عندما تهتم الحكومة بالكتاكيت


تصوير: حازم جودة


(1)

لم تنطلق في رومانيا مظاهرت حاشدة منذ أن سقط الحكم الشيوعي عام 1989، كهذه المظاهرات التي خرجت في فبراير 2017 بسبب قانون أقرته الحكومة في يناير من نفس العام، ومن شأن القانون أن يخفف العقوبات على جرائم الفساد والإهمال.
بحسب وسائل إعلامية؛ خرج إلى الشارع نحو نصف مليون متظاهر روماني للاحتجاج على هذا القانون. ونجح الشارع الروماني في إلغاء العمل بهذا القانون، ورغم ذلك لم يهدأ الشارع، وطالب بإسقاط وزير العدل، فلورين يورداش، وهو ما حدث بالفعل؛ فقد أعلن الوزير استقالته.
لم تتوقف المظاهرات رغم استقالة الوزير أو إقالته، وظهرت مطالبات بإقالة الحكومة، وهو ما جعل الرئيس الروماني "كلاوس يوهانيس" (7  فبراير 2017) يعلن أمام البرلمان أنه يرغب في استقالة الحكومة لتسوية الأزمة الناجمة عن محاولة تخفيف قوانين مكافحة الفساد والإهمال.


التهاون في معاقبة المهمل والفاسد من شأنه أن يقيل حكومات بأكلمها. هذا ما آمن به الشعب الروماني.
(2)


قدم رئيس وزراء كوريا الجنوبية شونغ هونغ- استقالته في إبريل 2014، على خلفية حادث غرق عبارة ركاب في الشهر ذاته، ما أسفر عن وفاة عدد من المواطنين. وألقى كلمات يبدو أننا لم ولن نسمع مثلها في وطن عربي على لسان أحد قادة هذه الأوطان، حيث اعترف بأنه مخطئ واعتذر للشعب قائلًا "أقدم اعتذاري لأنني لم أتمكن من منع وقوع هذا الحادث ولم أتمكن من التعامل بالشكل الصحيح مع نتائجه".
مضيفا "شعرت، أنني كرئيس للوزراء، يتعين علي أن أتحمل المسؤولية وأن أستقيل".
واعترف الرجل بأنه لم يكن يصلح لهذا المنصب؛ وقال: "أردت أن أستقيل قبل الآن؛ ولكن الأولوية كانت لإدارة الوضع وارتأيت أن المسؤولية تقتضي أن أقدم المساعدة قبل أن أرحل؛ ولكني قررت الاستقالة الآن كي لا أكون عبئا على الحكومة".


هل يمكن لأصحاب الخلفيات العسكرية في الأوطان العربية الاستقالة والاعتراف بأنهم لا يصلحوا لأية منصب، وأنهم لا يريدون أن يكونوا عبئًا على الدولة؟!


(3)


أما رئيس وزراء نيوزيلندا "جون كي" رأى أن حياته العائلية ستشغله عن كثير من أعماله السياسية في منصبه،  وأن ضميره لا يسمح له بأن يشغله أي أمر مهما كان؛ عن المنصب الهام الذي حصل عليه؛ كي لا تحدث كارثة أثناء انشغاله بأشياء غير منصبه، وأعلن استقالته في  ديسمبر 2016، بعد 8 سنوات من منصبه. وبالمناسبة كان الرجل يتمتع بشعبية كبيرة في بلاده؛ واستطلاعات الرأي في نيوزيلندا أشارت إلى أنه كان سيفوز في الانتخابات للمرة الرابعة ليشكل سابقة في تاريخ البلاد.
وقال في مؤتمر صحفي أثناء تقديم استقالته: إنه "أصعب قرار اتخذته في حياتي، ولا أعرف ماذا سأفعل بعد ذلك"، وأضاف: "على الرغم من تجربتي الاستثنائية في السياسة لم أعتبر يومًا أنها مهنتي".
وتعليقا على ذلك، قال: "إذا بقيتم في السلطة لتحطيم أرقام قياسية فأنتم تبقون لأسباب خاطئة".
وهذا الرجل الذي قدم استقالته لأسباب عائلية، قد بلغ الاقتصاد النيوزيلندي في عهده 240 مليار دولار نيوزيلندي (نحو 170 مليار دولار أمريكي)، في أعقاب الأزمة المالية العالمية وزلزالين مدمرين في مدينة كريستشيرش.


(4)


يؤسفني أن أخبركم أن حياة أي مخلوق على وجه الأرض مهمة جدًا؛ أي مخلوق، حتى الحيوان؛ وهذا بالطبع في دول فقط لديها قليل من احترام الإنسانية وتطبيق الرحمة وإقامة العدل، فقد استقال سياسي من منصبه في صقلية، بعد التقاط صورة له وهو يحاول التخلص من 4 كلاب صغيرة تركهم في الشارع، مما عرض حياة الكلاب للخطر، وذكرت صحيفة "لا سيسيليا" الإيطالية، أن هذا السياسي هو  "فيتو ديكارا" مساعد عمدة بلدة كالتاجيرون بصقلية للشؤون الثقافية والرياضة، جرى تصويره بواسطة كاميرات الأمن في منزل قريب، أبلغ مالكه الشرطة.
ويرجح أن يدفع هذا الرجل المستقيل بسب 4 كلاب، 10 آلاف يورو غرامة أو يسجن سنة كاملة، نظرًا لأن عقوبة التخلي عن الحيوانات في إيطاليا السجن لمدة سنة أو غرامة بقيمة 10 ألاف يورو.
ولا أدري عقوبة التخلي عن 90 مليون بني آدم؟!


(5)


شهدت مصر مآساة بشرية جديدة، الجمعة؛ حيث تصادم قطارين بمدخل سيدي جابر مما أدى إلى وفاة  49 مواطنًا، وإصابة ما يزيد عن المائة شخص.


إذا قارنا الأمثلة التي ذكرناها في دول متعددة ونظرنا إلى ما قاله وزير النقل هشام عرفات، وعدم اعترافه بتحمل أي مسؤلية تجاه حادثة القطارين، وأنه راض عن نفسه تمامًا؛ لأدركنا أننا بالفعل شبه دولة.
ولا أدري ماذا فعل الوزير حينما انتشر فيديو لمجموعة من سائقي القطار قبل الحادثة بثلاثة أيام وهم يدخنون الحشيش ويرقصون في كابينة القطار، وكأنهم في فرح شعبي، ولا يهمهم حياة مئات الركاب في القطار، ما الإجراء الذي اتخذه الوزير لتعديل أي شئ؟!


أما عبد الفتاح السيسي، الذي يظن نفسه مديرًا لشركة، ويحاول أن يجعلها تكسب قدر الإمكان، وأن تدخل له أموالًا عن طريق وضعه يده في جيب الشعب؛ فقد رأى أن الأموال أو المليارات التي سيدفعها -ندفعها- من أجل تطوير السكة الحديد؛ لو وضعها في البنك سيستفيد من فوائدها أكثر، إنها عقلية تفكر في الربح فقط؛ والربح لمن؟! نترك لكم الإجابة!
لا تفكر هذا العقلية أبدًا في حياة الناس، وكيف تفكر في مصيرهم وهي متورطة في قتل آلاف بالتصفية الجسدية خارج إطار القانون.
حينما ننظر إلى رجل في بلاد ليست بعيدة عن بلادنا وهو يحاكم من أجل 4 كلاب لم يموتوا؛ وننظر إلى حالنا في مصر حيث أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد حوادث القطارات فى 2016، وصل إلى 1249 حادثة؛ سندرك حقيقة ثابتة وهي أن حياتنا رخيصة جدًا.
رخيصة لدرجة أن الدولة لم تعلن الحداد على ضحايا الإهمال، ولم يُقدم أي مسؤول حقيقي إلى المحاكمة حتى الآن، ولكن كل ما في الأمر أنه في يوم السبت بعد الحادثة مباشرة استقبل مطار أسوان في احتفال رسمي 40 ألف كتكوت انجليزي في حضور السيد اللواء محافظ أسوان.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة