رويترز |
مدونات الجزيرة
"إن
العالم مكان خطير، ليس بسبب من يرتكبون الشر، بل بسبب أولئك الذين يكتفون
بالمشاهدة ولا يحركون ساكناً"- ألبرت آينشتاين
كذلك الاحتلال، لم يتواجد
بسبب من ارتكبوا الجرائم ضد فلسطين واحتلوها، لكن بسبب هؤلاء الذين شاهدوا فلسطين
محتلة وصمتوا، ثم طبعوا مع الاحتلال، ثم أعلنوا تأييدهم المطلق له، ثم حاولوا
الترويج في وسائل إعلامهم أن المقاومة الفلسطينية إرهاب. وأقصد بهؤلاء ملوك
العرب ورؤسائهم.
يذهب البعض إلى أن بيان
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي أعلن فيه أن القدس عاصمة لإسرائيل، يُعد
إحياءً للقضية الفلسطينية من جديد بعد أن تناساها الجميع. وهذا بالطبع هراء،
وشعارات تليق بنا جميعًا ونحن في مرحلة الطفولة. دعني أقولها صراحة، لا إحياء
للقضية الفلسطينية بغير الدبابات والرصاص، أما بيانات الإدانة العربية، فجميعها من
دون استثناء، ستكون لها فائدة أكثر لو استخدمناها في دورات المياه.
ماذا فعلت إدانات العرب
للقضية الفلسطينية سابقًا سوى محاولات إماتتها؟! التسلسل الزمني لما يحدث في
فلسطين المحتلة، يخبركم بهذا. ببساطة ومن دون تعقيد، كنا لا نعترف بأن هناك دولة
تدعى إسرائيل وكنا نغضب جدًا عندما نسمع كلمة "إسرائيل" دون إلحاقها
بكلمة "الاحتلال" كنا نؤكد على أنها فلسطين فقط. وبعدها صرنا نقول
"غزة" فقط. ونسينا أن هناك أرض محتلة كاملة اسمها فلسطين.
ثم ماذا؟ّ روج حكام العرب
لا غيرهم بأن علينا القبول بالقدس شرقية وغربية، واحدة للاحتلال الصهيوني، وأخرى
لفلسطين.. والآن، وبعد الضوء الأخضر من عملاء الاحتلال الإسرائيلي، أعلن ترمب أن
القدس كلها لإسرائيل.. وبسبب حكام العرب لا غيرهم، صارت ردود فعلنا لا تدل على شيء
سوى أننا نريد القدس الشرقية فقط.. ولو بقي هؤلاء في الحكم كثيرًا سيكون الحديث
علانية عن أنه لا توجد دولة اسمها فلسطين، وهو ما بدأ بعض العملاء المثقفين
الترويج له عبر وسائل إعلام تابعة للأنظمة العربية.. سيكون الخلاف مستقبلًا على
الوطن البديل فقط، لا على القدس الشرقية والغربية، سيختلفون في جعل سيناء هي الوطن
البديل أم الأردن؟! هذا هو الواقع.
أي إحياء للقضية
الفلسطينية وكل ما يمكننا فعله أن نتظاهر بأعلام فلسطين؟! هذا لو تركونا نتظاهر!
لن يحيي القضية سوى
هؤلاء الأطفال الذين ألقت قوات الاحتلال
الصهيوني القبض عليهم وهم يدافعون عن أرضهم، بينما كان ملوك العرب يشاهدون الأطفال
الرجال وهم يعتقلون، وكأنهم يشاهدون مباراة كرة قدم.
هل تنتظرون من النظام
المصري الغضب مثلًا؟! أنتم حالمون، هذا النظام يلقي القبض على من تظاهر تضامنًا مع
القضية الفلسطينية، ممن ألقي القبض عليهم الصحفيين حسام السويفي، وأحمد عبدالعزيز، والناشط إسلام عشري. إذا كنا
ننتظر من النظام المصري أي خطوات غاضبة تجاه الاحتلال الإسرائيلي فلنتذكر أنه في
فبراير الماضي قالت صحيفة هارتس الإسرائيلية أن نتنياهو التقى بالرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأميركي
وقتها جون كيري، في منتجع العقبة الأردني، سرًا، على البحر الأحمر، في 21
فبراير/شباط 2016.
وتجاهلت أغلب الصحف
المصرية المحسوبة على نظام السيسي الخبر، وارتبكت بعض وسائل الإعلام والصحف الخاصة،
وكانت هناك محاولات لنشر الخبر على استحياء بصياغة توحي بأن أمرًا
"عاديًا" قد حدث، وأنه من الطبيعي أن يجتمع السيسي بقيادات صهيونية
سرًا، وتساءل بعض مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي "ماذا لو اجتمع مرسي مع
قيادات صهيونية سرًا؟".
بالمناسبة بعد هذا
الاجتماع الذي لم يحضره الجانب الفلسطيني بأقل من شهر، قال السيسي تصريحه الشهير
في مارس/آذار 2016 عن "السلام الدافئ" مع إسرائيل، في أثناء افتتاح بعض
المشروعات في أسيوط. بعد أن فضحت هآرتس أمر الاجتماع السري بررت الحكومة المصرية
ما حدث بأن الاجتماع كان يدور حول عملية السلام، ولم توضح الحكومة في تصريح رسمي
لماذا يجتمع السيسي سرًا مع قيادات صهيونية ولماذا لم يصارح الشعب بهذه المقابلة؟!
وأبدى السيسي انزعاجه من
تسريب اللقاء، حسب "الأخبار" اللبنانية، التي نقلت عن مصدر رفيع في
الرئاسة، قوله إن "الإعلان الإسرائيلي عن اللقاء لم يكن متفقًا عليه، وقد وضع
السيسي في حرج كبير". وقالت مصادر للجريدة ذاتها، إن "الرئاسة كلفت سفير
مصر في إسرائيل بنقل انزعاج الرئاسة المصرية وعدم رضاها عن كشف تفاصيل الاجتماع،
بالرغم من السرية التي اشترطت قبل إجرائه حرصًا على العلاقات بين البلدين".
يذكر أن القناة العاشرة
الإسرائيلية قد قالت في 28 فبراير 2016؛ "إن السيسي يتحدث بشكل دوري مرة كل
أسبوعين مع نتنياهو، وأن الأول التقى السفير الإسرائيلي بالقاهرة حاييم كورين عدة
مرات، وأن التعاون الأمني بين الجانبين يزداد قوة وكثافة". هل تنتظرون من
نظام كهذا الانتصار للقضية الفلسطينية؟!
أم أنكم تنتظرون من
المملكة العائلية السعودية، الانتصار للقضية الفلسطينية، هذه المملكة التي قال
عنها ترمب أثناء حملته الانتخابية "السعودية هي البقرة الحلوب، ومتى ما جف
ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من
غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة اخرى على ذبحها" مطالبا النظام السعودي بدفع
ثلاثة أرباع ثروته كبديل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود
داخليًا وخارجيًا. وكان ترمب، أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد
السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية.
لم يكن رد آل سعود سوى
استقباله والرقص معه، بل وأتموا معه صفقات تجاوزن 400 مليار دولار،
هذا غير الهدايا التي حصلت عليها ابنة ترمب.. لو أن ربع قيمة هذه الصفقة كانت
لصالح المقاومة، كان يمكننا الحديث عن دور المملكة العائلية السعودية في الانتصار
للقضية، وفي الدفاع عن فلسطين، لكن الواقع أن بن سلمان يكره فلسطين والفلسطينيين.
ومثل السعودية ومصر، كل
البلاد العربية من دون استثناء لو اتخذت موقفًا كموقف هذا الرجل، مندوب بوليفيا
بمجلس الأمن، ساشا سيرجو، الذي التحف الحطة الفلسطينية في جلسات اجتماع مجلس الأمن
الدولي عدة مرات، وعلق في الاجتماع الماضي على قرار "دونالد ترمب" بنقل
السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة قائلًا "النزاع غير عادل والشعب الفلسطيني
أعزل ومحتل، في مواجهة مسلحين يبنون الجدران ينتهكون القانون الدولي، علاوة علي
قيامهم ببناء مستوطنات على أرض ليست ملكهم، بالإضافة إلى فرض الحصار علي غزة، مما
تسبب في تشريد 5 ملايين فلسطيني حول العالم، نحن نرفض سيطرة المحتلين الإسرائيليين
على مصادر المياه، نتيجة احتلال عسكري غاشم طويل الأمد".. لو أن البلاد
العربية اتخذت الموقف ذاته لتحدثنا عن إحياء القضية الفلسطينية.
كان ترمب واثقًا في خطوته
جدًا، غير مباليًا لما يحدث أو سيحدث، فممن سيخشى؟! هناك أسباب عدة تدفعه لذلك
منها:
- أن كل ملوك العرب لا
يحاربون سوى من أجل البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، وهؤلاء جميعهم يطبعون مع
الاحتلال الإسرائيلي في السر والعلن، بل إنهم يسعون للتطبيع بشكل غير مسبوق،
ويخشون من خسارة العلاقات القوية مع الاحتلال.
- لم تعد القدس مدينة ذات
أهمية للحكام العرب، فهم يعتبرون أن الخطر قادم من إيران، ويحاولون طمس التاريخ
بإعلان إيران وحلفاؤها أعداء، فالقاعدة أن إسرائيل هي العدو الأول، القاعدة هي أن
الشيطان لو حارب إسرائيل، علينا أن نحارب معه!
- رغم أن التظاهرات
الغاضبة انطلقت في كل مكان، عدا المملكة العربية السعودية، إلا أن الشعوب العربية
صارت منهكة، وتناضل من أجل الحصول على لقمة العيش، وهذا بفضل حكامها، كما أن القمع
تزايد في البلاد العربية، حتى أنه تخطى قمع الاحتلال الإسرائيلي.
أتدركون لو أن الدول
العربية اتخذت موقفًا من إسرائيل كموقفها من قطر، كنا تحدثنا بجدية عن أن حكام
العرب سينتصرون للقضية الفلسطينية، ولكن الواقع أن الاحتلال عربي إسرائيلي!