أزهى عصور الكذب



بوستر حملة "عسكر كاذبون"

مصر العربية



عندما تفشل الحكومات فى تقديم خدمات مرضية للمواطنين، فى الغالب تعترف بفشلها أو تقدم استقالتها، ففى 2004 تقدم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "ميشال جوتوديا" باستقالته لاتهامه من المجتمع الدولي بعدم التصدي لأعمال العنف. ولم يدّعى أن بلاده خالية من العنف حتى لا يُكتب عند شعبه كذّاباَ.
في 2010 أعلن رئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما" استقالته من منصبه بعد 9 أشهر من الحكم لفشله في الوفاء ببعض الوعود التي قطعها للناخبين خلال حملته الانتخابية، وطبعًا لم يُحدِث شعبه عن إنجازاتٍ وهمية ومليارات ستدفق بشكل غير مسبوق، لأن الشعب اليابانى لن يقبل بمثل هذه التفاهات.
في 2014 تقدم رئيس وزراء كوريا الجنوبية "شونغ هونغ" باستقالته على خلفية غرق عبارة، وقدم مع استقالته اعتذارًا لشعبه عن عدم استطاعته منع الحادثة، ولكن شعبه لم يقبل الاعتذار، ومع هذا لم يستخف وقتها بعقول المواطنين، ولم يدل بتصريحات من نوعية "جارى التحقيق مع المسئول" لعلمه بأنه المسئول.
أما فى مصر، فى ظل نظام جديد قديم، قائم على الكذب، نعيش أزهى عصور الكذب، والذي يجب كشفه بتشغيل العقل الذي خلقه الله تعالى لنفكر به، لا لنبرّر به فشل الحكومات.


* فى إبريل الماضى أصدر المجلس القومى لحقوق الإنسان بيانًا يفيد بوجود تعذيب فى سجن أبى زعبل، ولكن اللواء "أبوبكر عبد الكريم" المتحدث باسم الداخلية ومساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان لم يجد أي غضاضة فى الإدعاء بأن العلامات الموجودة على جسد أحد المساجين ليست إلا "وحمة قديمة"، وإلى الآن لم يتمكن العلماء من معرفة الفرق بين الوحمة القديمة والجديدة.
كما أن سيادته أتحفنا فى تصريحه عن وجود تكييف فى أماكن الاحتجاز متناسيًا من يموتون فى السجون من شدة الحرارة، ومتجاهلاً الآلاف خلف القضبان ممن يحكي ذويهم عن معاناة أبنائهم بعد رفض الداخلية دخول المراوح الهوائية للزنازين. كما أن "توفيق عكاشة"، الابن المدلل لكل الأنظمة الديكتاتورية، أكد بعضمة لسانه أن درجة الحرارة فى السجون قاتلة وأنه عانى منها ومن انتشار الناموس.


* بعد اقتحام الآلاف من أمناء الشرطة لمديرية أمن الشرقية وهتافاتهم ضد وزير الداخلية الحالى ومطالبته بالرحيل، وهتافهم "الداخلية بلطجية"، لم تتعامل الداخلية مع هذا الاقتحام بما يتوافق مع قانوني التظاهر والإرهاب، ولم يتم فض الاعتصام بالقوة، وقال اللواء "أبوبكر" أن وقفة أمناء الشرطة لم تخالف القانون لأنها وقفة وليست مظاهرة. وإلى الآن لا يعلم أحد الفرق بين الوقفة والمظاهرة. ولم نجد فرقًا بين مظاهرة أمناء الشرطة وبين وقفة شباب مجلس الشورى، والاتحادية، والوقفة التي قتلت فيها الشهيدة شيماء الصباغ برصاص الأمن، سوى أن أمناء الشرطة اقتحموا مقرًا أمنيًا وحطموا محتوياته، أما الوقفات الأخرى فلم تقتحم ولم ترتكب جرمًا ومع ذلك انتهت بالاعتقال والقتل.
بعد يومين من وقفة أمناء الشرطة هدمت قوات الأمن عشش بعض الكادحين والكادحات من أهالي الدقى، ووعدت الأهالى بتسكينهم فى أماكن بديلة ولكنها لم تفعل، فاعترض الأهالى الذين لم يجدوا مأوى لهم سوى الشوارع، فما كان من الشرطة إلا تعاملت معهم  بشكل عنيف وفرقت وقفتهم بالغاز والخرطوش لأنها مظاهرة وليست وقفة. لتثبت مقولة السيسى الشهيرة: الشعب لم يجد من يحنو عليه.
على كل حال لا يعلم الفرق بين الوقفة والمظاهرة سوى الله ثم سيادة اللواء أبوبكر. وربنا يستر.


* دائما تنكر الداخلية اختطاف المواطنين والمواطنات، ولكن ظهور "إسراء الطويل"  وصديقيها "عمر على" و"صهيب سعد"، بعدما اختطفتهم قوات الأمن من الشارع وأخفتهم كشف لنا الكذب الذي أدمنته وزارة الداخلية، وإكمالًا لمسلسل الكذب بث حسابًا تابعًا للقوات المسلحة على موقع – يوتيوب - مقطعاً بعنوان "القبض على أكبر خلية إرهابية" ظهر فيه "صهيب سعد"، ذلك الفتى الذى اختطفته الداخلية  مع "إسراء الطويل"، وكانت علامات التعذيب واضحة على وجهه، واعترف ببساطة أنه إرهابى ارتكب جرائم ضد الدولة، ولا أدري كيف يظهر أى مخلوق ليقول قتلت هذا واستهدفت ذاك بكل بساطة، إلا إذا أجبر على هذا القول بعد تعذيب لا يتحمله إنسان؟! ولا أدري أيضًا كيف يصدق عاقل تلك الأكاذيب الساذجة (يذكر أن صهيب سعد وعمر محمد قد تمت إحالتهم مؤخرًا للمحاكمة العسكرية)..


* كما أن اختفاء "إسلام خليل" الذي ما زالت الداخلية تحتجزه فى مكان غير معلوم منذ أكثر من ثلاثة أشهر خير دليل على وجود اختفاء قسري بشكل ممنهج ومتعمد. وكانت قوات الأمن قد اختطفت إسلام ووالده وشقيقه واحتجزتهم فى إحدى مقرات أمن الدولة ثم تركت والده وأخيه، وإلى الآن لم يتم التحقيق مع إسلام ولم تفصح الداخلية عن مكان احتجازه.


* لا يخفى على أحد أن مدينة الإسكندرية تحولت إلى -مقلب زبالة- وأن الزبالة صارت جزءًا لا يتجزأ من معالم محافظة الإسكندرية، حتى أن جريدة اليوم السابع المؤيدة للنظام شهدت بهذا فى إحدى تقاريرها، وحتى إن لم تشهد فالشعب يعلم  أن الإسكندرية لم تمر بأيام كهذه الأيام التي امتزجت فيها شواطئ الإسكندرية بالنفايات، إلا أن الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضرى والعشوائيات أشادت بنظافة الإسكندرية، ففي تصريحها للصحافة قالت: "أشهد بأني لم أر الإسكندرية بهذه النظافة منذ سنوات" وعلينا أن نكذب أعيننا ونصدق الدكتورة ليلى!


* أما وزارة الإسكان، وما أدراك ما وزارة الإسكان، فنجد أن 12 مواطنًا من أسرة واحدة قد وقعت عليهم القرعة – العشوائية - للحصول على أراضٍ متجاورة لبعضها – بشكل عشوائي - حتى أن الرئاسة نفسها لم تصدق وطلبت فتح تحقيق فى تلك الواقعة بعد الضجيج الإع..لامى.


*أما الطالبة المتفوقة "مريم ملاك" التى حصلت على – صفر - فى الثانوية العامة ظلماً، فحاول الدكتور "محب الرافعى" وزير التربية والتعليم الإدعاء بأن الطالبة فاشلة وأنها تستحق صفر، ولكن النيابة العامة كذّبت الوزير وأثبتت أن الكنترول تلاعب بأوراق الطالبة، ثم صرح الوزير بعدها أنه سيقدم اعتذاره لو صحت تحقيقات النيابة، أما كلمة "استقالة" فحذفت من المنهج.
*في كلمة ألقاها "عبدالفتاح السيسي" عن إنجازاته المبهرة أخطأ الرجل وأطلق كلمة "تفريعة" على مشروعه الذي تكلف الاحتفال به نحو 30 مليون دولار – حسب تصريحات الشركة المنظمة للحفل - كما أعلن أن عدد السفن ازداد 15 سفينة، وأدى الازدياد إلى رجوع الـ 20 مليار لخزينة الدولة، ومعنى هذا أن كل السفينة الواحدة من الـ 15 سفينة قد ضخت فى خزينة الدولة أكثر من مليار و250 مليون!


*جهاز الكفتة. وجهاز الكفتة وجهاز الكفتة!


***
علينا أن نقاوم الكذب وألا نستسلم لهراء الحكام، حتى يعلموا أننا لسنا أغبياء بهذه الدرجة التى تجعلنا نصدق ما يقولوه بأفواههم، ونكذب ما نراه بأعيننا، علينا أن نقول الحقيقة مهما كانت عواقبها.. يقول جورج أورويل: "فى وقت الخداع العالمي يصبح قول الحقيقة عملًا ثوريًا".

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة