كاريكاتير "الاشتراكيون الثوريون" |
مصر العربية
"إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد ؟".. كونفوشيوس
***
ظنّ عبد الفتاح السيسي أن "التكية" التي يحكمها، يمكن أن تتحول إلى دولة بشعارات وهمية، وأغاني هابطة، وكتيبتين إلكترونيتين بقيادة "إبراهيم الجارحي"، وبجريدة اليوم السابع التي يديرها "........." الشهير، وقنوات يقودها مخبرون، وبرامج يقدمها مخبرون، ومقالات يكتبها مخبرون.
لم يدرك أن الفقراء الذين رقصوا على أبواب اللجان الانتخابية الزائفة على نغمات تسلم الأيادي المزعجة لم يرقصوا حبًا في نور عينيه، ولكنهم رقصوا من أجل استقرار وعدهم به، ورخاء اقتصادي وهمي لطالما انتظروه كثيرًا فلم يأتِ، وربما رقصوا لأن بعض رجاله كانوا يوزعون أموالًا أمام اللجان.
اعتمد السيسي في صناعة شعبيته على عنصرين أساسيين: "بدلته العسكرية، وسذاجة من سحب من تحتهم كرسي الحكم فسقطوا".
وبعد تجهيل متعمد من وسائل الإعلام، ما زال هناك من يؤمن بأن مصر تحتاج إلى رجل عسكري. وما زالت جماعة الإخوان تقع في نفس الأخطاء المتكررة المتشابهة في سذاجتها.
سانده الجيش، واحتضنت السجون جماعة الإخوان، ورغم ذلك لم ينجح؛ فشل كما لم يفشل رئيس من قبل. وبعد وصول المخبول "دونالد ترامب" لحكم أمريكا، لم يعد أمام السيسي حلٌ سوى النجاح، فلا يمكنه الآن الادعاء بأن هناك مؤامرة أمريكية، لأن بينه وبين ترامب كيميا وحب وصداقة، حتى أن إعلام السيسي احتفل بنجاح ترامب. صارت كل المبرارت غير مقبولة؛ "لا مظاهرات، لا مؤامرات أمريكية" فعليه أن يقدم شيئًا غير الفشل لحفظ ماء الوجه.
تسلم السيسي كرسي الحكم، وسعر الدولار حينها كان يساوي 7.05 جنيه، ورغم تصريحه مرات عديد بأن الدولار لن يرتفع سعره، وبأن الجنيه سيظل أسدًا في عرينه، ثابتًا كثبات أبي الهول؛ وصل سعر الدولار في البنوك حتى كتابة هذه الكلمات حوالي 17 جنيه. أي أن الدولار ارتفع في عامين فقط من حكم السيسي أكثر من ارتفاعه في عهود فاروق وناصر والسادات ومبارك ومرسي والمجلس العسكري.
***
* انتوا مش عارفين إنكم نور عنينا ولا ايه؟
* أنا لا يمكن أرفع الدعم عن الفقراء؛ وقسمًا بالله مش هرفعه غير لما أخليهم أغنياء.
* لن يحدث أي ارتفاع في أسعار المواد الغذائية حتى لو ارتفع سعر الدولار، والدولار مش هيرتفع ولا حاجة.
* أحب أقول للتجار اللي مخزنين السلع تخلصوا منها عشان الجيش هيتدخل ويرخّص الأسعار.
* عينيا على الإنسان المصرى البسيط اللى ظروفه صعبة؛ ولن يحدث تصعيد فى أسعار السلع الأساسية.
ثم تبدلت الأحوال، وتغير الخطاب إلى:
* هنجوع؟ ما نجوع ايه المشكلة يعني؟.
* لو كل واحد صبّح على مصر بجنيه هنجمع 4 مليار جنيه.
* لو سمحتم أنا عايز الفكة دي.
* والله العظيم؛ والله العظيم؛ قعدت 10 سنين ثلاجتى كان فيها ميه بس ومحدش سمع صوتى.
"الشعب لا بد أن يكون فقيرًا،الفقراء يدخلون الجنة" - عادل إمام
***
انطلقت دعوات مجهولة المصدر، لعمل ثورة فقراء في 11/11، بالنسبة لي لم تكن الدعوة واضحة، لكن صحفة على موقع "فيسبوك" تحمل اسم "حركة غلابة" يملكها شخص يُدعى "ياسر العمدة"، نصب نفسه زعيمًا للغلابة، وأصدر بيانًا من تركيا جاء فيه أن من مطالب الثورة "اعتقال رموز الإجرام والفساد الذين يمتلكون أكثر من "75" تريليون جنيه من أموال الشعب"، نعلم جيدَا أن هناك فساد متغلغل في الدولة، ولكن زعيم الغلابة الذي يجلس في تركيا امتلك قلمًا ليكتب أرقام دون دراسة أو دليل "تشغيل ٢٧٥ منجم ذهب هيجيبوا في العام الأول ٤٠٠ مليار دولار، حد أقصى 5000 جنيه، هنوزع على كل شاب 10 فدادين، 3000 جنيه لكل أسرة بدون عائل، 1500 جنيه لكل شاب عاطل" وهكذا ظل يبدع في أرقام خيالية.
بدأ أحمد موسى، الإعلامي بدرجة مخبر، الحديث عن هذه الدعوة قبل ميعادها بنحو شهرين، واستمر يوميًا في الحديث عنها وعن المخططات الإرهابية في هذا اليوم، وانتهج إعلام المخبرين نهج موسى في الحديث عن 11/11، حتى تحدث عن الدعوة أكثر مما تحدث عنها "ياسر العمدة" مدير صفحة "حركة غلابة" التي بالمناسبة هي الصفحة الأقل من حيث العدد بالنسبة لباقي الصفحات التي حملت نفس الاسم ويديرها أمناء شرطة.
لم يُكذّب الإخوان خبرًا، ورغم أنهم يعلمون أن الدعوة مجهولة المصدر، وأنه من المستحيل أن يكون الشخص الذي يدعى "ياسر العمدة" هو من جعل الدعوة تنتشر بين الناس بهذا الشكل، إلا أنهم ظنوا أن لون الأرض سيختفي من كثرة الناس التي ستخرج غاضبة، وأن الغلابة سيخرجون بلا عودة، فحمل الإخوان صور مرسي وشارات رابعة، وتظاهروا في القرى، ولم يحتشد الغلابة، وظل الجميع ينتظر ماذا سيحدث، فلم يحدث أي شئ.
***
لماذا تحدث إعلام النظام عن 11/11 وصورها على أنها طوفان غاضب؟
- الاحتفال بانتصار وهمي، وبأن الدولة التي روجت للدعوة نجحت في إحباطها.
- محاولة تشويه كل القوى المدنية وربطها بجماعة الإخوان؟ حتى أننا رأينا أحمد موسى ينشر "تغريدة" زائفة للدكتور محمد البرادعي يدعو فيها المواطنين لحمل السلاح ومقاومة سلطة العسكر في 11/11، وطبعًا سيصدق هؤلاء الذين لا يستطيعون تصفح الإنترنت، من الفقراء والعواجيز، ومن غير المتعلمين.
- تشويه الحركات السياسية التي لم يتوقف الإعلام يومًا عن تشويهها، فوجدنا أن حركة شباب 6 أبريل زُج باسمها في كل دعوات التظاهر، رغم إعلانها عدم النزول.
- الداخلية كعادتها ادعت أنها أحبطت مؤامرات إرهابية، وقبضت على خلايا كانت تخطط لإحداث فوضى في البلاد.
- نشر حالة استسلام للقمع، وإحباط عام، وتهديد صريح للفقراء، هل تسمعون صوت المدرعات في كل مكان؟ هل ترون قوتنا؟ لن يقدر أحد على التظاهر فالزموا بيوتكم. أو الزموا السجون التي بيناها. (20 سجن بعد ثورة يناير).. إنهم يمتلكون أموالًا لبناء مزيد من السجون، لكنهم لا يستطيعون إطعام الفقراء.
- رئيس الوزراء استغل البالونة التي فرقعها الإعلام، وقال أن الناس يحبون النظام، وأنهم لو كانوا غاضبون من القرارات الاقتصادية لاستجابوا للدعوات، كما قال أحمد عز قبل ثورة يناير "لو كان المواطن مكبوت كان نزل الشارع، إنما هو منزلش الشارع".
- تمرير ارتفاع الأسعار غير المسبوق في كل أساسيات الحياة، وثبات المرتبات وارتفاع سعر الدولار، وتعويم الجنيه، وانعدام السلع، ورفع الدعم، وقرض صندوق النقد الدولي الذي سيغرق البلاد في مزيد من الغلاء والفقر.
- تمرير قانون الخدمة المدنية الذي يمكنه الإطاحة بـ5 ملايين عامل.
***
ليس معنى امتناع الفقراء عن الاحتشاد أنهم راضون عما يحدث لهم، فشعبية السيسي قد انخفضت بنسبة كبيرة، إن لم تكن قد انعدمت؛ ومن لم يدرك أن الفقراء قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في لحظة غير معلومة، عليه أن يحشر نفسه في "ميكروباص" ويستمع إلى حديث الرُكاب، وسيعلم أن أحاديثهم الممزوجة بغضب وسخط لم تخلُ من "ثلاجة السيسي، ولبن الأطفال الذي احتكره الجيش، وكل الكوارث التي زادتهم فقرًا على فقرهم" ويسمع حكاوي من كانوا يومًا في طبقة تدعى "الطبقة الوسطى" وانضموا مؤخرًا إلى الطبقة الكادحة، وسيجد بينهم من استغنى عن الأساسيات من أجل أن يبقى على قيد الحياة.
الفقراء لم يتظاهروا في الشوارع لأسباب عديدة منها:
- ما زال هناك من لديه بقايا الأمل ويتعلق بوعود النظام الزائفة في خلق الاستقرار، الذي بدوره سينتشلهم من بحار الفقر، ولأن لديهم قناعة آمنوا بها نظرًا لتكرارها في وسائل الإعلام، وهي أن المظاهرات تؤدي لمزيد من الفوضى والفقر.
- يعلمون جيدًا أن الرصاص الحي سيخترق أجسادهم، وأن من يحتشد في الشوارع سيُضرب بالنار والحديد، أو يُلقى به في نار السجون، إن لم يختف قسريًا.
- الفقراء لديهم ريبة في الدعوة والهدف منها وكيف انتشرت بهذا الشكل؟ وسمعت كثيرًا عن نظرية المؤامرة بين زبائن الميكروباصات بما أنها وسيلة المواصلات المفضلة لدي (رغم أنفي).
- يعلمون جيدًا أن هناك من سيستتغل الحشد، وسيرفع صور مرسي أو رابعة كما حدث بالفعل، وفي حقيقة الأمر من يخرج رافعًا صورة مرسي (مع احترامي لكامل حقوقه في التظاهر) لا يهمه فقراء ولا يحزنون.
- كثيرون من ينامون من دون عشاء، لا أموال لديهم سوى ما يكفيهم يومًا بيوم، ولو تركوا عملهم سيموتون جوعًا.
- إنعدام الثقة في بديل لهذا النظام؟ (وبعد ما نشيله؟).
***
للأسف هذا النظام القمعي الذي لم ينجح سوى في نشر الفقر وبناء السجون، سيتخذ إجراءات عديدة مؤلمة للشعب بعد هذا اليوم الذي صنعه وأفشله بنفسه.
مزيدًا من الأزمات الاقتصادية الطاحنة ستُتّخذ بدعوى أن الناس لم يعترضوا وأنهم يتحملون من أجل مصر. فانتظروا مزيدًا من الفقر، ومزيدًا من السجون الجديدة، وقمع لا حد له.
"الفقر هو أسوأ أشكال العنف".. مهاتما غاندي
على النظام الحالي أن يدرك أن الفقر يصنع الجريمة والانتقام، وأن الفقراء لن يتحملوا كثيرًا، والصمت لن يدوم، وعليه ألا يطمئن كثيرًا، وليعلم جيدًا أن نظامًا لم يحارب الفقر؛ سيضطر لمحاربة الفقراء.