخفق وعيناه ترتجفان، ثم باتت الأمور مكشوفة أكثر عندما رأى الذئب بعينيه، فقال: "أتمنى ألا يكون ما أراه ذئب، لقد أصاب الوهن عيني، لذلك آراه ذئب".
تقلصت المسافة بين الحمار والذئب حتى صارت 50 مترًا، فطمأن نفسه قائلًا: "قد يكون فيل بهيئة ذئب".
حتى لو كان الذئب قادمًا فماذا سيفعل ليّ طالما أنني لم أحاول أذيته.
شعر أنه يريد الابتعاد قليلًا عن المكان ففعل، ابتعد وهو ينظر وراءه فرأى الذئب مسرعًا نحوه فاتحًا فاه، فقال الحمار: "كم أنا أحمق، كيف أرى القط ذئبًا؟".
أسرع الحمار في الهروب حتى صارت قدماه ترتطمان في بطنه ومع هذا قال: "ليس ذئبًا".
نظر الحمار خلفه عندما شعر بأنف الذئب المبلل يلامس ظهره، فأغمض الحمار عينيه كي لا يراه، وقال: "أعرف أنك لست ذئبًا، لا تلعب في مؤخرتي بيدك فأنا لا أحب المزاح باليد".
غرز الذئب الجائع أسنانه في ظهر الحمار، ونهش قطعة كبيرة، ومن حلاوة الروح ارتبط لسان الحمار ونسي لغته قائلًا: " إنه ذئب آه، آه هو، هاق هاق هاق".
تابع الذئب نهشه، فلم يستطع الحمار سوى أن يصرخ: "هاق، هاق".
منذ ذلك اليوم نسينا لغة الحمير وصرنا لا نقول سوى: هاق، هاق"

هذه كلمات الرائع عزيز نيسين في قصته "آه منا نحن معشر الحمير" بتصرف.

***
أذكر أنني يومًا نشرت على صفحتي فيديو بالصوت والصورة منقول عن جريدة الوطن، لأمين شرطة يصفع سيدة على وجهها لأنها أصرّت على إيقاف المترو من أجل إبعاد أحد المتحرشين عن سيارة السيدات.

رغم أن الصفعة كانت واضحة يراها الأعمى، وجدت تعليقات مريبة حتى ظننت أن هؤلاء ليسوا ببشر، كثيرون هم من قالوا إن المترو في بلد غير مصر، وتجاهلوا زيّ أمين الشرطة ورجال الأمن المحتشدين حول السيدة، وتجاهلوا لافتة "اتجاه شبرا".. كثيرون أيضًا من حكموا على المرأة وقالوا إنها ربما تخطف الأطفال، أو تبيع الحشيش، أو تسرق الهواتف، أو حاولت تفجير المترو.. هناك من فرح بضربها وتساءل: "لماذا تصرخ بهذا الشكل؟ تستاهل الضرب؟"، وهناك من اكتفى بسبّي ولعني وتخويني واتهامي بالعمالة والتخابر.
أما سيادة اللواء أبو بكر عبد الكريم، المتحدث باسم وزارة الداخلية اتصل بالإعلامي وائل الإبراشي، ونفى أن أمين الشرطة ضربها على وجهها، فسيادة اللواء يثق أن هناك ملايين سيصدقونه ويكذبون ما رأوه بأعينهم من أجل عيون السيسي.
وضعت الحكومة على الأرض سجادًا بطول 4 كيلو مترات، من أجل أن يمشي عليها موكب السيسي، ولكن هناك من لم يجدوا تبريرًا لهذا الفعل، فقرروا أن يدّعوا أنه ليس إلا دهانًا لونه أحمر وأن الإخوان هم من يروجون لأنه سجاد.. وعندما أعلنت الرئاسة فتح تحقيق في أمر السجادة الحمراء، جاء من قال إنه طلاء أحمر، وأن هذا السجاد لا يكلف الدولة مليمًا واحدًا لأنه قديم.
ارتفع سعر الدولار ووصل إلى 9 جنيهات وأكثر، فنشر بعض مؤيدي للنظام الحالي تفسيرًا لارتفاع سعر الدولار واصفين ارتفاع الدولار بأنه ضربة معلم من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنه عندما يرتفع سعر الدولار سيزيد الاستثمار في مصر لأن الجنيه رخيص جدًا، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الإنتاج المصري "شبه المعدوم" ونستمر على هذا الوضع لمدة سنة، ثم يرتفع الجنيه وينخفض سعر الدولار، وربما يصبح الجنيه أعلى من سعر الدولار.
أما عن انتهاكات أمناء الشرطة وبلطجتهم على خلق الله، وفرض الإتاوات، وقتلهم الأبرياء لأن الدولة أعطتهم سلاحًا ميري بأموال الشعب، فلربما يرى البعض أن بعض أمناء الشرطة إخوان، لهم دور محدد في تشويه سمعة الشرطة الحسنة، وربما لا يرى هؤلاء أن هناك انتهاكات أصلًا.
صاحبنا المؤيد "تأييدًا مطلقًا" يرى أن الحياة جميلة، وأن الدولة مستقرة، وأن التعليم زي الفل، وأن الصحة في العالي، وأن الشرطة في خدمة الشعب، وأن من تم إخفاؤهم قسريًا انضموا لداعش، وأن مصر ليس بها معتقلين.
صاحبنا وصل إلى درجة خطيرة من درجات التبرير، حتى تظن أنك لو وضعت مسمارًا في رأسه لفرقع رأسه كالبالونة من فرض خواء عقله، فأعتقد أن كل من يعارض النظام الحالي ليس إلا إخوان، الاشتراكيون الثوريون إخوان، و6 إبريل، والألتراس، والعلمانيون والليبراليون الذين انضموا مؤخرًا بشكل صريح لصفوف المعارضة، والناصريون الذين اكتشفوا أن السيسي ليس ناصر، والأطباء، والمحامون، والصحافيون المعارضون.
أوصله عقله الخاو، وبصره الذي لا يرى إلا ما يريد النظام أن يريه إياه، وسمعه الذي لا يسمع به إلا ما يقوله عاشقو تراب السيسي، أن بعض الأقباط إخوان، فأصدر نهيقة في إحدى زرائب الإعلام قائلًا: "منى مينا، وجورج إسحاق إخوان".. ما معناه أن مني وجورج المسيحيان يطالبان بالخلافة الإسلامية، ويؤيدان المرشد العام أميرًا للمؤمنين، ويضعان نغمة "ثورة دي ولا انقلاب" على هاتفيهما.
صاحبنا المؤيد يرى الذئب يأكل الناس، ويحاول أن يقنع نفسه أن الذئب هو من أٌكل.، بل يحاول إقناع نفسه ومن حوله، بأن الذئب ليس إلا فيل، أو قط صغير.. يرى الذئب ينهش لحمه فيظن أنه يعبث بمؤخرته.
اعذروني إن شبهت قصة الحمار التي ذكرها "عزيز نيسين" بالوضع الحالي، لأنها للأسف تشبه واقعنا كثيرًا، فكثيرون هم من قرروا التنازل عن عقولهم، وأبصارهم، وأسماعهم، لأنهم فقط يوالون فئة بعينها، وصاروا يبررون كل الأخطاء والجرائم التي ترتكبها تلك الفئة لمجرد الانتماء والولاء لها.
عليك عزيزي المبرر والمؤيد أن تعلم أن هذه المقالة ليست توبيخًا أو اتهامًا لك بالحمورية، لكنها دعوة لأن نشعر جميعًا بخطورة التخلي عن عقولنا وألسنتنا وأبصارنا وأسماعنا واستبدالهم بالتنهيق، عليك أن تدرك خطورة ما تفعله حتى لا يأكلنا الذئب.

اقرأ أيضًا

خطاب السيسي الموزون (4)



خطاب السيسي الموزون (4)

عبد الفتاح السيسي (رويترز)

لسماع المقال اضغط هنا


السيسي: إن صدق الكلمات فرض، ودقتها ضرورة.

نحن أيضًا نرى أن صدق الكلمات فرض، لا نُحب أن نسمع ما لا تصدقونه أنتم أنفسكم، نريد أن تعلنوها صراحة.. أنكم لا تحبون ثورة يناير، نريدكم أن تُعلنوا أن الحرب على الثورة وليست على الإرهاب، الحرب على كل كائن معارض للنظام الحالي، نريدكم أن تخبرونا بصدق عن أماكن المختفين قسريًا، لا أن تنكروا رغم كل الأدلة الواضحة وضوح الشمس.
السيسي: الحق أنكم وصلتم إلى مقاعدكم تلك، نتيجة لانتخابات برلمانية، كانت نتائج هذه الانتخابات تعبيرًا عن إرادة المصريين.

لا أعلم كيف تعبر انتخابات مجلس الشعب التي قاطعها الشعب عن إرادة الشعب، فنحن لم نر في انتخابات مجلس الشعب سوى بعض أجدادنا ممن يؤمنون أن شعبنا يجب أن يُحكم بالعصا، وبعض من يدّعون نصرة الدين من أنصار حزب النور، وبعض الغلابة الباحثين عن المائة جنيه التي كانت تُوزع علانية على الناخبين أمام مقار اللجان الانتخابية.

إذا كنت ممن يمكنهم تصديق أن المشاركة في الانتخابات كانت تاريخية وليس كمثلها مشاركة من حيث العدد، فعليك أن تتذكر تصريح الإعلامي "تامر أمين"، أحد أبرز مؤيدي النظام، عندما قال أن الشعب ابتعد عن الانتخابات خوفًا على الرئيس من أعضاء مجلس الشعب، وإن لم تكن من محبي تامر أمين، فعليك أن تتذكر مقولة مستشارة الرئيس "عزة هيكل" عندما وجهت رسالتها للشباب الذين قاطعوا الانتخابات قائلة "العيب على أمكم"، وعليك أن تسأل السيد رئيس نادي القضاة كيف صرح أن نسبة التصويت في اليوم الأول من المرحلة الثانية كانت 2% وفي الثاني 6% ثم أعلن نادي القضاة أن نسبة المشاركة تخطت 35% !
السيسي: قام المصريون بثورة نحصد منها ما نراه اليوم من هذه الكوكبة المحترمة من أبناء الوطن.

تحضرني مجموعة بارزة من تلك الكوكبة المحترمة الجالسة في برلمان النظام، أمثال مرتضى منصور، صاحب المقولات المأثورة الشهيرة "أقسم بالله أجيبك بلبوص، أيوة أنا لساني طويل،احنا بلد 30-6 واللي مش عاجبه يشد السيفون، دي مرة معفنة ومبتستحماش، عليّ الطلاق ما هحلف، تحب تتضرب فين يا ميدو؟!".

تكتمل تلك الكوكبة عندما تنظر إلى ابنه "أحمد مرتضى منصور" الذي لا شئ يؤهله لما وصل له الآن سوى أنه ابن مرتضى، والذي ظهر في فيديو يتوعد للناس" لما يبقى معانا حصانة هـ.... أي حد"!

لا تنس كبير المخبرين "عبد الرحيم علي" رمز الهاتف، صاحب أكبر برنامج متخصص في التجسس على خلق الله، يعشق الفضائح وينشر مكالمات شخصية لا إدانة فيها لأصحابها، ولكن صاحبنا يعتبر أن العمل كـ "مخبر أمن دولة" ليس إلا واجب وطني، وأنه عليك أن تُسلّم الناس كي تَسلم من تجسسه".

سعيد حساسين ذلك المناضل الصاعد الذي كان يومًا من محبي حازم أبو إسماعيل عندما كانت الكفة الغالبة في صالح التيار الإسلامي، استضاف أحد مدّعي الألوهية كي يتحدث عن الإفراج عن المعتقلين، كي يوصل رسالة لمن يسمعه بأن المدافعين عن حقوق الإنسان ليسوا إلا معاتيه، صاحبنا لم يغضب أبدًا عندما ادّعى الرجل أنه إله، وغضب بشدة عندما قال أنه سيحاكم السيسي، صرخ في وجهه "هحطك في أوضة الفراخ" ناهيك عن العقاقير والأعشاب الجنسية التي كان يوزعها كي يعطه الناس صوته.

أما مصطفى بكري، حبيب الإخوان أيام حكمهم، وكارههم بعد إزاحتهم من الحكم، للأمانة كان يكره البرادعي في عهد الإخوان والعسكر، ولكني على يقين أن البرادعي لو كان حاكمًا لأعلن ولائه له وأعلن للجميع أنه كان مخطئًا.

كوكبة مجلس شعب عظيمة بها طارق الخولي الذي باع رفاقه في حركة شباب 6 إبريل، وفضّل التعامل مع رجال أمن الدولة، وبها أيضًا محمود بدر الفتى المدلل للمخابرات.

كوكبة مجلس الشعب بها 71 عضو من الجيش والشرطة، و103 عضو من رجال الأعمال وأصحاب المصالح، و65 عضو من الحزب الوطني المنحل.. كوكبة تليق بمجلس لا يمثل إلا النظام.

السيسي: إيمانًا منّا بأن أهم مشكلات الشباب هي إيجاد من يسمع لهم ويتفهم مطالبهم فقد بدأنا إطلاق حوار موسع لكافة أطياف الشباب المصري.

هل يشمل ذلك الحوار شبابنا في سجون سيادتكم؟! هل يشمل محمود محمود الطفل الذي كبر في المعتقلات؟ هل يشمل الطفل مازن؟ هل يشمل طلاب الجامعات وشباب الثورة ممن تضيع أعمارهم في المعتقلات؟ هل يستطيع هذا الحوار أن يصل إلى آذان الشباب في القبور؟!
السيسي: إننا ماضون قُـدمًا في استثمار علاقات الصداقة والانفتاح على العالم.

ذك الانفتاح على العالم الذي تجلى في علاقتنا السيئة بالمكسيك بعدما هاجمت الشرطة المصرية حافلة سياحية مكسيكية ثم أعلنت أنها قتلت 12 عنصرًا إرهابيًا، ثم أعلنت أنهم سياح مكسيكيون وتم قتلهم عن طريق الخطأ، فكم من بريء تم قتله بشكل عشوائي خاطئ ولكن لم تنتشر قصته لأنه مصري؟!

نحن ننفتح على العالم بشكل سريع، بعد تفجير طائرة روسية بقنبلة يدوية تسربت إلى داخلها في مطار شرم الشيخ، حسب ما أعلنه مركز الاستخبارات الروسي، والتي أودت بحياة 217 راكبًا و7 من طاقم الطائرة، ثم أعلنت روسيا بعدها تعليق السفر إلى مصر لأسباب أمنية، وإجلاء أكثر من 72 ألف سائح روسي من المنتجعات السياحية المصرية.

أما علاقة الصداقة بإيطاليا في الوقت الحالي فأعتقد أنها لا تختلف عن سابقيها، وخاصة بعد اختطاف الطالب الإيطالي "جوليو ريجيني" والعثور على جثته في الصحراء، وأكدت وكالة رويترز من مصدر في الطب الشرعي أن الطالب تعرض للصعق بالكهرباء في أماكن حساسة وتعرض لجروح قطعية ونزيف بالمخ وكدمات وحشية.. إذا كنت يا عزيزي لا تحب أن تتهم الأمن بقتل "جوليو" بعد خطفه، فعليك أن تعلم أن وسائل الإعلام الإيطالية مشتعلة ضد النظام المصري الحالي وتؤكد أن الأمن هو الفاعل.
السيسي: لقد استطاع شعبنا العظيم أن ينتصر للحرية والديمقراطية.

من المضحك المبكي أن يتحدث أحدهم عن الحرية في زمن يمنع فيه الخلق من التظاهر، فتُفتح الميادين لمؤيدي النظام، وتغلق في وجه معارضيه، حرية قد منعت الشاعر عمر حاذق من السفر، كما منعت الحقوقي جمال عيد أيضًا، حرية اعتقال الصحافيين، حرية وقف البث عن البرلمان، ومنع 24 محررًا صحفيًا من دخول البرلمان لأداء عملهم، حرية تشويه المعارضين في وسائل الإعلام، حرية اعتقال الناس دون سبب والعفو عنهم بعد أعوام لتجميل شكل السلطة الحالية.
السيسي: أوصيكم بتطبيق الدستور والقانون.

"نشرت صفحة ألتراس زملكاوي فيديو لـ "محمود خالد"، مدير مكتب مرتضى منصور، وهو يعتدي ورجاله بالضرب والسب على محامي أحد متهمي ألتراس زملكاوي، اللافت للنظر في الفيديو أن الاعتداء قد حدث داخل معهد أمناء الشرطة، لكن أحدًا من الأمن لم يتدخل.

أما مدير مستشفى الأنجلو فقد سب أكثر من عشرة آلاف طبيب على الهواء لاشتراكهم في جمعية الكرامة بنقابة الأطباء قائلًا: "دول شوية صيع واخدين فلوس" دون خوف من قانون أو دستور.

الرئيس نفسه كان موكبه يسير عكس الاتجاه دون خوف من مخالفة لأنه الرئيس، بالإضافة إلى تعطيل كل الشوارع المؤدية للبرلمان ووقف حركة المرور في محيط ميدان التحرير.

مرتضى منصور أعلن أمام العالم أنه لا يحترم الدستور لأنه لا يؤمن بثورة يناير دون أن يُحاسب!
السيسي: أدعوكم لأن تكون قضية الصحة على رأس أولوياتكم.

تجاهل السيسي، في خطابه الذي ألقاه بمجلس النواب، عمومية الأطباء الطارئة التي عُقدت الجمعة الماضية بحضور أكثر من 10 آلاف طبيب في دار الحكمة، ردًا على الاعتداء على طبيبين في مستشفى المطرية، تجاهلهم وكأنهم أعداء الشعب، رغم أنهم لم يحتجوا على ضعف المرتبات، وإنما طالبوا بالمحاكمة العادلة لأمناء الشرطة. أما إعلام الرئيس فكان شغله الشاغل هو الدفاع عن أمناء الشرطة واتهام كل الأطباء بالإهمال، مع أن الإهمال داخل المستشفيات تُسأل عنه الحكومة لتقصيرها في توفير الرعاية والعلاج.. فكيف يمكن أن تكون الصحة على رأس أولويات سيادته وهو يتجاهل 10 آلاف طبيب أعلنوا غضبهم؟!
السيسي: أدعوكم أن يكون محدود الدخل موضع اهتمامكم، فحجم الإنجاز غير المسبوق يجعل من الأمل أمرًا حتميًا وفرضًا وطنيًا.

اجعلوا محدود الدخل موضع اهتمامكم وارفعوا سعر تذكرة المترو إلى الضعف، وسعر تذكرة الأتوبيس إلى الضعف، وارفعوا أسعار الجمارك بزيادة نحو 40% من سعرها الحالي، اعلنوا عن مشروع مليون شقة للشباب، ومشروع مليون فدان للشباب، حتى ولو كان الرقم مبالغ فيه، أما المياه فارفعوا الدعم عنها لأنها تكلفنا الكثير، وإن استطعتم استبدالها بمياه الصرف الصحي فافعلوا، ايه المشكلة يعني؟!

وفروا 5 مليون وظيفة للشباب واعلنوا نجاحكم في توفير فرص العمل بالجرائد الرسمية حتى لو لم تتخطى هذه الفرص خمسة آلاف وظيفة بدخل لا يكفي المواصلات، ثم تحدثوا عن كسل الشباب في البحث عن وظائف، وبأن الوظائف خالية، اكتبوا في شروط الوظائف أنكم تطلبون خبرة عشرة أعوام كي لا يجرؤ أحد على التقدم للوظائف.

وإن سألكم أحد عن الإنجازات فتجاهلوا سد النهضة كما تجاهلته عندما هتف أحد النواب "سد النهضة ياريس"، لا تدعوهم يخبروكم بأن نهر النيل يفقد ثروته المائية والسمكية وتملؤه التماسيح، قولوا أن محدود الدخل في أولوياتكم ثم أعلنوا تقليل الرواتب، محدش هياخد باله!
السيسي: أرى الأمل في عيون شرطتكم الساهرة على أمن واستقرار الوطن وحماية أبنائه.

رحم الله شيماء الصباغ وسندس وعطيتو.
وحادثة الاعتداء على طبيبي المطرية من أمناء الشرطة، ليست إلا حادثة فردية، وحادثة اعتداء أمين شرطة على امرأة في مترو الأنفاق لم تحدث أصلًا !

أصدر مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف، تقريرًا عن جرائم الداخلية فى يناير 2016.. رصد التقرير 195 حالة قتل من بينهم 11 حالة نتيجة الإهمال الطبي، و8 حالات نتيجة التعذيب، و42 حالة تعذيب، و60 حالة إهمال طبي، و20 حالة عنف شرطة جماعي، و66 حالة إخفاء قسري من بينهم ثلاث حالات اختفاء بعد إخلاء سبيل من النيابة وشاب أُخفى قسريًا رهينة عن شقيقه، و32 حالة ظهور بعد إخفاء ظهرت جميعها ما بين نيابات أمن الدولة أو النيابات العامة يلي ذلك الأقسام والسجون.

لكن حوادث التصفية وموت المعتقلين واخفائهم، ليست إلا جرائم شخصية كما قالت الدعوة السلفية !
السيسي: أرى الأمل في منصة قضائنا الشامخ الذي يعلي صوت الحق ويقيم العدل في أرجاء الوطن.

كما نعلم جميعًا تحول أطباء قسم المطرية المعتدى عليهم من ضحايا إلى جناة اعتدوا على 9 أمناء شرطة، وتم إخلاء سبيل أمناء الشرطة كي لا يغضب بقية أمناء الشرطة ويعلنون إضرابهم عن العمل.

أما مبارك ورجاله، وحبيب العادلي وضباطه، فلم يشاركوا في قتل أحد، وحصلوا على براءات بأمر قضائنا الشامخ، بينما الطبيب طاهر مختار تتم محاكمته الآن بتهمة إثارة الشغب في ثورة 25 يناير.

وأثناء كتابة هذه الكلمات ألغت محكمة النقض حكم حبس قاتل الشهيدة شيماء الصباغ.

ملحوظة أخيرة: مدة خطاب السيسي كانت 30 دقيقة استطاع النواب خلالها التصفيق 21 مرة، فبشرى لنا، نواب المجلس الشعب قادرون على التصفيق بشكل خيالي.

موضوعات متعلقة:

خطاب السيسى الموزون 1

خطاب السيسي الموزون 2

خطاب السيسي الموزون 3