الدولة الفاشلة

لسماع المقال اضغط هنا


في رسالة ماجستير حصلت على  تقدير ممتاز، بعنوان "أمريكا والدولة الفاشلة" تتحدث "مها أبو عمرة" عن مصطلح الدولة الفاشلة.


وذكرت لنا أن وظائف الدولة تركّز على استثمار أشياء عديدة (لتلبية احتياجات المواطن، لا لتلبية احتياجات الحاكم وحاشيته) من أجل بناء الدولة.. منها على سبيل المثال: "رأس المال البشري والثقافي والعلمي والاجتماعي والقانوني والسياسي".
***
لا داعي أن أذكّركم بأن رأس المال البشري تقضي عليه الدولة وتحاول إبادته، فنحن نتحدث عن 41 ألف معتقل من رأس المال البشري، حسب منظمة العفو الدولية، منهم مئات أخفتهم الدولة قسريًا، ناهيك عن عدد القتلى في التظاهرات منذ ثورة 25 يناير والذين وصل عددهم إلى 10 آلاف حسب موقع ويكي ثورة، بالإضافة إلى ملايين الشباب ممن يدعون في صلاتهم "اللهم هجرة" بعدما حاصرتهم الدولة أمنيًا وقمعت أصواتهم وفتحت لهم القبور والمعتقلات.


أما رأس المال العلمي والثقافي، فقد اعتبر السيسي نفسه طبيب الفلاسفة، واعتبر عبد العاطي "ملك الكفتة" أن الكفتة ستتحول من لحمة مشوية إلى وصفة سحرية تعالج كل الأمراض، بينما ألغت أمن الدولة محاضرة بجامعة القاهرة لعالِم الفضاء المصري الأمريكي "عصام حجي" الذي يعمل بوكالة "ناسا" في مجال علم الصواريخ، ورغم أن قوات الأمن منعته من الظهور إلا أن علمه  أجبر طبيب الفلاسفة على سماع هذا العالم في مؤتمر "قمة المناخ" بباريس حيث كان "عصام حجي" يتحدث ويسمعه رؤساء العالم، تقديرًا لعلمه الذي لم تقدره الدولة المصرية.


حدثتنا الكاتبة عن رأس مال قانوني، فالدولة كي يُطلق عليها "دولة" يجب أن تكون لديها قانون تطبقه على الجميع، ليس مجرد كلمات على ورق، وليس قانون الغاب الذي يحكمنا الآن، فأعتقد أنني لست بحاجة لأذكرك بعدد حالات التعذيب في أقسام الشرطة، وعدد الوفيات والانتهاكات، عليك فقط أن تكتب على موقع جوجل كلمات كـ "ضابط شرطة، تعذيب، وفاة معتقل" وموقع "جوجل" كفيل بأن يحكي لك عن قانون الغاب الذي تطبقة وزارة الداخلية، وسيحكي لك عن تصريحات لمتحدث الداخلية الإعلامي تستخف بعقلية الجميع، فالرجل سينفي كل شئ، ويدّعي أن حالات التعذيب التي وصل عددها إلى آلاف ليست إلا حالات فردية. وستجد أنه في وطننا "مفيش حاتم بيتحاكم".. عندما تبحث عن العقوبات التي تُطبق على ضباط الشرطة والتي ستجدها غالبًا، نقل ضابط من مكان إلى مكان أفضل.


الكاتبة لم تكن تقصد وقتنا الحالي عندما ذكرت أن رأس المال السياسي يعد أهم العوامل التي يجب أن تركز عليها الدولة وأن تعطي المساحة للأحزاب المعارضة كي تظهر على الساحة، فالرسالة قد حصلت على الامتياز عام 2010، أثناء برلمان الحزب الوطني.


ورقص المال السياسي (بالقاف) وصل إلى مداه في وقتنا الحالي، فالدولة العكاشية قد أعلنت سيطرتها بنجاح، حتى أن عكاشة نفسه سيصير رئيسًا للبرلمان، مما قد يجعل علماء السياسة يضيفون مصطلح "الدولة العكاشية" إلى تقسيم النظم السياسية.
***
الدولة، كي تكون دولة، لها وظائف عدة يجب أن تقوم بها:
1- الوظيفة السياسية.. فالدولة تُعتبر مجالًا للصراع بين الأحزاب السياسية يحصل فيه الأفضل على المناصب السياسية، لا أن تضع كل المعارضين في السجون والمطبلاتية في البرلمان. فبرلماننا رئيسه "توفيق عكاشة" صاحب نظرية البط، وأعضاءه مرتضى منصور وابنه، برلماننا يحتوي "محمود بدر" بأوامر عسكرية، و"طارق الخولي" بأوامر أمنية.
أما أولئك الذين ينطبق عليهم لفظ معارضة فقد اكتظت بهم السجون، فأحمد ماهر السياسي المشهور قد أكمل عامين في السجن، ومثله أحمد دومة وياسين صبري، وعلاء عبد الفتاح وعبد الرحمن طارق ونوبي، وغيرهم من الشباب الثوري الذي عارض الحكم العسكري، ففي  البرلمان الجديد القديم لا مجال للمعارضة والتشريعات، لا مجال سوى للرقص، والتعريض، والنفاق، ومحاربة مبادئ الثورة، ونصرة الثورة المضادة لثورة 25 يناير. لا مجال سوى للضحك حد البكاء من تلك الكائنات التي ستعوضنا عن كوميديا باسم يوسف الغائبة بأمر الحاكم العسكري.


ويرتبط بالوظيفة السياسية تلك القوى الأساسية في الدولة (التشريعية، التنفيذية، القضائية) والحمد لله القوة التشريعية في أيدي السيسي منذ أن تولى رئاسة مصر حتى أنه شرّع أكثر من 350 قانون، وفي النهاية ستنتقل السلطة التشريعية إلى البرلمان الذي سيؤيد كل قرارات السيسي ولله الحمد. أما السلطة التنفيذية فوزارة الداخلية تنفذ كل شئ بدقة، التعذيب، ووضع العصا في مؤخرة المساجين، والقتل العشوائي حتى للسياح المكسكيكين، والاعتقال العشوائي، وإخفاء المواطنين، والسلطة القضائية شامخة وتحكم بالعدل، ذلك العدل الذي اقتضى الإفراج عن مبارك ورجاله واعتقال الثوار.
2- الوظيفة الاجتماعية.. أن تحقق الدولة العدالة بين أفراد المجتمع، لا أن يعيش مواطن بـ 2 جنيه في اليوم، لا أن يكون الزند وقُضاه أسيادًا وسواهم العبيد. وأن توفر الدولة فرص العمل للجميع، كل حسب كفاءته، فيمكن لابن عامل النظافة أن يصير قاضيًا، ولابن القاضي أن يصير عامل نظافة.
3- الوظيفة الاقتصادية.. أن تكون مصادر الثروة وعوامل الإنتاج الأساسية غير مُحتكرة من جانب قلة نخبوية، وأن ينال كل فرد نصيبه العادل من الدخل القومي، لا أن يحصل القضاة والضباط على مرتبات خيالية، وأن يتمنى المواطن الغلبان الإعدام هربًا من غلاء الأسعار الذي يطارده بسبب احتكار الجنرالات لمفاصل الدولة الاقتصادية.


4- الوظيفة الأمنية.. داخليًا وخارجيًا، أما داخليًا فقد اُغتيل النائب العام بسهولة شديدة، كما أن الجيش لا يقدر على تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، وخارجيًا فقد تفجرت طائرة روسية في سماء المحروسة، وقد نجح "حمار" من قبل في اختراق بوابات المطار دون أن تلاحظه قوات الأمن.


5- الوظيفة الإدارية.. فلا دولة بدون تخطيط، ذلك التخطيط الذي أدى إلى غرق محافظات عديدة بسبب سد بالوعات الصرف واتهام الإخوان بأنهم من سدوها، ذلك التخطيط المذهل الذي يمكنك أن تسمع فيه رئيس الدولة يعد بمحاربة الغلاء وخفض الأسعار، بينما تجد فيه وزير النقل يستأذن الشعب في أن يرفع سعر تذكرة المترو.


الدولة الفاشلة:
ذكرت الكاتبة في رسالتها أن مصطلح فشل الدولة يعني أن تصبح غير قادرة على القيام بوظائفها التي لا يمكن لغيرها القيام بها (كتلك الوظائف التي ذكرناها) وأن تلجأ الدولة إلى قوى خارجية من أجل معالجة المشاكل (كالاستعانة بأموال الخليج والسعودية، وبسلاح روسيا) وأن هذا السعي غالبًا يزيد من الفشل. كما أن استبدال الأمن بالقمع يعد أحد عناصر الفشل الهامة.


وتشير الدراسات إلى أن الدولة الفاشلة هي الدولة غير القادرة على تصحيح الفشل ذاتيًا، وذلك لانعدام القنوات المعبرة عن الإرداة الشعبية.


كما أرجعت بعض الدراسات فشل الدولة إلى دور الحاكم، على اعتبار أن أخطاء القيادة هي التي تدمر الدولة، تلك القيادة التي تتبنى النظرة المصلحية للقلة التي تحكم البلاد، وتهمش مصالح أغلبية الشعب. فقائد فاشل + نظام فاشل = دولة فاشلة.


*من عوامل الفشل أيضًا أن تنظر الدولة لتلك الكلمات التي كتبتها على أنها خيانة للوطن وتخابر مع قوى خارجية.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة