مكافحة سرقة الغسيل.. والإرهاب

مصر العربية



يوميًا يستيقظ الحاج إبراهيم فى الصباح ليجد أن الغسيل قد سُرق؛ كاد أن يجن جنونه؛ فكتب ورقة على سطح المنزل "ممنوع السرقة".
ولكن الفكرة لم تكن ناجحة؛ ولم يهتم الحرامي بالورقة التي كتبها الحاج إبراهيم، فقرر بعد تفكير عميق أن يكتب ورقة أخرى يحذر فيها الحرامي وكتب فيها "تحذير هام إذا حاول أحد سرقة الغسيل سأقطع يديه وأسلخ مؤخرته، وأنفخه نفخا لم ينفخه أحد من قبل".
لكن الحرامي عندما رأى الورقة التي اعتبرها "الحاج إبراهيم" ستكافح سرقة الغسيل لم يشعر بالرعب، ولم يتوقف عن السرقة، ولم يجلس بجوار الغسيل يرتعد ويبكي خوفًا من القانون الذى قرر الحاج إبراهيم تطبيقه على من يسرق الغسيل، لأن الحاج إبراهيم عجوز كهل لا يقدر على ملاحقة الحرامي، فضحك حرامي الغسيل ساخرًا وسرق الغسيل وحبل الغسيل، وكتب على ورقة الحاج إبراهيم "لو سمحت محتاج بوكسر لونه أبيض المرة الجاية عشان هينفع فى الصيف"
حاول الحاج إبراهيم فعل أي شئ كى يثبت لزوجته أن الورقة التي كتبها ستؤدي إلى نتيجة مبهرة جدًا، وقرر أن  يتهم إبن الجيران "حمادة الغلبان" بسرقة الغسيل، وطبّق عليه قانون مكافحة سرقة الغسيل، ولكن الحاج إبراهيم قد فُضح أمره أمام زوجته وفي كل بيت من بيوت الحارة لأن الغسيل قُد سرق في اليوم التالي من معاقبة "حمادة الغلبان".
وما زال إبراهيم وزوجته يعانيان من سرقة الغسيل بشكل مستمر. أما حمادة ابن الجيران الغلبان فصار قائدًا لتنظيم متخصص في سرقة الغسيل؛ وقرر أن يسرق كل غسيل الحارة إنتقامًا من الظلم الذى تعرض له على يد الحاج إبراهيم.


***
فى يونيه 20015، قرر رئيس مجلس الوزراء "إبراهيم محلب" محاربة الإرهاب بطريقته الخاصة وبنفس طريقة الحاج إبراهيم صاحب قانون مكافحة سرقة الغسيل؛ فأصدر قرارًا بمنع ترخيص سيارات الدفع الرباعي في سيناء، على أساس أن الإرهابي يحتاج لترخيص سيارته أصلًا، فيجب على أهل سيناء أن يركبوا الجمال، أو يركبوا سيارة 128 في الصحراء، بدلًا من سيارات الدفع الرباعي وذلك دعمًا لمحاربة الإرهاب.


على نفس طريقة مكافحة سرقة الغسيل، ورغم أن الإرهابي لا يتظاهر، لا يهتف، لا يطالب، وإنما ينسف، يقتل، يبث الرعب، قررت الحكومة منع التظاهر بدعوى أن الظروف استثنائية وبدعوى محاربة الإرهاب؛ وأصدرت قانون منع التظاهر بعد عزل مرسى ليكون مبررًا لإعتقال الآلاف.
***
نتحدث عن عقلية تعتقد أن قرار منع سيارات الدفع الرباعي سيساهم فى محاربة الإرهاب، وأن التظاهر يجب أن يتوقف من أجل القضاء على الإرهاب!


فلا عجب أن يصدّق عبدالفتاح السيسى على قانون مكافحة الإرهاب فى ظل غياب البرلمان -الذى بالطبع سيؤيده فى كل قرارته- وأن يصير هذا القانون إرهابًا تمارسه السلطة الحالية ضد الصحفيين.


فيقتضى على الصحفي بعد تطبيق هذا القانون عدم التشكيك فى المصادر الرسمية بل ونقل الأخبار منها بالحرف الواحد، مع أن المصادر الرسمية فى الغالب لا تبث سوى الأكاذيب التي تحاول تضليل الشعب بها. فعلى سبيل المثال نجد أن بيان القوات المسلحة فى شهر يوليو الماضي يذكر أن عدد شهداء الجيش لم يتخطى 17 جنديا. بينما ذكرت مواقع عديدة وقتها أن عدد الشهداء قد تخطى 70 جندي؛ وهنا يجب أن يحاكم كل من نشر تلك الأخبار المخالفة لبيان القوات المسلحة، وأن يدفع غرامة ربما تصل إلى 500 ألف جنيه تنفيذا لقانون الإرهاب الجديد.


***


أعتقد أن النظام الحالى يحتاج بالفعل قانونًا لمكافحة الإرهاب ولكن  يحارب به نفسه  قبل أن يحارب به الإرهاب؛ فسفك الدماء، وتكميم الأفواه، وإخفاء الأبرياء، واضطهاد المخالفين، وبث الرعب فى نفوس من حاولوا الإنتقاد بطريقة سلمية، ومحاربة الصحافة، كل هذا ليس إلا إرهابًا يمارسه النظام الحالى.


*عن القتل والتعذيب: نشرت صفحة الحرية للجدعان  يوم 19 أغسطس 2015 عن تعذيب "صلاح عبدالحفيظ" البالغ من العمر 40 عاما فى قسم المطرية مما أدى إلى وفاته بعد أربعة أيام وهو مقيد بالحديد على سرير إحدى المستشفيات. وتعد تلك الحالة هى أجدد حالة للقتل بعد التعذيب، فصارت أخبار التعذيب والقتل فى الأقسام شبه يومية.


*عن تكميم الأفواه: فهناك آلاف خلف القضبان ممن حاولوا التظاهر ضد السلطة الحالية، أو ضد قانون التظاهر نفسه، وأشهر تلك القضايا التي لم يتم فيها إستخدام أى نوع من العنف قضية مجلس الشورى و قضية الإتحادية، والإنتقام من أحمد ماهر وأحمد دومة ومحمد عادل. وهناك أيضا أحمد بديوى طالب الهندسة الذي مر على حبسه الاحتياطى عامان دون إحالة لمحاكمة!


*عن إخفاء الأبرياء قسرياً: نجد أن "إسلام خليل" الذي اعتقلته قوات من منزله منذ 90 يوما لم تفصح قوات الأمن عن مكانه إلى الآن. وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على إسلام وشقيقه ووالده، ثم أطلقوا سراح  شقيقه ووالده، لكن قرروا إخفاء إسلام لأن أحدا لن يحاسبهم، هم من يحاسبون أنفسهم، وهم من يعتبرون أنفسهم أسيادا ومن سواهم عبيد. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فهناك مئات من المحتجزين الذين خطفوا ولم يستدل على أماكنهم بعد.


*أما اضطهاد المخالفين: فخير دليل على اضطهاد المعارضين وقمعهم، إصدار قانون مكافحة الإرهاب الحالى والذى يبث الرعب فى كل صحفي يحاول نشر أخبارا لا يرضى عنها النظام، مما قد يؤدى إلى اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة أو حبسه أو تغريمه إتاوة مالية قدرها 500 ألف جنيه.


*أما محاربة الصحافة ومحاولات إعدامها: يكشفها لنا الزميل والمصور الصحفى "محمود شوكان" الذي يقضي الآن عامه الثالث خلف القضبان دون محاكمة أو تحقيق بسبب أداء عمله، والزميل "محمد البطاوي" صحفى أخبار اليوم الذى تم اعتقاله وتعذيبه كما يروى لنا فى رسائله دون سبب سوى الكتابة، ومدير شبكة يقين "يحيى خلف" الذي يحاكم بتهمة بث أخبار كاذبة بعدما صادرت قوات الأمن كل معدات الشبكة، وغيرهم من عشرات الصحفيين خلف القضبان.


إذاً فكل عوامل بث الرعب وإرهاب الناس توفرت فى النظام الحالى، فهل يمكن للشعب أن يصدر قانونًا لمكافحة إرهاب النظام؟!

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة