(شارع محمد منصور/مصر، تصوير: جيني ماثيوز ) |
إذا كنتم ممن يناضلون لجلب بعض الجنيهات، ومن أجل البقاء أحياءً في تلك الدولة الظالمِ حكامها، ستصير حياتك خلف جدران السجون شبه مستحيلة، فلن تقدر على التكاليف المضاعفة التي يتكفّل بها أهلك، لأنك صرت عاطلًا عن العمل الذي كان أجره ينتهي في منتصف الشهر، ففي هذا العالم عليك أن تحذف من قاموسك كلمات تسمعها في وسائل الإعلام مثل قانون، ودستور، وحقوق، ولائحة وغيرها من الكلمات لا يتمتّع بها سوى أبناء، المستشار أحمد الزند، من "القضاة الفاسدين"، وضباط الداخلية، وجنرالات الجيش، أما إذا نطقت بها خارج السجن فربّما تتعرض لوضع عصا أسفل ظهرك من طرف أحد مخبري الشرطة، فما بالك لو نطقتها خلف جدران السجون.
هل أتاك حديث العالم الذي تتحكّم فيه علب السجائر، هذا العالم الذي إذا أردت أن يمنحوك فيه بعض الحقوق التي كتبوها فى قوانينهم الوهمية لاكتمال شكل الدولة الوهمية، فعليك أن تعطيهم كثيراً من سجائرك في شكل رشوة بديلة للنقود، وفي نهاية كل أسبوع سيحوّلون تلك السجائر إلى نقود عن طريق بيعها لأحد التجّار بسعر بخس (جنيهات معدودة).
يجب عدم خُلُو حوزتك من السجائر حتى لو لم تكن مدخنًا، كي يُسمح لك بالحصول على بعض الرفاهيات داخل السجن، حسب نوع سجائرك وكثرتها، والرفاهيات هنا أقصد بها على سبيل المثال؛ غطاء شتوياً، وبعض الأدوية والمنظّفات والملابس، وربّما الجرائد، والكتب، والأوراق، وإذا كنت من كبار السن ستحتاج إلى إدخال ملابس نظيفة في كل زيارة، لأنك لن تقدر على تنظيف ملابسك بالصابون الميري، وكل هذه الأمور رغم بساطتها إذا أردت الاستمتاع بها، فعليك أن تجهّز سجائرك فورًا لإعطائها للمخبرين والشاويشية وأمناء الشرطة.
لا تظن أن نجاحك في إدخال هذه الأساسيات معناه أنك لن تحتاج إلى محاولة إدخالها مرّة أخرى، فأنت ستحتاج إلى محاولة إدخال كل هذه الأساسيات 12 مرّة في السنة على أقل تقدير، لأن الداخلية ستسرقها تحت مسمى "تفتيش الزنازين" لتدفع السجائر مرّة أخرى. وهذه وسيلة قذرة يطلق عليها الجنائيون "حرب الاستنزاف".
ومصطلح "تفتيش"، هو المصطلح المكتوب على الأوراق الرسمية، أما المصطلح المتداول في السجون من أول مساعد وزير الداخلية لمصلحة السجون المعروف بـ "الجلّاد"، إلى أصغر شاويش في السجن تسمى "التجريد".
تتعرّض الزنازين بشكل مستمر لحملة تجريد مصغّرة، وهي الحملة التي يتزعّمها رئيس مباحث السجن ومأمور السجن، استعدادًا لحملة التجريد الكبرى التي تتزعّمها مصلحة السجون بقيادة الجلاد "حسن السوهاجي"، والتي تأتي على الأخضر واليابس.
أما حملة التجريد التي تتزعمها مصلحة السجون فهي كالآتي:
بعد صلاة الفجر مباشرة ستستيقظ على أصوات غليظة تسبّك بأمك وأبيك، وستسمع صوت عصا يرتطم بباب الزنزانة الحديدي بشكل مزعج، وصوت أحدهم يردّد "تفتيش، تفتيش، تفتيش" ثم يأمرونك أن تجلس على الأرض وتنظر إلى الحائط وتضع يديك خلف ظهرك وتشبكهما، وإذا أتيحت لك الفرصة لرؤية من اقتحموا الزنزانة ستجدهم ملثّمين يرتدون السواد، الفرق الوحيد بينهم وبين جماعة "داعش" هو أن أفراد التنظيم الإرهابي يحملون سيوفًا، وهؤلاء يحملون في أيديهم بنادق الخرطوش والغاز المسيل للدموع، ثم يأمرون الجميع أن يخرجوا من الزنزانة في شكل طابور ثم الجلوس على الأرض مرّة أخرى.
وستجد أحدهم يعطي أوامره للمساجين قائلًا، إنه على من تلمس العصا ظهره، أن يخلع ملابسه فى ثوانٍ معدودة، ويرتدي البدلة الميري فورًا، وبعد أن تتم عملية الخلع يمر عسكري لوضع الملابس في حقيبة كبيرة كانت ملك أحد المساجين، وطبعاً لن تراها مرّة أخرى.
ستجلس خارج الزنزانة نحو ساعتين أو ثلاث، حسب الأشياء التي دفعت من أجلها السجائر، وفي النهاية ستدخل إلى الزنزانة لتجد أن ملابسك قد اختفت، وسجائرك، والبطانيات، والأحذية. وأن الأشياء التي تفضّلوا بتركها لا تصلح للاستخدام بعدما دمروها.
وإذا كنت في الصيف، فسيسرقون المراوح الهوائية التي اشتراها لك ذووك، وفي الشتاء لن يتركوا أي بطانية ملكي ولا وسادات ولا ملابس شتوية، على كل حال عليك بعد حملة التجريد أن تعيش كما يعيش الكائن البدائي فى تلك الزنزانة الفارغة من كل شيء.
ولو مرّ اليوم من دون أن يأخذوا بعض المعتقلين إلى أماكن مجهولة، فهذا معناه أن اليوم قد مر بسلام، ثم تعاد الكرة من جديد، وتُحاول إدخال "الرفاهيات" من جديد، وتدفع سجائرك لقاء ذلك، وتسرقك مصلحة السجون من جديد.