رويترز |
"حتى الآن لم يتم إعلان أسماء المرشحين لمنصب الرئاسة، واكتفوا بإعلان اسم الفائز"
(جلال عامر)
كنت أشعر حينها بالتفاؤل إلى حد السذاجة عندما أعلن المحامي خالد علي ترشحه لانتخابات الرئاسة، اعتبرت أن حضوري في مؤتمر إعلانه الترشح للرئاسة واجب، من أجل الفقراء، والعمال، والفلاحين، والموظفين، ومصرية تيران وصنافير، وأحلام مترهلة لا تنتهي. كنت أتفق حينها مع من قالوا إن المشاركة في الانتخابات واجب من أجل ما يطلق عليه "تحريك المياه الراكدة".
أدركت مؤخرًا أنها ليست مياه، وليست راكدة، إنه وحل، طوله 7 آلاف سنة، مليء بـ"روث الحكام"، وفي أسفله يجلس ملايين البشر، يشاهدون التلفاز، ويتحدثون عن التقدم الهائل في كرة القدم، وأحدهم يقول "الحمد لله، إنه فخر العرب وأفريقيا"، وآخر يرد "انظر كيف يجري في الملعب؟ ثم تسقط على رأسه "قطعة روث" من حاكم عربي، فيزيحها، ويكمل حديثه عن إنجازاتنا في كرة القدم.. "بسم الله ما شاء الله، أنظر كيف استلم الكرة على صدره، وكيف ابتلعها بمؤخرته؟!".
مما لا شك فيه.. أننا في عام 2018، وما زال هناك من يكتب مقولة "مما لا شك فيه" مع أن كل آرائنا تحتمل الشك، إن دل على هذا على شيء فإنما يدل على أننا لم نتقدم خطوة واحدة، وبما أننا لم نتقدم، فدعوني أكتبها مرة واحدة في حياتي، وأقسم لكم أنها المرة الأولى والأخيرة التي أستعين بهذه المقولة "المتفزلكة" التي تشعرني الآن أنني كاتب في جريدة ورقية حكومية ويجب أن أكتب المقال "اسطمبة" واحدة، وكأنني أصنع قميصًا ولا يمكنني تجاوز قصة "الجيرو" مثلًا، لأنها من ضروريات صناعة القميص؛ ومن ضروريات الكتابة في جريدة حكومية أن نستعين بهذه المقولة الواثقة.
"مما لا شك فيه" أن خالد علي شفّاف؛ لا يراه هؤلاء الذي يجلسون في المنازل ليستمعوا إلى عويل أحمد موسى، وشخير عزمي مجاهد، وصراخ عمرو أديب، وتطبيل معتز عبفتاح؛ لا يراه إلا أنا وبعض الأصدقاء، وبعض متابعي القنوات العالمية، ورواد السوشيال ميديا.
إنه شفاف، لا تراه كل الجرائد الخاصة والقومية، ففي هذا اليوم نشرت الجرائد المصرية بإجماع صور عبد الفتاح السيسي على صدر صفحاتها الرئيسية، وما زال المفتش كرومبو يبحث عن صورة واحدة للمرشح المحتمل، خالد علي، ولكن كرومبو لم يحصل عليه في الجرائد، ولن يحصل عليه، لأنه شفاف! مبنى ماسبيرو بأكمله، بما فيه من قنوات مرئية ومسموعة ومحسوسة، دينية وثقافية ورياضية وجنسية، لم ينطق اسم خالد علي حتى الآن، ولن ينطقه ما حيينا، لأن خالد علي شفاف! ليس معنى وصفي لـخالد علي بأنه شفاف أني أحاول إهانته، وهو نفسه يدرك جيدا كم أحترمه، ولكنه وصف للواقع، هناك ملايين لا يعلمون أن هناك مرشحًا اسمه خالد علي ترشح للانتخابات، بل هناك ملايين يؤمنون بأنه من رابع المستحيلات أن يشهدوا طوال حياتهم رئيسا غير عبد الفتاح السيسي.
وفي البرلمان، الذي لا أحب أن أُطلق عليه اسم "مجلس الشعب" لأني لست من هواة الكذب، تجمع النواب في "بهو الشورى" بمقر البرلمان، حيث كانت القاعة مجهزة بطاولات، على كل طاولة يجلس موظف باستمارات مجهزة بالنموذج الذي أعدته الهيئة الوطنية للانتخابات، وبدأ السادة أعضاء السيد الرئيس، عفوًا، أعضاء النواب، بملء استمارات التزكية للترشح للانتخابات الرئاسية، وكانت كلها تصب في مصلحة مرشح واحد، عبد الفتاح السيسي. لم ترصد جريدة أو موقع إلكتروني أو مطعم كبدة جملي أن هناك عضوا من أعضاء السيد الرئيس قرر دعم خالد علي. هل يعني هذا شيئا سوى أنه شفاف؟!
رغم أني أعمل بمجال الصحافة، وأؤمن بأنه لا يجب على الصحفي أن يعلن عن رأيه في مثل هذه الانتخابات، إلا أنني كنت أتمنى دعم خالد علي بكل ما أوتيت من قوة، لأني شفاف مثله، ولأن كل من يحلم في هذا الوطن بوطن، وكل من يطالب بالحقوق، وكل من يطالب بالحياة، شفاف.
لا أريد أن أكسر من آمال أحد هؤلاء الذين انضموا إلى حملة خالد علي، وأعلم جيدًا أنهم يريدون تحريك المياه الراكدة، هذا لو استطاعوا العثور على المياه أصلًا، والحقيقة أنني أتعجب من هؤلاء الذين التفوا حول خالد ليدعموه، وأتساءل عن مصدر أملهم وتفاؤلهم، وأحسدهم أحيانًا عندما يقولون إنهم خرجوا من مبنى الشهر العقاري وحصلوا والحمد لله على توكيلات للمرشح الرئاسي خالد علي. أقسم لكم أنني لم يعد لدي أمل في القدرة على الجلوس في مقهى شعبي من دون شعوري بأن القهوجي مخبر، فكيف جئتم بهذا الأمل والتفاؤل، وكيف استطعتم إقناع أنفسكم بأنكم تحركون المياه الراكدة؟ّ!
أرفع لكم قبعتي احتراما، ونصيحتي لكم أن تستمروا في الحلم والأمل وفي أشياء أخرى، واجمعوا 25 ألف توكيل من 15 محافظة في 9 أيام، واكتبوا على وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا عن خطتكم لحكم البلاد وعن برنامج خالد علي الاقتصادي. افعلوا كل ما يحلو لكم، وتفاءلوا بالخير كما شئتم.. ولكنكم لن تجدوه.
محبتي..