وعود السيسي في عام 2017: ماذا تحقق منها؟!



انتهى عام 2017 حافلًا بوعود عديدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حاولنا البحث عن وعوده ومعرفة ما إذا حقق منها شيئًا أم لا؟ وجاءت  وعود السيسي في عام 2017 كالتالي:
محاربة الإرهاب في 3 شهور
أمهل الرئيس عبدالفتاح السيسي، في نوفمبر من عام 2017، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد فريد حجازي، ووزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، 3 أشهر لمحاربة الإرهاب، مطالبًا باستخدام ما أسماه “القوة الغاشمة“، ومشدداً على أن “دماء الشهداء لن تذهب سدى”. كان هذا  خلال احتفال وزارة الأوقاف بالمولد النبوي الشريف. وجاءت كلمة كلمة السيسي تأتي بعد أيام من عملية إرهابية استهدفت المصلين داخل مسجد بالعريش بشمال سيناء، راح ضحيتها 305 قتلى، كما أصيب 128 آخرون في أسوأ هجوم يشنه إرهابيون في مصر خلال تاريخها المعاصر.
ومن المفارقة أنه خلال كتابة هذا التقرير وقعت حادثة إرهابية أمام كنيسة بحلوان قالت وزارة الداخلية “أن الهجوم على الكنيسة وأحد المحال المجاورة لها، تسبب في مقتل تسعة من بينهم أمين شرطة وإصابة أربعة آخرين، موضحة أنها ألقت القبض على منفذه، واسمه إبراهيم إسماعيل إسماعيل مصطفى، عامل ألوميتال، ومقيم بحلوان”. ويبدو أن محاربة الإرهاب لن تنته في 3 شهور، كما يبدو أن الحرب على الإرهاب لا تقتصر على كونها حرب بالسلاح فقط.
كما أنه مازالت الجماعات الإرهابية تضرب  سيناء بشكل متكرر، واستطاعت  تهجير أكثر عشرات الأقباط من العريش إلى مدينة الإسماعيلية، وسط صمت أو موافقة الأجهزة  الأمنية.
شبكة طرق تمسك البلد
“أنا بقول لك هعملك شبكة طرق في خلال سنة، تمسك مصر كده، آه أنا بقول”. هكذا قال الرئيس السيسي،
وفي ديسمبر 2017، قال: “تم إنجاز الكثير على مستوى البنية التحتية، حيث رصدت الدولة خطة شاملة لتحسين شبكة الطرق، بالإضافة إلى رفع كفاءات الموانئ البحرية والجوية”.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مؤخرًا “أن إجمالي عدد حوادث القطارات بنحو 793 حادث فى النصف الأول من عام 2017، مقابل 590 حادث فى نفس الفترة من عام 2016، بزيادة بلغ نسبتها 34.4٪”.
كما قدّر الجهاز عدد حوادث السيارات، خلال النصف الأول من 2017، بـ 5836 حادثًا، مخلّفًا 9146 ضحية بين قتيل وجريح، بواقع 1929 قتيلاً، و7217 مصابًا، كما تسبّبت الحوادث بتلف 9006 مركبات. وشهدت الفترة ذاتها من عام 2016، 7101 حادث، فقد قُتل 2636 شخصاً وأُصيب 8865.
تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أشار بأصابع الاتهام إلى العنصر البشري كسبب رئيس في حوادث السيارات بنسبة 78.9%، وتسبّبت الحالة الفنية للمركبة في وقوع 13.8% من نسبة الحوادث، ويليه العنصر الخارجي بنسبة 5.6%.
وجاءت مصر، في تقرير لمنظمة الصحة العالمية، ضمن أسوأ 10 دول بالعالم من حيث ارتفاع معدلات حوادث الطرق التي تؤدي للوفاة، وأنها تتكبّد 30 مليار جنيه خسائر سنويًا جراء تلك الحوادث.
كما أشار تقرير دولي إلى أن معدّل قتلى الحوادث بمصر بلغ ضعف المعدل العالمي، الذي يتراوح بين 10 إلى 12 قتيلاً لكل 10 آلاف مركبة، إلا أنه وصل في مصر إلى 25 قتيلًا. ويزيد معدل عدد قتلى حوادث الطرق في مصر 30 ضعفاً على المعدل العالمي، إذ بلغ عدد القتلى لكل 100 كم بمصر 131 قتيلاً، بينما يتراوح المعدل العالمي بين 4 إلى 20 قتيلًا.
وأشار التقرير إلى أن حالة وفاة واحدة ناجمة عن حوادث الطرق تحدث بمصر كل نصف ساعة، وأن 22 قتيلًا بمصر لكل 100 مصاب، في حين أن المعدل العالمي 3 قتلى لكل 100 مصاب.
حل أزمة الدواء
طالب الرئيس «السيسي»، الحكومة بتوفير الأدوية المستوردة التي ليس لها بدائل محلية.
وأكد «السيسي» في بداية عام 2017، خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء «شريف إسماعيل» ووزير الصحة «أحمد عماد الدين»، على ضرورة الاستمرار في تعزيز المعروض من الأدوية بالأسواق، وضمان توفر مختلف أنواع الأدوية بأسعار مناسبة مع توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ ذلك، بحسب «أصوات مصرية».
كان هذا الاجتماع بعد أن وافقت الحكومة على زيادة أسعار الأدوية، بنسبة تصل إلى 50٪  وأعلنت الجرائد بعد هذا الاجتماع أن وزير الصحة عرض خطة الوزارة للتغلب على مشكلة نقص الدواء من خلال محور قصير الأجل، يتضمن تحريك أسعار الأدوية، وتوفير النواقص من خلال وزارة الصحة، ومحور متوسط الأمد يشمل البدء في إعادة تأهيل مصانع الدواء المملوكة للدولة، ومحور طويل الأجل يرتكز على التوسع في صناعة الدواء، بحسب البيان.
لكن تفاقمت أزمة نقص الدواء في السوق المصري، منذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار في نوفمبر 2016، مما كبد شركات الدواء خسائر فادحة.
ومازالت أزمة نقص الدواء مستمرة، فخلال أقل من شهر تصاعدت أزمة حقن البنسلين طويل المدى فى السوق، وهو من الأدوية الضرورية للوقاية من الحمى الروماتيزمية  للأطفال المصابين بالتهاب اللوزتين المزمن، ويستخدم البنسلين طويل المدى، استنادا لبطء امتصاص العقار عند الحقن فى العضل يستمر لمدة 3 أسابي، كما ارتفعت نواقص الأدوية في السوق إلى 1200 صنف دوائي غير موجود بالسوق من بينها أدوية بعض الأمراض المزمنة رغم قرار رفع أسعار الدواء، وهو ما فيه دلالة على أن ارتفاع أسعار الأدوية مرة رابعة في فترة حكم السيسي بات قريبًا.
الإفراج عن المعتقلين
تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، نوفمبر 2017، بالإفراج عن الشباب المعتقلين، وأشار  الرئيس السيسي إلى أنه تلقى خلال مؤتمرات الشباب السابقة مطالب بإجراء مراجعة لموقف بعض هؤلاء الشباب، وأنه تم تشكيل لجنة من الشباب لمراجعة كل حالة على حدة طبقاً للدستور والقانون، ويتم الإفراج بالفعل عن مجموعات من الشباب، وفقاً للصلاحيات المتاحة قانوناً للرئيس.
لكن الغريب أن وعد السيسي جاء بعد أن أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في تقرير أصدرته العام الماضي أن مصر شيّدت 19 سجنًا منذ «ثورة يناير».. وبها 60 ألف سجين سياسي. كما ارتفعت وتيرة الاعتقالات مؤخرًا، حيث تم اعتقال عدد من الصحفيين والنشطاء بعد تظاهرة رافضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن نقل عاصمة الولايات المتحدة إلى القدس.
فتح المجال العام والمشاركة في الانتخابات
رغم أن السيسي قد وعد الشعب المصري بأنه على أتم الاستعداد للرحيل لو أنه قرر عدم بقاءه، إلا أنه يبدو أن السيسي يحاصر منافسيه المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فبعد أن أعلن الفريق أحمد شفيق عزمه خوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل وبعد أخبار ترحيله قسرًا من الإمارات  تراجع شفيق، خطوة للوراء، حينما قال في مداخلة مع الإعلامي وائل الإبراشي، إن قرار الترشح لم يكن نهائيًا، وأنه الآن في أرض الوطن، سيتفحص الشارع، وسيتواجد بين الناس، لتحري الدقة والتركيز قبل اتخاذ القرار، مضيفًا: “وجودي في مصر يتيح لي التأكد من صحة قرار الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية من عدمه”. وهو ما اعتبره محللون تراجعًا بعد ضغوط مارستها السلطات الأمنية في مصر على شفيق.
أما المرشح المحتمل خالد علي أعلن المحامى خالد على، الذي عزمه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية وكان أول شخص يعلن نيته خوض المنافسة فى الانتخابات، فى مؤتمر صحفى عقده بمقر حزب الدستور.
ولكن حكمًا قضائيًا صدر ضده من  محكمة جنح الدقي بالحبس 3 أشهر وكفالة مالية قدرها ألف جنيه لوقف التنفيذ مؤقتًا، وذلك لإدانته بارتكاب فعل فاضح بصورة علانية من شأنه خدش الحياء العام في أعقاب صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في شهر يناير الماضي، وهو الحكم الخاص بـ«مصرية جزيرتي تيران وصنافير». قد يمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا ما سنعرف حقيقته في الأيام المقبلة.
واستمرارًا لسياسة التنكيل بالمرشحين للرئاسة، قررت محكمة شمال القاهرة العسكرية برئاسة المقدم طارق خطاب، حبس العقيد بالقوات المسلحة أحمد قنصوة لمدة ست سنوات مع الشغل والنفاذ، بعد أن أعلن اعتزامه الترشح لرئاسة الجمهورية، في خطاب نشره عبر حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أواخر شهر نوفمبر الماضي.
كما اشتكى المرشح المحتمل للرئاسة المصرية، محمد أنور السادات، الأربعاء 27 ديسمبر مما اعتبرها “تدخلات أمنية” تُعيقه منذ شهرين عن إعلان موقفه من الانتخابات الرئاسية المقررة في 2018.
جاء ذلك في خطاب وجّهه السادات إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، حول تعطيل حجز قاعة فندق قرب ميدان التحرير؛ لإعلان موقفه من الانتخابات، منذ أكتوبر الماضي.
وقال السادات، في خطابه “نرجو التكرم بالإحاطة بأننا لم نتلقّ أي ردّ يفيد ما ورد فيها عن الضمانات والحيادية والتجاوزات والحملات الداعمة للرئيس السيسي”.
وأضاف أنه “على مدى شهرين نحاول حجز قاعة بأحد الفنادق في شارع قصر النيل  يوم 13 يناير لمدة ساعتين لعمل مؤتمر صحفى للإعلان نهائياً عن موقفنا من انتخابات الرئاسة لعام 2018”.
لا تصعيد في أسعار السلع الأساسية
رغم أن السيسي وعد مرارًا وتكرارًا بعدم المساس بأسعار السلع الأساسية، إلا أنه في عام 2017  أصدر الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء تقريرا جديدا يشير إلى قفزة في معدلات التضخم فقد بلغت معدلاته نحو 30 % خلال هذه السنة، في ظل ارتفاع مؤشر أسعار السلع الغذائية الرئيسية بنحو 40%. وكانت قد قررت الحكومة في العام ذاته زيادة سعر زيادة سعر بنزين 92 من 3.50 إلى 5 جنيهات للتر، وزيادة سعر بنزين 80 من 2.35 إلى 3.65 جنيه، كما تم زيادة سعر السولار من 2.35 إلى 3.65 جنيه، وارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلي من 15 جنيها إلى 30 جنيها للأسطوانة، وأسطوانة البوتاجاز التجاري من 30 جنيها إلى 60 جنيها.
ليس هذا فحسب، يبدو أن الحكومة تدرس رفع أسعار الوقود في الربع الأول من 2018، كما أن عام 2018 سيشهد الإرتفاع الأكبر لسعر تذكرة المترو حيث قالت صحيفة الأهرام المملوكة للدولة إن مصر سترفع سعر تذاكر شبكة قطارات مترو الأنفاق التي تتكبد خسائر وذلك بدءا من يوليو المقبل إذ سيزيد السعر الحالي إلى ثلاثة أمثاله بالنسبة (6 جنيهات) لكثير من الركاب. ونقلت الصحيفة عن هشام عرفات وزير النقل قوله إن سعر التذكرة سيبدأ من جنيهين للمحطات التسع الأولى وسيزيد جنيها لكل تسع محطات إضافية.

كنا نغني "شد الحزام".. وكان للدواعش رأي آخر

رويترز



مدونات الجزيرة


استطاع أحدهم تهريب راديو به ذاكرة "ميموري" مليئة بأغاني سيد درويش والشيخ إمام، وكنت قد أوصيته بها، وفي مرة كان يستمع إلى سيد درويش.
"شد الحزام على وسط غيره ما يفيدك
لا بد عن يوم برده ويعدلها سيدك
إن كان شيل الحمول على ضهرك بيكيدك
أهون عليك يا حر من مدة إيدك".

فإذا بأحدهم يصيح:  الموسيقى "حراااام"، اتق الله يا أخي، وأغلق هذا الكفر. لم يقلها على شكل نصيحة، قالها وكأنه يهدده، من دون أن يعي ما يغنيه سيد درويش. كان هذا في سجن أبو زعبل عام 2015، وكانت هذه أولى البدايات مع الدواعش، فقد نقلتنا إدارة السجن إلى زنزانة أخرى لتعاقبنا بشكل جماعي، ودمجتنا مع أربعة عشر سجينا جنائيا، وكان هذا أول موقف بيننا وبينهم، وبدأ الاكتئاب الجماعي.

كنا نحو 23 طالبًا، وثلاثة ينتمون إلى الإخوان، وواحد سلفي، وصحفي سيء الحظ "أنا". تعايش الإخوان والسلفي معهم في البداية وكانوا يتعاملون على أنه أمر طبيعي، حتى ساءت الأمور بينهم. ففي إحدى خطب الجمعة، قال الإمام: الإخوان جزاهم الله على ما فعلوه بنا، كانوا يحكمون بالكفر. وهنا بدأت المعركة بين الإخوان والدواعش، ووقف السلفي مع الإخوان وتضامن معهم.

الأمر ليس مضحكًا فهم كانوا 14 داعشيا فقط في زنزانتنا، ازداد عددهم بشكل لافت وسريع، ونجحوا في أن يوزعوا أنفسهم على الزنازين الأخرى بعد أن دفعوا السجائر للشاويشية والمخبرين، بهدف الدعوة للانضمام إلى ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وبعدما كنا نسمع أصواتًا تغني ليلًا أغاني الشيخ إمام، وحمزة نمرة، وأغاني شباب الألتراس، وتواشيح النقشبندي المنبثقة من زنازين أخرى، ظللنا نسمع أناشيد داعش، منها أناشيد تفتخر بتفجير برج التجارة العالمي الذي قتل فيه مدنيون؛ يقولون: "بالذبح جيناكم":

"وين أيامنا وين
وين قضيناها
راحت في غمضة عين
يا محلى ذكراها
قائدنا بن لادن
يا مرهب أمريكا
بقوة الإيمان
وسلاحنا البيكا (1)
أميرنا الملا (2)
عن دينه ما تخلى
كل الجنود باعوا
أرواحهم لله
شرطة مصرية
ردة ونفاقية
بالذبح جيناكم
لا لا اتفاقية
دمرنا أمريكا
بطيارة مدنية
برج التجارة غدا
كومة ترابية"

كنت أعلم أنني سأسجن، لكني لم أعلم أنني سأسجن مع هؤلاء، كنت أعتقد أني سأسجن مع الذين يغنوا للثورة والوطن والشهدا، لم أعتقد أنني سأستمع يومًا لأغنية عنوانها "بالذبح جيناكم" في أي حال من الأحوال، لذا أوجه الشكر لوزارة الداخلية التي أتاحت الفرصة لي ولطلاب قبض عليهم عشوائيًا ليستمعوا إلى هذه الأغاني، وليتشبعوا منها طوال فترة الحكم عليهم.

جاءني "ع.ع" وهو طالب في كلية الهندسة، يخبرني بأن أحد الدواعش كان يحاول تجنيده، فـ"ع" طالب هندسة عبقري، كان يخترع الأشياء ببساطة، وكان يقدر على أن يحول لمبات النور إلى شاحن موبايل داخل السجن بمتطلبات بدائية، وكان طالبا في هندسة الأزهر، والتحق سابقًا بجامعة زويل، وهو الآن في سجن العقرب. قال لي إن الدواعش يحاولون تجنيده، وإنهم قالوا له لو انضم لهم لن يحارب، ولكنه سيجاهد في سبيل الله بعقله فقط، فهم يُقدّرون مثل هذه العقول العبقرية، ولن يُضحوا بها في القتال، وإنه لو انضم لهم سيكون مُكرمًا، وسيتزوج بفتيات جميلات عفيفات. أخبرني "ع" بكل هذا وكان يضحك؛ ولكني لا أعلم ماذا كان يدور بخاطره؛ شعرت بأنه قد اقتنع بما قالوا، وبالفعل رأيته يجلس معهم في مرات عديدة، حتى صار كأنه منهم.

بعدما حدث خلاف بين داعش والإخوان داخل الزنزانة، كانت هناك منافسة على خطب الجمعة، وكسب الدواعش المنافسة لكثرة عددهم في الزنزانة، وفي إحدى خطب الدواعش تحدث الخطيب عن الحاكمية، وكفّر كل من لا يؤمن بالحاكمية، واستمع له الطلاب، وأعتقد أنهم لم يفهموا منه شيئًا، ولكنهم سيفهمون حتمًا، ومنهم من سيصير مثل الخطيب. ومن الواضح أن صاحب خطبة الحاكمية أعجبه الأمر، وفي صلاة العصر تعمد أن يدعي لإمامهم "أبو بكر البغدادي" قائلًا: "اللهم انصر عبدك وأمير المؤمنين أبا بكر البغدادي على الكفار والمشركين". قررت ألا أصلي معهم أبدًا، ولما أيقظني أحدهم لأصلي الفجر، قلت له غاضبًا لن أصلي، ولا توقظني مرة أخرى، وامتزج صوتي بنبرة تهديد، فبدأوا يتجنبوني.

صنعت خيمة صغيرة من أقمشة الملاءات، وتقوقعت بها ولم أخرج منها إلا للضرورة، وقرأت كتبًا كثيرة، وكتبت عن كل شيء في السجن، حتى لو لم يكن يستحق الكتابة، وأخذت قرارًا بألا أتناقش مع مخلوق في مسألة فكر أو عقيدة، وعلمت أن عليّ الابتعاد عن النقاش في هذه المرحلة، وأعتقد أنه بعد خروجي من السجن فضلت ألا أتناقش كثيرًا واكتفيت بالسكوت، فلم أعد أحتمل سماع أي كلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
1- البيكا: سلاح رشاش متوسط ضمن مجموعة أسلحة متعددة الاستخدام، يجمع صفات كل من الكلاشنكوف والديكتريوف.
2- الملا محمد عمر: الأمير الأيدولوجي لحركة طالبان.

يوميات تمثال

مواقع التواصل

مدونات الجزيرة

العالم ينقسم، ويتحد، يعلن الحرب، ويعلن السلام، يغضب، يهدأ، يموت البشر، ويولد غيرهم، شتاء يذهب وصيف يجيء، مؤتمرات قمة لا تقدم إلا الكلام، وتحالفات لا تؤدي إلا للدماء.. ولكني ما زلت كما أنا، تمثال نحته فرانسيس، ويطلقون علي "منحوتة عين الفوارة". كم تمنيت أن أتحرك من هذه الساحة، لأبحث عن قطعة قماش أستر بها صدري المكشوف منذ أن صنعني فرانسيس سان فيدال عام 1898، وهو نحات فرنسي إيطالي.. لأنني أحزن عندما أرى وجوهًا غاضبة حد الانفجار من كوني تمثال فاجر، أو منحوتة عارية!

يقولون أن الله غاضب من وجودي، ويريدون تحطيمي، وهؤلاء يطرحون لدي تساؤل مستمر: لو أن الله غاضب من وجودي، لماذا لا يدمرني ويجعلني عبرة لتماثيل العالم؟! الله قادر على كل شيء، ولا يحتاج أبدًا إلى هؤلاء؟

أريد الذهاب إلى فرانسيس سان فيدال في قبره، لأقرأ على روحه الفاتحة، وأحكي له عن الذي جرى، وعن حالة الغضب العارمة من وجودي.. سأقول له حينها "عزيزي فرانسيس، لماذا لم تدافع عني عندما تضررت من الحاكم العسكري الفرنسي، الذي أُعجب بي عندما رآني في متحف اللوفر، فقرر نقلي إلى سطيف في الجزائر، كان عليك أن تدافع عني، أنا كنت أريد البقاء في فرنسا، أو إيطاليا، أو ألمانيا، أو أي بلد لن تهتم بوجودي إلا عند التقاط الصور التذكارية!

على كل حال أنا لن ألومك، فأنت لم تكن تعلم بما سيجرى مستقبلًا.. أريد أن أخبرك أن الناس في مدينة سطيف يعرفوني جيدًا، ولم يروا مني أي شيء سيء، وأنا لم أزعجهم أبدًا، على العكس، الأحباب يلتقون في ساحتي، والعواجيز يجلسون في هذا الميدان ليستريحوا قليلًا، والأطفال يحبون وجودي ويلعبون بجواري، ولكن يبقى السؤال المطروح يا فرانسيس: لماذا يكرهني بعض الناس جدًا؟ حتى أن بعضهم لديه استعداد بقتل نفسه في مقابل القضاء على وجودي؟!

لا تقنعني يا فرانسيس أن الله متضرر من وجودي كما يدعي البعض، أو أنني أحارب الدين الإسلامي. ثم إن ما يحدث في العالم العربي، أهم من مسألة وجودي أو عدمها.. الناس يموتون في اليمن بأيادي عربية سعودية، وأمريكا تقول أن القدس عاصمة لإسرائيل، وفي مصر اعتقالات تخطت 60 ألف، وفي سوريا حروب لا تنته، وفي ليبيا ييبعون العبيد في الأسواق، ولا أدري كيف مع كل هذا يهتم أحدهم لتحطيمي؟!

أحيانًا، ينظر لي أحدهم بغضب شديد، ويبصق على وجهي، ثم يقول "أستغفر الله، أعوذ بالله منك" ولا أظن أن الملائكة اعتبرت أن ما فعله سيدخله الجنة.. ما لهؤلاء يا فرانسيس؟

لقد حاولوا تفجيري كطائرة حرب صهيونية، ففي عام 1997، بينما كانت تتساقط المياه من نافورتي، وجدت نفسي قد وقعت في فخ التفجير، وبعد التفجير هتفت مجموعة من الناس "الله أكبر، الله أكبر، انتصر الإسلام" تعجبت حينها مما حدث، ماذا كان يريد هؤلاء؟ هل يظنوني جندية صهيونية توجه سلاحها صوب أطفال فلسطين؟ أنا لم أشعر بشيء حينها، ولم أتألم، لأنه تم ترميمي في اليوم التالي، ولأنني لا أشعر.. أنا مستسلمة جدًا، لو جعلوني حجارة لمسجد أو كنيسة أو خمارة فلن أعترض، فلماذا يعطوني أكثر من حجمي؟!

بينما يتقدم العالم الآخر ويفكرون في الصناعة والفن والتعليم والطب والأدب، الناس هنا لا يتحدثون سوى عني، وانقسموا حول وجودي أو تحطيمي، يقولون أنني أعبر عن الغرب الكافر والاستعمار الفاجر، وتناسوا أن من أعادني بعد تفجيري وأمر بترميمي كان من المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي وكان قد أصدر الفرنسيون حكمًا عليه بالإعدام.

ورغم أني أشكل جزءًا من تراث المدينة الحضاري لدرجة أن تسمى مدينة سطيف باسمي "عين الفوارة". إلا أن زعيم "جبهة الصحوة" السلفية في الجزائر، عبد الفتاح حمداش، قد طالب السلطات الجزائرية بإزالتي؛ لأني "صنم" ورمز للشرك بالله! لماذا يتحدث هؤلاء بسم الله؟! أعتقد أن الله سيرضى عنهم عندما يهتمون لأمور الفقراء أكثر من تمثال عار في ساحة، أنا حجر بالفعل، لكني أدرك ذلك جيدًا.


أعلم أنك تعجبت عندما علمت أن رئيس حزب سياسي ديني يطالب بإزالتي، ألم أؤكد لك أنني أصبحت قضية رأي عام؟! الأمور معقدة جدًا، وهناك فتاوي أخرى غريبة، تخيل أن إمام مسجد أبي ذر الغفاري بولاية قسنطينة، في أغسطس 2015، أفتى بعدم جواز شرب الماء الذي يتساقط من نافورتي بدعوى أن الشرب من الماء سيؤدي إلى الانحناء أمامي وهو ما يعد عبادة لي، وكفر بالله!

ورأي ثالث لشيخ يطلق على نفسه وسطي دعا بتغطيتي وإلباسي "جبة سطايفية" حتى لا أفتن الناس، وحتى لا يعبدوني! أعلم أنك ستضحك على حالي لو قرأت كلماتي، ولكن عليك أن تضحك على هؤلاء أكثر.. وعلى كل هؤلاء أن يبكوا على أحوالهم.

منذ أيام قليلة، جاء رجل ذو لحية، يرتدي جلباب أبيض، وفي يده مطرقة حديد، كنت أظنه جاء لإصلاح النافورة، ولكنه صعد على جسدي وبدأ توجيه ضربات لوجهي وصدري، وظل يهتف ووجهه غاضب، والناس يحاولون إبعاده بإلقاء الحجارة نحوه، ولكنه لم يبال للحجارة، كما لم يبال للشرطة التي حضرت، كان غاضبًا وظل يردد "في سبيل الله قمنا" وقد نجح في استئصال صدري وتشويه وجهي، ولكن العالم لم يتغير بعد ما حدث لي، ما زال هناك احتلال، وقمع، وقتل، وسرقة، وفساد، وما زالت بلادهم تعود إلى الوراء، وما زلت أنا لم أشعر بآلام ما حدث، ولن أشعر، لأنني حجر!

الاحتلال العربي الإسرائيلي!

رويترز

مدونات الجزيرة





"إن العالم مكان خطير، ليس بسبب من يرتكبون الشر، بل بسبب أولئك الذين يكتفون بالمشاهدة ولا يحركون ساكناً"- ألبرت آينشتاين

كذلك الاحتلال، لم يتواجد بسبب من ارتكبوا الجرائم ضد فلسطين واحتلوها، لكن بسبب هؤلاء الذين شاهدوا فلسطين محتلة وصمتوا، ثم طبعوا مع الاحتلال، ثم أعلنوا تأييدهم المطلق له، ثم حاولوا الترويج في وسائل إعلامهم أن المقاومة الفلسطينية إرهاب.  وأقصد بهؤلاء ملوك العرب ورؤسائهم.

يذهب البعض إلى أن بيان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي أعلن فيه أن القدس عاصمة لإسرائيل، يُعد إحياءً للقضية الفلسطينية من جديد بعد أن تناساها الجميع. وهذا بالطبع هراء، وشعارات تليق بنا جميعًا ونحن في مرحلة الطفولة. دعني أقولها صراحة، لا إحياء للقضية الفلسطينية بغير الدبابات والرصاص، أما بيانات الإدانة العربية، فجميعها من دون استثناء، ستكون لها فائدة أكثر لو استخدمناها في دورات المياه.

ماذا فعلت إدانات العرب للقضية الفلسطينية سابقًا سوى محاولات إماتتها؟! التسلسل الزمني لما يحدث في فلسطين المحتلة، يخبركم بهذا. ببساطة ومن دون تعقيد، كنا لا نعترف بأن هناك دولة تدعى إسرائيل وكنا نغضب جدًا عندما نسمع كلمة "إسرائيل" دون إلحاقها بكلمة "الاحتلال" كنا نؤكد على أنها فلسطين فقط. وبعدها صرنا نقول "غزة" فقط. ونسينا أن هناك أرض محتلة كاملة اسمها فلسطين.
ثم ماذا؟ّ روج حكام العرب لا غيرهم بأن علينا القبول بالقدس شرقية وغربية، واحدة للاحتلال الصهيوني، وأخرى لفلسطين.. والآن، وبعد الضوء الأخضر من عملاء الاحتلال الإسرائيلي، أعلن ترمب أن القدس كلها لإسرائيل.. وبسبب حكام العرب لا غيرهم، صارت ردود فعلنا لا تدل على شيء سوى أننا نريد القدس الشرقية فقط.. ولو بقي هؤلاء في الحكم كثيرًا سيكون الحديث علانية عن أنه لا توجد دولة اسمها فلسطين، وهو ما بدأ بعض العملاء المثقفين الترويج له عبر وسائل إعلام تابعة للأنظمة العربية.. سيكون الخلاف مستقبلًا على الوطن البديل فقط، لا على القدس الشرقية والغربية، سيختلفون في جعل سيناء هي الوطن البديل أم الأردن؟! هذا هو الواقع.
أي إحياء للقضية الفلسطينية وكل ما يمكننا فعله أن نتظاهر بأعلام فلسطين؟! هذا لو تركونا نتظاهر! لن يحيي القضية سوى هؤلاء الأطفال الذين ألقت قوات الاحتلال الصهيوني القبض عليهم وهم يدافعون عن أرضهم، بينما كان ملوك العرب يشاهدون الأطفال الرجال وهم يعتقلون، وكأنهم يشاهدون مباراة كرة قدم.
هل تنتظرون من النظام المصري الغضب مثلًا؟! أنتم حالمون، هذا النظام يلقي القبض على من تظاهر تضامنًا مع القضية الفلسطينية، ممن ألقي القبض عليهم الصحفيين حسام السويفي، وأحمد عبدالعزيز، والناشط إسلام عشري. إذا كنا ننتظر من النظام المصري أي خطوات غاضبة تجاه الاحتلال الإسرائيلي فلنتذكر أنه في فبراير الماضي قالت صحيفة هارتس الإسرائيلية أن نتنياهو التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأميركي وقتها جون كيري، في منتجع العقبة الأردني، سرًا، على البحر الأحمر، في 21 فبراير/شباط 2016.
وتجاهلت أغلب الصحف المصرية المحسوبة على نظام السيسي الخبر، وارتبكت بعض وسائل الإعلام والصحف الخاصة، وكانت هناك محاولات لنشر الخبر على استحياء بصياغة توحي بأن أمرًا "عاديًا" قد حدث، وأنه من الطبيعي أن يجتمع السيسي بقيادات صهيونية سرًا، وتساءل بعض مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي "ماذا لو اجتمع مرسي مع قيادات صهيونية سرًا؟".

بالمناسبة بعد هذا الاجتماع الذي لم يحضره الجانب الفلسطيني بأقل من شهر، قال السيسي تصريحه الشهير في مارس/آذار 2016 عن "السلام الدافئ" مع إسرائيل، في أثناء افتتاح بعض المشروعات في أسيوط. بعد أن فضحت هآرتس أمر الاجتماع السري بررت الحكومة المصرية ما حدث بأن الاجتماع كان يدور حول عملية السلام، ولم توضح الحكومة في تصريح رسمي لماذا يجتمع السيسي سرًا مع قيادات صهيونية ولماذا لم يصارح الشعب بهذه المقابلة؟!
وأبدى السيسي انزعاجه من تسريب اللقاء، حسب "الأخبار" اللبنانية، التي نقلت عن مصدر رفيع في الرئاسة، قوله إن "الإعلان الإسرائيلي عن اللقاء لم يكن متفقًا عليه، وقد وضع السيسي في حرج كبير". وقالت مصادر للجريدة ذاتها، إن "الرئاسة كلفت سفير مصر في إسرائيل بنقل انزعاج الرئاسة المصرية وعدم رضاها عن كشف تفاصيل الاجتماع، بالرغم من السرية التي اشترطت قبل إجرائه حرصًا على العلاقات بين البلدين".
يذكر أن القناة العاشرة الإسرائيلية قد قالت في 28 فبراير 2016؛ "إن السيسي يتحدث بشكل دوري مرة كل أسبوعين مع نتنياهو، وأن الأول التقى السفير الإسرائيلي بالقاهرة حاييم كورين عدة مرات، وأن التعاون الأمني بين الجانبين يزداد قوة وكثافة". هل تنتظرون من نظام كهذا الانتصار للقضية الفلسطينية؟!
أم أنكم تنتظرون من المملكة العائلية السعودية، الانتصار للقضية الفلسطينية، هذه المملكة التي قال عنها ترمب أثناء حملته الانتخابية "السعودية هي البقرة الحلوب، ومتى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة اخرى على ذبحها" مطالبا النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبديل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخليًا وخارجيًا. وكان ترمب، أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية.
لم يكن رد آل سعود سوى استقباله والرقص معه، بل وأتموا معه صفقات تجاوزن 400 مليار دولار، هذا غير الهدايا التي حصلت عليها ابنة ترمب.. لو أن ربع قيمة هذه الصفقة كانت لصالح المقاومة، كان يمكننا الحديث عن دور المملكة العائلية السعودية في الانتصار للقضية، وفي الدفاع عن فلسطين، لكن الواقع أن بن سلمان يكره فلسطين والفلسطينيين.

ومثل السعودية ومصر، كل البلاد العربية من دون استثناء لو اتخذت موقفًا كموقف هذا الرجل، مندوب بوليفيا بمجلس الأمن، ساشا سيرجو، الذي التحف الحطة الفلسطينية في جلسات اجتماع مجلس الأمن الدولي عدة مرات، وعلق في الاجتماع الماضي على قرار "دونالد ترمب" بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة قائلًا "النزاع غير عادل والشعب الفلسطيني أعزل ومحتل، في مواجهة مسلحين يبنون الجدران ينتهكون القانون الدولي، علاوة علي قيامهم ببناء مستوطنات على أرض ليست ملكهم، بالإضافة إلى فرض الحصار علي غزة، مما تسبب في تشريد 5 ملايين فلسطيني حول العالم، نحن نرفض سيطرة المحتلين الإسرائيليين على مصادر المياه، نتيجة احتلال عسكري غاشم طويل الأمد".. لو أن البلاد العربية اتخذت الموقف ذاته لتحدثنا عن إحياء القضية الفلسطينية.
كان ترمب واثقًا في خطوته جدًا، غير مباليًا لما يحدث أو سيحدث، فممن سيخشى؟! هناك أسباب عدة تدفعه لذلك منها:
- أن كل ملوك العرب لا يحاربون سوى من أجل البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، وهؤلاء جميعهم يطبعون مع الاحتلال الإسرائيلي في السر والعلن، بل إنهم يسعون للتطبيع بشكل غير مسبوق، ويخشون من خسارة العلاقات القوية مع الاحتلال.
- لم تعد القدس مدينة ذات أهمية للحكام العرب، فهم يعتبرون أن الخطر قادم من إيران، ويحاولون طمس التاريخ بإعلان إيران وحلفاؤها أعداء، فالقاعدة أن إسرائيل هي العدو الأول، القاعدة هي أن الشيطان لو حارب إسرائيل، علينا أن نحارب معه!
- رغم أن التظاهرات الغاضبة انطلقت في كل مكان، عدا المملكة العربية السعودية، إلا أن الشعوب العربية صارت منهكة، وتناضل من أجل الحصول على لقمة العيش، وهذا بفضل حكامها، كما أن القمع تزايد في البلاد العربية، حتى أنه تخطى قمع الاحتلال الإسرائيلي.
أتدركون لو أن الدول العربية اتخذت موقفًا من إسرائيل كموقفها من قطر، كنا تحدثنا بجدية عن أن حكام العرب سينتصرون للقضية الفلسطينية، ولكن الواقع أن الاحتلال عربي إسرائيلي!


كائنات فضائية وملائكة.. ينتخبون الرئيس



مدونات الجزيرة

وجوههم تُشبه بعضها، وكأنهم أشقاء في الاكتئاب، استيقظوا مُبكّرًا حتى يستمتعوا بزحام العاصمة، كان المشهد خلاب للغاية، ميكروباص يقف بالعرض في منتصف الطريق، وتاكسي يحاول أن يسير عكس الطريق، وتوك توك يزحف على الطريق الدائري ويتحرك يمينًا ويسارًا كثعبان يحاول الاختباء ومكتوب على مؤخرته "رميت همومي في البحر.. طلع السمك يلطم"، وموتوسيكلات قررت أن تسلك رصيف المشاة، ومشاة لا مكان لهم فانتحروا، وأتوبيسات نقل عام مكدسة بالرجال والنساء حتى أن الذباب لا يمكنه العثور على مكان له بداخلها، وفي هذه الأتوبيسات احتكاكات عديدة، لكن من يهتم بحماية مؤخرته في أتوبيسات كهذه؟ الناس من فرط الزحام يذكروني بحبات طماطم وضعت معًا في خلاط واحد.

ينظر الناس للعدم، ويفكرون في العدم، ويعيشون من أجل العدم، يبدو أن أغلبهم لم يغسلوا وجوههم بالماء، لقد اعتادوا على ذلك، إما كسلًا، أو لأنهم يريدون اللحاق بالعمل مبكرًا، أو لأن ساعات نومهم لا تكفي، أو لأن أحد العمال في الوحدة المحلية قرر إغلاق محبس المياه الرئيسي لأسباب مجهولة معروفة.

يسير الناس بخطوات بطيئة وكأنهم مرغمين على السير بقوة السلاح، يكتشفوا أن الأسعار ارتفعت، وهذا خبر يومي، لا بد أن سعر شيء ما ارتفع، كباية الشاي مثلًا، أسعار المواصلات، أسعار كروت الشحن، أسعار تذاكر المترو، كل شيء قابل لأن يرتفع سعره إلا الناس ورواتبهم اللعينة، تفرض الحكومة ضرائب جديدة على رواتبهم الضئيلة، من أجل يحيا الوطن، وينتحر المواطن.. المهم في كل هذا أن الناس، كل الناس، لا يبالوا بأي شيء، أتدري؟! لو ضربت أحدهم على وجهه سينظر لك متعجبًا فقط، ثم يكمل ما كان يفعله وكأن شيئًا لم يحدث. هؤلاء الناس لو وجدوا أماكن لبيع اللحوم الرخيصة، سيأكلون فيها بشراهة، ويضحكون على احتمالية أنهم يأكلون لحوم الفئران أو الكلاب أو القطط، وستجد أحدهم يقول للآخر "أنا أعلم أن لحوم الكلاب والقطط ليست ضارة للإنسان، أما مسألة حلال وحرام فيتحملها البائع لأنه يطعمنا هذه اللحوم على أنها لحوم بقرية، ونحن طبعًا لا نعلم أنها لحوم كلاب، فهو من سيحاسب أمام الله".

في صباح 8 مايو 2018، نعم 2018، ووسط كل هذا التبلد المتصاعد، توقف الراديو عن بث الأغاني الوطنية التي لم تتوقف منذ بدأت الانتخابات الرئاسية، جميع الأغاني الوطنية رديئة ولا علاقة لها بالوطنية، كل ما في الأمر أن هؤلاء الذين لم يجدوا لأنفسهم قيمة وسط الجماهير، يبحثون عن قيمتهم بين أروقة السلطة، فينافقون الرئيس بكلمات لا علاقة بها بالكلمات، وألحان رديئة لا تصلح إلا لسماعها عندما يريد أحدهم أن ينتحر بشكل سريع..  

توقفت هذه الأغاني، وقال المذيع "السيدات والسادة، نحيط سيادتكم علمًا بأن السيد الرئيس قد نجح في الانتخابات الرئاسية بنسبة 101%، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الكوكب، وتعليقًا على هذا العدد المستحيل صرح السيد رئيس الحكومة أنه كان يتوقع أن ينجح الرئيس بنسبة أصوات 200% لأن الكائنات الفضائية يحق لها التصويت ولكن يبدو أن المواصلات كانت صعبة عليهم، وقال رئيس البرلمان أن الشعب قال كلمته حتى لو لم يشارك في التصويت، وأوضح مسؤول من جامعة الأزهر أن نسبة الـ101% أكبر دليل على أن الملائكة كانت تقف في طوابير الانتخابات من أجل إعطاء أصواتهم للسيد الرئيس، وفي تصريح خاص براديو CC صرح مدير حملة "عايزينه تاني" أنه كان يثق من النتيجة رغم صعوبة الانتخابات، مضيفًا "رغم أن السيد الرئيس كان مرشحًا لوحده، إلا أننا كنا نخشى سقوطه نظرًا لانتشار المؤامرات عليه، ونحن بإذن الله سنطلق حملة لإلغاء الدستور بعنوان "بله واشرب ميته" لأن هذا الدستور يمنع الرئيس من الترشح لفترة رئاسية ثالثة كما سنلغي الانتخابات ونولي الرئيس علينا حتى النهاية، نهاية الوطن".

في اليوم التالي أذاع الراديو بيان الرئيس الذي شعر بالفرحة العارمة عندما علمه بنسبة نجاحه رغم أنه ترشح لوحده، وجاء في البيان: "أيها الشعب، فلتفرحوا ولترقصوا ولتغنوا، فأنا ما زلت رئيسكم، أنا أعلم جيدًا أنكم تخشون من مؤامرة الانتخابات الرئاسية، وأن وعيكم اللا واعي، وعقلكم اللا عاقل، جعلكم تدركون اللحظة الحاسمة التي يجب أن أتدخل فيها من أجلكم. أتدرون يا شعبي العظيم، الذي لا ينتمي لشيء سوى لي أنا، والذي لا يهمه إلا بقائي لأجل هذا الوطن، كنت أتمنى أن يترشح أحدهم، ولكن قدر الله وما شاء فعل. كنت أتمنى أن أستريح قليلًا بعدما حققته من إنجازات غير مسبوقة لهذا الوطن، لكن على كل حال أنا أشعر بالراحة وأرى الأمل فيكم، فالأمل كل الأمل في الشعوب الصامتة، غير المبالية، التي لا تتحدث في السياسة أو الحقوق.. وكما وعدتكم من قبل لا تتحدثوا في أي شيء من هذا القبيل، ولن يضركم أحد، أما لو تحدثتم فلا تلوموا إلا على أنفسكم وقولوا على روحكم يا رحمن يا رحيم.

لقد حققت طفرة اقتصادية لا مثيل لها، ولا تقولوا لي أن هناك ملايين صاروا فقراء، واحمدوا الله أننا لسنا اليمن، كما أنني لا أريد أن تحدثوني عمن يتم تصفيتهم بدم بارد لأننا في معركة ضد الإرهاب، واشكروا الله على أننا لسنا ليبيا وسوريا والعراق.

أتدرون؟ هناك بعض الخونة والعملاء يقولون إننا نمنع الناس من الترشح للرئاسة، وهؤلاء يريدون زعزعة الاستقرار، نحن لم ولن نمنع أي مواطن من الترشح لأي منصب، فليترشح من شاء، أما عن مصيره بعد عزمه الترشح، فهذه مسألة أخرى، ولا بد أن يأخذ القانون مجراه. أتظنون أن المرشح اليساري الذي رفع إصبعه بدعوى أننا تنازلنا عن الجزيرتين مختفي قسريًا؟! هذه شائعات، ولدينا معلومات مؤكدة من الأستاذ "خالد رأس الأفعى" تفيد بأنه انضم للإرهابيين في مدغشقر. أما الفريق الذي قَتَلَ وقُتل، فقد أثبتت الصحافة تورطه في التخابر مع زامبيا، وكشف رجال الأمن عن علاقته النسائية والعياذ بالله، وحقق وكلاء النيابة في اتهامه بزعزعة الاستقرار، وأثبت القضاء أن له أصول إسرائيلية أو قطرية، لذا هو مسجون في حبس انفرادي معزز مكرم، بعد الحكم عليه بالسجن حتى الموت.

أما عن هؤلاء الذي يقولون لا لإعدام المرشح الذي أعلن ترشحه ببدلة عسكرية، فعليهم أن يعلموا أننا رصدناهم جيدًا، ولن نتركهم، وهذا لأنهم اخترقوا القوانين مرتين، الأولى عندما اعترضوا على أحكام القضاء المقدسة، والثانية عندما سمحوا لأنفسهم بالكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي من دون تصريح. والله والله والله، لن نتركهم يعبثون في البلاد. تدعي المنظمات الحقوقية أننا قتلنا الرئيس السابق، وهذا كذب وتدخل في الشؤون الداخلية، فهو قتل نفسه بنفسه.

إننا يا شعبي العظيم الصبور، ماضون في محاربة الإرهاب بالنيابة عن العالم، لأن العالم مشغول في أشياء تافهة، كالتقدم في التكنولوجيا والتعليم والصحة، ولكننا نصر على خوض المعركة ضد الإرهاب، وهذا بفضل جهودنا.. كما أعدكم بأن موجة ارتفاع الأسعار ستنخفض بعد 3 ساعات لأن الجيش سيتدخل.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ويحيا الوطن 3 مرات".

أما عن الناس، فما زالوا في الطرقات يتجهون نحو العدم..