جلسوا في صومعتهم التي
بنيت من بَلَح، يعبدون فيها من دون الله ما يضرهم ولا ينفعهم، ويقولون هذا شفيعنا،
هذا زعيمنا، هذا أبانا، هذا إلهنا، وفي أثناء عبادتهم له كتبوا بروتوكولاتهم
البطيخية، والتي بناء عليها أُطلق عليهم "بني بطيخ" وصار بنو بطيخ طائفة فريدة من نوعها لها طقوس غريبة،
وأفعالها كوميدية جدًا، ومبكية أحيانًا لأبناء الوطن، ولكنهم أغبياء أكثر من حيوان
"البيسون" النادر الذي اختفى في ظروف غامضة وظهر بعد 250 عامًا فقتله
صياد ألماني، هذه ليست قصتنا.. انتشرت قبيلة بني بطيخ من المحيط إلى الخليج.
وعندما قابلت أحد أبناءها
صدفة قلت له: -حدثني عن معتقداتكم الرائعة، وخلفياتكم الفكرية التي تؤمنون بها
جميعًا؟
وفجأة دخل صاحبنا في خطبة
طويلة وقال:
- إذا أردت الانضمام إلى
بني بطيخ، فعليك ألّا تناقش ولا تجادل لأنك ستشفل، وخاصة إذا لم يكن لديك حجة،
وعليك عندما تناقش أحدهم أن تسبه فورًا بأبيه وأمه وخالته وعمته.
ولما نظرت إلى السماء
أفكر فيما يقوله هذا الرجل، قال:
- لا تُفكّر؛ فالتفكير
أخطر شيء على انتماؤك لجمهورية البطيخ، ولا مكان هنا للمفكرين والمثقفين والكُتاب،
هناك مكان لهم في السجون فقط.
قلت: ولكن هناك أفكار
مختلفة عنكم.
قال: ومن يجرؤ على
الاختلاف معنا، هل جننت؟! عليك أن تتهم من أعماق قلبك كل الإسلاميين والناصريين والملحدين
والشيوعيين والليبراليين وعبدة الأبقار وبائعي البطاطا بأنهم ينتمون إلى جماعات
إرهابية، لو تفوهوا بكلمة واحدة ضد مصلحة بني بطيخ، أو ضد الرئيس أو الملك أو
الإله.
قلت: ولكن العالم ي..
فقاطعني مندفعًا: علينا
أن نخالف العالم دائمًا، ولو أجمع العالم كله على أن البطيخ الذي يعطيه الزعيم
لنا، لونه أبيض وطعمه ماسخ، سنقسم بالله أن البطيخ أحمر وطعمه رائع، وأن العالم
يتآمر ضدنا، إنه نوع من أنواع الوطنية الخمسة عشر.
سألته عن الأربعة عشر
المتبقية من أنواع الوطنية، فأخبرني أنه لا يتذكرهم.
ولما تحدثنا عن الغلاء
وعدم إمكانية الزاوج الآن، قال: عليك أن تعلم بأن الجميع يمارسون الجنس من أجل
الحفاظ على سلالتنا ومن أجل ألا ننته، وكي يولد من يورث أفكارنا حتى تبقى ممتدة من
المحيط إلى الخليج، ولا يتقدم أحدهم إلا فيما نريده فقط.
قلت: ولكن شقيقي سيعترض.
قال: سلم شقيقك لقوات أمن
البطيخ، وطالب بإعدامه لو كتب شيئًا ضد الزعيم؛ لأن كل ما يحدث لنا من خراب
وانتكاسات وفقر وجهل وارتفاع أسعار؛ لا ذنب لزعيمنا فيه، نحن السبب في كل ما يحدث،
وكان الله في عون الزعيم.
وفي ليلة صرح أحدهم
تصريحًا ناريًا في وسائل الإعلام والصرف الصحفي وقال صارخًا: "فليستمع كل كائن على هذه الأرض
لنا لأننا قادمون؛ نحن العرب، وخاصة بني بطيخ، لقد اتخذنا خطوة جريئة وغير مسبوقة،
وسمحنا للمرأة بقيادة السيارة، ولا نريد أن نسمع صوتًا لشعب اليابان مرة أخرى عن
ازدهار بلادهم في الصناعة، ولا من الصين عن الزراعة، ولا من أمريكا عن
الحرية، ولا من ألمانيا عن التعايش، ولا من فرنسا عن الديمقراطية، ولا من روسيا عن
السلاح، ولا من البرازيل عن كرة القدم، ولا من الهند عن العزيمة.. لقد بدأت المرأة
في قيادة السيارة، وبدأ حكام العرب في قيادة شعوبهم إلى السجن، وكله يصب في مصلحة
المواطن العربي.