قضيت ليلتي مع "نعجة" جميلة، ولكني لم أستطع معاشرتها لإصابتي بالاكتئاب؛ بَاحَت النعجة لزميلاتها، فشَاع أمري بين معشر الخرفان، وصرت أضحوكة القطيع، وقررت الهروب باكيًا، حتى وجدت كوخًا اختبئ في من كل شيء، وفي أثناء هروبي عثرت على ورقة وقلم، ولأول مرة أكتب ما يمليه عليّ عقلي، وكنت أكتب ما يمليه علي خرفان غيري، هم أيضًا يكتبون ما يؤمرون به.
صديقي الإنسان الذي وقعت الرسالة في يده، عليك أن تُحرّر عقلك لتحافظ على إنسانيتك وألا تتحول إلى خروف.
على من يجد رسالتي ألّا يتعجب من أن خروفًا يكتب، فكنت سابقًا "بني آدم" له "مُخّ" مثل باقي البشر، لكني لم أستخدمه، حتى أن مُخ البقر كان له فائدة أكثر، على الأقل مخ البقر يأكله الناس ويدفعون في الكيلو منه 160 جنيه؛ أما مُخّي فلم يصلح للطعام حينها. لو ظللت بشرًا ودُفنت في مقبرة بشرية كانت ستأكل الديدان نفسها بعد أن تأكلني، أتعرف لماذا؟! لأن فيروس الغباء سينتقل من مخي إلى الديدان، حتى أنها لن تفرق بين جثث الموتى وبين نفسها.
صديقي الذي عثر على الرسالة؛ القصة تبدو مسلية، لكنها مرعبة، حاول ألا تصير مثلي، واعلم أن "الخرفنة" مرض قد انتشر، وأن هناك كثيرون مثلي انضموا للقطيع ولكنهم لم يفهموا ما حدث بعد، هل تريد أن تعرف ماذا فعلت لأفقد إنسانيتي وأنضم لقطيع الخرفان؟
لم أقرأ المحتوى ولم أناقش
لم أقرأ كلمة واحدة في موضوع ما، لذا عندما أتخيلك تقرأ ما كتبته حتى تصدق القصة أو تكذبها، أشكر الله أنك قد نجحت في تشغيل عقلك، فعندما كنت إنسانًا مثلك، كنت أقرأ عناوين المقالات والقصص فقط من دون اطّلاع على محتواها؛ وإذا كان العنوان يحمل طابع نقدي للنظام الحاكم، أبدأ في ترديد شتائم حفظتها كالببغاوات، وأتهمه بالخيانة لأنه شارك في حروب الجيل التاسع على الوطن، وإذا كان العنوان يحمل طابع النفاق لمن أحبهم، أنافق أنا أيضًا وأشكر في الكاتب، وأنشر ما كتبه في جروب محبي الرئيس، قائلًا "اللي بيحبوا البلد يعملوا شير بسرعة، والإرهابيين يمتنعوا". لم أناقش بالعقل أبدًا، وكنت أرد الحجة بالسبة.
معسكرين فقط لا ثالث لهما
معنا أو معهم؛ معنا يُحب الوطن، معهم فهو إرهابي حتى لو كان يؤمن بالتغيير السلمي. كنت أؤمن أن المعارضة كلها "إخوان" حتى لو كانوا مُلحدين، وأن من أحبهم كلهم شرفاء حتى السفاحين منهم، لا أؤمن بأن هناك معارضة ليبرالية أو اشتراكية ولا جماهير كرة القدم ولا شباب الثورة؛ كلهم اخوان أوخلايا نائمة للإخوان؛ رغم أن بينهم من يطالب بالحقوق والحريات والعدالة ويعترض على قرارات مجحفة تضررنا منها جميعًا. أذكر أن أحدهم اعترض على الغلاء، فقلت له "اخرس يا خروف" وأحدهم اعترض على بيع أرض مات من أجلها أجدادنا؛ فاتهمته بالخيانة. يا لسذاجتي، اتهمت من دافع عن أرضي بالخيانة ودافعت عن بائعها.
الاتّباع
سلمت عقلي لوسائل الإعلام فشكّلَته كما شَاءَت لا كما شئت، صرت تابعًا لهم، لو قالوا لي "ارمي نفسك في البحر" من أجل مصر سأفعل وأصدق أن الكثافة السكانية هي السبب في فشل النظام. صدقتهم عندما قالوا أن قرارات الحكومة الاقتصادية في صالح المواطن مع أني استغنيت عن الشامبو ومزيل العرق وصارت رائحتي عطنة، وامتنعت عن شراء كل الأشياء التي قالت عنها الحكومة استفزازية، واكتفيت بمشاهدة ملابس الشتاء بدلًا من شرائها لأن أسعارها خيالية، ومع ذلك كنت أهتف عاشت الحكومة صاحبة القرارات السليمة التي أصابت الإرهابيين. أذكر أن أحد الإعلاميين قال أن تعويم الجنيه حارق الإخوان، لأن تجارتهم سوف يضرها أذى، فصدقت ما قاله ورددته على زبائن المقهى، ولما ضحكوا بلغت عنهم في قسم الشرطة واتهمتهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان. وحينها بدأ الفرو ينمو في جسدي، ولكني ظننته مرض عابر.
الحُكم سريعًا
انظروا إلى ذقنه إنه إخوان، تخيلوا أنني كنت أحكم على كل من له لحية بأنه إخوان، حتى أنني اتهمت مسيحيًا معارضًا بالأخونة عندما اعترض على قرارات الحكومة، فالاعتراض على قرارات الحكومة جريمة يا سادة وكل من... آآآه؛ من الواضح أني ما زلت كما كنت.
التقليد الأعمى
أطلق الزعيم شعارات، وصرت أرددها مثله ليلًا نهارًا، فقد آمنت بأن العالم كله يريد تدمير الوطن، وأن العالم كله يخشى من الجنرال الحاكم، وأن مجلس رئاسة العالم يتآمر علينا، وأن جيشنا أقوى الجيوش رغم أنه لم يصنع سلاحًا واحدًا، لم يصنع إلا المأكولات ولم ينافس إلا التجار. ومع ذلك صرت مقلدًا وأردد شعارات وهمية؛ المهم نبقى كدااا، هتبقى قد الدنيا؛ تحيا 3 مرات، موتوا بغيظكم.
تصديق الأكاذيب وتكذيب الحقائق
لم أحترم عقلي يومًا، كنت أستمع يومًا إلى أحد الخرفان الكبار، وقد نسب زيفًا بعض الكلمات إلى عميل حاصل على جائزة نوبل للسلام وقال أنه يدعو المواطنين لحمل السلاح؛ ومع أني اطلعت على حسابه الشخصي ولم أرى أي كلمة تحريض إلا أنني صدقت الخروف لأنني أشبهه، ودعني أخبرك أنه ما زال لدي شك في أن هذا الرجل المحرض الذي لم يحرض عميل وخائن. كما صدقت كل من قال أن الدولار ينهار أمام الجنيه، ينهار أسود، لقد شاركت في حملة #الدولار_ينهار.
أما الحقائق كذّبتها، فلم أصدق أن الرئيس المخلوع حرامي، ولم أصدق أن هناك معتقلين، ولم أصدق أن الشرطة تعذب المواطنين، وأنكرت الإخفاء القسري رغم اخفاء ابن خالتي، ولم أصدق أن الأسعار مرتفعة.
الزيطة
كنت أدخل إلى جروب محبي الرئيس، وكان أحد الشباب الدولجية يعلن أن الحفلة اليوم على أحد المعارضين، فكنت "أزيظ في الزيطة" كنت بارعًا في التوبيخ والسباب ومتسرعًا جدًا، حتى أنني سببت والدي وقلت له "سلم على أمك" ولم أكتشف أنه "أبي" إلا بعد أن رُسم كفّ يده على قفايا!
لم أصدق أن الرئيس المخلوع حرامي، ولم أصدق أن هناك معتقلين، ولم أصدق أن الشرطة تعذب المواطنين، وأنكرت الإخفاء القسري رغم اخفاء ابن خالتي، ولم أصدق أن الأسعار مرتفعة.
التبرير
"الله عليك، معلم والله، يا جماعة هو عمل القرار ده عشان يرضى السبعة أطراف المختلفين ويقرطسهم" هكذا كنت أبرر قرارات الزعيم التي فعلها من كان يحكم قبله وكنت أعترض حينها وأطالب برحيله. فلم أنظر للقرار وايجابياته وسلبياته، فقط كنت أنظر إلى من اتخذ القرار، وإذا كان معنا أبرر بشكل لا إرادي.
***
صديقي الإنسان الذي وقعت الرسالة في يده، عليك أن تُحرّر عقلك لتحافظ على إنسانيتك وألا تتحول إلى خروف.