ترحيلات الموت

سيارات ترحيلات (الجزيرة)



المادة (55) من الدستور:
كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيا وصحيًا.
عندما تصبح أقصى أمانيك أن تنتقل من قسم شرطة إلى سجن حتى تفلت من العقاب المتواصل والإنتقام الغير مبرر، عندما تتمنى أن تُسجن لكن دون أن  ترى أطفالا يصعقون بالكهرباء، وأمهات تصرخ ويتوسلن للضباط  كى يطلقوا سراح أولادهم، وطالبات بجامعة الأزهر يعاملن بطريقة لا تتعامل بها العاهرات، وأنت عاجز عن فعل شئ سوى أن تتمنى الإنتقال من هذا الجحيم إلى جحيم أقل قسوة، ثم ترى الأمل فى سيارة الترحيلات التى تظنها جاءت لتحقق أمنيتك، إن شئت أطلق عليها سيارة الأموات.


فى سيارة الترحيلات تتمنى أن تصير أرنباً كي تعاملك الشرطة على أنك ذو قيمة ويجب المحافظة عليك!


كنت أظن أنهم ربما يرّحلون 40 شخصا ويتركون باقي المقبوض عليهم لكوني لا أرى سوى سيارتي ترحيلات فقط، ولكنى كنت خاطئاً، فهل من يصعق بالكهرباء ويجلد ويمحو مستقبل كل هؤلاء سيفكر فى العذاب الذى سيتعرض له كل هذا العدد نتيجة للتكدس فى سيارة الترحيلات؟!


تكدست مع أكثر من 30 طالبا فى السيارة، وفى الجزء المخصص لعساكر الحراسة وضعوا ثمان فتيات وهو جزء صغير للغاية لا يتسع سوى لثلاثة أشخاص من طاقم الحراسة، ورغم أننا كنا فى الشتاء إلا أن حبات العرق الصادرة من كثرة الأنفاس المتكدسة كانت تتساقط من سقف السيارة، فلست مضطرا الآن أن أصف لك كيف ستكون تلك السيارة فى الصيف، ناهيك عن زجاجات المياه التى كان يقضى بها الجميع حاجاتهم نظرا لطول الفترة التي يقضونها فى السيارة، وكانت معنا أحد المرضى بالسكر فكانت تلك كارثة لنا وله فكان يضطر أن يفرغ ماء الزجاجات على أرضية السيارة ليقضي حاجته بها.
وكان أعجب شئ على الإطلاق هو غناء الفتيات الذي امتزج برائحة البول وبعرق السيارة، فكانوا يتغنون بأغاني "الشيخ إمام" وكأنهن مرحبات بالسجن.
كنا نظن أن رحلة الضرب والانتهاكات قد إنتهت برحيلنا من قسم الشرطة، ولكن كانت ظنونا خائبة.


وصلنا إلى معسكر السلام الخاص بقوات الأمن المركزي، والذي لا يصح دستورا أو قانونا احتجاز المدنيين به.
المادة (52) من الدستور:
التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم
عندما وطأت أقدامنا على أرض معسكر السلام، سألت نفسى لماذا يطلقون عليه السلام؟! أي سلام هذا؟!
وجدنا حشودا من العساكر ترتدى السواد، وتغطى وجوهها، منهم من كان بيده عصا ومنهم من كانت غلاظة يديه لا تحتاج إلى عصا، وقفوا صفين يتطلعون لرؤيتنا، يتسابقون للفتك بنا، مررنا بين الصفين نهرول من عصا لعصا ومن كف لكف، كانت صفوف العساكر تصل طولها إلى 100 متر تقريبا. دخلنا إلى ساحة المعسكر وجلسنا وجوهنا للحائط، تحل علينا الضربات من الخلف، لا تتسائل لماذا يضربون لأنهم فى الغالب قد خلقوا بلا عقول.
المادة (51) من الدستور:
الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.
أمرونا أن نهتف باسم السيسى وأن نسب الإخوان رغم أن الغالبية لم تكن من الإخوان؛ وأن نقول بصوت عال أننا لسنا رجال وأننا عاهرات، وكانت الفتيات تقف خلفنا غير قادرات على شئ سوى البكاء على ما يحدث لنا. بالطبع هتف أغلب الشباب بإسم السيسي ونعتوا أنفسهم بالعاهرات، ومنا من رفض فكانت عقوبته أشد، وكانت الضربات تنهال عليه من كل جانب.


كانت الشرطة تحاول أن تخلق لنفسها تبريرا لما يفعلوه من ضرب فوضعوا قوانين ليست كالقوانين وأمرونا أن نخلع ثيابنا بشكل كامل فى أقل من 10 ثوانى بدعوى التفتيش؛ وما زالت الفتيات ترانا؛ وطبعا كان من المستحيل أن يتمكن أحد من خلع ملابسه فى 10 ثوانى، وكان من المستحيل أن يفلت أحد من العقاب.
وضعوا الشباب فى زنزانة واحدة وعددهم 62، والفتيات فى زنزانة أخرى، بلا غطاء، كنا نجلس على البلاط، وكان الجلوس أقصى أمانينا، فكنا نبدل أماكننا كى نستطيع الجلوس، مجموعة تقف وأخرى تجلس للنوم، وكان سعيد الحظ من يتمكن من النوم على البلاط.
ظللنا فى هذا المكان أربعة أيام.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة