نقابيًا.. مصر على القائمة السوداء



 
رغم موافقة الحكومة على تعديل مشروع قانون النقابات العمالية رقم 213 لسنة 2017 إلا أن منظمة العمل الدولية أدرجت مصر على القائمة القصيرة  للدول التي تنتهك حقوق العمال المعروفة إعلاميا بـ "القائمة السوداء" خلال فعاليات الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي بالعاصمة السويسرية جنيف؛ بسبب انتهاك الاتفاقية 78 الخاصة بالحريات النقابية  من خلال تعارض القانون 213 لسنة 2017 لهذه الاتفاقية.

القانون الجديد

في فبراير الماضي وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 213 لسنة 2017، بشأن إصدار قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي؛ ينص تعديل المادة 11 على أن يكون للعاملين بالمنشأة الحق فى تكوين اللجنة النقابية للمنشأة بما لا يقل عن خمسين عاملاً منضماً لها والعاملين فى المنشآت التى لم تستوفِ النصاب المنصوص عليه فى الفقرة السابقة؛ وللعاملين في المنشآت التي يقل عددالعاملين فيها عن خمسين عاملًا، وكذا العاملين من ذوي المهن والحرف، تكوين لجنة نقابية مهنية عمالية على مستوى المدينة أو المحافظة، حسب الأحوال، لا يقل عدد أعضائها عن خمسين عاملاً وذلك بالاشتراك مع غيرهم من العاملين المشتغلين فى مجموعات مهنية أو حرفية، أو صناعات متماثلة، أو مرتبطة ببعضها، أو مشتركة فى إنتاج واحد، على أن تعتبر المهن المتممة، والمكملة لبعض الصناعات، داخلة ضمن هذه الصناعة، وفقاً للمعايير الدولية المطبقة في هذا الشأن.    أما تعديل المادة 12 فينص على أن يكون إنشاء النقابة العامة من عدد لا يقل عن عشرة لجان نقابية، تضم فى عضويتها خمسة عشر ألف عامل على الأقل ويكون إنشاء الاتحاد النقابي العمالي من عدد لا يقل عن سبع نقابات عامة، تضم فى عضويتها مائة وخمسين ألف عامل على الأقل.

انتقادات دولية
في يناير الماضي، أصدرت لجنة الخبراء بمنظمة العمل تقريرها النهائي بشأن مصر فيما يتعلق بتطبيق قانون النقابات العمالية 213 لسنة 2017، وأشار التقرير إلى أن تطبيق قانون النقابات العمالية أعاق توفيق أوضاع المنظمات النقابية سواء المستقلة أو ذات طابع استقلالي والتي لم توافق أن تكون تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الموالي للسلطة الحاكمة.  وطالب تقرير اللجنة الحكومة، أن تقلل الحد الأدنى للعضوية المطلوبة لتشكيل لجنة نقابية على مستوى المنشأة والتي وضعت بعدد 150 عاملا، وذلك لتضمن حق العمال للاشتراك في المنظمات النقابية من اختيارهم.  وأشار التقرير إلى تعهد الحكومة بإجراء حوار اجتماعي يتضمن كل المنظمات النقابية وممثلي منظمات أصحاب الأعمال وبعض من ممثلي المنظمات النقابية الذين لم يوفقوا في توفيق أوضاعهم لمناقشة تقليل العدد المطلوب لإنشاء لجنة نقابية لتصل إلى 50 عاملًا. في يونيو 2018 دعا سبعون اتحادًا ونقابة على مستوى العالم الحكومة المصرية إلى احترام إرادة العمال المصريين وحماية حق التنظيم مشيرة إلى أن المشهد النقابي في مصر يعود بفعل فاعل إلى ما قبل ثورة يناير. ولفتت المنظمات النقابية من دول البرازيل وإسبانيا والبرتغال وتونس وبنين وبريطانيا وإيطاليا وتركيا ودول أخرى إلى العراقيل التي وضعتها اللائحة التنفيذية لقانون النقابات الجديد أمام توفيق أوضاع المنظمات النقابية بهدف تمهيد الطريق لعودة
الاتحاد الرسمي ليحتكر التمثيل النقابي. وأكَّدَ البيان الذي جاء تحت عنوان “التضامن مع العمال المصريين” على دعمه لكفاح نقابة عمال المصرية للاتصالات الذين رفضت القوى العاملة توفيق أوضاعها، ولم يعد أمامها
سوى اللجوء للقضاء.  وعدد عمرو حمزاوي في مقال نشره مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، بعض عيوب القانون الجديد منها أنه "يلغي عملا الكثير من الحقوق والحريات النقابية وينحاز إلى الاتحاد العام للعمال المدار
حكوميا وأمنيا بينما يهمش التنظيمات المستقلة"؛ وأضاف حمزاوي "يواصل القانون رقم 213 تقييد الحقوق والحريات النقابية بالانتقاص من الاستقلال الإداري والمالي للتنظيمات النقابية التي يفرض عليها البناء الهرمي
المعتاد في مصر منذ خمسينيات القرن العشرين وتلزم بالكثير من الاشتراطات العددية التي تنحاز مجددا للاتحاد العام للعمال ونقاباته وتظلم التنظيمات النقابية صغيرة الحجم".

قمع النقابات المستقلة
في بيان نشرته حركة الاشتراكيين الثوريين تعقيبًا على وضع مصر في القائمة السوداء نقابيًا قالت الحركة "مصر شهدت العام الماضي أسوأ انتخابات عمالية في تاريخها على الإطلاق، إذ حُرِمَ عشرات الآلاف من الترشُّح لأسبابٍ أمنية ووُضِعَت العراقيل أمام حق العمال في التنظيم، ولم تقبل الجهة الإدارية إلا بأوراق 86 لجنة مستقلة من المئات من اللجان النقابية التي تقدَّمَت لتوفيق أوضاعها وفقًا لقانون النقابات الجديد"؛ وأضافت "ذلك بالإضافة إلى استمرار سياسات الاعتقال والتعسف الإداري تجاه القيادات العمالية التي تقود نضالات عمالها من أجل تحسين مستوى معيشتها" وقد نُقِلَ الملف العمالي بالكامل إلى الجهات الأمنية لتكون هي صاحبة الكلمة الأولى في
التفاوض مع العمال والسماح أو عدم السماح بتأسيس النقابات.

في تصريح له في مايو 2017، وصف المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية المصرية الوضع العمالي في بلاده قائلاً: "نحن في دولة استبدادية تتعامل مع الحركة العمالية والاحتجاجات بعنف مبالغ فيه"، ناعتًا المشهد العمالي الحاليّ بـ"العبثي"، مطالبًا بضرورة التحرك لإنقاذ العمال من هذا الوضع غير المسبوق. عباس في حواره مع جريدة
"الشروق" المصرية لفت إلى ما سماه "تواطؤ" الحكومة ممثلة في الاتحاد العام لنقابات العمال والمعين من الدولة، ضد العمال والشعب المصري بصورة عامة، وذلك من خلال تسهيل بيع القطاع العام وخصخصة الشركات، والتلاعب بمصير العمال من أجل مكاسب شخصية، منوهًا أن هناك العديد من الشكاوى المقدمة ضد قيادات في الاتحاد والحكومة ولم يتم تحريكها حتى الآن في مشهد وصفه بـ"الغريب".

الاتحاد العمالي.. هل يمثل العمال؟

حسب تعريفه لنفسه الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، يعتبر أكبر منظمات المجتمع المدنى فى مصر؛ يضم فى عضويته نحو 4.5 مليون من العاملين فى قطاعات العمل المختلفة من إجمالى قوة العمل التى تقرر بنحو 23 مليون. والمؤسسات التابعة له "المؤسسة الثقافية العمالية، المؤسسة الاجتماعية العمالية، المؤسسة العمالية لخدمات السياحة". يخضع هذا الاتحاد للسلطة منذ فترة، لا سيما في هذه الفترة من حكم مصر، فهو دائمًا ما يعلن تأييده لقرارات الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي ويدعي أنها في صالح العمال.

في يناير 2018، أصدرت دار دار الخدمات النقابية والعمالية تقرير لها  قالت فيه " تتدخل إداراة الحكومة المختلفة مباشرة ضد النقابات المستقلة؛ لأنها تريد اتحادًا عماليًا طوع يدها، رغم أن مثل هذه الاتحادات لا تصنع بيئة استثمارية صالحة ولا يخدم الاستثمار؛ لأنها لا تعبر عن مصالح العمال الذين قد ينفجرون في لحظات حرجة قد تشل عجلة العمل". وأضاف التقرير "أنه مع بداية العد التنازلي لإصدار القانون، شرعت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، التي تتشكل غالبيتها من رجال الاتحاد المعين بقرارات حكومية متوالية منذ 2011 حتى الآن، يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، في مناقشة مواد مشروع قانون المنظمات النقابية للعمال، ارتكازًا على مشروعين أحدهما حكومي، والآخر عرف كمشروع الاتحاد العام لنقابات العمال "الحكومي" وقدمه النائب عبد الفتاح محمد عبد الفتاح". واتفق المشروعان على إنكار الواقع الفعلي للمنشآت العمالية، وللحركة النقابية المستقلة الفاعلة على الأرض، قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير 2011، والتي شكّلها العمال بكامل إرادتهم واختيارهم الحر.

في تقرير صدر في يونيو 2012، ذكر مركز كارنيجي للشرق الأوسط  أنه "منذ إنشائه  في العام 1957، كان الاتحاد العام لنقابات عمال مصر التنظيم النقابي القانوني الوحيد في مصر، وحظي بوضع رسمي بموجب القانون 35 لسنة 1976. كان الاتحاد أيضًا أداة في يد الدولة، على الرغم من التغييرات الجذريّة التي شهدتها السياسة الاقتصادية والاجتماعية منذ خمسينيات القرن الماضي. في العقد الماضي، ادّعى اتحاد العمال مصر أن عدد أعضائه يصل إلى 3.8 مليون من أصل قوة عاملة تتألف من حوالى 27 مليونًا، ويعمل جميع أعضاء الاتحاد تقريباً في القطاعين الحكومي أو العام، حيث يستند هيكل الاتحاد على هيمنة القطاع العام التي نشأت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1954-1970). ويكمل التقرير "تمثّلت مهمّة اتحاد عمال مصر في السيطرة على العمال، بقدر تمثيلهم. لكنه لم يتمكّن من منع تعبئة العمال المتشدّدين في أواخر عهد مبارك. ومن العام 1998 وحتى العام 2010، شارك مايزيد على مليونين وربّما 4 ملايين عامل مصري في نحو 3400 إلى 4000 إضراب ونشاطات جماعية أخرى.1  ولعبت تلك الاحتجاجات دوراً كبيراً في نزع الشرعية عن النظام في أعين كثير من المصريين، قبل فترة طويلة من التظاهرات الحاشدة التي أدّت إلى إطاحة حسني مبارك في شباط/فبراير 2011.".



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة