تصوير: إسلامة أسامة، أحمد جمال زيادة |
كان يجلس في المقعد الذي
يلي مقعدها، في إحدى وسائل المواصلات العامة، ويده اليسرى تزحف إلى الأمام كلص
يحاول السرقة، ويحاول الوصول لأي جزء من جسدها كي يضع يده عليه ويستمتع كـ
"ثعلب فنك إفريقي" فراءه سميك يتغذى على القوارض والحشرات ولونه أصفر
رملي يشبه الصحراء مما يساعده على التخفي وصيد فريسته ليلًا..
لم تكن الفتاة ترتدي فستانًا أو تنورة
قصيرة أو ملابس ضيقة أو شفافة، ولو كانت ترتدي أيًا من هذا، فلا يمكن اعتباره
مبررًا للتحرش، لأن التحرش لا علاقة له بجمال المرأة أو شكل ملابسها، ولكن له
علاقة وثيقة بحقارة المتحرش..
قال الراحل جلال عامر
رحمه الله: "المجتمع لا يهمه الجائع إلا إذا كان ناخبًا، ولا يهمه العاري إلا
إذا كانت امرأة"..
ولو أن العري مبررًا
لتحرش الذكور بالنساء، لتحولت شوارع وميادين أمريكا مثلًا إلى ميادين اغتصاب
جماعية.. وعلى كل حال كانت الفتاة تختبئ من عيون المتحرشين خلف "نقاب"
فضفاض لا يُظهر من جسدها سوى عينيها!
قررت الفتاة المنتقبة أن
توثّق جريمة التحرش بالتقاط صور للواقعة، كي تأخذ حقها عندما تعلن لركاب
"الباص" أنه يجلس في المقعد الذي يليها مجرم يحاول التحرش بها، كي لا
يدّعي أنها كاذبة وتفتري عليه كما يحدث في العادة، وعندما حاولت الفتاة إعلان
حربها ظنًا منها بأنها ستنتصر، قالت بصوت عالي، أن هذا المجرم يتحرش بها في محاولة
بائسة لتحريك أي مشاعر تجاهها؛ ويبدو أنه كانت هناك حالة رضا بين الناس، على طريقة
"سبيه يمسكها يا فوزية"، حَاوَلَت أن تجعلهم يشاهدون الصور لتؤكد
كلامها، كما يحاول سجين سياسي أن يثبت لقاضي تابع للأمن أن الأمن لفق له قضية
كاذبة!. ولكنهم جميعًا شاركوا في جريمة التحرش بصمتهم واكتفوا بمشاهدتها تصرخ وكأنها
ممثلة تحاول كسر حالة الملل في المواصلات العامة، حتى من تكلم قال لها: "معلش
سامحيه" وكأن جريمتها في مجتمع عربي أنها خُلِقَت أنثى.. إن كونك ذكر في
مجتمع عربي، معناه أنه يحق لك أن تحمل عضوك الذكري على كتفك لتتحرش بالنساء
في الطرقات كيفما شئت. (حتى أن مجموعة من شمال أفريقيا "عرب" ارتكبوا جريمة تحرش جماعية في ألمانيا ليلة رأس العام الماضي، ووصلت جرائم
التحرش الجماعية إلى المدينة الأكثر تسامحًا مع الغرباء "كولن
الألمانية").
نشرت الفتاة ضحية التحرش
صورها التي وثقتها على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة منها لانتقاد صمت
المجتمع على جرائم التحرش، وأن الجميع يعدوا مشاركين في الجريمة، فهذا الذكر وضع
يده على جسدها ليشبع غريزته الحيوانية، وآخر نظر بخُبث على يد المتحرش والتزم
الصمت إمّا خوفًا أو موافقة أو لا مبالاة، وسيدة عجوز نظرت للفتاة نظرة برود وقالت
"دلع بنات"، وجمع غفير طلب السماح وقال "معلش"، وانتهى الحال
إلى أن تُرِك المتحرش دون عقاب ليبحث عن ضحية أخرى في مكان آخر..
أمّا أحد المشايخ ممن
يدعون الورع والالتزام الديني، وهو شاب لحيته طويلة كثيفة، نشر صور الفتاة على
صحفته الشخصية، وقال: "ما هذا؟!".
كان التساؤل في بدايته
يشعرني بأنني سأقرأ منشورًا عن أن الدين يرفض التحرش بالأنثى، وبأنه على أصحاب
المروءة أن يدافعوا عن النساء لو حاول أحدهم التحرش بهم، وغيرها من العظات. ولكنه
أكمل تعجبه وقال: "هل هذا نقاب بالله عليكم يا أخوة؟ لا والله ليس
نقاب!" وقال أنه تبرج الجاهلية الأولى! بعيدًا عن أن الشيخ سمح لنفسه بأن
يدخل على حساب شخصي لفتاة حاولت الشكوى للمجتمع واختار صورًا لها ليتهكم
عليها، إلا أن ردود أصدقائه كانت مرعبة، فبعضهم أعلن حزنه على على حال الأمة
الإسلامية وقال أن سبب ما يحدث فينا هو الفهم الخاطئ للنقاب! وبعضهم قال أن النقاب
كي يكون شرعيًا يجب أن يُغطي كل شيء في جسد الأنثى مهما كان صغيرًا، حتى لا يتركوا
المجال للتحرش، وقلة اعترضت على التحرش والنقاب معًا.
وهذا يعني أن الفتاة
المنقبة هي السبب في التحرش أيضًا، كيف تركت رمش عينيها يظهر للعامة؟ وجزء من كف
يدها يظهر ليثير شهوة الذكور؟!
ما فعله هذا المتدين الذي
يظن أن بينه وبين الله عمار، ماهو إلا دعوة للتحرش فعلى جميع الذكور أن يتحرشوا
بالنساء لأنهن يرتدين فساتين قصيرة، أو خصيلات من شعرهن تطير في الهواء، أو ترتدين
نُقُب مُلوّنة، كما أن هذا المتدين وأمثاله من المتطرفين يعدون من دعاة الإلحاد في
العالم العربي، وينجحون في الدعوة للإلحاد أكثر من ملحد مثقف قرأ مليون كتاب عن
الإلحاد.