مصر العربية
"أخبِروني؛ ما الذي يجب عليّ فعله عندما أصل لقلة الحيلة التي تجعلني أتمنّى ألا يُحْكم على صديقي "عُمر" بأكثر من 15 عام؟
ماذا أفعل عندما يتهّموا "عُمر" بصناعة متفجرات؛ مع أنه رَسَبَ في مادة الميكانيكا وفشل في تجاوزها 4 أعوام؟!
اتهموه بأنه سافر إلى تركيا؛ مع أن السفر بالنسبة لـ "عُمر" هو الذهاب إلى الإسكندرية، تلك المدينة التي بالنسبة له أبعد بِلاد الأرض.
"قُبض على "عُمر" منذ عام، حينها كنت أقضي خدمتي العسكرية. تسلّل الخوف إلى نفسي وقررت أن أمتنع عن الكلام عنه استجابة لنصيحة بعض رفاقي، واكتفيت بمشاهدة صوره في الجرائد خلف القضبان مع المساجين؛ امتنعت عن الكلام آملًا أن تنته تلك المسرحية؟ ولكني اكتشفت أن حياة عمر هي التي تنتهي.
أريد أن أخبركم أنّ عُمر بعد موت أبيه؛ قرر الإبتعاد عن كل أخبار البلد، والاقتراب من القطط والكلاب والحيوانات.
عندما اختفى قسريًا لم نجد ما نكتبه عنه؛ فلا هو ثوري صوته عالٍ؛ ولا صاحب مواقف مؤثرة تجعل الناس تتحدث عن قضيته وينقذوه مما هو فيه؛ إنه مجرد شخص بلا قصة؛ قرر أن يعيش حياته "مقضيها" وأن ينته من دراسة الهندسة فى 10 أعوام، منعًا لوجع الدماغ" وقرر ألّا يتحدث في السياسة، ومع ذلك قررت الدولة حبسه وحكمت عليه بالمؤبد.
أرجوكم أخبرونا ماذا نفعل؛ فنحن لا ندري ما الذي يجب علينا فعله؟
الدولة تسجن من يُمارس السياسة أو الرياضة؛ وتسجن من يضحك أو يبكي؛ تسجن المتشائم والمتفائل؛ العاقل والمريض نفسيًا. الدولة لا ترضى لنا أن نموت موتة طبيعية، علينا أن نموت مقهورين، تريد أن تجعل لكلٍ منا ذكرى قاسية، فماذا نفعل؟"
كانت هذه كلمات أحد رفاق عمر – بتصرف- المحكوم عليه عسكريًا بالسجن 25 عامًا.
ففي 5 يونيو 2015، كان عُمر يتناول العشاء مع صهيب سعد و إسراء الطويل في احدى المطاعم بالقاهرة - والقاهرة سميت هكذا لأنها تقهر من هم مثل عمر –، وبعد انتهاء العشاء الأخير.. انقض ضباط جهاز أمن الدولة الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية علي صهيب، قاصدين اعتقاله.
واتصل ضابط أمن الدولة بأحدهم مبشرًا: قفشناه يا باشا، ولقينا معاه اثنين " بنت اسمها إسراء الطويل، وولد اسمه عُمر علي"؛ نسيبهم ولا ناخدهم هما كمان؟
اختفى الثلاثة بعدها، وأنكرت الداخلية وجودهم، وأقسمت أنها لا تعلم عنهم شيئًا، وأنه لا يوجد متختفين قسريًا في مصر.
بعدها بخمسة أسابيع نشر الجيش المصري تسجيل بعنوان " القبض على أكبر خلية إرهابية تهدد الأمن القومي"، ظهر فيه صهيب وعمر.
كان صهيب مشعثًا ومضروبًا ومنكسر، اعترف بأن له دور في عمليات إرهابية خطيرة، وبأنه تلقى مبلغ 65 ألف جنيه، من زعيم الخلية لشراء بندقية وإعطائها لعضو آخر لقتل ضابط شرطة.
وظهر عُمر في نفس ليعلن أنه - ترك القطط والكلاب - وانضم للخلية الإرهابية الشريرة، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
كان معهما 7 آخرين في نفس الفيديو، (جميعهم كانوا مختفين قسريًا ضمن 160 شخصا اختفوا ما بين أبريل ويونيو 2015، حسب حملة الحرية للجدعان) اعترفوا بارتكاب جرائم عديدة منها حرق سيارات للشرطة وتلقي تدريبات في الخارج والتخطيط لاغتيال رجال الدولة.
اعترفوا هكذا وبكل بساطة، أنهم قتلوا وفجّروا وخربوا، وكأنهم اعترفوا بأنهم يدخنون السجائر في الخفاء، أو أنهم يشربون زجاجات ال "ستلا" من دون علم أبيهم، لأنها حرام شرعًا، اعترفوا من دون تعذيب، هل تصدق؟
أخلت النيابة سبيل إسراء الطويل، بعد تعاطف كبير مع قضيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد ضغوطات من المنظمات الحقوقية في الخارج والداخل.
وأحيل كل من في الفيديو ومعهم عُمر "اللي ملوش فيها" للمحكمة العسكرية، وحكم على 8 بالإعدام، والمؤبد لـ ١٢ من بينهم "صُهيب وعُمر" والسجن 15 سنة لـ6 متهمين.
***
تذكرنا قصة "عُمر" بقصة الفتى الذي كان يمر بجوار سيارة الشرطة يوم 25 أبريل الماضي، في ميدان المساحة، ولكنه فوجئ بأحدهم يسحبه ويضعه فى "بوكس" الشرطة، ليجد نفسه محكومًا عليه بالسجن 5 أعوام بعد 19 يوم فقط من المحاكمة؛ فلم يشفع له الفيديو الذي انتشر ليوثق حالة من حالات القبض العشوائي، ولم يشفع له بُعده عن السياسة، وكُتب عنه في تحريات أمن الدولة أنه منتمي لجماعة محظورة، هكذا بكل بساطة، وحَكَم القاضي بُناءً على "لا شئ"
فعُمر، كل ما ارتكبه أنه صديق صهيب، وأُخذ معه "فوق البيعة".
أما "صهيب" فكل الاتهامات التي اتهم بارتكابها؛ حدثت وهو يقضي فترة سجنه الأولى. وهو برره أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية، قائلًا: " أن وجوده في السجن لا يمنع اشتراكه في جرائم أخرى، وأن عضويته بالخلية الإرهابية بدأت قبل اعتقاله".
حكى شقيق صهيب عما حدث له في فترة اختفائه من تعذيبه وتوثيق يديه من الخلف، وتعليقه كالذبيحة في سقف الزنزانة، وصعقه بالكهرباء. كل هذا كفيل بأن يجعل المرء يعترف بأنه فجّر برجي التجارة.
وقالت شقيقة عُمر بعد زيارته لأول مرة "أنه اعترف بجرائم لم يرتكبها بعد تعذيب استمر 3 أيام، وأن علامات الكهرباء كانت واضحة في كل مكان في جسده. وأنه فقد السيطرة على أعصابه، ويده اليمنى كانت لا تتحرك.
حوكم كل من في قضية عُمر وصُهيب بتهمة أنهم“كانت لديهم نية لارتكاب جرائم إرهابية”.. فعاقبتهم المحكمة العسكرية بالإعدام والمؤبد والسجن 15 عامًا على نيتهم، ولم تعاقبهم على جريمة ارتكبوها، في قضية بلا أدلة أو أحراز.
***
عزيزي المؤيد للنظام الحالي، أَعْلم جيدًا، أن أول ما سيخطر ببالك عند قرائتك أي كلمات لي عن أي سجين، حتى لو قبض عليه عشوائيًا، هو "كيف ستتفنن في قذفي بالأب والأم وبكل من خلفوني. لأنك ستظن أنني أحاول التشويش على انجازات السيسي "الوهمية" خلال عامين من القهر والفقر والدماء والاعتقالات.. ولكن دعنا نتساءل معًا عن بعض الأسئلة المنطقية:
عزيزي محب الاستقرار؛ ألا تظن أن هناك جهة ما داخل الدولة، لا تريد للوطن الاستقرار، وتريد للفوضى أن تستمر وتتعمد تلك الجهة صناعة الإرهاب؛ بعد هذه الأحكام الغير طبيعية؟
هل ما زلت تصدق أن مصر خالية من الاختفاء القسري؟
بعد اعترافات الشباب بجرائم خطيرة وبعد تعذيب دام أيام؛ أما آن الأوان أن تعترف بوجود "تعذيب" داخل السجون؟ أو تعترف بأنك تؤمن بأن التعذيب شئ ضروري طالما أنك لم تتعذب بعد؟
ما زلت تظن أن كل من في السجن اخوان؟ حتى بعد أن حكم بالمؤبد على أحد المعتقلين عشوائيًا؟
أفلا يمكننا القول بأن جهاز أمن الدولة يكتب تحريات بشكل جماعي وعشوائي عن الناس، بعد أن كتب تحريات عن الفتى الذي اعتقل لمروره بجوار سيارة شرطة بأنه منتمي لجماعة محظورة وشارك في تظاهرات تدعوا لقلب نظام الحكم؟
*ممكن تقفل عقلك وتفتحه تاني يمكن يشتغل؟!