"ونحن نشعر أن الخير الذي سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير؛ لأنه سيجمع شمل أبناء النوبة جميعًا على أساس من الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوى سليم؛ وبهذا تنتفي الشكوى التى كنتم تشعرون بها طوال السنين الماضية.. شكوى الانعزال، ثم شكوى تفرقة العائلة الواحدة.. أفرادها يعملون فى الشمال وبعضها يعملون فى الجنوب، سيقوم السيد كمال حسين ببحث جميع مطالبكم".
جزء من كلمة جمال عبد الناصر في أهل النوبة يناير 1960.
ناصر لم يحقق وعوده لأهالي النوبة، والسادات لم يوفر لهم مناطق تصلح للعيش وانشغل بإقامة مشاريع على أراضيهم.
ومن يومها لم يبحث السيد كمال مطالب النوبة، ولم يلتفت لها أي رئيس، لأن العقلية العسكرية لديها قناعة بأن أهالي النوبة يريدون الانفصال عن مصر.
***
قال صديق نوبي "نحن لا نريد الانفصال عن مصر، وليس علينا أن نثبت مصريتنا، لكن على من يتعمدون تهميشنا ويحرمونا حق العودة أن يثبتوا مصريتهم. لو تعلم حنين أجدادنا للعودة، لفهمت مشاعري التي ورثتها عنهم، جدّي يذهب باستمرار إلى مكان قريته القديمة وكأنها زيارة مقدسة، وجدتي ما زالت تحتفظ بمفتاح بيتنا القديم كما تحتفظ الفلسطينيات بمفاتيح بيوتهن أملًا في العودة".
***
يا شُرفاء
هذه الأرض لنا
الزرع فوقها لنا
وكل ما فيها بماضيها وآتيها لنا…
أحمد مطر
***
بعد تحرك القافلة ووصولها أول كمين شرطة بطريق أسوان - أبو سمبل، تم توقيف جميع سيارات القافلة وسحب الرخص من السائقين والبطاقات الشخصية للمشاركين وتصويرها، واستمرت هذه العملية ساعتين؛ في حين أن أي سيارة بها شخص غير أسمر كانت تمر من دون تلك الإجراءات التي كان يشرف عليها ضابط أمن وطني أو مخابرات، وطبعا الإجراء ده عمل بلبلة وقلق بين السائقين مما أدى إلى انسحاب بعضهم قبل دخول الكمين و ترك المشاركين بالشارع، بعد اجتياز الكمين و المرور بقرى منطقة "كركر" النوبية فوجئنا بوجود كمين متحرك يتكون من ضباط شرطة وأمن وطني و مخابرات، وقاموا بسحب بعض الرخص من السائقين و تغريمهم بمبلغ 3000 جنيه بسبب مشاركتهم في القافلة، وتوقيف المشاركين و منع تحركهم دون مبرر قانوني، بدعوى أن هناك أوامر عليا بعدم عبور النوبيين في طريق أسوان أبوسمبل، وعند اعتراض المشاركين، رد أحد اللواءات "اعتبروها بلطجة"، وعليه قرر المشاركين الاعتصام في المكان الذي تم توقيفهم فيه".
كانت هذه شهادة محمد عزمي أحد أبناء النوبة عما حدث لقافلة ممثلي النوبة أثناء ذهابهم للاحتجاج على انضمام الأراضى النوبية "نفرقندي" إلى مشروع المليون ونصف المليون فدان، وبيع أراضيهم التي لهم الأحقية فيها لمستثمرين.
***
سميت النوبة "بلاد الذهب"، عاش أهلها على ضفاف النيل لآلاف السنين، وتوالت عليهم عمليات التهجير القسري منذ بداية بناء سد أسوان والسد العالي، فبعد انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902، ارتفع منسوب المياه خلف الخزان إلى 106 أمتار فغرقت مساكنهم وأراضيهم الزراعية ونخيلهم وأشجارهم في 10 قرى نوبية هي "دابود، ودهميت، وأمبركاب، وكلابشة، وابوهور، ومرواو، وقرشة، وكشتمنة، شرق وغرب وجرف حسين، والدكة".
وفي 1912، ارتفع منسوب مياه الخزان إلى 114 مترًا، فغرقت 8 قرى، هي "قورتة، والعلاقي، والسيالة، والمحرقة، والمضيق، والسبوع، ووادي العرب، وشاترومة".
في 1933 بعد التعلية الثانية للخزان، غرقت 10 قرى نوبية أخرى، هي "المالكي، كروسكو، الريقة، أبو حنضل، الديوان، الدر، توماس وعافية، قتة، أبريم، جزيرة أبريم" بينما أضيرت 11 قرية نوبية وتدمرت بعض منازلها، فاضطر آلاف النوبة لمغادرة مساكنهم.
أصدرت الدولة حينها قانونًا خاصًا بنزع ملكية أهالي النوبة لأراضيهم، وتقدير التعويضات اللازمة لمواجهة كوارثهم العديدة.
وانتقل النوبيون إلى الجبال ليبنوا بيوتًا جديدة، كلفتهم أضعاف ما حصلوا عليه من تعويضات هزيلة مقابل أراضيهم ومساكنهم الأصلية التى غرقت.
وفي عام 1964، بدأ بناء السد العالي، وبدأت الحكومة المصرية في تهجير النوبيين من أراضيهم ومنازلهم الواقعة على ضفتي النيل، وأصاب التهجير نحو 100 ألف نوبي، ونقل معظمهم إلى الهضبة بمركز نصر النوبة بعد أن كانوا يسكنون على ضفتي النهر، وعند انتقال النوبيين إلى قراهم الجديدة تفاجئوا بأن نحو 65% من منازلهم الجديدة التي نقلوا إليها غير مكتملة، واكتمالًا للظلم الذي عانوه اضطروا لتسكين أكثر من أسرة في منزل واحد صغير، ولم تتوقف المعاناة، فقد تعرضت عدة قرى لانقطاع مياه الشرب الدائم، ووجود صنبور مياه واحد لجميع أهالي القرية.
***
ناصر لم يحقق وعوده لأهالي النوبة، والسادات لم يوفر لهم مناطق تصلح للعيش وانشغل بإقامة مشاريع على أراضيهم وخصصها لرجل الأعمال كي يشيدون الفنادق والقرى السياحية على أراضي أهل النوبة الذين لم يجدوا حياة آدمية في غير أراضيهم. وفي عهد المخلوع حسني مبارك كان يتذكرهم فقط في المعارك الانتخابية المزورة، وما أحقر هؤلاء الذين يعتبرون الإنسان صوت انتخابي فقط.
نظام السيسي لا يؤمن بدستور أو قانون، لا لغة لديه سوى كيف يجمع المال من أجل أن يبقى أطول فترة حكم ممكنة.
زار جمال مبارك النوبة عام 2009، وأطلق وعودا بأن قضايا النوبة تقع ضمن أولويات الحكومة والحزب الوطني، فجمال الذي حلم بوراثة تكية أبيه، قال أن من يريد العودة إلى النوبة القديمة فليعد، وأن العودة ستكون مجانية ودون مقابل لأنها أراضيهم. ولم يعد أهل النوبة.
وبعد الثورة في سبتمبر 2011، نظم نوبيون اعتصامًا أمام مبنى محافظة أسوان، للمطالبة المتجددة في العودة إلى أراضيهم.
وفي عهد مرسي لم يختلف وضع أهلنا في النوبة، إن شئت قل لم يكمل مدته، أو فشل، لا يهم المهم أن شيئًا لم يتغير، غربة النوبة عن الوطن ما زالت مستمرة، وما زالوا في نظر أصحاب السلطة أصواتً انتخابية.
وفي عهد السيسي، بدأت الكارثة تزداد، فمن يملك أموالًا فقط هو من يحق له امتلاك أراضي النوبة رغم أن المادة 236 من الدستور المصري، نصت على أن تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة ومنها الصعيد وسيناء ومناطق النوبة وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية لأولوية الاستفادة منها، وأن تعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات وذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
إلا أن نظام السيسي لا يؤمن بدستور أو قانون، لا لغة لديه سوى كيف يجمع المال من أجل أن يبقى أطول فترة حكم ممكنة.
أصدر عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2016، قرار رقم 355 لسنة 2016، والذي قضى بتخصيص 922 فدانًا مملوكين للدولة لمشروع تنمية توشكى، كما أنه أصدر سابقًا بقانون رقم 444 سنة 2014، بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية، والذي أقره البرلمان لاحقًا، وبموجبه تم تخصيص مساحات من الأراضي كمناطق عسكرية لا يجوز سكنها، وتضمنت هذه الأراضي 16 قرية نوبية.. فرأى أبناء النوبة أن حلمهم في العودة إلى ديارهم يتبخر وأن أراضيهم تُباع على المشاع، رغم أحقيتهم فيها، فقرروا الاعتصام بقرية "فورقند" النوبية بتوشكى، لكن السلطات المصرية منعت «قافلة العودة النوبية» من المرور، ومنعوا 25 سيارة محملة بمواد غذائية وخيام مخصصة للاعتصام من المرورعلى بعد قرابة 200 كيلومتر من قرية فورقند.
إن ما يحدث مع أهالينا في النوبة، هو اغتصاب لحقوقهم وأراضيهم على طريقة الاحتلال الصهيوني، فلا معنى لأن يطرد أحدهم من أرضه من أجل أن يحصل عليها رجال أعمال سوى هذا الوصف، وكالعادة انطلقت ألسنة المطبلاتية على أبناء النوبة لأنهم طالبوا بحقهم، وكما بعث السيسي في المسيحيين بابا الكنيسة وفي المسلمين شيخ الأزهر كي يصمتوا، أرسل في النوبة المشير "حسين طنطاوي" باعتباره أحد أبناء النوبة، محاولا إقناعهم بفض الاعتصام، بدلًا من محاولة حل مشاكلهم وإعادة الأرض إلى أصحابها.
إن ما يحدث مع أهالينا في النوبة، هو اغتصاب لحقوقهم وأراضيهم على طريقة الاحتلال الصهيوني.
ألم يقل عبد الفتاح السيسي من قبل أن والدته أوصته بألا يأخذ "حاجة حد"؟ وبناء على وصيتها باع تيران وصنافير للسعودية رغم مصريتهما؟ فلماذا لا يعيد أرض النوبة إلى أصحابها؟ لماذا يصر على أنها أرض حصل عليها بوضع اليد؟!