يجوز لأردوغان.. ولا يجوز لغيره

وكالة الأناضول


انتفضت الجماعة السلفية والأزهرية في مصر وكادت كل منها أن تعلن الجهاد لتحرير تونس من الكفر وضمها لبلاد المسلمين المتقدمة جدًا في كل المجالات، وتفرغ كلاهما للثورة على دعوات الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإباحة زواج المسلمة من غير المسلم، كما طالب البعض بإخراج تونس من قائمة الدول العربية، وكأنها مثلا ستخرج من الجنة إلى النار، ومن الحرية إلى القمع ومن التعلم إلى الجهل!
لم يبال أيًا من  الجماعة السلفية أو الأزهرية يومًا بما يحدث في مصر من انتهاكات لا حصر لها، التزم الجميع الصمت تجاه ما يحدث من فساد وسرقة ونهب ثروات البلاد، لم يفتنا أحد منهم عن حكم الإخفاء القسري أو التعذيب في السجون، أو احتكار السلع، أو طرد المواطنين من بيوتهم لإقامة مشاريع لصالح رجال أعمال؛ لكنهم وجدوا مساحة للثورة التي لن تكلفهم إلا الحناجر والتصريحات النارية على تونس فثاروا، لذا فهم لا يعنوني في هذه المساحة.

ويعنيني أكثر، هؤلاء الذين ينتهجون سياسة الكيل بـ99 مكيال ويصرون على رؤية ما يريدون  أن يروه فقط، رغم أنهم يدعون أنهم يناصرون الحريات والمدنية، ودعني أقولها بكل صراحة أنني أقصد جماعة الإخوان المسلمين، وهؤلاء انتقضوا أيضًا ضد تونس واتهموها بالعلمانية، ولا أدري ما هي نظرتهم للمدنية التي يطالبون بتطبيقها في مصر، هل تقتصر المدنية فقط على كونها أي حكم غير عسكري، وكفى!
لماذا تصر هذه الجماعة في كثير من مواقفها على تأييد الفعل لأن فاعله رجل منها، وتعارضه لو كان فاعله لا ينتمي لفصيلها؟!
فهذه الجماعة التي تؤيد رجب طيب أردوغان رئيس تركيا ظالمًا أو مظلومًا، ديمقراطيًا أو ديكتاتوريًا، علمانيًا أو ليبراليًا؛ يهاجم أنصارها دولة تونس؟!
لماذا تهاجمها؟!
لأنها تخالف شرع الله، وتساوي بين المرأة والرجل في الميراث.
ماذا لو أخبرتك أن المادة العاشرة من الدستور التركي تنص على أن "الرجال والنساء هم أصحاب حقوق متساوية، وعلى الدولة ضمان تحقيق هذه المساواة". بالتأكيد ستخبرني أن هذا الدستور من بقايا الدولة العلمانية القديمة. فماذا لو علمت أن هذه المادة أضيفت في عهد حكومة أردوغان نفسه. وأن أردوغان لم يجر تعديلًا عليها في التعديلات الدستورية الأخيرة التي من شأنها أن تعزز من سلطته في الحكم. وأن زوجته السيدة أمينة أردوغان قالت في  في المؤتمر الدولي الثاني للمرأة الباحثة في عام 2015 أنه "يجب تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين الجنسين عن طريق المساواة بين النساء والرجال". هل ستنتفض إذا ضد أردوغان العلماني؟!.. الإجابة لا.
على الأقل في تونس يمكن لمواطنيها رفض أي قانون بأي طريقة كانت، بالتظاهر والكتابة والغناء والأشعار، ولن يسجن أحدهم لأنه عبّر عن رأيه! فقد شاركت في كتابة التقرير السنوي لحرية الفكر والتعبير عام 2016 في الشبكة العربية، ولم أرصد طوال هذا العام إلا مظاهرة واحدة تم فضها بالقوة!
أكاد أجزم  بأنه لو دار نقاش بيني وبين أحد أنصار هذه الجماعة عن أهمية الحرية في تونس وتجربتها، سيلعن الحرية لأن ما يحدث  هناك لا يعجبه، وقد يعتبر أن مصر في ظل القمع أفضل من تونس!

***
لم يقتصر الأمر على ما يحدث في تونس، فنفس الشخص الذي يصرخ ويشجب ويدين قمع الحريات الصحفية في مصر، يصم أذانه ويضع على عينه غمامة سوداء؛ عندما نحدثه عن قمع الصحافة في تركيا؛ بل إنه قد يدافع عن قمع الصحافة هناك بشدة، ويتهمك بالخيانة وبأشياء أخرى لا نهاية لها. مع أنه عندما تتحدث عن تأييدك لحرية الصحافة في مصر، لا بد إذا أنك تؤيدها في تركيا وقطر وموزمبيق. لكن الواقع أنك تؤيد قمع الصحافة بقيادة أردوغان.
لطالما كره أردوغان كل وسيلة للتعبير عن الرأي لا يمكنه السيطرة عليها، حتى إنه قال أن وسائل التواصل الاجتماعي أضرّت بـ«المصالح القومية»، وهدد بسحق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك ويوتيوب" كما مارس قمع الصحافة  بزعم أن هناك محاولة انقلاب قد حدثت. فقد قالت منظمة العفو الدولية في هذا الشأن أن "ثلث الصحفيين المحتجزين في العالم يقبعون في السجون التركية" وأنه "وُضِع في السجن أكثر من 120 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام، في حين فقد آلاف آخرون وظائفهم في أعقاب إغلاق السلطات أكثر من 160 وسيلة إعلامية، فتأثير الموجة الأخيرة من تراجع الحريات التي كانت مكفولة لوسائل الإعلام واضح جلي؛ إذ إن الصحافة المستقلة في تركيا أضحت على حافة الهاوية.
لقد أصبح خوف الصحفيين من سجنهم لانتقاد السلطات أمرًا واضحًا بعدما أصبحت أعمدة صحف وبرامج تناقش الشؤون السياسية لا تتضمن حاليًا سوى أصوات معارضة محدودة، كما لا تعكس آراء مختلفة بشدة عن توجهات الحكومة، علماً بأنها كانت تحظى بشعبية كبيرة سابقًا".
إذا قررت اتهام منظمة العفو بأنها تعادي أردوغان لأنها تعادي الإسلام، فدعني أذكرك بأن السلطات المصرية تتهمها أحيانًا بالتآمر مع الإخوان لأنها تدين القمع في مصر، وكان لها موقف واضح  في إدانة السلطات المصرية بارتكاب مجزرة رابعة العدوية!

في ذات الشأن، لو كنت من هؤلاء الذين نشروا أخبارًا عن نائب مجلس الشعب المصري الذي اقترح تعديلات دستورية من شأنها أن تبقي السيسي في الحكم أطول فترة ممكنة وتهكمت على هذا الخبر وهذه الدعوة، فلا بد أن تكون واضحًا في موقفك مع أردوغان أيضَا؛ فالصناديق في تركيا قال لأردوغان نعم، ولكنه ليس أردوغان  مناصر الديمقراطية كما كان، هذه المرة كان أردوغان الذي يشبه حكام العرب إلى حد كبير، أردوغان الحاكم الواحد الذي لا يشاركه في أمور حكمه أحدا.
قالت تركيا نعم بنسبة 51.3 في المائة صوتوا بـ"نعم" لصالح التعديلات في مقابل 48.65 صوتوا ضدها. حتى لو كانت بفارق بسيط فقد قالت نعم وتم تمرير الدستور الذي من شأنه أن يبقي أردوغان في الحكم حتى عام 2029.
ومن شأنه أيضًا أن:
–  تكون ولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ويحق له الترشح مرتان متتاليتان.
– يلغي  منصب رئيس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور.
– لا يقطع رئيس الدولة صلته بحزبه.
– لا تجري الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات.
– يرفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600. ويتيح هذا التعديل إلحاق أكبر عدد ممكن من الحزب الحاكم للبرلمان.
– المرشح الذي يحصل على أغلبية مطلقة في الانتخابات يفوز بمنصب الرئاسة.
– رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم.
– يعرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية.
– يحق للرئيس إصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية.
– تسقط العضوية البرلمانية عن النواب الذين يتم تعيينهم في منصب نواب الرئيس أو وزراء.
– يمكن للرئيس التدخل لحل البرلمان.
– يحق للرئيس أن يتدخل في القضاء الذي يتهمه بالخضوع لنفوذ رجل الدين فتح الله غولن الذي حُمِّل مسؤولية الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا في شهر يوليو عام 2016 لكنه نفى التورط في الانقلاب.
– يحق للرئيس تقرير ما إن كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا.

إذا كنت تؤيد الإجراءات التي اتخذها أردوغان ضد الحريات، وتعارضها في بلاد أخرى، فلم لا تتصارح مع نفسك وتعلنها صراحة أنك لا تؤيد حريات ولا يحزنون؟!

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة